انتفض اليمنيون قبل عشرة أعوام على الفساد والمعاناة الاقتصادية وطالبوا بحكومة تخضع لمزيد من المحاسبة وتكون شاملة، لكن البلد انقسم سياسيا وهو عالق الآن في حرب تسببت فيما تصفه الأمم المتحدة بأكبر أزمة إنسانية في العالم، وبعد انقضاء عشر سنوات على الانتفاض على الحكم الاستبدادي...
بعد انقضاء عشر سنوات على الانتفاض على الحكم الاستبدادي وعلى تدهور الاقتصاد في اليمن، يجد الناشطون الذين شاركوا في الاحتجاجات أنفسهم على طرفي نقيض في حرب دفعت بالبلاد إلى شفا المجاعة واحتمالات قاتمة لإحلال السلام.
كان أحمد عبده حزام (35 عاما) المقاتل في صفوف القوات الحكومية والمعروف بالاسم الحركي أحمد أبو النصر خريجا جامعيا بمدينة تعز التي تشتهر بالصناعات الزراعية عندما انضم لأول مرة إلى احتجاجات قادها الشباب من أجل إنهاء حكم الرئيس علي عبد الله صالح بعد أن أمضى 33 عاما في الحكم. بحسب رويترز.
وحتى في تلك الأيام كان حوالي 40 في المئة من سكان اليمن يعيشون على أقل من دولارين في اليوم وكان ثلث السكان يعانون من الجوع المزمن. وكانت الوظائف نادرة والفساد متفشيا. وكانت الدولة تواجه عودة نشاط جناح تنظيم القاعدة وتمرد حركة الحوثي في الشمال والانفصاليين في الجنوب.
وقال أبو النصر، الذي كان مثل كثيرين غيره ساخطا على المحسوبية في وظائف القطاع العام والدولة أكبر جهة موفرة للوظائف، "... حاولوا استدراجنا للعنف ... لكننا ظللنا سلميين"، سقط أكثر من 2000 قتيل في الانتفاضة قبل أن يذعن صالح في 2012 لضغوط الولايات المتحدة ودول الخليج العربية ويعلن تنحيه عن الرئاسة. وكان رابع حاكم مستبد يطاح به في انتفاضات "الربيع العربي" التي انطلقت شرارتها في تونس.
وكانت الرياض وواشنطن تأملان أن يعمل عبد ربه منصور هادي نائب صالح على تحسين شرعية الحكومة ويشرف على فترة انتقالية إلى الديمقراطية. وبدلا من ذلك تفككت الحكومة، وتعاون الحوثيون، خصوم السعودية وأصدقاء إيران، مع صالح خصمهم السابق للاستيلاء على العاصمة صنعاء وإخراج حكومة هادي منها في أواخر 2014 الأمر الذي أدى إلى تدخل تحالف عسكري بقيادة السعودية ودعم الغرب.
وقتل الحوثيون صالح فيما بعد عندما انقلب عليهم، انضم أبو النصر، الذي يقرض الشعر وهو أب لأربعة أولاد، للقوات الحكومية عندما دخل الحوثيون تعز التي لا تزال فعليا تحت الحصار، قال أبو النصر الذي شهد مصرع رفاق له وتعرض بيته للتدمير وتشتّتت أسرته "لم نكن نحسب أن الانتفاضة ستؤدي إلى ذلك. وأُجبرنا على حمل السلاح للدفاع عن أنفسنا"، وأضاف "أرجو من كل قلبي أن تنتهي الحرب ... وأن يوضع السلاح وأن تجتمع كل الفصائل على المائدة".
تحديد المصير
سقط في الحرب أكثر من 100 ألف قتيل وأصبح الملايين على شفا المجاعة. والآن يحتاج 80 في المئة من سكان اليمن، أي حوالي 24 مليون نسمة، للمساعدات كما أنهم عرضة للإصابة بالأمراض ففي البداية كانت الكوليرا ثم جاء كوفيد-19.
انضم علي الديلمي الناشط الحقوقي، الذي اعتقل لفترة وجيزة في عهد صالح وأصبح الآن نائب وزير لحقوق الإنسان في حكومة الحوثيين، للانتفاضة في ساحة التغيير بصنعاء على أمل أن تفضي إلى دولة تمثل الجميع.
روى الدليمي لرويترز في ساحة التحرير ذكرياته عن أيام الثورة الأولى وأبدى أسفه على ما آلت إليه، قال "في أوقات اعتقدنا أننا لن نعيش لنرى الشمس تشرق بسبب التهديدات والجنود (الموالين لصالح) والمجرمين. كنا نريد الابتعاد عن الدولة الفاشلة، نريد الخروج من المأزق"، واعتبر المبادرة الخليجية التي دفعت بهادي إلى السلطة تدخلا وأد مبادئ الثورة، وأضاف "أردنا تغييرا حقيقيا لا إعادة تغليف النظام القديم في صورة نظام ديمقراطي".
اغتم الدليمي فغادر صنعاء إلى القاهرة لكنه عاد في الوقت الذي كانت قوات التحالف بقيادة السعودية تقصف فيه اليمن وتفرض عليه حصارا مما أسفر عن سقوط آلاف القتلى من المدنيين وأدى لتفاقم الجوع، والآن يسيطر الحوثيون على شمال اليمن الذي تنطلق منه هجمات متكررة على مدن سعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة. أما الحكومة اليمنية فتتمركز في الجنوب حيث يسعى انفصاليون لمزيد من السلطات.
على الغرب التحرك
كانت الناشطة الحقوقية توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2011 لدورها في احتجاجات الربيع العربي، في الخارج عندما سيطر الحوثيون على صنعاء ولم تعد إليها. وهي معارضة نشطة لحركة الحوثي والتحالف الذي تقوده السعودية إذ تتهم الطرفين بقمع التغيير الديمقراطي في المنطقة.
قالت كرمان "بعد الثورة عشنا ثلاثة أعوام من أجمل الأعوام على الإطلاق ... وكنا على بعد أيام من الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات التعددية". وحمّلت الانقلاب الحوثي والحرب والتراخي الغربي مسؤولية ما تلا ذلك، وحثت كرمان إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن على "إنجاز التزامه ووعوده بإنهاء هذه الحرب في اليمن" ووقف مبيعات السلاح للسعودية وحليفتها الإمارات.
وفي ميناء عدن الجنوبي، يأمل المهندس المدني وضاح الحريري (49 عاما) أن تتمكن الأمم المتحدة من إحياء محادثات السلام المتوقفة. وقد نقل أسرته إلى الحديدة ثم إلى صنعاء ومنها إلى عدن هربا من الاشتباكات.
كان الحريري عضوا في الحزب الاشتراكي الذي حكم جنوب اليمن قبل توحيد شطري البلاد الجنوبي والشمالي تحت قيادة صالح عام 1990. وهو يعتقد أن أهداف الانتفاضة التي انضم إليها ما زالت ممكنة التحقيق، فقد قال "بناء السلام له الأولوية الآن وبعده دستور جديد".
تسلسل زمني لانتفاضة اليمن
انتفض اليمنيون قبل عشرة أعوام على الفساد والمعاناة الاقتصادية وطالبوا بحكومة تخضع لمزيد من المحاسبة وتكون شاملة لكل الأطياف، لكن البلد انقسم سياسيا وهو عالق الآن في حرب تسببت فيما تصفه الأمم المتحدة بأكبر أزمة إنسانية في العالم. بحسب رويترز.
وفيما يلي تسلسل زمني لانزلاق اليمن إلى الصراع:
* 1990 - توحيد دولتي اليمن الشمالي والجنوبي وتكوين دولة واحدة تحت قيادة الرئيس علي عبد الله صالح.
* 1994 - اندلاع حرب أهلية يحول فيها صالح دون انفصال الجنوب، الذي يشعر سكانه بالغضب لما يرونه من أنهم أصبحوا في مكانة أدنى، عن الشمال.
* 2003-2009 - جماعة الحوثي في شمال البلاد تحتج على تهميش الطائفة الشيعية الزيدية وتخوض ست حروب مع قوات صالح وحربا مع السعودية.
* 2011 - احتجاجات الربيع العربي تضعف حكم صالح وتؤدي إلى انقسامات في الجيش وتسمح لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بالسيطرة على مساحات من الأرض في شرق البلاد.
* 2012 - صالح يتنحى في إطار خطة للانتقال السياسي تدعمها دول خليجية. عبد ربه منصور هادي يصبح رئيسا مؤقتا ويشرف على "حوار وطني" لوضع دستور شامل على أساس اتحادي.
* 2013 - تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ينجو من هجوم عسكري وضربات بطائرات مسيرة ويشن هجمات في مختلف أنحاء البلاد. صالح وحلفاؤه يقوضون الانتقال السياسي.
* 2014 -الحوثيون يتقدمون بسرعة جنوبا انطلاقا من صعدة ويسيطرون على صنعاء في 21 سبتمبر أيلول بمساعدة من صالح. ويطالبون بالمشاركة في السلطة.
* 2015 - هادي يحاول إعلان دستور اتحادي جديد يعارضه الحوثيون وصالح. هروب هادي ومطاردة الحوثيين له. بدء التدخل السعودي في مارس آذار مع تشكيل تحالف عسكري عربي على عجل.
بعد شهور يدفع التحالف، الذي يهدف إلى إعادة حكومة هادي إلى السلطة، الحوثيين والموالين لصالح إلى الخروج من عدن في جنوب اليمن ومن مأرب إلى الشمال الشرقي من صنعاء، لكن الخطوط الأمامية تزداد رسوخا لتبدأ سنوات من الجمود.
* 2016 - تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يستغل الفوضى في إقامة دويلة حول المكلا في شرق اليمن الأمر الذي يثير مخاوف من أن تؤدي الحرب إلى صحوة جديدة في نشاط المتشددين. الإمارات تساند القوات المحلية في معركة تضع نهاية لوجود التنظيم هناك، تفاقم الجوع مع فرض التحالف حصارا جزئيا على اليمن واتهامه إيران بتهريب الصواريخ للحوثيين عن طريق ميناء الحديدة مع الواردات الغذائية. وإيران تنفي هذا الاتهام، غارات جوية شنها التحالف وتسببت في مقتل مدنيين تؤدي إلى تحذيرات من جماعات حقوقية غير أن الدعم الغربي للحملة العسكرية يستمر.
* 2017 - الحوثيون يطلقون عددا متزايدا من الصواريخ على عمق الأراضي السعودية بما في ذلك الرياض. صالح يرى فرصة لإعادة أسرته للسلطة من خلال الانقلاب على حلفائه الحوثيين لكنه يُقتل أثناء محاولة الهرب منهم.
* 2018 - القوات التي يدعمها التحالف بما فيها بعض القوات التي ترفع علم الانفصاليين في الجنوب تتقدم على ساحل البحر الأحمر في مواجهة الحوثيين بهدف انتزاع السيطرة على ميناء الحديدة، الذي تدخل منه معظم الواردات والمساعدات إلى اليمن وله أهمية جوهرية في توفير الغذاء للسكان الذين يصل عددهم إلى 30 مليونا.
يعقب ذلك جمود عسكري: الحوثيون يسيطرون على الميناء والقوات اليمنية المدعومة من التحالف تحتشد على مشارف المدينة، في أول إنجاز كبير لجهود السلام، يتفق طرفا الحرب خلال محادثات بالسويد في ديسمبر كانون الأول، هي الأولى خلال عامين، على وقف إطلاق النار وسحب القوات من الحديدة. يبدأ أيضا العمل على تبادل الأسرى.
* 2019 - تصمد هدنة ستوكهولم إلى حد بعيد في الحديدة لكن دون تنفيذ سحب القوات وسط انعدام كبير للثقة بين حركة الحوثي، التي تسيطر على الحديدة، والقوات المدعومة من التحالف بقيادة السعودية المحتشدة على مشارف المدينة. يستمر العنف في مناطق أخرى باليمن خارج الحديدة.
تنسحب الإمارات إلى حد كبير من اليمن لكنها تواصل دعم حلفاء محليين لها هناك، ومنهم الانفصاليون الجنوبيون الذين يسيطرون في أغسطس آب على عدن. الرياض تبرم اتفاقا لتقاسم السلطة بين الانفصاليين وحكومة هادي لكن التطبيق لم يبدأ سوى في 2020.
* 2020 - جائحة فيروس كورونا المستجد تؤدي إلى إعلان هدنة مؤقتة تدعمها الأمم المتحدة لكن المحادثات لم تشهد تقدما فيما يتعلق بالتوصل لوقف دائم لإطلاق النار والعنف يستمر على الرغم من تبادل طرفي الصراع للأسرى. الأمم المتحدة تحذر من أن اليمن على شفا المجاعة مرة أخرى.
هجوم على مطار عدن بعد دقائق من هبوط طائرة تقل أعضاء الحكومة المشكلة حديثا بناء على اتفاق تقاسم السلطة يسفر عن مقتل 22 شخصا على الأقل. الرياض وحكومة هادي يلقون بمسؤولية الهجوم على الحوثيين.
* 2021 - الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب تصنف حركة الحوثي جماعة إرهابية أجنبية مما أثار تحذيرات من الأمم المتحدة من أن الخطوة قد تدفع اليمن إلى مجاعة واسعة النطاق وتعرقل جهود السلام. الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن تقول إنها ستسمح بكل التحويلات والتعاملات لمدة شهر لحين مراجعتها لتصنيف الحركة منظمة إرهابية.
اضف تعليق