ينظر المتاجرون بالبشر إلى ضحاياهم وكأنهم سلعة ولا يأبهون بكرامة الإنسان ولا بحقوقه. يبيعون أبناء جلدتهم بأثمان قد تتراوح بين 10 دولارات و10 آلاف دولار، أما العوائد فتبلغ مئات الملايين من الدولارات. وكشف التقرير العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر الذي يصدر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة كل عامين...
ينظر المتاجرون بالبشر إلى ضحاياهم وكأنهم "سلعة" ولا يأبهون بكرامة الإنسان ولا بحقوقه. يبيعون أبناء جلدتهم بأثمان قد تتراوح بين 10 دولارات و10 آلاف دولار، أما العوائد فتبلغ مئات الملايين من الدولارات.
وكشف التقرير العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر الذي يصدر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة كل عامين عن أن عدد الأطفال ضحايا المتاجرين بالبشر تضاعف ثلاث مرات في الأعوام 15 الماضية، في حين أن حصة الأولاد تضاعفت خمس مرات. وظلت الفتاة ضحية للاستغلال الجنسي، أما الصبي فيُستخدم في العمل القسري. وتزيد جائحة كـوفيد-19 من تدهور الاتجاه العام للاتجار بالبشر.
وبحسب التقرير، في عام 2018، تم التحقق من نحو 50 ألف ضحية للاتجار بالبشر وأبلغ عنها من قبل 148 دولة. لكن، بالنظر إلى الطبيعة الخفية لهذه الجريمة، فإن العدد الفعلي لضحايا الاتجار بالبشر أعلى بكثير.
القاضي حاتم علي، الممثل الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي، تحدث لأخبار الأمم المتحدة عن أبرز مخرجات التقرير:
أولا شكرا لأخبار الأمم المتحدة على المساعدة في تسليط الضوء على أدواتنا ذات التطبيق العالمي مثل التقرير العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر الذي يصدر لمعاونة الدول على فهم ما هو التقدير الحالي للظاهرة وما هي أبعادها وما هي التغيّرات والمستحدثات في أشكالها وطرقها.
كما لا يخفى على أحد، فإن التقرير يأتي في مرحلة دقيقة جدا وهي وباء عالمي، كـوفيد-19، وما تركه ذلك من أثر على الناس. ولذلك فالتقرير له طبيعة خاصة هذا العام، وأظهر أن هناك ازديادا مضطردا في أعداد ضحايا الاتجار بالبشر حول العالم. بمعنى أن المآسي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حول العالم والحروب والاضطرابات التي منيت بها أجزاء كبيرة من العالم ولا سيّما المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة قد أدت إلى أن تصبح مجتمعات عديدة – وليس فقط الأفراد – تحت لواء الخطر أو الاستضعاف، وأكثر عرضة للاتجار بهم من العصابات والمؤسسات الإجرامية المنظمة.
كما أن هناك زيادة في عدد الأطفال المتاجر بهم على مستوى العالم، وهذا ناقوس خطر يدقه التقرير. نحن نعلم أنه منذ سنوات سابقة وتقارير سابقة أن الاتجار بالأطفال تحديدا لا يزيد إلا عندما تزيد المعاناة الإنسانية وتزداد المعاناة الاقتصادية، وتكون الظروف طاحنة للأسرة ولا يجد حتى الأشخاص كبار السن في الأسرة فرصة للعيش سوى بالاتجار بأطفالهم وفلذات أكبادهم. أنا آسف لأنني أردت أن أركز على هذه النقطة لأنها مهمة جدا. عندما تزيد نسبة الاتجار بالأطفال، فتأكدي تماما أن نسبة الاتجار بالبشر قد طالت المجتمع بأكمله في دول المصدر التي اضطرتهم بعد الاتجار في العديد من البالغين الوقوع في براثن الاتجار بأطفالهم من أجل لقمة العيش أو للحصول - مثل النازحين واللاجئين وهم كثيرون حول العالم نتيجة الاضطرابات والنزاعات – على ملجأ أو مأوى فيضطرون تحت ضغط الفقر والحاجة والجوع إلى التفريط في أنفسهم ثم التفريط بأطفالهم.
كما لاحظ التقرير زيادة نسبة الاتجار بالبشر عبر التقنية المستحدثة والاستقدام والاستقطاب للضحايا يتم الآن عن طريق التواصل عن بُعد. كان هذا بشكل عام أبرز ما جاء في التقرير، وندق ناقوس خطر، ونندد عاما بعد عام منذ صدور البروتوكول الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر وخاصة النساء والأطفال على هامش أو كجزء من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة. لكن هذا العام ندق ناقوس الخطر بشكل أكبر لأن الجائحة العالمية التي أتت عقب أزمة اقتصادية عالمية وعقب اضطرابات ونزاعات في مناطق عديدة حول العالم فتركت آثارا مدمرة على المجتمعات وأدّت إلى زيادة كبيرة في نسبة ضحايا الاتجار بالبشر.
وعن الهدف الأسهل أو "المغري" بالنسبة للمتاجرين بالبشر، قال حاتم علي:
الاتفاقية أتت لمكافحة ومعاقبة هؤلاء الذين يستغلون حاجة وفقر وجوع ومعاناة هؤلاء البشر ويسخرونهم في خدمة أغراضهم الإجرامية ليحققوا الربح من هذا ومن تسخيرهم وعبوديتهم ورقّهم. تصبح الضحية لقمة سائغة لعصابات الاتجار بالبشر عندما تحتاج إلى المال أو إلى المأوى وعندما تحتاج إلى الوطن ولا تجده. عندما تكون بلا مأوى ولا مأكل ولا ملبس ولا فرص للحياة، تصبح لقمة سائغة في ظل العصابات الإجرامية. على سبيل المثال، لدينا دول عديدة تعتبر مصدرا دائما للاتجار بالأشخاص مثلا في وسط وجنوب شرق آسيا، وفيها عندما يعاني المجتمع وليس هناك فرص لكسب العيش أو الحياة بصورة طبيعية، تتجه الأنظار جميعها إلى الخروج من هذه الظروف الطاحنة لأي فرصة لكسب العيش في مكان آخر، سواء في إقليم آخر أو حتى في دولة أخرى، هذا يجعلهم لقمة سائغة في أيدي المتاجرين.
كذلك المجموعات والجماعات التي تصيب بلدانها أو أقاليمها الاضطرابات السياسية أو الحروب أو النزاعات المسلحة وينزحون عن إقليمهم أو حتى عن دولتهم، لدينا أمثلة كثيرة في المنطقة العربية، في سوريا واليمن والعراق والعديد من البلدان التي مُنيت باضطرابات خلال الفترة السابقة. هؤلاء النازحون واللاجئون هم فئة أكثر استضعافا وأكثر عرضة للاتجار بهم لأن ليس لديهم مأوى يأويهم وليس لديهم مكان يلجأون إليه أو أسرة.
التقرير أوضح ازديادا في نسبة الاتجار الذاتي بالبشر وهي مجموعة تكون مكونة من فردين أو ثلاثة وليست جماعة إجرامية عبر الحدود، هي تتكون من الأسر النازحة من أماكن النزاع اضطرت للاتجار في بعض أفراد الأسرة حتى تستطيع أن توفر لقمة العيش للأسرة ذاتها. يتم ذلك إما عن طريق تزويج القاصرات أو العمل القسري للأطفال، أو حتى عن طريق الاستغلال الجنسي للحصول على المأوى. أيضا الجماعات الإرهابية والمتطرفة في أنحاء العالم والمنطقة العربية في مناطق النزاعات أظهرت نوعا جديدا من الاتجار بالبشر عُرف بجهاد النكاح، وهو ما يحاولون فيه زورا وبهتانا أن يربطوه بأواصر لها علاقة بالدين وهي لا علاقة لها على الإطلاق بهذا. وقد استخدم في تحفيز واستخدام واستغلال الشباب في العمليات الإرهابية وتنفيذ أغراض الجماعات الإرهابية عن طريق إغرائهم بجهاد النكاح أو تزويج القاصرات، فكان هذا نوعا جديدا أو طابعا جديدا ظهر نتيجة لهذه الحروب والاضطرابات، ليس فقط في المنطقة العربية بل أيضا في دول أميركا اللاتينية. وظهر نوع جديد وهو الاتجار في الأشخاص في الحروب والنزاعات المسلحة لاستخدامهم في الحرب في مواجهة جماعات أخرى أو مواجهة الدولة وغيرها.
يصبح هؤلاء لقمة سائغة عندما تتقطع بهم سبل العيش فتضطر الأسرة إلى أن تتاجر بأفرادها أو يضطر الشخص نفسه أو السيدة نفسها إلى أن تتاجر بنفسها أو بأطفالها حتى تكسب لقمة العيش أو سقفا يأويها في هذا المناخ القارس سياسيا وجويا.
هؤلاء المتاجرون بالبشر يبيعون الأشخاص بأسعار تتراوح بين 10 دولارات إلى 10 آلاف دولار. فمن هو المتاجر بالبشر؟
أجاب حاتم علي: تختلف أنواع القائمين على الاتجار بالبشر، وخاصة النساء والأطفال. الغالب الأعم بحسب الإحصائيات – ما يزيد عن 65% من حالات الاتجار بالأشخاص على مستوى العالم – تتم عن طريق شبكات إجرامية منظمة عبر الحدود الوطنية، وتتاجر بالبشر كوسيلة منهجية لتحقيق الربح، وتستخدم التكنولوجيا ووسائل التواصل والإنترنت وتدرّ ربحا عملاقا عن طريق الاتجار بالأشخاص في أشكاله المختلفة سواء بالسخرة أو بالعمل المنزلي القسري، أو في الأغراض الجنسية، أو حتى في بعض الأحيان في الاتجار بالأعضاء البشرية ونقل الأعضاء البشرية بصورة غير مشروعة من دولة لأخرى.
لكن لا نستطيع أن ننكر أن حوالي 35% من حالات الاتجار بالبشر تتم عن طريق جماعات أصغر عددا وأقل شأنا، وقد تكون من إقليم إلى إقليم داخل الدولة، أي لا تصل إلى مرحلة الدولية أو عبر الوطنية، وأبرزها هو زواج القاصرات والعمالة المنزلية القسرية في العديد من المناطق في المنطقة العربية وفي آسيا وفي الهند وغيرها.
الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تعتبر من الاستراتيجيات التي يتبعها هؤلاء، هل يمكن الحديث عنها أكثر، وما هي الاستراتيجيات الأخرى المستخدمة؟
حاتم علي: يتناولها التقرير أيضا ويُعنى بها مكتبنا لفترة طويلة، لأن الإنترنت وأي تكنولوجيا ووسيلة اتصال حديثة ظهرت في العالم في السنين الأخيرة، كما هي متاحة للأفراد والمجتمعات والشعوب والدول، هي أيضا متاحة للجماعات الإجرامية المنظمة والجماعات الإرهابية. بل على العكس، أحيانا الجماعات الإجرامية المنظمة والإرهابية تستفيد من التكنولوجيا بشكل أكثر مما تستفيد به الدولة، لأن الدولة لديها هيكل بيروقراطي منظم في إجراءات ومناقصات لشراء التكنولوجيا وموافقات، وغيرها. لكن الجماعات الإجرامية المنظمة لا تحتاج إلى تكنولوجيا ولا تحتاج إلى أي إجراءات للحصول على هذه التكنولوجيا. من أخطر هذه الوسائل هو الإنترنت، ومن أخطر الأجزاء على الإنترنت هي وسائل التواصل الاجتماعي المستحدثة، لأن أولادنا، أتحدث عن نفسي وعلى الرغم من أنني قاضٍ وخبير دولي في الأمم المتحدة، ولكنني لا أستطيع أبدا أن أسيطر سيطرة كاملة على ما يلج إليه أولادي خلال تصفحهم عبر الإنترنت، فهو بحر عميق وكما نعلم بالذات الشباب يستخدمون الإنترنت كثيرا.
هناك ازدياد في استخدام الإنترنت في جريمة الاتجار بالبشر والترويج لها وللخدمات والاتجار الجنسي، ولكن الأخطر أيضا أن استخدام الإنترنت يزيد على 50% للاستقطاب والاتجار بالبشر ووسائل الإكراه. ووسائل الخداع تتم باستخدام الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي سواء بتهيئة عمل كاذب أو وظائف كاذبة أو تيسير الحصول على وثائق مزورة للحصول على فرصة عمل. لذلك نعمل مع الدول كثيرا على إيجاد رقابة نوعا ما حكومية صارمة وآلية لتلقي البلاغات والشكاوى عن الصفحات المشبوهة والرسائل المشبوهة التي تصل إلى المواطنين والمواطنات سواء عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف أو أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي حتى نستطيع معا أن نوقف هذه الموجة الكبيرة، أو حتى نحد من هذه الموجة في الترويج للجرائم أو الاستقدام عبر الإنترنت.
نعمل أيضا مع مقدمي خدمات التواصل الاجتماعي، وهناك مجموعات عمل مع فيسبوك وتويتر وماسنجر وواتس آب وغيرها من مقدمي خدمات وسائط التواصل الاجتماعي حتى نستطيع وضع معايير تتفق مع حرية التعبير والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، مع مراجعة المحتوى الموجود على هذه الصفحات لتنقية ما نسمّيه بالرسائل الخبيثة الموجودة على الإنترنت، ليس فقط في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، ومن باب أولى في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف.
لكن، نظرا لعدد المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت، خصوصا ما يُسمّى بالشبكة السوداء وهي خارجة تماما عن أي سيطرة حكومية أو غير حكومية. مهمتنا صعبة جدا، ونحتاج فيها ليس فقط الجهود الحكومية ولكن أيضا لجهود وشراكة القطاع الخاص ومقدمي الخدمات ومنظمات المجتمع المدني، والأهم من هذا كله هو مشاركة الأسرة، والمدرسين والأساتذة في المدارس والجامعات. هي مسؤولية تشاركية بين جميع المعنيين حتى نستطيع أن نحدّ فقط من خطورة استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي سواء في الترغيب في الاتجار بالبشر أو الاستقدام للاتجار بالبشر أو ارتكاب جريمة الاتجار بالبشر.
بالنظر إلى المنطقة العربية، ما هو حجم هذه الظاهرة وخطورتها وما هو مدى القدرة على السيطرة عليها؟
حاتم علي: كما يظهر التقرير، وكما أظهرت التقارير السابقة، التقرير العالمي نصدره كل عامين لمواكبة التطورات لظاهرة الاتجار بالبشر. المنطقة العربية كانت سيئة الحظ خلال السنوات الماضية. بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التي أدت إلى انهيار الاقتصاد في العديد من الدول، والعديد من دول المنطقة العربية أيضا، وقع العديد من الأفراد وزاد عدد الفئات المستضعفة التي هي الأكثر عرضة للاستغلال. مُنيت المنطقة العربية بموجة من الاضطرابات السياسية التي وصلت إلى مرحلة النزاع والحروب في العديد من الدول في سوريا وليبيا واليمن ولبنان والعراق وغيرها، أدت هذه الاضطرابات السياسية والنزاعات لنزوح وهروب ولجوء العديد من أفراد هذه المجتمعات إما إلى إقليم آخر، أو إلى دولة أخرى خارج هذه المنطقة وأحيانا خارج هذه القارة تماما إلى أوروبا وغيرها. كل هذا زاد من استضعاف الأشخاص أكثر وأكثر وجعلهم أكثر عرضة للاتجار به.
وجاءت جائحة كورونا لتكمل للأسف هذا الواقع الدامي في المنطقة العربية وتضع العديد من الأشخاص خارج العمل وخارج أي سبل للعيش والحياة الكريمة خصوصا جموع اللاجئين والنازحين بلا مأوى على حدود مناطق النزاع أو خارجها أو حتى في أوروبا.
تعرّضت المنطقة العربية لزيادة مضطردة، وأحيل حضراتكم إلى الأرقام الواردة في التقرير العالمي، هو في الحقيقة واقع مؤسف، واقع عالمي مؤسف، وأعتقد أنه قد آن الأوان حتى ندرك مدى أهمية ظاهرة الاتجار بالبشر وآثارها المدمرة على الأشخاص والأفراد والأسر، وأن نتكاتف جميعا لمحاولة مواجهة هذه الظاهرة أو على الأقل للتقليل من استضعاف الفئات التي تحدثنا عنها وإزالة مكامن الاستضعاف لإخراج هذه الفئات من خطورة الوقوع في براثن الاتجار بالأشخاص.
أخبار الأمم المتحدة: ما هو المطلوب من أجل وقف هذه العصابات المتاجرة بالبشر؟
حاتم علي: نحن ننصح دائما الدول الأطراف في الاتفاقية أولا بأن توسّع من خدمات رعاية وحماية ضحايا الاتجار بالبشر الذين يتم اكتشافهم داخل الدولة وتقديم الحماية والرعاية بشكل مستمر أو حتى تنسيق العودة الطبيعية إلى أماكن مصدرهم لو سمحت الظروف بعودتهم. ننصح دائما أيضا الدول الأطراف بأن تقيم الشراكات المجتمعية والوطنية مع القطاع الخاص والمنظمات المدنية حتى تستطيع أن تبسط حمايتها ورعايتها بشكل موسع وأن تستخدم كافة الوسائل المتاحة لها في مقاومة هذه الرسائل الخبيثة التي تستقطب الناس للاتجار بالبشر أو تروّج له.
وننصح بأن تكون هناك وسائل ذكية للتقصّي في متناول يد المستجيبين الأوائل، سواء من أجهزة الشرطة والأمن أو من أجهزة العمل وهيئات سوق العمل ووزارات العمل في الدول المختلفة، أو ضباط وضابطات الجوازات والمنافذ البرية والجوية، نعمل على تدريبهم حتى تكون هناك ثقافة تستطيع أن تتقصّى بشكل ذكي إذا ما كان من يمرّ من أمامها أو من يتعامل معها هو من الضحايا المحتملين للاتجار في البشر. دائما ننصح بأن يكون هناك إطار تشريعي أو إطار مؤسسي يعاون الدولة على القيام بعملها وعلى تنسيق وجود مكافحة الاتجار بالأشخاص، وهذا جزء إيجابي وحيد في هذه الظاهرة، وهي أن كافة الدول العربية لديها تشريعات خاصة لمكافحة الاتجار بالأشخاص ومعاقبة مرتكبيها. كافة الدول العربية لديها منظومة لإيواء ورعاية ضحايا الاتجار بالبشر داخل الدولة. أغلبية الدول العربية لديها هيئات ولجان وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والتنسيق بين الفئات التي تحدثت عنها داخل المجتمعات، وتتعاون دوليا مع دول المصدر ودول العبور. هناك شراكات أيضا مع المجتمع الدبلوماسي خاصة بين دول المصدر ودول العبور لمحاولة التنسيق خاصة في موضوع تزوير مستندات الهجرة أو جوازات السفر أو غيرها، أو في موضوع العودة الطوعية. هذه صورة مضيئة جيدة في ظل هذا الواقع المظلم. الدول العربية تدرك حجم التحدي ورأينا قوانين عديدة في المنطقة وخاصة في منطقة الخليج. في البحرين يوجد الآن ما سمّي بالتأشيرة المرنة التي عدّلت نظام الكفالة. في السعودية أيضا وُضع قانون لتعديل ورفع نظام الكفالة، كل ذلك يرفع من معاناة الأشخاص الموجودين داخل الدولة وتقليل فرص إمكانية وقوعهم في براثن المتاجرين بالبشر.
التحدي الكبير هو أن العائد غير المشروع من الاتجار بالبشر، يحتل المرتبة الثانية عقب الاتجار غير المشروع في المواد المخدرة وزراعتها. نتحدث عن بلايين ومئات الملايين من عوائد الاتجار بالبشر، ولذلك فليس من السهل مكافحة هذه العوائد المربحة للعصابات الإجرامية سوى بتكاتف جميع الجهود على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
اضف تعليق