عاد مشروع الشام الجديد الذي يربط العراق ومصر عبر الأردن إلى الواجهة ويركز هذا المشروع على التعاون الاقتصادي وتعزيز الجوانب الاستثمارية والتجارية بين البلدان الثلاثة في خطة ستكون تدفقات رأس المال التكنولوجيا فيها أكثر حرية، وتكون نسخة مصغرة عن الاتحاد الأوروبي، وتعتمد رؤية المشروع على التكامل...
عاد مشروع "الشام الجديد" الذي يربط العراق ومصر عبر الأردن إلى الواجهة ويركز هذا المشروع على التعاون الاقتصادي وتعزيز الجوانب الاستثمارية والتجارية بين البلدان الثلاثة في خطة ستكون تدفقات رأس المال التكنولوجيا فيها أكثر حرية، وتكون نسخة مصغرة عن الاتحاد الأوروبي، وتعتمد رؤية المشروع على التكامل بين مصر، التي تمثل كتلة بشرية، والعراق ككتلة نفطية، كما سيستفيد منه الأردن؛ علماً أنّه سبق لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي أن طرح المشروع في البداية، وأطلقت الدول الثلاث آلية للتعاون بدأت من القاهرة في آذار 2019، بحسب تقرير نشرته "سبوتنيك".
مشروع "الشام الجديد" هذا يختلف عن مشاريع سابقة طرحت لتحالفات دول منطقة الشرق الأوسط، ووفق المشروع، سيُمدّ خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق، وصولاً إلى ميناء العقبة في الأردن ومن ثم مصر وتحصل كل من الأردن ومصر على النفط العراقي بخصومات تصل حتى 16 دولاراً للبرميل، في حين يستورد العراق الكهرباء من مصر والأردن، ويعمل على استقطاب الاستثمارات إلى العراق ويبلغ الناتج المحلي لكل من العراق ومصر والأردن مجتمعين نحو 500 مليار دولار، في حين تصل الكثافة البشرية فيها إلى نحو 150 مليون شخص.
وتعود جذور المشروع لما قبل تصريح الكاظمي وقمة عمان، حيث كان محوراً لدراسة أعدها "البنك الدولي" في آذار من العام 2014، لكن بخريطة جغرافية أوسع، واشتملت على دول الشرق الأوسط، سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، بالإضافة إلى تركيا والعراق ومصر، في مساحة جغرافية إجمالية تصل حتى 2.4 مليون كم مربع، وخزان بشري يفوق ربع مليار إنسان، ويقول نص المشروع الذي أعده "البنك الدولي"، إنه يعتمد على طاقات المنطقة التجارية والاقتصادية والسياحية والخدماتية الكامنة، فضلاً عن قواسم تاريخية وثقافية مشتركة تجمع شعوبها، والتي من شأنها أن تجعلها منطقة اقتصادية ناجحة.
تعرف على مشروع الشام الجديد
يهدف المشروع إلى استثمار إمكانات الدول الثلاث بهدف تحقيق تكامل اقتصادي؛ فالعراق سيقدم إمكاناته النفطية، ومصر ستضخ مصانعها وطاقتها البشرية، بينما الأردن سيقدم موقعه الاستراتيجي لإنجاح الفكرة، ويبدأ المشروع بمد أنبوب نفطي من البصرة –جنوب العراق-، وصولًا إلى ميناء العقبة في الأردن، ومن ثم إلى مصر، ويحصل البلدَان على النفط العراقي مقابل خصومات تصل إلى 16 دولار للبرميل، وهو تخفيض يصل إلى الثُلث بواقع 46 دولارًا للبرميل وفق الأسعار العالمية الحالية، فيما يستورد العراق والأردن الكهرباء من مصر التي تتمتع بفائض، ويستورد الأردن حاليًا أكثر من 93% من مجمل إمداداته من الطاقة بتكلفة سنوية تُقدر بنحو 2.5 مليار دينار -3.5 مليار دولار- تشكل نحو 8% من الناتج المحلي، وهي فاتورة تُثقل اقتصاده المُتأزم.
ويسعى كل من العراق والأردن إلى ضم السعودية لمشاريع اقتصادية مستقبلية طويلة المدى تتعلق بالتكامل الكهربائي معها، إلى جانب الشبكة الممتدة من مصر، مع التطلع لربط تلك الدول بالشبكة الخليجية، ووفق رؤية الكاظمي، فالمشروع سيتيح تدفقات رأس المال والتكنولوجيا بين البلدان الثلاثة على نحو أكثر حرية، وإن كان العراق سيحصل على النصيب الأكبر من رأس المال المتدفق، ويبلغ الناتج المحلي للبلدان الثلاثة معًا نحو من 570 مليار دولار، بحسب بيانات البنك الدولي.
وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبني استراتيجية سياسية هدفت إلى دمج العراق بالخليج، عبر بوابة التعاون الاستثماري في مجال الطاقة، باعتبارها خطوة أولى تهدف لتقليل اعتماد بغداد على الطاقة الإيرانية، ودفعها للاستيراد من دول الخليج، وتتفق تصريحات الصحيفة الأمريكية مع الاتفاقية التي تعد الأولى من نوعها، والتي وقعها العراق مؤخرًا مع دول مجلس التعاون الخليجي، لتزويد المناطق الجنوبية بنحو 500 ميجاوات، عبر خط النقل بطول 300 كلم، يبدأ من الكويت إلى ميناء الفاو في جنوب العراق.
وخلال زيارة الكاظمي الأخيرة إلى الولايات المتحدة، -سبقت قمة عمّان- لم يُخفِ الدور الأمريكي في تسهيل الاجتماعات بين مسؤولي الكهرباء والطاقة العراقيين ونظرائهم في دول الخليج، وهو التصريح الذي تزامن معه إعلان السعودية بدء محادثات حول استثمارات في مشروع حقل أرطاوي الغازي العراقي بقيمة 2.2 مليار دولار، لإعادة توجيه الكميات الكبيرة من الغاز الطبيعي المهدور نحو توليد الطاقة. وتشير تقارير إلى أنّ افتقار حقول النفط العراقية لمعدات جمع الغاز، يؤدي إلى حرق وإهدار ما يقرب من 62% من إنتاجها من الغاز، وهو ما يعادل 196 ألف برميل يوميًا من النفط الخام.
انقلاب استراتيجي أم حلم معاد
تغيرت الظروف بشكل كبير، ويبدو التوقيت حرجاً، فالعراقيون من جهة يعيشون في خضم تحول كبير أمام شارع غاضب من تفشي الفساد، وتدني الخدمات مع تفاقم التدخلات الخارجية في السياسة العراقية، أما على الجانب الآخر، ففي مصر تسود أجواء من الانكفاء عن المحيط العربي، تغذى منذ سنوات طويلة على العزوف عن الاشتباك البناء والفاعل في القضايا العربية، واكتفت مصر في أحداث كثيرة كانت تستلزم مواقف واضحة وقوية، بتصريحات روتينية ومواربة، مع تنازل غير مفهوم وغير ضروري عن الدور القيادي، لتتحول مصر من قيادة المجموعة العربية إلى طرف يتأرجح بين المحاور المختلفة.
بالنسبة للأردن كان التوقيت عاملاً مهماً خاصة بعد إعلان اتفاق "إبراهام" الذي يفتح الباب لعلاقات طبيعية كاملة بين الإمارات و(إسرائيل) وهو الاتفاق الذي تعاملت معه عمان بكثير من الحذر، في محاولة لامتصاص تفاعلاته، فلم تنهج الترحيب المصري المتحمس، ولا اتخذت موقفاً انفعالياً كالذي تبنته السلطة الفلسطينية، وربما لم يكن ثمة جديد بالنسبة للأردن، التي تتوقع عملياً وجود مثل هذه الخطوات، وتفكر في أثرها في العلاقات مع دول الخليج العربي، بالتوازي مع الأثر الذي يشكله انفتاح علاقات خليجية ـ (إسرائيلية) في القضايا الخلافية مع الجانب (الإسرائيلي) المتعلقة بإقامة دولة فلسطينية، وضرب مشروع الوطن البديل، الذي يستهدف ترحيل مشكلات (إسرائيل) إلى الأردن.
مع مشاريع عربية أخرى صعدت لفترات ثم عادت للفتور، يجب عدم التسرع في التفاؤل بخصوص قمة عمان، ولكن توقيت الاجتماع وتفاصيله وسياقاته تجعل من الضروري التوقف أمامه، فمن ناحية تدخل مصر خطاً ثانياً من مواجهة غير مباشرة مع إيران، بجانب موقفها المعلن، بمساندة دول الخليج، الذي عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي بمقولته "مسافة السكة" ومشاركتها الشكلية والمحدودة في عاصفة الحزم، ويظهر الاتفاق أيضاً بوصفه ورقة جديدة، يمكن أن تستخدمها مصر في تنافسها مع تركيا الحكومة العراقية بدورها تبحث عن أرضية تستوعب من خلالها قطاعاً عريضاً من المتظاهرين في الميادين، من خلال البحث عن عمق عربي يخلخل السيطرة الإيرانية على العديد من القوى السياسية الفاعلة في العراق، والتحالف مع مصر والأردن، لا يواجه معارضة أمريكية، وربما يحظى بمباركة من الأمريكيين الذين يحاولون البقاء في العراق بدون تكلفة مرتفعة.
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي كان قادماً من الولايات المتحدة، والأردن في هذه المرحلة لا يحتفظ بعلاقة طيبة مع البيت الأبيض، وسرت أحاديث كثيرة عن رسائل سيقوم الكاظمي بتمريرها للملك عبد الله الثاني، الذي أحدث اختراقاً أمام الجمود الأمريكي، من خلال تواصله مع قيادات تشريعية أمريكية، إلا أن الأسلوب الإملائي، يبدو مستبعداً في هذه المرحلة والرئيس ترامب يبدو منشغلاً في ترتيب أجواء مواتية لصفقة القرن، لعلها تكون من بين الأوراق التي يدفعها في معركته الانتخابية المقبلة، ويبدو أن الصورة ليست على هذه الشاكلة بالتحديد، فالرسائل واردة، والمرجح أن زيارة الكاظمي لواشنطن هدفت بجانب ملفات أخرى كثيرة، إلى وضع الأمريكيين في صورة التحالف المزمع، الذي لم تواجهه الممانعة الأمريكية بالنسبة للعراق على الأقل، نتمنى أن يقدم مشروع الشام الجديد نموذجاً ناجحاً بغض النظر عن الحسابات السياسية، ونظرياً يقدم المشروع أفقاً جديداً للتعاون يقوم على أساس منطقي، ولكن الاحباط المتراكم بخصوص مشاريع كثيرة تحولت إلى أطلال سياسية يبقى غصة في الحلق.
هل سيعيد للقاهرة وبغداد دورهما الريادي في المنطقة؟
قال المحلل السياسي العراقي مناف الموسوي إن "العراق يحاول الآن العودة لدورة الطبيعي من خلال علاقات مبنية على احترام السيادة والمصالح المشتركة، وعدم الدخول في محاور، وهو يمتلك علاقات جيدة مع الخصماء في المنطقة، ما يمكنه من العودة كلاعب أساسي، كما أن مصر تمتلك مجموعة من الامتيازات والعلاقات الجيدة التي تسمح لها اليوم بتقديم مشروع جديد لحلحلة أزمات المنطقة خاصة في سوريا"، وبين ان "مشروع الشام الجديد اقتصادي ومبنى على أساس التعاون الموجود بالفعل بين الدول الثلاث، كما أن هذه المبادرة تحظى بدعم الاتحاد الأوروبي المعني بإنجاحها لتفادي مشكلات المنطقة خاصة قضية اللاجئين".
وقال المحلل السياسي عبد القادر النايل إن "هناك تحديات كبيرة أمنية واقتصادية تواجه المنطقة خاصة أن هناك من يرى أن هذا المشروع يستهدف إيران، خاصة أن الاخيرة استخدمت العراق في تبادل تجاري كبير ومصالح فاقت 20 مليار دولار ما مكنها من التغلب على العقوبات الأمريكية، وعلى هذا الأساس هناك تخوف كبير على هذا المشروع في ظل التصعيد الأمريكي، إلا أن هذا المشروع يمتاز بتوفر الجدية في عملية التكامل الاقتصادي، كما يحظى بدعم الشعوب وحاجتها لهكذا مشروع وهي التي ضغطت ودفعت إانتاج هذا الاتفاق وهذه مقومات ذاتية قوية".
قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د. الدكتور طارق فهمي إن "مشروع الشام الجديد لن يكون له تأثير على السياسية الخارجية لمصر حيث أن التهديد الآني في الأقليم يتمثل في المشروعين الإيراني والتركي، وكانت هناك أفكار عديدة لمواجهة هذا التهديد، وليس لدى مصر أي تحفظات متعلقة بأمنها لكن لديها فلسفة واستراتيجية مباشرة لأمنها القومي سواء في الخليج أو البحر الأحمر أو في السياق العربي والأقليمي، وهي لاتعمل وفق محاور أو أحلاف عسكرية كما أنها عضو في عدد من التحالفات في الأقليم لكن في النهاية لها قراراتها الوطنية وهي مرتبطة بسياستها الرشيدة في الأقليم والتي لن تتأثر بهذا المشروع".
وقال الخبير الاقتصادي د. مصطفى البارزكان إن "مشروع الشام الجديدة يواجه تحديات كبرى حيث يحتاج قطاع الطاقة في العراق لاستثمارات ضخمة كما أن هناك بطالة ضخمة في العراق لابد من وضعها ضمن هذه البوتقة بين الدول الثلاث، إلا أن العراق بلد نفطي وهناك موارد للعراق من خلال الاستثمار في هذا القطاع" مشيرا إلى أنه "من المتوقع أن تنضم دول أخرى لهذا المشروع في المستقبل إذا ما أثبتت هذه الخطوة نجاحها".
أهمية المشروع لمصر
بحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة الكهرباء في الحكومة المصرية، فمصر حققت الاكتفاء الذاتي من قطاع الكهرباء منذ عام 2015، وبلغ إنتاجها العام الماضي نحو 58 ألف ميجاوات، وهو ما يفوق استهلاكها بنحو 53%، إلى جانب احتياطي يصل إلى 25%، وتُخطط زيادة طاقتها الإنتاجية من الطاقة المُتجددة إلى 33% عام 2025، وصولًا إلى 61% عام 2040، وتستهدف مصر الوصول إلى أن تصبح مركزًا إقليميًّا لتصدير الكهرباء إلى أفريقيا وأوروبا، إلى جانب التوغل عربيًا عبر مشروع الشام الجديد الذي يمنحها سوقًا نهمًا لطاقتها، ووفي مايو (أيار) العام الماضي، وقّعت مصر اتفاقية بقيمة ملياري يورو للربط الكهربائي مع قبرص التي أصبحت حاليًا مركزًا رئيسيًّا لنقل الكهرباء من أفريقيا إلى أوروبا.
وترتبط مصر حاليًا بعقود توصيل الكهرباء إلى الأردن وفلسطين وليبيا، ويصل سعر الكيلو وات الكهربائى إلى 5.6 دولار داخل محطة الكهرباء، ويرتفع إلى ثمانية دولارات بعد احتساب عملية النقل عبر شبكات التوزيع، وبالرغم من السعر التنافسي الذي دخلت به مصر سوق تصدير الطاقة، إلا إنها تواجه حاليًا مُنافسًا شرسًا في السوق الأفريقي المتعطش للكهرباء، ممثلًا في مشروع سد النهضة الإثيوبي، أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في أفريقيا الذي يستهدف لتوليد ستة آلاف ميجاوات سنويًا، هو واحد من ثلاثة سدود تُشيد لغرض توليد الطاقة الكهرمائية في إثيوبيا.
وففي الوقت الذي يضمن فيه مشروع الشام الجديد للقاهرة الحصول على أسعار زهيدة من نفط العراق، فهو أيضًا يضمن فتح سوق جديدة في حال خسرت سوقها التصديري الكبير في الخرطوم بسبب الأسعار التنافسية التي وعدت إثيوبيا بها، إلى جانب أنّ مصر حاليًا بصدد إنشاء مشروع ربط كهربائي جديد مع السعودية بتكلفة مليار و600 مليون دولار، بهدف تبادل 6000 ميجا وات بين البلدين.
هل يُنهي المشروع مشكلة الأردن مع الطاقة؟
يستورد الأردن حاليًا أكثر من 93% من مجمل إمداداته من الطاقة بتكلفة سنوية تُقدر بنحو 2.5 مليار دينار (3.5 مليار دولار)، وتشكل نحو 8% من الناتج المحلي، وارتفع الدين العام بنحو الثلث خلال عقد إلى 30.1 مليار دينار (42.4 مليار دولار) في 2019 ، أي ما يعادل 97% من الناتج المحلي الإجمالي، وبدأ الأردن منذ العام الحالي الاستجابة لضغوط صندوق النقد الدولي بشأن رفع أسعار الكهرباء، لخفض خسائر شركة الكهرباء الوطنية المملوكة للحكومة، وهو ما أسفر عنه دعوات غضبٍ ما زالت مستمرة حاليًا، وتدعو للامتناع عن دفع الفواتير، وتخشى الحكومة من انتفاضة الشارع في حال رفعت الدعم الكامل عن الوقود.
وكان الأردن قد شهد في مايو (أيار) عام 2018، اندلاع موجة احتجاجات واسعة ضد رفع الأسعار وزيادة الضرائب، انتهت بإقالة الحكومة، والتراجع عن قرار رفع أسعار المحروقات، وإقرار قانون جديد لضريبة الدخل، وفي الوقت الذي انخفض فيه سعر برميل النفط عالميًا، ظلت أسعار الوقود مرتفعة في الأردن بسبب ارتفاع الضريبة، وهو ما استدعى من الحكومة التحرك للتقليل من اعتمادها على استيراد الطاقة، مع الاستثمار في تلك القطاعات عبر شراكات عربيةٍ وأجنبية، إلى جانب الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، والتخطيط لرفع مساهمتها في توليد الكهرباء من 21% عام 2020، لتصبح 31% عام 2030.
وعلى أرض الواقع لن يُساهم مشروع الشام الجديد في تغيير ملموس في دعم قطاع الكهرباء في الأردن، كما أن الخصومات التي يحصل عليها من استيراد النفط العراقي بواقع 16 دولار للبرميل مستمرة قبل الشروع في إنشاء مشروع الربط الكهربائي، وتوفر الخزينة العامة الأردنية جرّاء تلك الصفقة 160 ألف دولار يوميًا، وبواقع 4.8 ملايين دولار شهريًا من فاتورة النفط، رغم أن تلك الشحنة توفر فقط 7% من حاجة البلاد للطاقة، الاستفادة السياسية للأردن من مشروع الشام الجديد تكمن في استغلال موقعه الجغرافي الاستراتيجي ليكون بوصلة الربط الكهربائي في الجزيرة العربية بداية من الخليج الممتد إلى العراق نهاية بمصر، وهو ما يجعل له دورًا سياسيًا كبيرًا، إذ اتفقت القمة الثلاثية الأخيرة على دفع البلدان الثلاث لتعزيز دورهم الإقليمي في المنطقة.
بالأرقام.. كيف سيؤثر المشروع اقتصاديًا في الدول الثلاث اذا نجح؟
نجاح مشروع الشام الجديد يضمن للعراق تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، إضافة إلى توفير مليارات الدولارات التي ضختها الحكومة سابقًا في القطاعِ دون جدوى، وبحسب تقرير صادر عن هيئة النزاهة العامة العراقية، فالعراق أنفق 34 ترليون دينارٍ عراقيٍّ بما يقارب 29 مليار دولار خلال 11 عامًا، بين عامي 2006 و2017، علمًا أنّ المستهدف من الطاقة الإنتاجية لتلك المشاريع كان يجب أن يصل إلى 33595 ألف ميجا وات، بينما نسبة الطاقة التي تحققت أقل من النصف، مشروع الشام الجديد الذي لم يُنشر العائد الاقتصادي منه بالأرقام، من المقرر له أن يوفر ميزانية ضخمة من الأموال التي استهكلها قطاع الطاقة دون جدوى، كما أنه على الجانب البعيد يوفر على الحكومة خسائر مالية نتيجة عدم الاستقرار السياسي الذي تفرضه التظاهرات الغاضبة التي تندلع في الصيف احتجاجًا على انقطاع الكهرباء، وبحسب المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، فإن ثورة أكتوبر (تشرين الثاني) العام الماضي التي أطاحت بحكومة عادل عبد المهدي كلفت البلاد خسائر قدرها ستة مليارات دولار.
بالنسبة للأردن لن يؤثر في اقتصادها كثيرًا على الأرجح، كونها تمثل في المشروع قطعة جغرافية استراتيجية تنقل النفط من العراق مقابل الكهرباء من مصر، لكنّ مرور المشروع عبر أراضيها يساهم في عملية استقرار الطاقة وعدم قطع الكهرباء، رغم أنّ مشكلة عمان الرئيسية تتمثل في أنها تستورد 97% من طاقتها، الأزمة الأخرى التي يواجهها قطاع الطاقة في الأردن يتمثل في هدر الكهرباء الناتج عن سرقتها، وهو ما يمثل نحو 30% من اجمالي مشكلة الكهرباء في المملكة، ويكلف الحكومة سنويًا 300 مليون دولار (423 مليون دولار أمريكي).
الجدوى الاقتصادية لمشروع الشام الجديد بالنسبة لمصر تتمثل في تحقيق استراتيجيتها للتحول إلى مركز إقليمى للطاقة مع الأردن والعراق بقدرات تصل إلى نحو 2000 ميجاوات، وتحقق مصر 1.1 مليار جنيه (نحو 69 مليون دولار) من عوائد تصدير الطاقة لدول الجوار، ويبلغ قيمة ما تحصل عليه مصر من تصدير الكهرباء إلى الأردن نحو 20 مليون دولار سنويًا، ويُتوقع أن يرتفع إلى 50 مليون دولار بعد توسعة خط تبادل ونقل الطاقة، والرقم مرشح للزيادة في حال وصوله للعراق وفق المشروع الجديد.
اضف تعليق