تحاول القوى العظمى في أي زمان وبعد حدوث أي كارثة عالمية، أن تضع نفسها بشكل مناسب على المسرح العالمي، تحسبا لأي تطور جيوسياسي قد يحدث بعد ذلك، لكن فيما يبدو أن الولايات المتحدة لا تفعل ذلك مع كارثة فيروس كورونا واختارت الانعزالية على قيادة العالم في هذا المنعطف الخطير...

تحاول القوى العظمى في أي زمان وبعد حدوث أي كارثة عالمية، أن تضع نفسها بشكل مناسب على المسرح العالمي، تحسبا لأي تطور جيوسياسي قد يحدث بعد ذلك، لكن فيما يبدو أن الولايات المتحدة لا تفعل ذلك مع كارثة فيروس كورونا واختارت الانعزالية على قيادة العالم في هذا المنعطف الخطير، ويسمي البعض التصرف الأمريكي أنانية، وإهمالا للآخرين، ويذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك بالقول إن أمريكا لم تعد قادرة على تحمل دعم حلفائها، لا يتوفر جواب على ذلك، ولكن ما يبدو واضحا، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تبدي أي اهتمام بقيادة الحرب ضد وباء كورونا على مستوى العالم.

نشرت فورين أفيرز الأميركية تحليلا يقول: على واشنطن أن تدرك أن العالم لم يعد يشبه حقبة التسعينيات والعقد الأول من هذا القرن، وأن حقبة النظام العالمي ذي القطب الأوحد قد ولت إلى غير رجعة، وقالت المجلة -في تحليل بعنوان "كيف تنتهي الهيمنة؟.. تفكك قوة أميركا" للكاتبين ألكسندر كولي ودانييل نيكسون- إن هناك مظاهر عديدة للأزمة التي يشهدها النظام العالمي من ضمنها الاستجابة غير المنسقة لجائحة كورونا والأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي الوباء، وعودة السياسات القومية، وإغلاق الحدود بين الدول، وكلها مؤشرات على ظهور نظام دولي أقل تعاونا وأكثر هشاشة.

وأشارت إلى أن العديد من المراقبين يرون أن هذه التطورات تؤكد مخاطر السياسة التي ينتهجها رئيس امريكي دونالد ترامب والقائمة على شعار "أميركا أولاً" وتخليه عن دور بلاده في قيادة العالم وعن التزامها بتعزيز نظام دولي ليبرالي، ووفقا للكاتبين فإن بعض المحللين يعتقدون أن امريكا لا تزال قادرة على تغيير هذا الوضع، بعد خروج ترامب من البيت الأبيض، وذلك من خلال استعادة الإستراتيجيات التي استطاعت من خلالها بناء نظام دولي ناجح وحافظت عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى ما بعد الحرب الباردة، وبذلك تكون حقبة ترامب ووباء كورونا مجرد انحراف مؤقت عن المسار بدلاً من أن تكون خطوة على طريق الفوضى الدائمة، ولكنهما يختلفان مع هذا التحليل، فبالرغم من أن التوقعات بشأن التراجع الأميركي والتحول في النظام الدولي ليست جديدة ولم تكن دقيقة في الماضي، فإنها مختلفة جدا هذه المرة، إذ إن نفس العوامل التي ساهمت في بسط الهيمنة الأميركية من قبل هي التي تقود عملية تفككها اليوم.

كورونا يطيح بزعامة أمريكا؟

بين انتقادات للمعالجة الأمريكية لتفشي وباء كورونا داخل الولايات المتحدة، وإبراز الدور الأمريكي الأخير في احتواء أزمة الطاقة وأسعار النفط في ظل تفشي الوباء ترواحت اتجاهات تناول الصحف العربية لدور الولايات المتحدة في مواجهة فيروس كورونا محليا وعالميا، وناقش بعض الصحف العربية أثر أزمة تفشي وباء كورونا في العالم، على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية، وانتقد بعض كُتابها سياسات إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وطريقة تعالمها مع أزمة تفشي الوباء.

وفي سياق هذه الانتقادات كتب أحمد عبد الباسط الرجوب في "رأي اليوم" اللندنية: "استيقظ العالم على هشاشة دول كبرى، كان يعول عليها في حماية العالم، إن هو تعرض إلى غزو فضائي، فإذا بها تسقط عند أول امتحان، يكاد يهزمها فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية عائلته معروفة وسبق التعامل معه أكثر من مرة، وللتذكير فيروس سارس في منطقة هونغ كونغ الصينية عام 2003 "، ويضيف: "الرئيس الأمريكي لم يأخذ بالجدية المطلوبة مواجهة وباء كورونا، حتى أن جوقة الإعلاميين المحيطين به قد اعتبروا بأن هذا الفيروس خدعة إعلامية ليبرالية، والذي على أساسه وافق ترامب على استخدام دواء الملاريا لعلاج هذا الوباء، وفي ذات السياق فقد واجه الرئيس انتقادات كثيرة، خاصة من الديمقراطيين وعلى رأسهم نانسي بيلوسي، باتهمامها للرئيس ترامب بانتهاجه سياسات متخبطة، واتهامة بالفشل والكذب تجاه التعامل مع وباء كورونا.. الكثيرون في أمريكا والعالم لم يكن يتوقع بأن أمريكا بهذا الضعف، في البنيات التحتية، أو أنها غير جاهزة حتى بالأقنعة الواقية على أقل تقدير".

نهاية الحقبة الامريكية

تساءل الكاتب البريطاني دانيال فينكلشتاين، هل سنشهد نهاية الحقبة الأمريكية؟ معتبرا أن أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد في عقر دارها كشفت إلى أي مدى تراجع دور أمريكا القيادي في العالم، وكتب في مقال نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية، اليوم تحت عنوان "هل نشهد نهاية الحقبة الأمريكية؟"، أنه "عصر عايشه جميع البالغين، العصر الذي بدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية، الحرب التي شهدت إفلاس الامبراطوريات العظمى في العالم، فيما كان الإفلاس أخلاقيا لدى البعض، وسياسيا لدى آخرين، واقتصاديا في معظم الحالات وفي بعض الأحيان كان الإفلاس ثلاثيا".

وأضاف فينكلشتاين، تميز ذاك العصر بخطة الرئيس الأمريكي الراحل هاري ترومان، الذي عمل على تنفيذها جورج مارشال ودين أشيسون، والقاضية بإعادة إعمار أوروبا ومساعدتها ماليا، وجعل أمنها على قمة الأولويات، واعتبر أن ذاك العصر تميز بالهيمنة الثقافية لسينما هوليوود وموسيقى الروك آند رول، والازدهار الكبير للرأسمالية الغربية، والمواجهة النووية مع الاتحاد السوفييتي السابق، التي سبقت الانهيار الفكري والسياسي للدولة الشيوعية، وتساءل فينكلشتاين الذي كان مستشارا لرئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجور، عما أذا كان هذا العصر قد انتهى، وعما إذا كانت كارثة كورونا ستعني نهاية النفوذ الأمريكي.

وقال الكاتب: لا توجد الآن حاجة للمبالغة، الدول الحرة أخطأت لعقود في الافتراض الدائم بأن الآراء والمصالح الأمريكية تتطابق مع مصالحها، لكن فيروس كورونا لا يحترم أحدا ولا يعرف الحدود، ولا يعترف بزعامة الولايات المتحدة، إنه لا يتكلم الإنكليزية ولا أي لغة محددة وهو لا يقطن في دولة بعينها، بل هو أزمة دولية واختبار عسير للنظام العالمي القائم، فالأمر المميز في هذه الأزمة هو امتحانها لرد كل دولة بصورة منفردة على الوضع القائم لديها ولكن أين القيادة الدولية لمواجهة ذلك، وأين الريادة الأمريكية المفترضة للرد على هذا الفيروس؟

ومضى الكاتب: "هذا اختبار قاس لزعيم العالم الحر، ولكن الآن لا يوجد زعيم لهذا العالم، لأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غير قادر في الأصل على قيادة رد الفعل الأمريكي تجاه الأزمة، ناهيك عن توجيه أو إلهام المؤسسات الدولية، في كل الأحوال فإنه ليس مهتما بلفعل ذلك، وإذا كان لديه هذا الاهتمام فمن ذا الذي سيقوم باتباعه وهو يترنح، ويطلق عباراته الغاضبة خلال مؤتمراته الصحافية المشتتة".

واعتبر أن ترامب يجسد تراجعا أمريكيا يتسارع مع الوقت، فبينما تراجعت الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة إلى صفحات التاريخ، فإن الكثير من الأمريكيين يخشون من مسؤولياتهم الدولية، ويعتقدون أن القيادة الدولية تكلف أموالا وجهدا وطاقة وأرواحا أمريكية، ويعتقدون ربما على سبيل الخطأ، أن هذا لا يضع الطعام على الموائد الأمريكية أو يجعل أمريكا في مأمن، وأنهى فينكلشتاين مقاله: "مهمتنا عندما ستنتهي تلك الأزمة، أن ننضم إلى دول أخرى، ونؤسس هيكلا عالميا لا يعتمد فقط على الولايات المتحدة، وأن نبدي استعدادنا لتمويل ودعم هذا الكيان، وأن نقبل المسؤولية المشتركة، التي تركناها للولايات المتحدة فقط ولفترة طويلة، وإذا لم نفعل ذلك، فإن الخطر يتمثل في أننا لن نرى فقط نهاية الطغيان الأمريكي، ولكننا سنرى الطغيان نفسه".

ليس وحده

ويرى آخرون أن الرئيس الأمريكي ترامب لا يتحمل اللوم كله، فموقفه لا يمثل إلا مجرد رد فعل، على السياسات التي أُنجزت من قبله، حينها يصبح الموقف الأمريكي نتيجة منطقية، لتراكم النهج الذي اتُخذ خلال فترة النظام العالمي أحادي القطب، وفي مقابلة مع جريدة "فاينانشيال تايمز" بتاريخ 18 يوليو 2018، قال وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر: "أعتقد أن ترامب قد يكون أحد تلك الشخصيات في التاريخ الذي تظهر من وقت لآخر لتسجل نهاية عصر، وإرغام ذلك العصر على التخلي عن مظاهره القديمة، وهذا لا يعني بالضرورة أن ترامب يعرف ما يقدم على فعله، أو أنه يفكر في أي بديل رائع. وقد يكون ذلك الفعل مجرد حادث عارض لا أكثر"، دبلوماسي ذكي مثل هنري كيسنجر بشبكة واسعة داخل الولايات المتحدة وعالميًا لن يقول مثل هذا البيان الجريء وينهيه بـ "يمكن أن يكون حادثًا"، وهو يعني ذلك، فكيسنجر يتمتع بخبرة كبيرة في المجال الدولي، ومشهود له بأنه يعرف بالضبط ما يعنيه ولعل ما يحدث الآن، في تعامل الولايات المتحدة مع الوباء تحت إدارة ترامب تفرض صدق كلام كيسنجر.

ورجح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، في مقال له نشر بصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن يؤدى وباء كورونا إلى تغيير النظام العالمي للأبد، مشيرا إلى أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية الناجمة عن الوباء ستستمر لأجيال، داعيا الإدارة الأمريكية للاستعداد إلي نظام ما بعد كورونا، واستخلاص الدروس من مشارعيها السابقة كــــــ خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية أو مشروع مانهاتن البحثي الذي أنتج القنبلة الذرية وحسم الحرب لصالح أمريكا والحلفاء، وأوضح كيسنجر أن الولايات المتحدة تعاني الآن من الانقسام، فهناك حاجة إلى حكومة تتحلى بالكفاءة وبعد النظر للتغلب على العقبات غير المسبوقة من حيث الحجم والنطاق العالمي، وقال كيسنجر إن الأمم تزدهر وتتماسك باعتقادها أن مؤسساتها يمكن أن تتوقع الكارثة، وتوقف تأثيرها وتستعيد الاستقرار، لافتا إلى أنه عندما ينتهي الوباء سيتم النظر إلى مؤسسات العديد من البلدان على أنها فشلت، ولا يهم ما إذا كان هذا الحكم عادلًا وبشكل موضوعي، لكن الحقيقة هي أن العالم بعد كورونا لن يعود كما كان.

نظام عالمي جديد

يقول الكاتب والمحلل الأمريكى ألان كروفورد، في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إنه في منتصف عام هيمنت عليه جائحة كورونا، تواجه الحكومات أزمة صحية، وأزمة اقتصادية وأزمة شرعية مؤسساتية، كل ذلك في وقت يشهد تنافسا سياسيا جغرافيا وسوف تساعد كيفية تبلور كل تلك التحولات الضخمة خلال الشهور المتبقية من العام كثيرا في تحديد عصر ما بعد الفيروس فقد تكثفت وتسارعت الاتجاهات التي كانت واضحة بالفعل قبل فيروس كورونا، فالصين باعتبارها قوة في حالة تصاعد سريع، أصبحت أكثر قوة وتنافسا مع الدول ابتداء من كندا حتى أستراليا والولايات المتحدة، القوة العظمى التي ما زالت على قمة الطاولة منذ مؤتمر بوتسدام، أصبحت منغلقة على نفسها بصورة متزايدة مع تغلغل الفيروس في قلب سكانها واقتصادها، قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين ثاني/ نوفمبر المقبل.

وقال روري ميدكاف رئيس كلية الأمن القومي بالجامعة الوطنية الأسترالية، إن "كثيرا من المشكلات الهيكلية في النظام الدولي أصبحت واضحة بجلاء" وأضاف أنه "في ظل التقاء نقاط ضغط متعددة، ابتداء من فشل القيادات إلى الافتقار إلى الثقة في صحة المعلومات، كل ذلك يفاقم ما يعد عاصفة هوجاء… والاختبار الكبير يتمثل حقيقة فيما إذا كان بوسعنا أن نقضي الشهور الستة إلى الـ18 المقبلة دون أن تبلغ هذه الأزمات ذروتها".

ففي بوتسدام، كانت الديناميكية الرئيسية هي الصراع الأيديولوجي بين النظامين الشيوعي والرأسمالي اللذين كانت تتبناهما موسكو وواشنطن فالاتحاد السوفيتي بزعامة جوزيف ستالين خرج من الحرب كقوة عظمى، بينما أظهر الرئيس الأمريكي هاري ترومان التفوق التكنولوجي والعسكري للولايات المتحدة، بإصداره الأمر وهو في المؤتمر بإسقاط القنابل الذرية على هيروشيما ونغازاكي، وفي تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي شبه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر المواجهة الحالية بين الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب والصين برئاسة شي جين بينغ بـ"سفوح" حرب باردة جديدة.

ويقول المؤرخ نيل فيرجسون، إننا بالفعل في حرب باردة ويتفق معظم المحللين على أنه ليس من المحتمل أن يوقف جو بايدن في حالة فوزه بالرئاسة التدهور في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وبالنسبة لميدكاف الذي يتناول كتابه "الامبراطورية الهندية الباسفيكية" التنافس الاستراتيجي في المنطقة، لا تتمثل القضية الرئيسية الآن فقط في كيفية مواجهة الولايات المتحدة لتحدي صعود الصين، ولكن تتمثل فيما إذا كان "اللاعبون الأوسط" بما في ذلك الهند، وأستراليا، واليابان وأوروبا على استعداد للمجازفة بالدفاع عن النظام الدولي والتعاون معا للقيام بذلك ويضيف كروفورد أن المشكلة هي أنه لا يوجد منتدى واضح لمناقشة شكل العالم بعد انتهاء جائحة كورونا.

والأمم المتحدة، التي تأسست عام 1945 لمنع اندلاع حروب أخرى، في حالة اختلال وظيفي إلى حد كبير، فقد حالت روسيا والصين، وهما من الدول الخمس التي لها حق الاعتراض (الفيتو) دون صدور قرار آخر مؤخرا، خاص بسوريا هذه المرة، من ناحية أخرى، فإن مصادر الصراع مع بكين موجودة في كل مكان وبصورة مفاجئة ومحيرة فالصين التي أبدت تعاطفا واسع النطاق، وقدمت دعما طبيا في بداية العام عندما أصبحت أول دولة تعاني من تأثير فيروس كورونا، تخلت عن تلك النوايا الطيبة فهي في خلاف مع استراليا حول أصول الفيروس، ومع كندا بشأن احتجاز الرئيس التنفيذي لشركة هواوي تكنولوجيز، مينغ وانزاو، ومع الهند بشأن حدود متنازع عليها وتتجه اليابان والاتحاد الأوروبي إلى أن يصبحا أقل اعتمادا على الصين نتيجة لمشكلات في سلسلة الإمداد كشفها تفشي كورونا.

وألمانيا وأستراليا دولتان من بين كثير من الدول تعتزم سن أو تشديد تشريعات للحماية ضد الاستثمارات الاستغلالية من جانب الصين، وتقول أغاثا كراتز، مديرة مجموعة روديوم التي تتخذ من باريس مقرا لها، والتي تقود أبحاثا خاصة بالعلاقات الأوروبية الصينية، إن موقف أوروبا تجاه الصين يزداد تشددا، يساعده في ذلك تحول سريع في الرأي العام الأوروبي تجاه بكين، كما أن قانون الأمن القومي الجديد الذي فرضته الصين على هونغ كونغ أسفر عن غضب عالمي إزاء تدخل بكين في شؤون هونغ كونغ، وأدى ذلك إلى توترات شديدة مع بريطانيا.

وهناك توترات كبيرة بين الصين وتايوان، وفي وبحر الصين الجنوبي وبحر شرق الصين، وهما محل نزاع في ظل استعراض صيني مفرط للقوة، حسبما قال وليام شونغ، كبير الزملاء بمعهد دراسات جنوب شرق آسيا بسنغافورة، وأضاف أن الصينيين يرون أن الولايات المتحدة فقدت قيادتها في منطقة آسيا الباسفيك، إن لم يكن في العالم لذلك ترى الصين أنه يتعين عليها استغلال هذه الفرصة لزيادة ضغطها في المنطقة، ويعرب شونغ عن قلقه من إمكانية أن تتحول أي مواجهة بين الولايات المتحدة والصين، أو بين اليابان والصين إلى حرب مفتوحة بصورة غير مقصودة.

من ناحية أخرى، فإن التاريخ ملىء بالتداعيات غير المقصودة، التي كان مؤتمر بوتسدام سببا في الكثير منها، فطوال 16 يوما، قرر ترومان، وستالين، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل مصير ألمانيا والحدود الغربية لبولندا، مع اتخاذ مواقف كانت لها تداعيات بعيدة الأثر بالنسبة للشرق الأوسط، والصين واليابان، وكوريا، ويقول ميدكاف رئيس كلية الأمن القومي بالجامعة الوطنية الأسترالية إنه "مهما يحدث الآن، فنحن على حافة نوع ما من العاصفة التي تستجمع قواها… فقط نحن لا نعرف ماذا ستكون عليه العاصفة أو كيف سوف تهب".

انتهاء هيمنة القطب الأوحد بلا عودة

هناك تنبؤات بالانحدار الأمريكي والتحول في النظام الدولي ليست جديدة بالمرة؛ لكنها كانت خاطئة باستمرار ففي منتصف الثمانينيات، اعتقد العديد من المحللين أن القيادة الأمريكية كانت في طريقها للانتهاء وقد انهار نظام بريتون وودز في السبعينيات بالفعل وواجهت الولايات المتحدة منافسة متزايدة من اقتصادات أوروبا وشرق آسيا؛ لا سيما ألمانيا الغربية واليابان، وكان الاتحاد السوفييتي يمثل رمانة الميزان للسياسة العالمية في ذلك الوقت.

ومع ذلك، وبحلول نهاية عام 1991، كان الاتحاد السوفييتي قد تفكك بشكل رسمي، وكانت اليابان تدخل "عقدها الضائع" من الركود الاقتصادي، وأنهكت مهمة التكامل الباهظة ألمانيا الموحدة بينما شهدت الولايات المتحدة عقداً من الابتكار التكنولوجي المزدهر والنمو الاقتصادي المرتفع بشكل غير متوقع وكانت النتيجة ما اعتبره الكثيرون "لحظة أحادية القطب" للهيمنة الأمريكية.

قد يبدو من الغريب التحدث عن التراجع الدائم للانهيار المتوقع عندما تنفق الولايات المتحدة على جيشها أكثر من منافسيها السبعة الذين يأتون بعدها في الترتيب، وتحافظ على شبكة لا مثيل لها من القواعد العسكرية الخارجية حيث لعبت القوة العسكرية دوراً مهماً في خلق التفوق الأمريكي والحفاظ عليه في التسعينيات، وكذلك السنوات الأولى من هذا القرن، ولا يمكن لأية دولة أخرى تقديم ضمانات أمنية موثوقة عبر النظام الدولي بأكمله، لكن الهيمنة العسكرية الأمريكية لم ترتكز فحسب على مجرد ميزانيات الدفاع؛ فحقيقةُ الأمر أن الإنفاق العسكري الأمريكي انخفض خلال التسعينيات، ولم يتضخم إلا بعد هجمات 11 سبتمبر، غير أن الأمر يعود إلى عدة عوامل أخرى؛ هي: اختفاء الاتحاد السوفييتي كمنافس، وتزايد الميزة التكنولوجية التي يتمتع بها الجيش الأمريكي، واستعداد معظم القوى العالمية من الدرجة الثانية للاعتماد على الولايات المتحدة بدلاً من بناء قواتها العسكرية الخاصة.

وقد انتهكتِ الديمقراطيات الرائدة؛ بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحقوق المدنية والسياسية، والتي تجلَّت بوضوح في شكل التعذيب وعمليات الترحيل الاستثنائي خلال ما يُسمى بالحرب على الإرهاب ولكن حتى هذه الاستثناءات التي يغلب عليها النفاق عززت هيمنة النظام الليبرالي؛ لأنها أثارت إدانة واسعة النطاق أعادت تأكيد المبادئ الليبرالية، ولأن المسؤولين الأمريكيين استمروا في التعبير عن الالتزام بالمعايير الليبرالية.

........................................................................................................................
المصادر
- فورين أفيرز
- كيوبوست
- عربي بوست
- اليوم السابع
- صدى البلد
- RT
- بي بي سي

اضف تعليق