مع اقتراب الموعد النهائي بشأن الاتفاق النووي الايراني، ظهرت مؤشرات خلاف جديد مع القوى الدولية الست، إبرزها مطلب القوى العالمية بالسماح لفرق التفتيش الدولية بدخول المواقع العسكرية الايرانية ومقابلة الخبراء النوويين الايرانيين، من جانبها تريد طهران رفع العقوبات بمجرد التوصل لاتفاق، وهذا الامر قد يضع عقبات جديدة من شأنها ان تعرقل التوصل الى اتفاق نهائي مأمول، ويرى المحللون أن حرب التصريحات السياسية من لدن الجهات المتشددة في ايران وأمريكا هي محاولة لكسب حرب الغنائم المعنوية قبل التوصل لأي اتفاق نهائي وهو ما يفضح نواياهم من خلال تناقض كلماتهم وأجندتهم، بسبب معضلة فقدان الثقة بين الاطراف المتخاصمة، لذا فليس من السهل الحصول على اتفاق نهائي لنزاع مشوب بالخلافات ونوايا المتباينة.
فقد حذرت فرنسا من أنها مستعدة لعرقلة اتفاق نهائي بين إيران والقوى العالمية الست بشأن البرنامج النووي الايراني ما لم تسمح طهران للمفتشين بالدخول إلى كل المنشآت بما فيها المواقع العسكرية، في المقابل استبعد المرشد الاعلى للثورة الاسلامية آية الله علي خامنئي بشكل قاطع امكانية قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش المواقع العسكرية، فيما وصفها مسؤول عسكري ايراني بأنها "طلب رسمي للقيام بعمليات تجسس، في حين يرى مسؤولون غربيون انه يتعين على ايران ان تزيد التعاون مع الوكالة اذا كانت تريد التوصل الى اتفاق دبلوماسي شامل مع القوى العالمية ينهي تدريجيا العقوبات المالية والاخرى المعوقة للبلد المنتج للنفط، ويرى أغلب المحللين ان اتفاقا نهائيا حول البرنامج النووي الايراني تم مع القوى العظمى، بينما يعتقد اخرون انه من غير الممكن تحقيق ذلك، لكن ومع استمرار الغموض حول المحادثات التي تهدف الى انهاء الجدل القائم حول البرنامج منذ 12 عاما، فإن العراقيل تتزايد امام التوصل الى اتفاق، وعليه فأنه على الرغم من ازدياد الآمال في حل الخلاف النووي عندما انتخب روحاني، لكن خامنئي هو الذي يملك القول الفصل بشأن التوصل لاتفاق، مما يعني أن تسوية الأزمة النووية الإيرانية معلقة حتى إشعار آخر.
فيما تحاول كل من أمريكا وايران تذليل العقبات أمام الاتفاق النووي مع اقتراب مهلة نهائية عندما اجتمع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف في محاولة للتغلب على ما تبقى من عقبات في طريق التوصل الى اتفاق نووي نهائي قبل شهر من انقضاء مهلة لابرام الاتفاق بين ايران والقوى العالمية.
على الصعيد نفسه تحاول الدول الست الاتفاق على إعادة العقوبات في اتفاق إيران، ويرى المراقبون بهذا الشأن انه إذا قبلت إيران آلية إعادة العقوبات فهناك عقبات أخرى يجب تخطيها وبينها إمكانية دخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إلى المواقع العسكرية الإيرانية ومقابلة الخبراء النوويين الإيرانيين ووتيرة تخفيف العقوبات، ويرى هؤلاء المراقبون إن إعادة العقوبات الأمريكية وتلك التي يفرضها الاتحاد الأوروبي أقل صعوبة من عقوبات الأمم المتحدة لأنه ليست هناك حاجة آنذاك للرجوع إلى مجلس الأمن.
لكن على الرغم من نقاط الخلاف آنفة الذكر الا ان ايران والقوى العالمية تبدو أكثر قربا من أي وقت إلى اتفاق نووي تاريخي من شأنه ان ينهي مواجهة مضى عليها 12 عاما بشان برنامج طهران النووي.
إعادة العقوبات
في سياق متصل قال مسؤولون غربيون إن الدول الست الكبرى اتفقت على وسيلة لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران إذا خالفت شروط اتفاق نووي يتم التوصل إليه مستقبلا لتزيل بذلك عقبة كبيرة أمام التوصل لاتفاق قبل حلول موعد مهلة نهائية في 30 يونيو حزيران.
ويؤدي هذا التفاهم الجديد بشأن استئناف عقوبات الأمم المتحدة بين الدول الست وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين إلى تقريبها من اتفاق محتمل مع إيران على الرغم من استمرار وجود عقبات أخرى من بينها ضمان دخول خبراء الأمم المتحدة إلى المواقع العسكرية الإيرانية.
وقال المسؤولون إنه في إطار الاتفاق الجديد المتعلق باستئناف عقوبات الأمم المتحدة فإن أي خرق مشتبه به من قبل إيران ستناقشه لجنة لحل النزاعات من المرجح أن تضم الدول الست وإيران تقوم بتقييم هذه الادعاءات وتعطي رأيا غير ملزم. بحسب رويترز.
وستواصل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيضا تقديم تقارير دورية عن البرنامج النووي الإيراني من شأنها تزويد الدول الست ومجلس الأمن الدولي بمعلومات عن أنشطة طهران لتمكينهم من تقييم مدى التزامها، وإذا ثبت عدم التزام إيران بشروط الاتفاق سيعاد حينئذ تطبيق عقوبات الأمم المتحدة عليها، ولم يوضح المسؤولون بدقة كيفية إعادة تطبيق العقوبات ولكن الدول الغربية تصر على ضرورة حدوث ذلك دون تصويت من مجلس الأمن بناء على بنود سيتم إدراجها في قرار جديد لمجلس الأمن الدولي يتم إصداره بعد إبرام الاتفاق.
وقال مسؤول غربي "هناك اتفاق نوعا ما بين القوى الست بشأن آلية إعادة العقوبات بمن فيهم الروس والصينيون... والآن هناك حاجة إلى أن يوافق الإيرانيون"، وكرر مسؤول غربي كبير آخر تصريحاته واصفا الاتفاق بانه "مؤقت" لانه يعتمد على قبول إيران، وذكر دبلوماسي إيراني كبير أن إيران تراجع الآن عدة خيارات لاحتمال إعادة عقوبات مجلس الأمن ضد طهران، ولم يتضح تماما كيف ستعمل آلية إعادة العقوبات ولم يبحث المسؤولون التفاصيل الدقيقة، كذلك لم يتضح كيف يمكن أن يحمي الاقتراح الولايات المتحدة والدول الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن من استخدام صيني أو روسي محتمل لحق النقض (فيتو) فيما يتعلق بإعادة العقوبات، وأوضحت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامانثا باور أن واشنطن لا تريد أن يتكرر مع أي اتفاق نووي إيراني ما حدث في الآونة الأخيرة من كثرة استخدام حق النقض (الفيتو) من جانب روسيا والصين على القرارات المتعلقة بسوريا.
وقال السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة جيرار آرو في واشنطن الأسبوع الماضي إنه وفقا لاقتراح فرنسي يجب أن تجري إعادة العقوبات بشكل تلقائي في حالة عدم إذعان إيران وذلك لتفادي استخدام حق النقض (الفيتو)، وبمقتضى الاقتراح الذي قال آرو إنه لم يحظ حتى ذلك الحين بموافقة القوى الست فان العبء سيقع على روسيا أو الصين لاقتراح إجراء تصويت في مجلس الأمن لبحث عدم إعادة فرض العقوبات، ولم يرد مسؤولون روس وصينيون على الفور على طلبات بتأكيد توقيعهم على آلية إعادة العقوبات.
التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف في جنيف يوم السبت. وبحث الوزيران سير المحادثات والعقبات أمام التوصل لاتفاق في المحادثات النووية الإيرانية قبل شهر من انتهاء المهلة المتفق عليها للتوصل لاتفاق يهدف إلى تقليل خطر اندلاع حرب أخرى في الشرق الأوسط.
من جانبهما طلبت موسكو وبكين وطهران ضمانات أن واشنطن لن يكون بامكانها فرض إعادة العقوبات من جانب واحد وهو خطر يرونه يتزايد إذا فاز جمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2016، وأكد دبلوماسي إيراني كبير أن مناقشات جارية بشأن خيارات محددة لإعادة العقوبات. وقال لرويترز إن طهران تعد اقتراحاتها الخاصة بشأن التصرف في حال فشلت القوى الغربية في الوفاء بالتزاماتها في الاتفاق، وأضاف "طرحت ثلاثة أو أربعة اقتراحات على المائدة وتجري مراجعتها... ويمكن أيضا أن تستأنف إيران على الفور أنشطتها إذا لم تنفذ الأطراف الأخرى التزاماتها في الاتفاق"، وتابع أنها "قضية حساسة للغاية".
البحث عن حلول أخرى
فيما نقل عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قوله إن إيران ستناقش "حلولا أخرى" للمطالب الغربية لها بأن تسمح لمفتشي الأمم المتحدة بدخول مواقعها العسكرية ومقابلة علمائها النووين، ونقلت وكالة مهر للأنباء عن ظريف قوله بعد اجتماعات مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري "قررنا بحث حلول أخرى لحل هذه القضية"، ويقول مسؤولون غربيون إن من المهم أن تجري الوكالة الدولة للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة عمليات تفتيش للمواقع العسكرية وتتواصل مع علماء إيران للتحقق مما إذا كانت الجمهورية الإسلامية تطور برنامجا سريا للأسلحة النووية.
وتنفي إيران أنها تطمح إلى تطوير سلاح نووي وتقول إن برنامجها سلمي بالكامل، وهددت الولايات المتحدة وفرنسا بمنع إبرام أي اتفاق لا يتيح تفتيش المنشآت لكن الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي استبعد بشكل علني أي عمليات تفتيش أو مقابلات الأمر الذي وضع عقبة قبل مهلة 30 يونيو حزيران للتوصل لاتفاق نهائي.
ولم يقدم ظريف تفاصيل أخرى بشأن كيف يعتزم المفاوضون الإيرانيون حل المسألة وقال إنه لا تزال هناك نقاط خلاف بين إيران والولايات المتحدة في مؤشر على أنه لم يحدث انفراج كبير خلال محادثاته مع كيري، وقال "قررنا العمل طول الوقت خلال الأسابيع الثلاثة أو الأربعة المقبلة لنرى إن كان من الممكن التوصل لاتفاق أم لا".
تفتيش المواقع العسكرية واستجواب العلماء
فقد اعلن كبير المفاوضين الايرانيين عباس عراقجي بحسب التلفزيون الرسمي ان ايران ترفض قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعمليات "تفتيش مواقعها العسكرية" واستجواب علمائها في اطار اتفاق حول الملف النووي الايراني.
وهذا التصريح الذي ادلى به عراقجي قبل قليل من اللقاء بين وزيري الخارجية الاميركي جون كيري والايراني محمد جواد ظريف، يستعيد الموقف الذي عبر عنه المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي في 20 ايار/مايو. لكن عراقجي ميز قبل بضعة ايام بين تفتيش المواقع العسكرية والدخول اليها في اطار الاتفاق الذي يجري التفاوض بشأنه حاليا، وقال عراقجي "ان استجواب علمائنا غير وارد نهائيا وتفتيش المواقع العسكرية ايضا"، واضاف "لكن المحادثات تتواصل في اطار البروتوكول الاضافي والاجراءات المنصوص عليها في هذا البروتوكول. لم يتم التوصل بعد الى اتفاق حول هذه المسألة (...) وكيفية تطبيق البروتوكول الاضافي هي من المواضيع الخلافية التي نتناقش بشأنها". بحسب فرانس برس.
ويسمح البروتوكول الاضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي الذي وافقت عليه طهران في اطار اتفاق حول الملف النووي، بعمليات تفتيش لمواقع نووية ولكن ايضا بدخول مواقع اخرى بما فيها مواقع عسكرية من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لكن طهران تؤكد ان دخول هذه المواقع منظم ويجب ان يكون مبررا، ويقود كيري وظريف منذ اشهر المفاوضات الماراتونية بين القوى العظمى في مجموعة خمسة زائد واحد (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا والمانيا) وطهران تحت رعاية الاتحاد الاوروبي بغية التوصل الى اتفاق نهائي حول البرنامج النووي الايراني المثير للجدل، وامام الاطراف المشاركة في المفاوضات حتى 30 حزيران/يونيو للتوصل الى نص نهائي.
موقف خامنئي
من جهته قال الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن طهران لن تقبل "المطالب غير المعقولة" للقوى العالمية الست التي تجري محادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي واستبعد السماح للمفتشين الدوليين بإجراء مقابلات مع علماء نوويين، وبث التلفزيون الرسمي تصريحات خامنئي على الهواء مباشرة وهي الأحدث في سلسلة من التصريحات المباشرة عن عمليات التفتيش مع بدء العد التنازلي لانتهاء مهلة في 30 يونيو حزيران لحل الأزمة الممتدة منذ سنوات بشأن أنشطة ايران النووية. بحسب رويترز.
وقال خامنئي "لن نذعن قط للضغط... لن نقبل مطالب غير معقولة... إيران لن تسمح بالاتصال بعلمائها (النوويين)"، واضاف "لن نسمح بانتهاك خصوصية علمائنا النوويين أو اي مسألة مهمة أخرى"، وفي الشهر الماضي استبعد خامنئي أي اجراءات إشرافية استثنائية على أنشطة إيران النووية وقال إنه لا يمكن تفتيش المواقع العسكرية. وللزعيم الأعلى الكلمة الأخيرة في اي اتفاق.
اضف تعليق