بعد خمس سنوات من الحرب المستمر تبدو سوريا في المرحلة الراهنة غارقة في مستنقع صراع ذو أجندات إستراتيجية وتسويات تكتيكية، وهذا ما جعل منها أزمة بالغة الضخامة لها أبعاد إقليمية ودولية، قد تكون الأخطر على السلم والأمن العالميين منذ الحرب العالمية الثانية، مما يعني بقاء المشهد السوري غامضا حتى اللحظة الراهنة، إذ يرى بعض المحللين أن ما يجري داخل الاراضي السورية حالية هو عمليات مد وجز عسكرية ميدانية لا تغير في الموازين لا أمنيا ولا سياسيا، وهذا احد اهم اهداف مؤسسي حرب الاستنزاف الحالية في الشرق الاوسط برمته من أجل استمرار الاستنزاف بالعنف والاحتراب والاضطرابات على كل المستويات، لتحقيق أجندة بعض الدول الاقليمية والدولية الساعية لتغيير الشرق الاوسط من خلال داعش او بالأحرى اعادة تقسيمه على غرار التقسيم في سايكس بيكو بداية القرن الماضي، لكن الهدف الاول هو استنزاف هذه الشعوب وسلب ثرواتها ومحو تراثها الحضاري والديني وحماية اسرائيل، فالمنطقة اليوم هي منطقة ملتهبة متوترة ليس فيها حلول مطروحة ويبدو أن هذا الأمر سيستمر لعدة سنوات وهي معرضة أيضا لإمكانية التقسيم في بعض بلدانها إلى أن تتغير معادلات ميدانية وتتوقف بعض المواقف الخاطئة التي تعطي فرصة للإرهاب التكفيري ليستمر، وهذا يعني أن المعركة مفتوحة في الزمان والمكان والمراحل.
فقد سعت العديد الدول العدائية الاستعمارية في اوربا وبعض الدول الإقليمية والعربية، جعل سوريا محور الصراع ومرتع الأزمات في الشرق الأوسط، وذلك لتحقيق أجندة خاصة بنقل وتداول أزمات تلك الدول، لتمرير أزماتهم الى داخل سوريا، حتى باتت سوريا اليوم ساحة حرب عالمية تقودها مجموعات مسلحة بالوكالة عن دول كبرى داعمة للإرهاب تقاتل بذريعة الجهاد الا نها في الحقيقية مجرد ادوات تنشر الموت والدمار في البلاد السورية، إذ يرى بعض المحللين ان الارهاب في سوريا ينتشر مثل النار في الهشيم مما سيشكل خطرا امنيا يتعدى اعتاب البلاد السورية ليصبح إرهاب متنقل ربما يهدد أغلب بلدان العالم.
حيث ساهمت الحرب في سوريا بخلق أزمة انسانية كبرى راح ضحيتها الكثير من الابرياء، فبينما ينصب الكثير من التركيز المتعلق بالصراع السوري على قضايا التكتيكات العسكرية والسلطة السياسية، لا تلقى الأزمة الإنسانية الكبيرة معالجة لائقة من لدن جميع الجهات المحلية والاقليمية والدولية، مع ديمومة الصراع الذي يغذي العنف وينشر الدمار في البلاد.
وعليه تظهر المستجدات الأخيرة بخصوص الحرب السورية، فشل حكومات العالم في إيجاد مخرج لهذه الحرب المدمرة والمستمرة منذ خمس سنوات تقريبا، على الرغم من التغييرات السياسية والامنية التي تحدث بين الحين والاخر داخليا وخارجيا، تمثلت بالجهود الدولية الخارجية، والتحولات الامنية الداخلية، الا انها هذه التغييرات البطيئة في السير لم تنجح في تقنين الازمة السورية اعقد ازمة في تاريخ الشرق الاوسط الحديث.
سيناريوهات التقسيم المتشابهة
في سياق متصل يرى دبلوماسيون ومحللون ان النظام السوري قد يجد نفسه مضطرا للاكتفاء بتعزيز سيطرته على المناطق الممتدة من دمشق الى الساحل السوري غربا حيث يتمتع بنفوذ قوي، وذلك بعد اربعة اعوام من حرب اضعفت قواته ومؤسساته.
ويعزز انسحاب قوات النظام من مدينة تدمر الاثرية في وسط سوريا التي باتت تحت سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية هذه الفرضية، لا سيما ان هذا التطور اتاح للتنظيم الجهادي توسيع رقعة سيطرته على المعابر الحدودية مع العراق، على حساب النظام، ويقول الاستاذ الجامعي والخبير في الشؤون السورية توماس بييريه "على الارجح، يحتفظ النظام عسكريا بوسائل تمكنه من السيطرة طويلا على النصف الجنوبي الغربي من البلاد، لكن من شان سلسلة خسائر متلاحقة ان تضعفه من الداخل"، ويضيف "حتى يتمكن النظام من الاستمرار، عليه ان يخفض سقف توقعاته ويركز على محور دمشق حمص الساحل".
ويقول رئيس تحرير صحيفة "الوطن" القريبة من السلطة وضاح عبد ربه لوكالة فرانس برس "من المفهوم تماما ان يتراجع الجيش السوري لحماية المدن الكبرى حيث يوجد القسم الاكبر من السكان الذين فر بعضهم من مقاتلي الدولة الاسلامية وجبهة النصرة، ويعتبر انه "على العالم ان يتحمل مسؤولياته ضد الارهاب ولم يعد على الجيش السوري ان يفعل ذلك لوحده"، ويضيف عبد ربه "على العالم ان يفكر اذا كان انشاء دولة او دولتين ارهابيتين يصب في مصلحته ام لا، وان يتخذ بعدها القرار المناسب"، في اشارة الى "دولة الخلافة" التي اعلنها تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق قبل عام و"الامارة الاسلامية" التي تطمح جبهة النصرة الى تاسيسها في شمال سوريا. بحسب فرانس برس.
ويحسب الخبير الفرنسي في الشؤون السورية فابريس بالانش، يعيش ما بين عشرة و15 في المئة من السكان في مناطق تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية، وما بين عشرين و25 في المئة تحت سيطرة جبهة النصرة، وما بين خمسة الى عشرة في المئة تحت سيطرة الاكراد، فيما لا يزال نحو خمسين الى ستين في المئة من السكان يعيشون في مناطق تحت سيطرة النظام، ويقول مصدر سياسي قريب من دمشق لوكالة فرانس برس "بات تقسيم سوريا خيارا لا مفر منه. يريد النظام السيطرة على الشريط الساحلي ومدينتي حمص وحماة في وسط البلاد والعاصمة"، ويتحدث عن "خطوط حمر وضعها النظام ولا يمكن تجاوزها وتتمثل بـطريق دمشق بيروت الدولي وطريق دمشق حمص الدولي بالاضافة الى مناطق الساحل كمدينتي طرطوس واللاذقية"، ويقول الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ارام نرغيزيان "يبدو ان النظام قد بدأ الاستعداد لفكرة حماية مناطقه الاساسية وجعلها آمنة في ظل وجود 175 الف عنصر تحت امرته، ينضوون في صفوف الجيش والمليشيات ومقاتلي حزب الله والمقاتلين الشيعة الافغان"، ويضيف "على كل حال لا شيء يشير الى انهيار قريب للنظام، خصوصا اذا غير استراتيجيته. وحتى لو قد يبدو ذلك محبطا للبعض، لكن من شان استراتيجية اقل هجومية ان تخفف الضغط على خطوط امداداته وتعطي قيادته هامشا اكبر للمناورة".
السوريون يفقدون الأمل في مواجهة المذابح والدمار
من جهته قال الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون في تقرير بشأن سوريا إن الشعب السوري يفقد الأمل في العام الخامس من حرب أهلية جلبت مستويات من الموت والدمار شديدة الوطأة إلى درجة صدمت الضمير العالمي. بحسب رويترز.
وقال الأمين العام في تقريره الشهري الذي نشر يوم الاربعاء إن الحرب قتلت أكثر من 220 ألف شخص وتركت ثلث السكان مشردين. وأضاف أنه من بين عدد السكان البالغ حوالي 23 مليون نسمة يحتاج نحو 12.2 مليون شخص لمساعدات انسانية بينهم خمسة ملايين طفل، وجاء في تقرير بان الذي يغطي شهر ابريل نيسان وأعدت معظمه فاليري اموس منسقة الشؤون الانسانية بالأمم المتحدة المنتهية ولايتها ان "مستوى المذابح والدمار في أنحاء الجمهورية العربية السورية يجب أن يصدم الضمير العالمي"، وقال بان في التقرير "الشعب السوري يفقد الامل". وأضاف "ليس بوسعهم الانتظار. يجب التوصل الى حل سياسي"، وتابع "الصراع سينتهي بتسوية سياسية وليس بحل عسكري.. كلما سارع المشاركون في الصراع بالاعتراف بذلك فسيكون أفضل للشعب السوري وسيمكن انقاذ المزيد من الأرواح."
تعزيز الجهود ضد الارهاب
الى ذلك حذرت فرنسا من تزايد مخاطر تعرض سوريا والعراق للمزيد من التقسيم إذا لم يتم تعزيز الجهود الدولية بسرعة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن الحكومة العراقية لم تحترم التزاماتها أمام شركائها بتمثيل مصالح جميع أطياف المجتمع العراقي، وجاء كلام فابيوس أمام نواب فرنسيين قبل اجتماع يعقد في باريس في الثاني من يونيو حزيران للدول التي تحارب تنظيم الدولة الإسلامية. بحسب رويترز.
وأشار فابيوس إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد خسر السيطرة على معظم بلاده مشددا على ضرورة إيجاد حل سياسي سريع بين أفراد من حكومته والمعارضة "لإنقاذ سوريا"، وقال فابيوس للمشرعين الفرنسيين "في العراق كما في سوريا يجب أن يتم تعزيز التحرك الدولي وإلا سنتجه صوب تقسيم أحد البلدين أو كليهما وارتكاب المزيد من المجازر والعواقب الكارثية"، وقال فابيوس "انها تؤكد ما قلناه دوما. لا يوجد حل عسكري من دون حل سياسي. في سبتمبر أيلول ربطنا دعمنا للتحالف بتقديم حكومة العراق الجديدة التزامات سياسية وهي التي أطلقنا عليها اسم السياسة الجامعة"، وقال للمشرعين "هذا العقد هو ما برر مشاركتنا العسكرية وأقول بوضوح هنا إنه يجب احترامه بشكل أفضل"، وتستضيف فرنسا اجتماعا يشارك فيه أكثر من 20 وزير خارجية بينهم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بهدف وضع استراتيجية تشمل كيفية تعويض الخسائر الأخيرة على أرض المعركة في العراق وسوريا.
اضف تعليق