يتواصل انحسار تفشي فيروس كورونا في الصين، بؤرة الوباء الأولى والكبرى، كما يواصل انحساره في جاراتها، الا انه يواصل اجتياح بلدان اخرى وبعد أن ظلت إفريقيا صامدة لأسابيع أمام انتشار فيروس كورونا المستجد، كشفت آخر الإحصاءات أن المرض اقتحم 39 دولة إفريقية على الأقل حتى الآن...
يتواصل انحسار تفشي فيروس كورونا في الصين، بؤرة الوباء الأولى والكبرى، كما يواصل انحساره في جاراتها، الا انه يواصل اجتياح بلدان اخرى وبعد أن ظلت إفريقيا صامدة لأسابيع أمام انتشار فيروس كورونا المستجد، كشفت آخر الإحصاءات أن المرض اقتحم 39 دولة إفريقية على الأقل حتى الآن، وهنال تحذيرات جديدة أطلقتها منظمة الصحة العالمية وعدد من المنظمات الأخرى للقارة الإفريقية بخصوص انتشار فيروس كورونا، مؤكدين أنها ستتحول إلى بؤرة انتشار كبيرة، كما حدث في الولايات المتحدة وأوروبا والصين، وأكدت منظمة الصحة العالمية أنه يجب على الحكومات الإفريقية البدء باتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من تفشي الفيروس.
هل ستتحول أفريقيا إلى بؤرة جديدة لفيروس كورونا؟
يواصل وباء كورونا تفشيه فيالدول الأفريقية وسط تحذيرات لمنظمة الصحة العالمية لحكومات القارة السمراء، دعتها فيها إلى الإسراع في أخذ التدابير الطبية الاستعجالية لمواجهة "أسوأ السيناريوهات"، وعزز هذا النداء الأممي صرخة أخرى أطلقها الطبيب الكونغولي الذائع الصيت دينيس موكويغي، والحائز على جائزة نوبل للسلام في 2017.
ففي مقابلة أجراها مع جريدة "لوموند" الفرنسية في 28 مارس/آذار، دعا هذا الأخصائي في معالجة أمراض النساء إلى التصدي بقوة لفيروس كورنا، وقال "إن المجتمعات الأفريقية أصبحت تدرك جيدا خطورة هذا الوباء على حياتها لكن هناك حقيقة مرة وهي أن الحجر المنزلي شبه مستحيل في العديد من الدول"، وسجلت الدول الأفريقية، حسب الإحصاءات الرسمية التي نشرتها بعض الحكومات، وفاة حوالى 400 شخص جراء فيروس كورنا لغاية الآن، فيما تجاوز عدد الإصابات عشرة آلاف وتشمل هذه الإصابات 50 دولة من أصل 54 ويعتبر هذا العدد متواضعا مقارنة بالإصابات التي حصدها وباء إيبولا في 2014 والتي بلغت 11.000 حالة وفاة في ثلاث دول فقط، وهي ليبيريا وسيراليون وغينيا.
فيروس كورونا يضع الأنظمة الصحية الأفريقية على المحك، ورغم انخفاض نسبة الإصابات في أفريقيا مقارنة بأوروبا والولايات المتحدة، إلا أن تقريرا جديدا نشرته المدرسة البريطانية للوقاية والطب الاستوائي رجح إمكانية ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كوفيد-19 إلى 450 ألف حالة في مطلع شهر مايو/أيار المقبل في القارة الأفريقية، وإضافة إلى هذا العدد الكبير من الإصابات، يخشى باحثون بريطانيون من الأعراض الثانوية التي قد تتركها هذه الجائحة على المرضى وعلى الأنظمة الصحية التي هي أصلا ضعيفة.
من بينها صعوبة القيام بالتحاليل الطبية الكافية لرصد الإصابات بالفيروس وظهور اضطرابات في حملات الطب الوقائي وفي عمليات التطعيم، هذا، وشككت مؤسسة "مو إبراهيم" التي تهتم بقضايا التنمية في القارة الأفريقية والحكم الراشد في تقرير نشرته في 30 مارس/آذار الماضي في مدى "صحة أرقام المصابين بفيروس كورونا في القارة السمراء"، وحذرت هذه المؤسسة أن في حال "انتشر وباء كوفيد-19 بشكل واسع في أفريقيا، فستكون تداعياته وخيمة على السكان والاقتصاد"، داعية إلى المزيد "من التنسيق بين الحكومات من جهة ودعم المؤسسات الصحية لمواجهة الوباء فضلا عن جمع وتقاسم البيانات الطبية والمعلومات، من جهة أخرى".
هل سيضعف فيروس كورونا الأنظمة الأفريقية؟
وإلى ذلك، أكد عضو في فريق "كارل بيرسون" وهو معهد دولي للإحصاء أسسه عالم الرياضيات كارل بيرسون في حوار مع الموقع الإلكتروني "theeastafrican" (ذو إيست أفريكن) أن "أزمة كوفيد-19 ستكشف ضعف الأنظمة الصحية العامة في الدول الأفريقية ما جعل بعض الشركات الاقتصادية تفكر في تقديم المساعدات للحكومات التي تعاني من نقص في التجهيزات الطبية والمعدات بدلا من أن تنتظر هذه الحكومات وصول المساعدات من الدول الغربية، التي هي أصلا تعاني في نفس الوضع".
وفي الأثناء، نشر الموقع الإلكتروني لجريدة "لتريبون" الفرنسية تقريرا قام به مركز التحليل والتنبؤ والاستراتيجية التابع للخارجية الفرنسية، عبر فيه عن خشيته أن تنعكس أزمة كورونا سلبا على الأنظمة الأفريقية، لا سيما تلك التي تقع في منطقة الساحل (مالي وتشاد والنيجر) وأفريقيا الوسطى.
هل يقطع كورونا العلاقة بين المجتمعات الأفريقية ومؤسسات الدولة؟
أشار تقرير إلى أن "أزمة كوفيد-19 ستؤدي إلى بروز صراعات جديدة من أجل السيطرة على السلطة وعلى أجهزة الدولة"، مشيرا إلى أن "أمام غياب الثقة في النخب السياسية، يجب (على فرنسا) إيجاد شركاء سياسيين جدد لمواجهة الأزمة وعواقبها السياسية في المستقبل و"فتح قنوات حوار مع فاعلين آخرين، من بينهم ممثلو الديانات ومواطنون فرنسيون من أصول أفريقية ومستثمرون اقتصاديون ورجال ثقافة وفنانون يحظون بشعبية كبيرة في بلدانهم".
وأضاف التقرير أن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في أفريقيا، لا سيما في زمن الحجر الصحي، "سيتسبب في قطع العلاقة بشكل نهائي بين المجتمعات الأفريقية ومؤسسات الدول التي يعيشون فيها، ما قد ينذر بظهور اضطرابات سياسية وحتى أعمال عنف"، وأنهى التقرير أن فيروس كورونا سيهدد التوازن "الضعيف" الذي تتمتع به مجتمعات دول أفريقيا الوسطى مثل الكاميرون والغابون والكونغو وبرازافيل التي تعتمد اقتصاداتها على تصدير النفط. فأي انهيار إضافي للأسعار يمكن أن يشكل تهديدا حقيقيا لمجتمعات هذه الدول.
أي البلدان تتجه لذروة الاصابة بكورونا؟
قال مسؤولون في منظمة الصحة العالمية إن بعض الدول الأفريقية قد تشهد ذروة الإصابات بفيروس كورونا المستجد خلال الأسابيع المقبلة وحثوا على زيادة إجراء فحوصات الكشف عن الفيروس على وجه السرعة في المنطقة، وقال ميشيل ياو، مدير برنامج منظمة الصحة العالمية للاستجابة لحالات الطوارئ في أفريقيا، خلال مؤتمر صحفي عبر الهاتف "خلال الأيام الأربعة الماضية يمكننا أن نرى أن الأرقام تضاعفت بالفعل" وأردف قائلا "إذا استمر هذا الاتجاه، ونتعلم أيضا مما حدث في الصين وأوروبا، فقد تواجه بعض الدول ذروة هائلة في وقت قريب جدا" وأضاف أن هذه الذروة قد تصل في الأسابيع المقبلة لكنه لم يذكر دولا بالاسم.
وتشير إحصائيات لرويترز استندت إلى بيانات حكومية وبيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد الأشخاص الذين تم تسجيل إصابتهم بفيروس كورونا في أفريقيا منخفض نسبيا حتى الآن إذ جرى تسجيل نحو 11 ألف حالة إصابة و562 حالة وفاة، وقالت ماتشيديسو مويتي المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لأفريقيا إن هناك "حاجة ملحة" لتوسيع القدرة على إجراء الفحوصات لتتجاوز العواصم في أفريقيا إذ يتفشى الفيروس في مختلف أرجاء الدول.
وقال مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس لدبلوماسيين في جنيف "دون المساعدة والعمل الآن، قد تعاني الدول الفقيرة والمجتمعات الضعيفة من دمار هائل" وأضاف "عدد الإصابات في أفريقيا قليل نسبيا الآن، لكنه يتزايد بسرعة" واشار إلى الخسائر التي حدثت حتى في الدول الغنية خلال 100 يوم منذ أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية للمرة الأولى بحالات "التهاب رئوي لسبب غير معروف" في مدينة ووهان، وعبر قادة أفارقة من بينهم رؤساء جنوب أفريقيا ونيجيريا ورواندا عن دعمهم لتيدروس، وزير خارجية إثيوبيا السابق، بعدما انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنظمة التابعة للأمم المتحدة وهدد بوقف مساهمة بلاده في ميزانيتها.
لماذا تفشى كورونا بين السياسيين في إفريقيا؟
مع بدء انتشار فيروس كورونا المستجد في القارة الإفريقية، يتفشى الوباء بصورة خاصة في الأوساط السياسية مع لزوم رئيس بوتسوانا ورئيس وزراء ساحل العاج الحجر الصحي وانتقال العدوى إلى العديد من الوزراء، وصولا إلى وفاة نائبة رئيس الجمعية الوطنية في بوركينا فاسو، ويوضح الخبير السياسي في ساحل العاج جان ألابرو "يُقال أن هذا مرض النخب العالمية والأكثر إصابة هم الذين يسافرون أو الذين يدخلون على تواصل مع هؤلاء الأشخاص أو أقلّه في البداية وبالتالي، ينطبق ذلك في إفريقيا على السياسيين".
وحذرت مديرة منظمة الصحة العالمية لإفريقيا ماتشيديسو ريبيكا مويتي من "التطور الخطير" لوباء كوفيد-19 في إفريقيا حيث بات يطاول أربعين بلدا، بعدما كانت الإصابات محصورة ببلد واحد قبل شهر، مشيرة عبر شبكة "فرانس 24" التلفزيونية إلى تسجيل "حوالى 300 إصابة في اليوم" بلغ عدد الاشخاص المصابين بفيروس كورونا المستجد في إفريقيا 3340 فيما توفي 91 شخصا، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس، في ساحل العاج، أعلن رئيس الوزراء أمادو غون كوليبالي مرشح الحزب الحاكم للانتخابات الرئاسية في تشرين الأول/أكتوبر على تويتر أنه وضع نفسه في الحجر المنزلي "بعدما كان على تواصل مع شخص تبين أنه مصاب بالفيروس".
وبحسب مصدر قريب من السلطة، هناك حوالى عشر "شخصيات رفيعة المستوى" في الحجر المنزلي حاليا، وأبدت السلطات استخفافا في تعاطيها مع الأزمة بحسب ما أوضح جان ألابرو مشيرا إلى أن مجلس الأمن الوطني حول فيروس كورونا المستجد لم يجمع سوى 43 شخصية، واتهم الرئيس السابق هنري كونان بيدييه السلطة بالمماطلة في فرض بعض التدابير حتى يتسنى التصويت على تعديل دستوري في الكونغرس في 16 آذار/مارس، "واضعة الحسابات السياسية والمصالح الضيقة فوق صحة شعب ساحل العاج".
ماذا بعد الاغلاق التام الذي طال لاغوس؟
أفاقت لاغوس، العاصمة الاقتصادية الصاخبة لنيجيريا، على شوارع مقفرة وهدوء غير اعتيادي، الاغلاق التام في سياق جهود القارة الافريقية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، في الاحياء التي قصدتها وكالة فرانس برس، كانت كل المتاجر مغلقة والاسواق فارغة والشوارع خالية الا من بعض السيارات التي كانت تتوقف عند حواجز اقامتها قوات الامن التي انتشرت على كل التقاطعات الرئيسية، وامر الرئيس محمد بخاري حظر "اي حركة" ولمدة لا تقل عن 14 يوما في ولايتي لاغوس وابوجا حيث سجلت رسميا غالبية الاصابات بكورونا المستجد والتي بلغ عددها حتى الان 135 اضافة الى حالتي وفاة.
في اي حال، انه السؤال الذي يطرحه الجميع: كيف يمكن تطبيق هذه التدابير المتشددة، وخصوصا في مدن صفيح مكتظة يعيش القسم الاكبر من سكانها تحت خط الفقر من دون اي مدخرات؟، /وقال المهندس الستيني اوغون نوبي فيكتور "نعلم جيدا انه يجب الاحجام عن التنقل للحد من عدد الاصابات. لكن المواطنين لا مال لهم، سيلازمون منازلهم من دون مأكل"، واعلنت ولاية لاغوس اقامة اسواق مجاورة للاحياء الشعبية وتوزيع مواد غذائية على مئتي الف عائلة تعاني فقرا مدقعا، لكنه غيض من فيض عشرين مليون نسمة، القيود تختلف بين بلد وآخر في القارة الافريقية حيث احصيت رسميا 5300 اصابة بالفيروس و170 وفاة وفق تعداد لفرانس برس وانضمت تنزانيا الى قائمة الدول المتضررة معلنة اول وفاة على اراضيها، والاغلاق التام الذي فرضته نيجيريا على سكانها، يماثل ما حصل في جنوب افريقيا وتونس ورواندا.
سرى في اوغندا ايضا اجراء مماثل مع اعلان الرئيس يويري موسيفيني وقفا فوريا لاي تنقل للسيارات وحظر تجول ليليا، في المقابل، لجأت دول اخرى مثل كينيا والسنغال وساحل العاج الى تدابير اقل تشددا، وفي الكونغو برازافيل (خمسة ملايين نسمة) التي تستعد بدورها للاغلاق بدءا من الساعة 20,00، هرع سكان العاصمة الى كبرى المتاجر والافران للتمون، وايضا الى محطات القطارات للمغادرة الى قراهم، والنتيجة ان ثمن بطاقة للتوجه الى غامبوما التي تبعد 325 كلم شمال برازافيل ارتفع من ستة الاف فرنك كونغولي (تسعة يورو) الى خمسة عشر الف فرنك (22,5 يورو)، وفق ما افاد احد مراسلي فرانس برس.
ولا يمر تطبيق هذه الاجراءات من دون عنف تلجأ اليه الشرطة، كما في جنوب افريقيا حيث نددت وزيرة الدفاع نوسيفي مابيسا الاثنين ب"تجاوزات" ارتكبها جنود بحق مدنيين واظهرتها اشرطة مصورة تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشر نحو ثلاثة الاف عسكري لفرض احترام الاغلاق التام في هذا البلد الذي سجل اكبر عدد معلن من الاصابات بكورونا في القارة السوداء، واعلن رئيس جنوب افريقيا سيريل رامافوزا نشر عشرة الاف شخص في البلاد كلفوا رصد الاشخاص الذين تظهر عليهم اعراض الوباء، واوضح ان هؤلاء "سيتم ارسالهم الى عيادات" لاخضاعهم للفحص المطلوب.
يبقى ان وتيرة تفشي الوباء في افريقيا تظل بطيئة مقارنة ببقية انحاء العالم، كانت ست دول لا تزال في منأى منه من اصل 54، وهي جنوب السودان وبوروندي وساو تومي وبرنتسيب وملاوي وليسوتو وجزر القمر، غير ان الخبراء حذروا مرارا من عدم قدرة افريقيا على مواجهة الوباء، وخصوصا في ظل نزاعات عدة وانظمة صحية محدودة القدرات ومستشفيات تفتقر الى التجهيزات اللازمة ومدن صفيح مكتظة.
اضف تعليق