أظهرت المستجدات الأخيرة في معركتي الانبار وتدمر، مؤشرات حقيقية لحرب استنزافية غير محسومة النتائج، فما يحصل الآن في سوريا هو عمليات كر وفر ميدانية لا تغير في المعادلة لا أمنيا ولا سياسيا، تارة ينجح جيشا العراق وسوريا وحلفائهما في تحسين مواقعهما في مكان ما، وأخرى ينجح داعش وحلفاؤها والدول الداعمة له بصورة مباشرة وغير مباشرة في تحسين موقعه من مكان الى آخر، وهذا احد اهم اهداف مؤسسي داعش في الشرق الاوسط وهو استمرار الاستنزاف بالعنف والاحتراب والاضطرابات على كل المستويات، لتحقيق أجندة بعض الدول الاقليمية والدولية الساعية لتغيير الشرق الاوسط من خلال داعش او بالأحرى اعادة تقسيمه على غرار التقسيم في سايكس بيكو بداية القرن الماضي، لكن الهدف الاول هو استنزاف هذه الشعوب وسلب ثرواتها ومحو تراثها الحضاري والديني وحماية اسرائيل، بحسب أغلب المحللين.
فقد بينت الوقائع والتطورات الميدانية في حرب العراق وسوريا ضد داعش مفارقات وتباينات متعددة المقاصد من لدن بعض الدول الإقليمية والعالمية المشاركة بشكل مباشر في هذه القضية التي باتت تشكل بعدا دوليا، فبعض هذه الدول تسعى الى مساعدة عسكرية على غرار التحالف الذي تقوده امريكا ضد داعش بالظاهر، بينما تذكي الحرب وتزيد من تعقديها بالخفاء، مما جعل الحرب ضد داعش تدور داخل حلقة مفرغة تساعد على ديمومة الصراع الذي يغذي العنف وينشر الدمار في العراق وسوريا، وهذا ما جعل منها أزمة بالغة الضخامة لها أبعاد إقليمية ودولية، والدليل هنا هو تناقض امريكا في تأييد حكومة العراق ولكنها تعارض حكومة سوريا، وهو ما ألقى بمزيد من الشك حول مدى فاعلية الاستراتيجية الأمريكية بشن ضربات جوية لمساعدة بغداد على دحر التنظيم الذي يسيطر على ثلث كل من العراق وسوريا.
لكن يرى محللون آخرون أن تغيير موازين الحرب ممكنة وتبشر بالنهاية المحسومة لداعش، فيما لو اجتمعت نقاط القوة العراقية مع حلفائها وخاصة امريكا وايران، لكن الاخيرين لا ينسجمان الا في حال عقد صفقة خفية في العراق وهذا السيناريو لا يبدو قريبا نظرا لاحتدام الصراع وتصاعد المنافسة بشأن الحصول على المزيد من النفوذ والمصالح.
وقد أوضح واقع الحرب ضد داعش ان العراق لا يعول على امريكا كثيرا والدليل الانتصارات في معركة تكريت لاسيما وان امريكا تنتهج المماطلة والغموض في مساعدة العراق ودعمه، لذا بدأت تعد القوات العراقية بالتعاون مع الحشد الشعبي، لعملية عسكرية سريعة الهدف منها استعادة مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار من أيدي تنظيم داعش الارهابي، ويلاحظ المتابعون أن أمريكا بدأت بتغيير ملامح استراتيجيتها في محاربة داعش، وفقا للمتغيرات العسكرية والسياسية التي حدثت مؤخرا، والتي تتمثل في تغير دفة الانتصارات العسكرية في العراق بمساعدة ايرانية، والتي اثارت حفيظة الولايات المتحدة تجاه ايران.
فأمريكا لا تريد خسارة العراق وتعتبره ملفا مهما في سياستها الخارجية لاسيما قبل اقل من سنتين من انتهاء ولاية اوباما الاخيرة، في المقابل، يرى خصومه ان اصراره على سحب القوات الاميركية في نهاية العام 2011 كان خطأ استراتيجيا كبيرا، لذا يرى المحللون المتخصصون انه منذ بدء الحروب الامريكية اعتمدت هذه الدولة المستعمرة على صفقات الاسلحة وتأجيج الحروب الداخلية والتسميم السياسي لكي تكون ذريعة لتتدخل بالشؤون الداخلية للدول التي تحتلها بذريعة الحماية او اتفاقات امنية استراتيجية، وتكشف المعطيات آنفة الذكر سياسة الرياء الامريكية لإخفاء النوايا المبيتة والرهانات الشبه حتمية والحقيقية الموجود لدى الولايات المتحدة، وعليه ربما ستظهر معركة الانبار صفقات جديدة تلقي بظلالها على محاربة داعش قد تحسم المعركة أو تحولها الى حرب استنزافية مستمرة.
العراق يستعيد المبادرة
في سياق متصل استعادت القوات العراقية أراضي من تنظيم داعش الارهابي بالقرب من مدينة الرمادي التي سقطت في الآونة الأخيرة في قبضة المتشددين، وفي سوريا قالت الحكومة إن المتشددين قتلوا مئات الأشخاص منذ سيطرتهم على بلدة تدمر. بحسب رويترز.
وفي انتقاد حاد لحليف واشنطن اتهم وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر الجيش العراقي بالتخلي عن الرمادي عاصمة محافظة الأنبار وتقع غرب بغداد في مواجهة قوات معادية أصغر حجما بكثير، وقال في برنامج لشبكة (سي.إن.إن) "القوات العراقية لم تظهر أي إرادة في القتال، كانوا يفوقون القوة المعادية عددا لكنهم انسحبوا من المكان".
وشنت الحكومة العراقية ومعها الحشد الشعبي بعد أسبوع من سقوط الرمادي هجوما ناجحا، وقال ضابط برتبة رائد في الشرطة ومقاتل قبلي سني مؤيد للحكومة في المنطقة إنه جرى استعادة بلدة الحصيبة الشرقية التي تبعد نحو عشرة كيلومترات شرقي الرمادي.
وقال عامر الفهداوي أحد شيوخ العشائر المحلية مشيرا إلى تنظيم داعش "استعدنا اليوم السيطرة على الحصيبة ونخطط لمزيد من التقدم لطرد مقاتلي داعش"، واضاف "الحالة المعنوية مرتفعة والمقاتلون حالتهم جيدة بعد وصول تعزيزات وشحنات ذخيرة"، وقال الفهداوي ورائد الشرطة إن طائرات تقصف مواقع الدولة الإسلامية على الضفة المواجهة لنهر الفرات حيث يطلق متشددون قذائف مورتر ونيران قناصة لمنع القوات الموالية للحكومة من التقدم.
الحشد الشعبي يتقدم لاستعادة الرمادي
من جهته قال متحدث باسم قوات الحشد الشعبي إن قوات الحشد وقوات الجيش العراقي شنت هجوما مضادا على تنظيم داعش الارهابي قرب مدينة الرمادي بعد المكاسب التي حققها التنظيم الارهابي، وقال جعفر الحسيني المتحث باسم كتائب حزب الله الشيعية إن الكتائب نشرت أكثر من ألفي مقاتل تمكنوا من تأمين الخالدية والطريق المؤدي للحبانية، وأضاف لرويترز عبر الهاتف أن يوم السبت سيشهد بعض العمليات التكتيكية لتمهيد الطريق من أجل تحرير الرمادي.
وفي الوقت ذاته تتقدم وحدات من تنظيم الدولة الإسلامية صوب الفلوجة في مسعى لاكتساب مزيد من الأراضي بينها وبين الرمادي الأمر الذي سيتيح له الاقتراب من بغداد التي تقع على بعد 80 كيلومترا إلى الشرق. وقال زعيم عشائري سني مؤيد للحكومة في المنطقة إن قوات الدولة الإسلامية على بعد خمسة كيلومترات من الخالدية.
من جانبه اعلن متحدث رسمي باسم قوات الحشد الشعبي التي تقاتل الى جانب القوات الحكومية الجمعة انطلاق عملية تحرير مدينة الرمادي، كبرى مدن محافظة الانبار، "خلال ايام"، وقال احمد الاسدي لفرانس برس ان "عملية تحرير الانبار تتطلب تحضيرات لانها ليست سهلة". وتلعب قوات الحشد الشعبي التي تجمع متطوعين يؤلف اغلبهم فصائل شيعية دورا مهما عبر وقوفها الى جانب القوات الامنية لمساندتها في استعادة السيطرة على منطقة الرمادي التي اصبحت منذ الاحد الماضي، تحت سيطرة الدولة الاسلامية. بحسب فرانس برس.
واضاف ان "داعش سيطر على الرمادي وتمكن من السيطرة على بعض الاسلحة والمعدات ونحن الان نركز على توفير اكبر قدر من الاسلحة الحديثة والمهمة واللازمة لعملية تحرير الانبار"، واكد الاسدي وهو نائب عن حزب الدعوة ان "العملية لن تبدأ خلال الساعات القادمة ولكن خلال ايام"، واضاف "ستكون عملية واسعة يشارك فيها عشرات الاف المقاتلين من القوات الامنية والحشد الشعبي".
واوضح ان "الاستعدادات جارية لتهيئة كل مقدمات الدخول في العملية، واندفعت افواج من الحشد الشعبي الى خط التماس المباشر مع العدو لتامين خطوط صد لمنع داعش من التمدد لمناطق اخرى كمرحلة اولى"، وتابع "وتجري استعدادات لاقتحام وتحرير المناطق التي يسيطر عليها داعش بالتنسيق مع الجيش وطيران الجيش والشرطة الاتحادية وكل القوى المشاركة في العملية"، ويعد الهجوم المقابل الذي تستعد القوات العراقية لتنفيذه المفتاح الرئيسي لمنع المتطرفين من فرض سيطرتهم على المنطقة من خلال زرع عبوات ناسفة ووضع مناطق محصنة لهم، وتطالب القوات العراقية بتجهيز قواتها بالمعدات لمعالجة العبوات الناسفة التي تعد الاسلوب الرئيسي للمتطرفين لمواجهة القوات العراقية.
عمليات تطهير في مصفاة بيجي
من جهة أخرى قال الجيش الاميركي ان القوات العراقية التي تقاتل تنظيم الدولة الاسلامية تمكنت من تطهير طريق بري مؤدي الى مصفاة بيجي، اكبر مصفاة نفط في العراق، وجاء في بيان للجيش الاميركي ان "قوات الامن العراقية والشرطة الفدرالية تدعمها قوات التحالف نجحت في تطهير طريق بري والسيطرة عليه"، واضاف انه "تجري حاليا عمليات تعزيز واعادة امداد قوات الامن العراقية في محيط المصفاة"، وتقع المصفاة قرب مدينة بيجي التي تبعد نحو 200 كلم شمال بغداد. بحسب فرانس برس.
وتعد السيطرة على منطقة بيجي خطوة مهمة لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل التي تعتبر معقلا لتنظيم الدولة الاسلامية، وحاصر تنظيم الدولة الاسلامية المصفاة الكبيرة التي كانت تنتج 300 الف برميل من النفط المكرر يوميا بما يلبي نصف احتياجات البلاد من منتجات النفط، لمدة اشهر بعد هجوم التنظيم الكاسح وسيطرته على مناطق شاسعة من العراق في حزيران/يونيو 2014.
وتم اختراق الحصار العام الماضي الا ان تنظيم الدولة الاسلامية هاجم المصفاة مجددا في نيسان/ابريل وتمكن بعض مقاتليه من التمركز داخل مجمع المصفاة.
وصرح الجنرال ثوماس ويدلي رئيس هيئة اركان قوة المهمات المشتركة في الجيش الاميركي "خلال الساعات ال72 الماضية، حققت قوات الامن العراقية تقدما ثابتا وملموسا" في استعادة السيطرة على مناطق مؤدية الى المصفاة، واضاف ان القوات العراقية واجهت مقاومة كبيرة من تنظيم الدولة الاسلامية الذي استخدم العبوات الناسفة والعربات المفخخة اضافة الى الاسلحة الثقيلة والهجمات الصاروخية".
السيستاني يدعو لخطة حكيمة بعد سقوط الرمادي
الى ذلك دعا آية الله علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى في العراق إلى وضع خطة لتطهير البلاد من تنظيم داعش الارهابي بعدما بسطوا سيطرتهم على مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار. بحسب رويترز.
وفي أول خطبة له منذ سقوط الرمادي لم يذكر الشيخ عبد المهدي الكربلائي المتحدث باسم السيستاني وهو يلقي خطبة الجمعة نيابة عنه مدينة الرمادي صراحة، لكنه دعا إلى ضرورة وضع خطة دقيقة وحكيمة من قبل شخصيات وطنية ومحترفة لحل القضايا الأمنية والعسكرية والبدء في تطهير الأراضي العراقية من جميع الإرهابيين، وقال السيستاني إن التركيز كان على الدفاع أكثر من الهجوم وإن هذا يجعل للتنظيم اليد العليا، وأضاف أن زمام المبادرة يجب أن يكون في يد القوات المسلحة والحشد الشعبي ومقاتلي العشائر.
اضف تعليق