يهدد منع الحوثيين في اليمن تداول أوراق نقدية جديدة أصدرتها الحكومة المعترف بها دوليا بمضاعفة الازمة الاقتصادية الحادة وبمزيد من المعاناة في البلد الغارق في الحرب منذ خمس سنوات، ويشهد اليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، حربا مدمّرة بين الحكومة والمتمردين منذ 2014، أدّت إلى أزمة انسانية كبرى...
يهدد منع الحوثيين في اليمن تداول أوراق نقدية جديدة أصدرتها الحكومة المعترف بها دوليا بمضاعفة الازمة الاقتصادية الحادة وبمزيد من المعاناة في البلد الغارق في الحرب منذ خمس سنوات، ويشهد اليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، حربا مدمّرة بين الحكومة والمتمردين منذ 2014، أدّت إلى أزمة انسانية كبرى. بحسب فرانس برس.
دخل قرار المنع حيز التنفيذ في 19 من كانون الثاني/يناير الماضي، وتوقف سكان صنعاء وأصحاب محلات الصرافة عن التعامل مع الأوراق النقدية الجديدة خوفا من عقوبات قد تصل إلى السجن عشر سنوات، بحسب مصادر مقربة من المتمردين، ويصر المتمردون على إن قرار منع هذه العملات الجديدة- التي بدأت الحكومة بطباعتها في أوائل عام 2017- يهدف إلى حماية الناس من التضخم.
بلغ سعر الصرف في عدن 682 ريالاً يمنياً مقابل دولار واحد، بينما يعادل الدولار الواحد في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين نحو 600 ريال، حسب ما أفادت مصادر مصرفية وكالة فرانس برس.
وتراجعت قيمة الريال اليمني نحو 15% في جنوب البلاد في الأسابيع الخمسة الماضية، ونحو 7% في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وفي أسواق اليمن، تتكدس اكشاك المحلات بالخضار، ومع تدهور قيمة الريال اليمني، يشعر السكان بالضيق إثر تراجع قدرتهم الشرائية المتدهورة أصلا.
ويقول عبده عبيد في مدينة عدن "الأسعار مرتفعة للغاية ولم نعد نستلم الرواتب. الوضع متدهور وكل البلاد من سيء الى أسوأ"، وفي صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، اشتكى السكان أيضا من منع تداول العملات الجديدة.
وقال المواطن عبد العزيز علي إن المنع "شكّل ضررا كبيرا علينا كمواطنين، الكثير منا يمتلكون نقودًا من الطبعة الجديدة لكن أصبحنا غير قادرين على شراء قوت يومنا بهذه الأموال"، وحذّر منسّق الشؤون الإنسانيّة في اليمن راميش رجاسينغام هذا الشهر أمام مجلس الأمن الدولي من خطر حدوث مجاعة جديد في هذا البلد.
وقال المسؤول للمجلس عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة "مع التدهور السريع لقيمة الريال (اليمني) والاضطرابات في دفع الرواتب، نلاحظ مجدّدًا بعض العوامل الرئيسية التي جعلت اليمن على شفير مجاعة قبل عام. علينا ألا ندع ذلك يتكرّر".
ابتزاز السكان
وتدير الحكومة المعترف بها دوليا البنك المركزي اليمني من عدن، عاصمتها المؤقتة، منذ 2016، بعدما اتّهمت المتمردين باستخدام أموال المصرف لتمويل أنفسهم وهو ما نفاه الحوثيون، وأدى نقل عمليات المصرف المركزي إلى عدن الى وجود مركزين ماليين يتعاملان مع عملة واحدة، الأول في المدينة الجنوبية، والثاني في صنعاء.
وأكّد مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في تقرير صدر أخيرا أنّ المواجهة على الأوراق النقدية الجديدة قد تؤدي إلى انهيار منظومة الريال اليمنيّ، مشيرا إلى أنها دفعت البلاد بالفعل الى استخدام عملات صعبة خاصة الريال السعودي والدولار الأميركي، وبحسب التقرير فإن "السكان الذين وصل الملايين منهم بالفعل إلى حافة الجوع سيتكبدون تكاليف زائدة وتدهوراً إضافياً في القدرة الشرائية وفي وضعهم" المعيشي.
ويرى الباحث في المركز أنتوني بيزويل الذي شارك في كتابة التقرير إنه في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين "يلجأ الناس إلى السوق السوداء (..) على أمل الحصول على اوراق نقدية ويقومون بدفع تكاليف إضافية للحصول عليها".
أما في الجنوب، فيقول بيزويل أنه نظرا لكون المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية "ذات كثافة سكانية أقل ونشاط (اقتصادي) أقل، سيكون هناك فائض في الأوراق النقدية المطبوعة حديثا (..) ما سيؤدي إلى التضخم"، وبحسب التقرير فإن هذا القرار سيكون له تأثير مباشر على القدرة الشرائية للسكان.
وأوضح "البضائع تدخل (إلى اليمن). القضية متعلقة بالقدرة الشرائية وقدرة الناس على شراء البضائع المتوفرة في السوق"، ويشكو اليمنيون من تضاعف أسعار المواد الغذائية مرتين على الأقل منذ بدء الحرب عام 2014، بينما ذكرت صحيفة في عدن إن قيمة الريال تراجعت 5 بالمئة في اسبوع واحد فقط.
وندّدت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي بمنع الاوراق النقدية الجديدة متهمة الحوثيين ب "ابتزاز" اليمنيين، وأكد وزير التخطيط والتعاون الدولي اليمني نجيب العوج لفرانس برس إن " رئيس الوزراء (معين سعيد) قام بالتطرق لذلك مع سفراء الاتحاد الأوروبي. وفعلًا طالبنا بالضغط" على الحوثيين، وبحسب العوج فإن الحكومة ستبحث الموضوع أيضا مع الأمم المتحدة، تدور الحرب في اليمن منذ 2014 بين الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة صنعاء واجزاء اخرى من البلاد والقوات الموالية لحكومة الرئيس المعترف به عبد ربه منصور هادي، وتسبّب النزاع على السلطة بمقتل عشرات الآلاف، بينهم عدد كبير من المدنيين، حسب منظمات إنسانية، خصوصا منذ بدء عمليات التحالف ضد المتمردين لوقف تقدّمهم في اليمن المجاور للمملكة في آذار/مارس 2015.
وإضافة إلى الضحايا، لا يزال هناك 3,3 ملايين نازح، فيما يحتاج 24,1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، الى المساعدات الإنسانية، بحسب الأمم المتحدة التي تصف الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ في العالم حاليًا.
الأوراق النقدية.. جبهة قتال جديدة في الصراع اليمني
فتحت الأطراف المتحاربة في اليمن يوم السبت جبهة جديدة في صراعها الدائر منذ خمس سنوات.. معركة بين أوراق نقدية قديمة وأخرى جديدة مما ينذر بوجود اقتصادين في نفس الدولة، وحظرت جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء استخدام وحيازة الريال اليمني الجديد الذي أصدره منافسوها في الحكومة المعترف بها دوليا والتي تتخذ من مدينة عدن الساحلية الجنوبية مقرا لها على أن يبدأ سريان القرار اعتبارا من منتصف الليل، ويقول الحوثيون المتحالفون مع إيران إنه ينبغي على اليمنيين استخدام العملة القديمة فحسب ويدفعون بأن الحظر خطوة لمواجهة التضخم وإفراط الحكومة في إصدار عملات بنكنوت على حد قولهم، أما الحكومة فوصفت الحظر بأنه تخريب اقتصادي. وكالعادة وجد اليمنيون أنفسهم ممزقين بين الجانبين. بحسب ما ذكرته وكالة رويترز.
وقال يمنيون من الجانبين لرويترز إن الحظر تسبب فعليا في وجود عملتين بقيمتين مختلفتين مما يزيد الاضطراب في بلد تحكمه قوتان ويعاني ويلات الحرب، وفي الشهر الذي سبق الحظر، كان الناس يصطفون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين سعيا لإبدال ما بحوزتهم من ريالات جديدة بعملات قديمة، مما حوّل الأوراق المهترئة البالية إلى سلعة ذات قيمة ونادرة نسبيا.
وكانت قيمة العملة المحلية مستقرة عند حوالي 560 ريالا للدولار في ربوع اليمن قبل إعلان الحظر في منتصف ديسمبر كانون الأول. وانخفضت قيمتها قليلا في المناطق الخاضعة للحوثيين وبلغت حوالي 582 ريالا للدولار لكنها تراجعت أكثر بكثير ووصلت إلى 642 في الجنوب الذي يزخر الآن بالعملات الجديدة.
وقد تبدو هذه القوة النسبية في صالح الشماليين فقط إذا استطاعوا الحصول على ما يكفي من العملات القديمة، وقال عبد الله صالح الدحمسي (27 عاما) لرويترز من شارع في صنعاء قبل دخول الحظر حيز التنفيذ ”نذهب إلى الصرافة ولا يأخذون العملات الجديدة منا، أو يقولون إنهم بحاجة إلى ثلاثة أو أربعة أو خمسة أيام“، وأضاف ”الجديدة غير مقبولة والقديمة مهترئة، عليهم أن يجدوا حلا“.
وقبل أيام من بدء الحظر، رفض مكتب صرافة تحويل أموال لنحو 20 رجلا وامرأة وقال إنه استكمل الحصة المخصصة له لليوم. وظل كثيرون يتوافدون على المكتب لثلاثة أيام أملا في استبدال نقودهم، وأصبحت التجارة بين الشمال والجنوب أكثر تكلفة بكثير إذ يضطر التجار لشراء وبيع نوعين من الريال يمكن التمييز بينهما وفقا لحالة الورق المستخدم واختلاف التصميم والحجم.
بنكان مركزيان
عبر كثيرون في صنعاء لرويترز عن اعتقادهم بأهمية هذا الحظر من أجل الحد من التضخم، لكنهم قالوا إنهم يواجهون صعابا منذ بدء تطبيقه، وقال عبد الله البشيري (28 عاما)، ويعمل بالقطاع الخاص في صنعاء، ”عندما رأى الناس بدء تداول العملة الجديدة تمسكوا بها لأن شكلها نظيف وبراق. لكن حيازتها حاليا تمثل لهم مشكلة“.
ويمكن في المدينة استبدال 100 ألف ريال يمني (نحو 172 دولارا أمريكيا) من الأوراق النقدية الجديدة بعملة إلكترونية تُستخدم في سداد مدفوعات مثل تعبئة رصيد الهاتف أو دفع فواتير الكهرباء مقابل رسم بسيط يبلغ حوالي 1.5 دولار.
لكن الأمور تزداد صعوبة عندما يتعلق الأمر باستخدام الورقة النقدية في أسواق المواد الغذائية. وقال سكان في صنعاء إنه في السوق غير الرسمي لتغيير العملات يتم عرض استبدال 100 ألف ريال يمني من الأوراق النقدية الجديدة بما يتراوح بين 90 و96 ألف ريال من الأوراق القديمة التي باتت أقل توافرا.
وبعدما اقتحم الحوثيون العاصمة صنعاء في عام 2014 وأخرجوا منها حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، انقسم البنك المركزي اليمني إلى فرعين أحدهما في صنعاء تحت سيطرة الحوثيين والآخر معترف به دوليا في عدن حيث تجري طباعة الأوراق النقدية.
ودافعت سلطات عدن عن قرارها زيادة طباعة الأوراق النقدية الجديدة اعتبار من عام 2017، قائلة إنها محاولة للتعامل مع تفاقم الأزمة النقدية ودفع رواتب العاملين في القطاع العام، وقال يوسف سعيد أحمد، مستشار محافظ البنك المركزي في عدن، لرويترز قبل أيام إن ”الحوثيين اتخذوا القرار ولم يحسبوا تكلفته الاقتصادية على المجتمع“، وأضاف ”نأمل أن تكون الإجراءات التي اتُّخذت قصيرة الأجل، ولا يمكن استدامتها فيما يتعلق بالحوثيين، لأن الاقتصاد واحد وعوامل الإنتاج مشتركة والسلع تتدفق من عدن إلى صنعاء والعكس. وبالتالي فإن أي إجراء سيؤثر على النشاط الاقتصادي بشكل عام ولا يمكن حصره إيجابيا أو سلبيا على منطقة دون أخرى“، ودافع الحوثيون عن حظرهم قائلين إنه وسيلة للدفاع عن قيمة العملة.
وقال سامي السياغي المسؤول عن العمليات المصرفية الخارجية في البنك المركزي بصنعاء ”كان لا بد من اتخاذ هذه الإجراءات“ لوقف الممارسات التي ينفذها بنك عدن المركزي من خلال السياسة النقدية والتي وصفها بالخطيرة، وأضاف لرويترز أن فرض موقف عدن النقدي على البنك المركزي بصنعاء أدى إلى ”تدهور العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وبالتالي فإن رأس المال يتآكل مع كل إصدار... ومع كل عملية إصدار سنلاحظ حجم التدهور الذي يرافقه للريال اليمني“.
اضف تعليق