تظهر تحولات الحرب ضد داعش في العراق وسوريا مؤشرات وبؤر صراع استراتيجي يضع علامات استفهام حول حرب استنزافية مائعة وملتبسة النتائج، وهذا يشعل لهيب الصراع الحربي خلال الفترة المقبلة، فقد سيطر تنظيم داعش الارهابي على مدينة الرمادي العراقية، بعد انسحاب القوات الأمنية من مراكزها، بينما تراجع من مدينة تدمر الأثرية في سوريا بعد مواجهات مع القوات النظامية، في الوقت الذي لا تزال فيه المعارك الضارية مستمرة في كلا البلدين وعلى خط مساحة متقاربة.
إذ يرى الكثير من المحللين أن لمعركة تدمر أهمية استراتيجية لداعش، حيث تمهد له الطريق نحو البادية السورية المتصلة بمحافظة الأنبار، كما أنها مهمة من الناحية الدعائية، كونها محط أنظار عالمية بسبب آثارها، فيما يخشى محللون آخرون من تحول الاضطرابات الأمنية الأخيرة الى صراع طائفي تدفع التنظيمات الإرهابية اليه بقوة من اجل استغلاله في التحشيد لـ"حرب طائفية" قد تؤدي الى المزيد من اعمال العنف التي يصعب معها السيطرة على الأوضاع الأمنية مجددا.
في حين يرى أغلب المحللين أن المستجدات الأخيرة في معركتي الانبار وتدمر، تظهر مفارقات وتباينات متعددة المقاصد من لدن بعض الدول الإقليمية والعالمية المشاركة بشكل مباشر في هذه القضية التي باتت تشكل بعدا دوليا، فبعض هذه الدول تسعى الى مساعدة عسكرية على غرار التحالف الذي تقوده امريكا ضد داعش بالظاهر، بينما تذكي الحرب وتزيد من تعقديها بالخفاء، مما جعل الحرب ضد داعش تدور داخل حلقة مفرغة تساعد على ديمومة الصراع الذي يغذي العنف وينشر الدمار في العراق وسوريا، وهذا ما جعل منها أزمة بالغة الضخامة لها أبعاد إقليمية ودولية.
إذ يلاحظ المتابعون أن أمريكا بدأت بتغيير ملامح استراتيجيتها في محاربة داعش، وفقا للمتغيرات العسكرية والسياسية التي حدثت مؤخرا، والتي تتمثل في تغير دفة الانتصارات العسكرية في العراق بمساعدة ايرانية، التي اثارت حفيظة الولايات المتحدة تجاه ايران.
ويرى المحللون ان من شأن الانتصارات التي حققها العراقيون ضد تنظيم داعش ان تغير من استراتيجية امريكا في التعامل مع هذا التنظيم الارهابي، لاسيما بعدما دعمت ايران العراق بالاسلحة والاستشارة العسكرية، ففي الآونة الأخيرة يموج العراق وسط المماطلة السياسية الأمريكية - الإيرانية بحثا عن دعمها لصد الخطر الإرهابي من لدن تنظيم داعش ومن يدعمه، لتشكل الأزمة العراقية ابرز مظاهر صراع الأجندة بين الغريمين المتخاصمين على مدى أكثر من ثلاثة عقود ليجدا نفسيهما في الوقت الراهن يشتركان في التوجه لدعم العراق في مواجهة داعش، وعليه يشكل الصراع بين ايران وامريكا مأزقا ضحيته العراق وسوريا وهو ما يدق اجراس الانذار بقوة في ساحة الحرب ضد داعش وبشأن التعامل مع بعضهما لهزيمة داعش اذا كانت الغاية قريبة الاجل، والتي تنعكس بصورة مباشرة على سير العمل في محاربة داعش في العراق وسوريا.
الرياء الامريكي في حرب داعش
في سياق متصل قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية حققوا تفوقا في القتال في مدينة الرمادي وإنه في حالة سقوط تلك المدينة الواقعة في غرب العراق فإن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة سيدعم القوات العراقية "لاستردادها فيما بعد"، وعلى الرغم من أن البنتاجون لم يصل إلى حد تأكيد البيان الذي أصدره تنظيم الدولة الإسلامية وأعلن فيه سيطرته بشكل كامل على الرمادي عاصمة محافظة الأنبار فقد ترك هذا الاحتمال مفتوحا على ما يبدو وهو ما سيمثل هزيمة كبيرة لحكومة بغداد. بحسب رويترز.
وقالت اليسا سميث المتحدثة باسم البنتاجون إن "الرمادي كانت محل صراع منذ الصيف الماضي وأصبح لتنظيم الدولة الإسلامية التفوق الآن"، وأضافت إن خسارة هذه المدينة لا يعني تحول الحملة العسكرية العراقية لصالح تنظيم الدولة الإسلامية ولكنها اعترفت بأن ذلك يمنح التنظيم "انتصارا دعائيا"، وقالت سميث "هذا يعني فقط إنه يتعين على التحالف دعم القوات العراقية لاستعادتها (الرمادي) فيما بعد"، وأضافت إن الولايات المتحدة تواصل تزويدها بالدعم الجوي والمشورة.
كما قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إنها تتابع التقارير المتعلقة باستمرار القتال في مدينة الرمادي بغرب العراق وإن الوضع مازال "مائعا وملتبسا" على الرغم من تأكيد تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته بشكل كامل هناك. بحسب رويترز.
وقالت مورين شومان المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية عندما سئلت عما إذا كانت الولايات المتحدة أكدت بيان تنظيم الدولة الإسلامية بأن الرمادي عاصمة محافظة الأنبار سقطت بشكل كامل إن "من السابق لأوانه إصدار بيانات محددة عن الوضع على الأرض هناك في هذا الوقت"، وأضافت إن الولايات المتحدة "تواصل متابعة تقارير القتال العنيف في الرمادي والوضع مازال مائعا وملتبسا ".
الحشد الشعبي في الأنبار
على صعيد ذي صلة يتوجه الحشد الشعبي نحو محافظة الأنبار، غرب العراق للتعبئة من أجل التصدي لتنظيم داعش الذي تمكن من السيطرة على مدينة الرمادي، عاصمة المحافظة، وقال متحدث باسم قوات الحشد الشعبي الشيعية إنهم تلقوا تعليمات بالتعبئة لكن لا يمكن الإفصاح عن توقيت الانتشار ولا نطاقه لأسباب أمنية، وقال علي السراي عضو الجناح الإعلامي لقوات الحشد الشعبي "الآن وبعد استلام الحشد الأمر بالتوجه والتقدم بات من المؤكد مشاركته"، وأضاف ""كانوا ينتظرون هذا الأمر والآن حصلوا عليه". بحسب فرانس برس.
وقال متحدث باسم محافظ الأنبار إن 500 شخص قتلوا في معارك الرمادي في الأيام القليلة الماضية وإن ما يتراوح بين ستة آلاف وثمانية آلاف فروا من المدينة، وسقوط المدينة انتكاسة كبيرة للقوات التي تحارب تنظيم "الدولة الإسلامية" وهي تحالف تقوده الولايات المتحدة وقوات الأمن العراقية المدعومة من مسلحي "الحشد الشعبي".
من جهته أعلن متحدث باسم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن الأخير أمر قواته "بالثبات" وعدم السماح لتنظيم داعش الارهابي بـ "التمدد" في محافظة الأنبار (غرب)، بعد سيطرة التنظيم الإرهابي على مركزها مدينة الرمادي.
وقال سعد الحديثي إن العبادي، القائد العام للقوات المسلحة، "وجه (...) القوات المسلحة من (وزارتي) الداخلية والدفاع والرد السريع ومكافحة الإرهاب وأبناء العشائر، بالثبات في مواقعها والحفاظ عليها، وعدم السماح لتنظيم داعش بالتمدد في مناطق أخرى من مدينة الرمادي"، وأضاف المتحدث "هناك غطاء جوي مستمر سيساعد القوات البرية هناك للحفاظ على مواقعها بانتظار وصول الدعم الذي سيصل أيضا من خلال قوات أمنية والحشد الشعبي"، وكان العبادي طلب في وقت سابق اليوم من الحشد الشعبي، الاستعداد للمشاركة في معارك محافظة الأنبار.
اضف تعليق