مثل سقوط عبد المهدي انتصارا لعشرات الآلاف من المتظاهرين الذين يسعون إلى الإطاحة بنخبة حاكمة يرونها فاسدة ويريدون التخلص من النفوذ الإيراني في بلادهم، وتعج مقابلات رويترز بتفاصيل ذلك اليوم من شهر نوفمبر تشرين الثاني، بما في ذلك التحضير لعمليات القتل والنشاط خلف الكواليس الذي كتب نهاية...
(رويترز) - قبيل فجر الثامن والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني، بعدما أضرم متظاهرون عراقيون النار في القنصلية الإيرانية في مدينة النجف بجنوب البلاد، بدأت عمليات القتل، وبحلول نهاية ذلك اليوم، قتل رجال فصائل مسلحة مرتبطة بإيران في النجف وأفراد من قوات النخبة بوزارة الداخلية العراقية في الناصرية الواقعة إلى الجنوب عشرات المتظاهرين، ومعظمهم عزل، بنيران البنادق والرشاشات. وكانت هذه أكثر الحلقات دموية في الانتفاضة المناهضة للحكومة التي استمرت شهرين في العراق.
في اليوم التالي، قال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي المدعوم من إيران إنه قرر الاستقالة، كشفت مقابلات أجرتها رويترز مع ما يربو على 24 محتجا ومسعفا ومسؤولا أمنيا وسياسيا في النجف والناصرية وبغداد كيف أدى رد الحكومة الوحشي وتصرفات الفصائل المسلحة الخارجة عن السيطرة على الأرض إلى استقالة رئيس الوزراء. ومن المفترض اختيار خليفة لعبد المهدي من أجل تولى القيادة بصفة مؤقتة هذا الأسبوع.
ومثل سقوط عبد المهدي انتصارا لعشرات الآلاف من المتظاهرين الذين يسعون إلى الإطاحة بنخبة حاكمة يرونها فاسدة ويريدون التخلص من النفوذ الإيراني في بلادهم، وتعج مقابلات رويترز بتفاصيل ذلك اليوم من شهر نوفمبر تشرين الثاني، بما في ذلك التحضير لعمليات القتل والنشاط خلف الكواليس الذي كتب نهاية عبد المهدي. وطلبت معظم المصادر عدم نشر أسمائها خوفا من انتقام الحكومة أو الفصائل المسلحة.
ولم يجر الإبلاغ مسبقا عن كثير من هذه الملابسات، بما في ذلك ما أدى إلى هجمات قوات الأمن التي أودت بحياة 60 متظاهرا في الناصرية ومدى الضغوط التي مارستها العشائر الشيعية في الجنوب للتأثير على المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة.
وتحدث مصدران أمنيان كبيران يقدمان المشورة للحكومة العراقية للمرة الأولى، وقالا لرويترز إن عبد المهدي، بعد إحراق القنصلية في النجف، أرسل خمسة قادة عسكريين على الأقل ”لاستعادة الأمن بأي وسيلة“ في معاقل الشيعة والعشائر في الجنوب. وردا على ذلك، قالا إن القائد الذي أُرسل إلى الناصرية، الفريق الركن جميل الشمري، أمر وحدات النخبة من قوات الرد السريع بإطلاق النار على المتظاهرين العزل.
وقال أحد المصادر الأمنية المطلعة على المشاورات الداخلية ”إرسال رجال عسكريين للتعامل مع الأمن في المناطق المضطربة مثل الناصرية والنجف كان القرار الخطأ... عندما قرأ رئيس الوزراء سبب مقتل الكثير من الناس في الناصرية، أدرك أنه ارتكب خطأ فادحا“، وذكرت مصادر عشائرية ودينية أن آية الله العظمى علي السيستاني، المرجعية الدينية العليا لشيعة العراق، أنهى دعمه للحكومة تحت ضغوط من العشائر لاتخاذ موقف في مواجهة أعمال العنف التي قتل فيها بعض أقاربهم. وأدى ذلك إلى نهاية المهدي، ولم يرد متحدثون باسم الحكومة العراقية والجيش والفصائل الشيعية المسلحة على طلبات التعليق. وسبق أن نفى العراق الأمر باستخدام الذخيرة الحية في مواجهة المتظاهرين ونفت الجماعات المسلحة، بما في ذلك المرتبطة بإيران، أي دور في إخماد الاحتجاجات. ولم يتسن لرويترز الوصول للشمري الذي اختبئ بعد سقوط القتلى، ولم يتسن الوصول لمسؤولين إيرانيين للتعليق، لكنهم ينفون دائما أن الجماعات التي يدعمونها قتلت المتظاهرين السلميين.
سنوات الإحباط
لن تنهي خطوة استبدال عبد المهدي على الأرجح أكبر احتجاجات على النخبة السياسية التي يهيمن عليها الشيعة وتدعمها إيران، والتي صعدت بعد غزو قادته الولايات المتحدة عام 2003 وأطاح بصدام حسين. وقُتل بالفعل ما يربو على 400 شخص في الاضطرابات منذ أكتوبر تشرين الأول، ويشعر كثير من العراقيين بالإحباط واليأس بعد عقود من الحرب مع جيرانها وعقوبات الأمم المتحدة وغزوين أمريكيين والاحتلال الأجنبي والحرب الأهلية الطائفية وإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية بعد معارك مريرة في 2017. وأثار إحباطهم انهيار الخدمات العامة والبنية التحتية المهترئة ونقص الوظائف على الرغم من إنتاج النفط بمستويات قياسية، وسقط أول قتلى في الناصرية في الساعة الثالثة صباحا يوم الثامن والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني وذلك بعد خمس ساعات من الأمر بإرسال القادة العسكرين.
وقال متظاهرون إن وحدات الرد السريع التي يقودها الشمري بدأت في إطلاق النار على المتظاهرين الذين أغلقوا جسرا وطرقا قريبة في هجوم استمر نحو ساعتين. وقُتل 31 شخصا في ذلك الصباح وقُتل 29 آخرون على مدار الأربع والعشرين ساعة التالية، بحسب مصادر الشرطة والمستشفيات، وعرض ثلاثة مسعفين مقاطع مصورة مروعة على هواتفهم تظهر محتجين يعانون من إصابات قاتلة بذخيرة حية. ولم يتسن لرويترز التحقق من المقاطع المصورة، وقال كرار هاشم وهو مسعف وناشط عمره 30 عاما ”كل هؤلاء لاقوا حتفهم برصاص في الرأس أو الصدر... استخدمت بكثرة ذخيرة من مدافع رشاشة“.
وقال رعد حربي وهو متظاهر عمره 21 عاما كان على الجسر إن قوات خاصة ترتدي شارات وحدات النخبة في وزارة الداخلية وزيها حاصرتهم تقريبا. وأضاف ”أتوا من اتجاهين ونشروا قناصة على مبنى مجاور لإطلاق النار علينا“.
وقال متظاهرون إنهم رأوا الشمري قرب المدينة في اليوم التالي. وأصدرت السلطات المحلية مذكرة اعتقال للقائد تحت ضغط من العشائر المسلحة القوية. وقال أحد المصدرين الأمنيين إن الشمري فر بعد ذلك بطائرة هليكوبتر عسكرية. ولا يزال الشمري مختبئا.
وفي النجف، بدأت عمليات القتل في فترة ما بعد الظهر، وهذه المرة على أيدي رجال الفصائل المسلحة التي تقوم بحملة قمع ضد المتظاهرين الذين يعبرون عن غضبهم من إيران التي يتهمونها بترسيخ نظام المحسوبية السياسية والفساد. وترتبط إيران بعلاقات وثيقة مع الساسة الشيعة العراقيين الذين يديرون البلاد منذ الإطاحة بصدام، ونزع المتظاهرون شعارات الجمهورية الإسلامية من مبنى القنصلية الإيرانية المتفحم وكتبوا على الجدران عبارات تفيد بأن العراق خارج سيطرة إيران.
وقال نشطاء محليون والشرطة إنهم صبوا جام غضبهم بعد ذلك على ضريح محمد باقر الحكيم المجاور، وهو مؤسس جماعة تدعمها إيران قاتلت صدام في الثمانينيات. واندلعت مناوشات بين المتظاهرين وحراس الضريح. ويعتقد المتظاهرون أن المسلحين كانوا يحتجزون المتظاهرين رهائن في الداخل، الأمر الذي نفاه مسؤولو الضريح والشرطة ومصادر أمنية أخرى، وقالت المصادر الأمنية إن القائد الذي أرسله عبد المهدي إلى النجف هو اللواء الركن علي الهاشمي وإنه لم يتمكن من السيطرة على الحشود. ورفضت الشرطة المحلية التنسيق مع القوات التي جلبها من بغداد لأنه نشرها دون التشاور مع قادة الشرطة، حسبما ذكر مصدر أمني كبير في النجف، وانسحبت قوات الهاشمي من المنطقة وألقى المتظاهرون القنابل الحارقة على باب الضريح. وقال مصدر أمني محلي آخر وعدد من المحتجين إن رجال الفصائل المسلحة الذين كانوا يرتدون ملابس مدنية سرعان ما وصلوا وأطلقوا النار على الحشود. ولم يتسن الاتصال بالهاشمي لطلب التعليق، وقال المصدر الأمني الثاني ”استخدموا بنادق الصيد والكلاشنيكوف والمدافع الرشاشة... لقي 28 شخصا حتفهم. لم تتمكن الشرطة من التدخل إذ لا تملك نفس القوة النيرانية“، وأضاف المصدر أن ما يزيد على 300 مسلح شاركوا في إطلاق النار، وقال محتج يدعى سيف يبلغ من العمر 28 عاما وقد أصيب برصاصة في الساق وتحدث بعد أن طلب نشر اسمه الأول فقط ”غرقت النجف في الدماء“.
وقال المصدران الأمنيان وحوالي 20 من المسعفين والمتظاهرين إن المسلحين في النجف كانوا من فصائل مسلحة لها صلة بإيران وبالضريح نفسه وإنهم يعتبرون أنفسهم من المدافعين عن الموقع الديني، وقال علي الخفاجي وهو مسؤول قريب من الضريح إن الحراس رفضوا عروض الفصائل المسلحة للتدخل لكن ربما يكون أفراد من الفصائل انتشروا من تلقاء أنفسهم وشاركوا في عمليات القتل، وأضاف ”الوضع في النجف مو مسيطر عليه... القوات الأمنية فقدت السيطرة“.
يرغب في الاستقالة
وفي بغداد، قال أحد المصادر الأمنية المقربة من مكتب رئيس الوزراء إن عبد المهدي شعر بخيبة الأمل بمجرد أن وردت الأنباء عن سقوط القتلى، وقال ”أقنعه كبار المساعدين العسكريين بأن اتخاذ موقف صارم في النجف والناصرية سيؤدي إلى السيطرة على الوضع. شعر بالصدمة بعد سماع أن قادته بدلا من ذلك صعدوا الاضطرابات بعدما تسببوا في إسقاط عدد كبير من القتلى في صفوف المحتجين“، وأضاف ”كان يعرف أن السيستاني لن يتهاون مع هذا“، كانت قبضة عبد المهدي على السلطة هشة بالفعل. فقد كان على وشك السقوط قبل شهر، لكن الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، تدخل لحشد الأحزاب المؤيدة لإيران خلفه.
وقال زعماء عشائر لرويترز إن العشائر الجنوبية، التي يستبد بها الغضب حاليا بعد مقتل أفراد منها بالرصاص، مارست ضغوطا شديدة على السيستاني لمعارضة حكومة عبد المهدي وهددت بحمل السلاح في مواجهة قوات الأمن والفصائل المسلحة. وقالوا للسيستاني في رسالة بتاريخ 28 نوفمبر تشرين الثاني إنه ما لم يتدخل فسوف تتولى العشائر زمام الأمور.
وقال الشيخ علي الغزي وهو قيادي عشائري بارز في الناصرية، وقد وقع على الرسالة، إنهم قالوا إن العشائر في الجنوب ستحمل السلاح لحماية المحتجين، وقال رجل دين شيعي قريب من مساعدي السيستاني، الذين صدمتهم أيضا الأنباء الواردة من النجف والناصرية، إن هؤلاء المعاونين ”اعتقدوا أنهم ما لم يتدخلوا لوقف أعمال القتل، فإن وضع (السيستاني) وسط الشيعة سيكون على المحك“، وقال نائب في البرلمان مقرب من رئيس الوزراء إن عبد المهدي ”كان يرغب في الاستقالة على الفور“ لكن الأحزاب المدعومة من إيران أقنعته بالانتظار إلى ما بعد إعلان السيستاني في خطبة الجمعة، فقد يجدون حلا آخر.
اضف تعليق