أمريكا تستضيف زعماء دول الخليج في قمة كامب ديفيد، وذلك من أجل تعزيز العلاقات مع هذه الدول الواقعة في قلب الشرق الاوسط، بعد دعوة رسمية من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومن المقرر أن يتم الإعداد خلال القمة لسلسلة من الإجراءات الأمنية في الشرق الأوسط، لكن يرى الكثير من المحللين أن هذه القمة تخفي تحت طاولتها العديد من الاجندة والاتفاقات لتحقيق مجموعة من الغايات السياسية والمصالح الامنية والاقتصادية قد تغير جزئيا من طبيعة العلاقة بين امريكا والخليج، لاسيما انها تأتي في وقت حساس تعيشه منطقة الشرق الاوسط، فضلا عن بعض المتغيرات السياسية الدولية ابرزها الاتفاق النووي الايراني المرتقب.
فعلى غير المعهود في الاجتماعات الامريكية الخليجية غاب كل من ملك السعودية والبحرين وسلطان عمان والإمارات عن قمة كامب ديفيد، يعدها البعض رسالة توبيخ سياسية للرئيس الامريكي اوباما بعدما بات يغرد بعيدا عن حلفائه الخليجيين مؤخرا، فضلا عن تقربه من عدوهم اللدود ايران، لذا يرى بعض المراقبين أن ادارة اوباما تسعى في قمة كامب ديفيد إلى تبديد مخاوف دول الخليج إزاء إمكان ابتعاد الولايات المتحدة عن المنطقة التي تشهد نزاعات واحتمال استمرار قدرة إيران على تطوير سلاح نووي بموجب الاتفاق النهائي الذي تحاول الدول الكبرى التوصل إليه مع طهران، الى جانب ذلك ستبحث امريكا مع زعماء الخليج الأزمة في اليمن وفي سوريا وقضايا أمنية أخرى تهم المنطقة.
ويرى هؤلاء المراقبون أن دول الخليج تبدي قلقا إزاء النفوذ المتزايد لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لذا فأن أحد أهم أهداف الخليج في هذه القمة سيكون تشكيل بنية دفاع مشتركة في الخليج تشمل "مكافحة الإرهاب والأمن البحري والأمن الإلكتروني ومنظومات الدفاع البالستية المضادة للصواريخ"، كما من المفترض أن يتم التباحث خلال القمة في النزاعات التي تشهدها سوريا وليبيا والعراق.
في المقابل يقول مراقبون اخرون أن واشنطن خلال القمة ستدعو زعماء الخليج الى التغلب على الخلافات الداخلية والبحث عن سبل لتحسين التعاون للدفاع عن دولهم، ويضيف هؤلاء المراقبون إن العروض التي ستطرح في القمة قد تصحبها التزامات أمنية متطورة ومبيعات أسلحة جديدة ومزيد من المناورات العسكرية المشتركة في إطار مساعي أوباما لطمأنة دول الخليج العربية بأن واشنطن لن تتخلى عنها.
ومن شبه المؤكد ألا يصل أوباما إلى حد ابرام معاهدة أمنية كاملة مع السعودية أو أي من دول الخليج لأن هذا سيتطلب موافقة مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الجمهوريون ويهدد بإذكاء التوتر مع اسرائيل، ولأن دول الخليج تخشى أن يغلف أوباما أي تعهدات أمنية جديدة بالغموض فقد أوضحت أنها تريد ترجمة ذلك إلى خطوات ملموسة.
فمن المرجح ابرام عدة صفقات أسلحة بما في ذلك إعادة تزويد دول الخليج بالقنابل والصواريخ لتعويض ما استنفد منها في الهجمات الجوية في اليمن والضربات الموجهة لتنظيم داعش الارهابي في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا.
لكن يرى محللون متخصصون بالسياسية الامريكية ان الولايات المتحدة تنتهج اسلوب الحرب الاستنزافية وذلك بإذكاء الحروب في دول معينة من ثمة عقد معها اتفاقات امنية وصفقات تسليح لدعم اقتصادها وهذه الاستراتيجية بدأت عقب الحرب العالمية الثانية كما ترسخت في الحرب الايرانية العراقية ومؤخرا حرب سوريا والعراق ضد داعش، كما تدرك واشنطن أن الالتزامات الدفاعية الإضافية قد تنطوي على خطر انزلاقها في صراعات جديدة بالشرق الأوسط.
لذا يرى محللون أن الدول الخليجية بدأت تشعر بان اميركا تريد الابتعاد عن المنطقةـ، فمن الرياض الى ابو ظبي مرورا بالمنامة، كان لكشف امر مفاوضات سرية بين طهران وواشنطن، قبل عامين، وقع الزلزال على هذه الدول، وخصوصا السعودية، ويشدد البيت الابيض على فوائد اتفاق محتمل مع ايرن حول برنامجها النووي لكنه يؤكد انه ليس منخرطا في عملية واسعة من اجل تطبيع العلاقات مع طهران.
لكن قادة دول الخليج يرون تغيرا في المقاربة الاميركية مذكرين بـ"الخط الاحمر" الذي حدده اوباما بالنسبة لاستخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا من دون ان يحرك ساكنا، كما انهم قلقون حيال النفوذ الايراني المتعاظم في سوريا وكذلك في العراق واليمن ولبنان.
وكل ذلك دفع بدول الخليج الى تحديث عتادها العسكري عبر حلفائها الغربيين وهذه المرة ليس عبر الحليف الاوحد المتمثل بأمريكا التي خذلت حلفائها الخليجيين في عدة مواقف اهمها التريث في التدخل العسكري في سوريا والعلاقة المقربة مع ايران، لذا لجأ حكام الخليج الى حليف بديل تمثل بفرنسا كونها تتبنى النهج الصارم في المحادثات مع إيران وتحليلها المماثل لموقف دول عربية خليجية بشأن الأزمات الإقليمية خلق روابط جديدة استراتيجية في الشرق الأوسط، وتم تعزيزها عندما حضر الرئيس فرانسوا هولاند الى الخليج في الاونة الاخيرة، كما تم توقيع صفقة بيع 24 مقاتلة فرنسية من نوع رافال لقطر بحضور هولاند، وبهذا تتأكد نجاح الإستراتيجية الدبلوماسية-التجارية الفرنسية التي استفادت أيضا من امتعاض دول الخليج العربية من السياسة الأمريكية بإدارة باراك أوباما.
ويرى هؤلاء المحللون أن فرنسا تشتهر بأنها أكثر صرامة من الأمريكيين في المفاوضات مع إيران وهذا يمكن أن يرضي السعودي، كما أظهرت أنها تملك رؤية إقليمية وقادرة على التحرك حيثما وعندما تشعر أن ذلك ضروري، وقد تكون النية ليست تهميش الولايات المتحدة وإنما تذكير واشنطن بأنها ليست وحدها في العالم.
وعليه كشفت المستجدات الأخيرة على الساحتين الإقليمية والدولية، عن صراعات وصدامات دبلوماسية غير مسبوقة، بين البلدان المتصارعة والمهتمة بالهيمنة على بلدان منطقة الشرق الاوسط الساخنة سياسيا وأمنيا، مما يعني أن نقص الثقة وسباق النفوذ والمصالح والحروب الخفية بشتى أنواعها بين أمريكا ودول الخليج تفرض تحديات توازن القوى الدولية بانتهاج سياسيات براغماتية لا تخلو من روح المغامرة والمفاجئات على حد سواء.
وجل تلك الامور اخذت تلقي بظلالها على العلاقات الثنائية الامريكية وحلفائها في المنطقة من الدول الخليجية، حيث زادت تلك العوامل آنفة الذكر من شكوك دول الخليج بشان بقاء القوة الاميركية في المنطقة، وهو طرح العديد من السيناريوهات حول ماهية العلاقات الإستراتيجية بين الحليفين في المستقبل القريب.
خبايا طاولة كامب ديفيد
في سياق متصل أعلن كل من أمير الكويت وأمير البحرين مشاركتهما في القمة التي دعا إليها الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع مجلس التعاون الخليجي في 13 و14 أيار/مايو، فيما سيتغيب قادة بقية دول المنطقة الأربع، ودعي ستة من قادة مجلس التعاون إلى البيت الأبيض في 13 أيار/مايو ومن المفترض أن يشاركوا في اليوم الموالي في قمة بالمقر الرئاسي في كامب ديفيد، إلا أن اثنين فقط من هؤلاء القادة هم أمير الكويت صباح الأحمد الصباح وأمير قطر تميم بن حمد آل خليفة سيتوجهان إلى واشنطن. بحسب فرانس برس.
من ينوب عن زعماء الخليج الغائبين؟، في غياب الملك سلمان بن عبد العزيز سيتولى الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي العهد رئاسة الوفد الذي سيشارك فيه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ووزير الدفاع، حسب ما أعلن وزير الخارجية عادل الجبير في بيان نشرته سفارة السعودية في واشنطن.
وأوضح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن الملك سلمان سيغيب عن القمة "بسبب موعد القمة والجدول الزمني لوقف إطلاق النار في اليمن وتدشين مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية"، حسب ما جاء في بيان السفارة السعودية، وأعلنت مصادر رسمية أن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة لن يحضر القمة وسيمثله ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة، كما سيمثل سلطان عمان قابوس بن سعيد نائب رئيس الوزراء فهد بن محمود آل سعيد، أما الإمارات فسينوب عن الشيخ خليفة الذي يعاني من وعكة صحية ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، من جهته اعلن وزير الخارجية الاميركي جون كيري اثر لقائه نظراءه الخليجيين قبيل قمة في الولايات المتحدة سيعمل فيها الرئيس باراك اوباما على طمأنة قادة هذه الدول حيال ايران، ان بلاده ستقترح على دول الخليج اتفاقا امنيا جديدا، وقال كيري في مؤتمر صحافي مشترك في باريس مع نظيره السعودي عادل الجبير "اليوم وفي كامب ديفيد (في 13 ايار/مايو) نحن في صدد نسج سلسلة التزامات تنتج اتفاقا امنيا جديدا بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي".
استمالة الخليج عسكريا
فيما توقعت مصادر أمريكية أن يجدد الرئيس باراك أوباما الأسبوع المقبل مساعيه لمساعدة حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج على نشر منظومة دفاعية تغطي المنطقة لحمايتها من الصواريخ الإيرانية فيما يسعى لتهدئة مخاوفهم من أي اتفاق نووي مع طهران.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن العرض قد تصحبه التزامات أمنية متطورة ومبيعات أسلحة جديدة ومزيد من المناورات العسكرية المشتركة في إطار مساعي أوباما لطمأنة دول الخليج العربية أن واشنطن لم تتخل عنها.
ويواجه أوباما تحديا هائلا في محاولة إقناع الحلفاء الخليجيين المتشككين في أولويات سياسته الخارجية بالتوصل لاتفاق نهائي مع إيران الشيعية حول برنامجها النووي في موعد أقصاه 30 يونيو حزيران.
وربما يؤدي الإخفاق في تهدئة مخاوفهم إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين الجانبين. وعلى الجانب الآخر فإن القبول بالتزامات دفاعية إضافية سيحمل في طياته خطر تورط الولايات المتحدة في صراعات جديدة في الشرق الأوسط.
وأصبح في حكم المؤكد أن أوباما لن يصل به الأمر إلى حد إبرام معاهدة أمنية كاملة مع السعودية أو دول أخرى في الخليج لأن ذلك سيتطلب موافقة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون ويمثل مجازفة بتأجيج التوترات مع إسرائيل الحليف الرئيسي لواشنطن في الشرق الأوسط.
طريق ذو اتجاهين
من جانب آخر أصر مسؤول أمريكي ثان على أن القمة "طريق ذو اتجاهين" إذ تعمل واشنطن على دفع القادة الخليجيين للتغلب على المنافسات الداخلية والعمل على إيجاد سبل لتحسين التعاون في الدفاع عن أنفسهم.
وقالت المصادر المطلعة على سير المناقشات إن من المرجح أن يحث أوباما دول الخليج على بذل المزيد لتحقيق التكامل بين جيوشها المتباينة والعمل من أجل إقامة درع مضادة للصواريخ طرحت فكرتها منذ مدة طويلة للتصدي لخطر الصواريخ البالستية الإيرانية.
وسبق أن اشترت دول خليجية نظما دفاعية صاروخية أمريكية مثل نظام صواريخ باتريوت التي تصنعها شركة ريثيون وكذلك نظام تي.اتش.ايه.ايه.دي من تصنيع شركة لوكهيد مارتن، غير أنه من المتوقع الآن أن تطالب إدارة أوباما دول الخليج العربية بتنفيذ المبادرة التي طرحها وزير الدفاع السابق تشاك هاجل في أواخر 2013. بحسب رويترز.
ويسمح هذا البرنامج لمجلس التعاون الخليجي بشراء عتاد كتكتل واحد والبدء في ربط شبكات الرادار وأجهزة الاستشعار وشبكات الإنذار المبكر بمساعدة أمريكية غير أن مشاعر ارتياب بين بعض الدول الخليجية عرقلت هذا البرنامج.
ولم يتضح على وجه التحديد ما ستعرضه واشنطن على الدول الخليجية - التي تمتلك بعضا من أحدث الأسلحة الأمريكية - من أجل إقناعها بالدرع الصاروخية، وسيتعين طرح خلافات مازالت قائمة بين بعض الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وخاصة قطر والإمارات جانبا قبل إمكانية إقامة نظام صاروخي مشترك.
ويعتقد خبراء الآن أن الوقت قد حان لزيادة التعاون بسبب تدهور الوضع الأمني في المنطقة كلها، وقال ريكي إليسون مؤسس تحالف مناصرة الدفاع الصاروخي وهو منظمة لا تهدف للربح "الدفاع الصاروخي حاسم بكل تأكيد لمجلس التعاون الخليجي الآن".
أزمة ثقة
الى ذلك أثار الاتفاق النووي المؤقت بين القوى العالمية الست وإيران والذي تزامن مع دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للإصلاح السياسي في دول الخليج العربية انزعاج حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة.
وخشية أن يصب أي تغيير بالداخل في مصلحة إيران منافستهم على النفوذ في الشرق الأوسط سيجد قادة دول الخليج العربية كثيرا مما يدفعهم للاختلاف مع أوباما في قمة دعاهم إليها من المتوقع أن تعقد قريبا في كامب ديفيد، لكنهم يمسكون أيضا بزمام الأمور مثلما يظهر التدخل السعودي في اليمن. بحسب رويترز.
وقال أوباما لصحيفة نيويورك تايمز إن أكبر تهديد أمني لدول الخليج السنية ليس إيران الشيعية وإنما سوء الحكم والتطرف في الداخل، وأضاف أوباما في مقابلته مع نيويورك تايمز إنه ينبغي التصدي للبطالة بين الشباب والاضطراب السياسي والتعاطف مع المتطرفين في دول الخليج العربية من أجل القضاء على التهديدات للأمن القومي، وقال "كيف يمكننا بناء قدراتكم الدفاعية في مواجهة التهديدات الخارجية .. لكن أيضا .. كيف نقوي الجسد السياسي في تلك الدول"، وأضاف "أعتقد أن أكبر التهديدات التي يواجهونها ربما لا تنبع من غزو إيراني. إنها ستأتي من السخط داخل دولهم حتى يشعر الشباب السني أن بوسعهم اختيار شيء آخر غير (الدولة الإسلامية)"، ولطالما تبنى النشطاء في المنطقة نفس تلك الرؤية.
وقال النشط البحريني علاء الشهابي "وجهت كل الأنظمة الخليجية أجهزتها الأمنية نحو قمع المحتجين السلميين المؤيدين للديمقراطية في الوقت الذي يغضون فيه الطرف عن أولئك الذين يتبنون أيديولوجية طائفية متطرفة."
وشهدت البحرين اضطرابات واسعة عندما طالبت الأغلبية الشيعية بإصلاحات سياسية لكن الاحتجاجات سحقت بعد تدخل عسكري سعودي، ويقول نشطاء هناك إن كفاحهم هو من أجل الإصلاح السياسي وليس من أجل دفع طائفتهم إلى المقدمة أو توسيع النفوذ الإيراني، لكن كلام أوباما ربما كان أقل من اللازم ومتأخرا جدا بالنسبة لهم.
وقال الشهابي "إنه يشير إلى احتمال حدوث تغير في نوايا إدارة أوباما، لكن التصريحات لا تعكس السياسة الأمريكية كما يبدو بالنسبة لنا نحن الذين يكافحون من أجل التغيير الذي يقول الآن إنه ضروري"، وأقنع التقارب المبدئي بين طهران وواشنطن كثيرا من الخليجيين بأن محورا إقليميا جديدا بدأ يتشكل وقد يجعلهم عرضة لخطر مكائد إيران.
اضف تعليق