يبدو أن الأزمة السورية ستزداد سوءا في المستقبل القريب، وذلك على أثر استمرار تصعيد الحرب لتغيير ميزان القوة في الصراع السوري، مع اشتداد المعارك الطاحنة بين الجيش السوري والجماعات الارهابية لإثبات الوجود داخل الاراضي السورية، فقد اظهرت التطورات الميدانية على الصعيد العسكري ديمومة الصراع بالكر والفر والعديد من علامات الاستفهام حول هذه الحرب الغامضة والمجهولة النتائج، وهذا يشعل لهيب الصراع الحربي في المجالات خلال الفترة المقبلة.
فبعد أكثر من أربع سنوات من الحرب في سوريا شهدت الأشهر الماضية سلسلة معارك شرسة بين طرفي الحرب، وعدم اقتراب أي طرف من تحقيق النصر، وشرد ثلث السكان وقتل أكثر من 220 ألف شخص، لتخلف مأساة انسانية كبرى.
فعلى الرغم من كل ذلك مازال السجال يزداد حدة بين طرفي الحرب، وقد تكشف المدة القادمة عن تزايد الحروب على نطاق أوسع من سوريا، فما حدث في الحرب حول مدينتي ادلب واللاذقية، كلها مؤشرات تمثل الشرارة التي قد تتسبب في مواجهة حتمية تشعل لهيب الصراع وتبقي مشهد الحرب في سوريا غير محسوم لحد الآن.
ويرى الكثير من المحللين ان المكاسب التي حققها الجيش السوري في الفترة الاخيرة، أربكت الجماعات الارهابية المدعومة من بعض الدول الاقليمية والدولية، وبذلك يرجح المحللون ان الجماعات المسلحة تحاول البحث عن انتصارات سريعة من اجل كسر فرضية الانتصارات المتواصلة لقوات النظام بصورة متصاعدة.
وقد كشفت المعارك الاخيرة ان موازين الحرب في سوريا تجري على أساس المزيد من التصعيد العسكري من اجل تحقيق المزيد من السيطرة على الأراضي، من لدن طرفي النزاع وهذا الامر يقلص اي حل سياسي مفترض.
فيما يرى بعض المحللين إن ما يعرقل تنفيذ أي حل سياسي للازمة السورية هو وجود عدد لا يحصى من الجماعات المعارضات المسلحة - وخاصة الارهابية - التي كانت إحدى ثمار الصراع وصانعة له على حدّ سواء، والتي يتوقّف وجودها على إدامة الصراع. وبالتالي، فإن إيجاد حل سياسي للصراع ليس في مصلحة هذه الجماعات المتشددة ودعميها.
في حين يرى محللون آخرون بان هذا التصعيد الامني والسياسي هو هدف مصنوع من بعض الدول الإقليمية لخلق قوى جديدة بين الإطراف السياسية أكثر توازنا، لذا يتوقع اغلب المحللين ان يستمر التصعيد العسكري في سوريا وهذا الامر يضع سوريا في حلقة مفرغة من الاشكاليات المتراكمة والازمات المستحدثة، وبينما ينصب الكثير من التركيز المتعلق بالصراع السوري على قضايا التكتيكات العسكرية والسلطة السياسية، لا تلقى الأزمة الإنسانية الكبيرة معالجة لائقة؛ إذ لا يزال هناك الملايين من المدنيين الأبرياء في مخيمات اللاجئين على جميع الحدود السورية وخاصة داخل البلاد، دون نظم حماية من نقص الغذاء وحالات الطوارئ الصحية والعنف الجنسي، وغيرها من المخاطر التي قد تعصف بهم، وعليه فأن استمرار الصراع المسلح بين طرفي النزاع داخل الأراضي السورية سيكون العنوان الأبرز لعدم حسم المعارك لجهة بعينها، استمرار معاناة السوريين حتى في المستقبل البعيد.
معارك الكر والفر
في سياق متصل حقق المتشددون الإسلاميون الذين يقاتلون جنبا إلى جنب مع الجماعات المدعومة من الولايات المتحدة مكاسب في شمال سوريا في الأسابيع القليلة الماضية جعلتهم يظهرون وحدة نادرة يخشى البعض من أن تكون قصيرة المدى.
وسيطر تحالف إرهابي يطلق على نفسه اسم جيش الفتح على مدن في شمال غرب البلاد من بينها إدلب من القوات الحكومية، ويقترب التحالف -الذي يضم جبهة النصرة جناح حزب القاعدة في سوريا وحركة أحرار الشام وهي جماعة متشددة أخرى- من محافظة اللاذقية الساحلية معقل الرئيس بشار الأسد.
وتقاتل إلى جانبهم -على الرغم من استبعادها من الاشتراك في مركز قيادة مشترك- جماعات ترفض أهداف الجهاديين المعادية للغرب وتقول إنها تتلقى دعما سريا من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.أيه)، ومن هذه الجماعات الفرقة 13 وفرسان الحق.
وقال مازن قسوم القائد العسكري في لواء سهام الحق وهي وحدة اسلامية تقاتل الى جانب جيش الفتح لرويترز في بلدة ريحانلي التركية الحدودية "ربما تكون النصرة قد قاتلت ... حزم في البداية لأنهم كانوا يقولون إنهم ليسوا أخيارا.. والآن لديهم خطة لمقاتلة النظام فحسب"، وفي علامة على التعاون تم تكليف ذراع تابع لحكومة المعارضة المدعومة من الغرب في المنفى وهو الائتلاف الوطني السوري بمسؤولية الصحة والتعليم في المناطق التي سيطر عليها المعارضون المسلحون في الآونة الأخيرة.
وقال حسام أبو بكر الناطق باسم أحرار الشام إن جماعته سوف تدافع عن الفرقة 13 إذا تعرضت لهجوم من جبهة النصرة بدون حق، ونفى أي إشارة إلى أن التحالف متطرف، وقال عبر موقع سكايب "هدفنا الأول هو سقوط النظام المجرم ثم بناء بلد ... يحافظ على هويتنا بعيدا عن التطرف"، ولكن بعض المقاتلين يحذرون من أن هذه الجماعات قد تنقلب على بعضها البعض بمجرد تحقيق الأهداف العسكرية.
وقال مقاتل يدعى حكيم ويبلغ من العمر 30 عاما ينتمي إلى جماعة لواء التوحيد "طالما هناك استراتيجيات لمهاجمة النظام واستراتيجيات رئيسية للعمل معا لن تكون هناك مشكلة لأن الألوية سيكون لها عدو مشترك"، لكنه اضاف انه بعد تحرير ادلب "من الممكن جدا أن تكون هناك صراعات على السلطة بين هذه الجماعات"، وباعتبارها أكبر مجموعة في جيش الفتح تملك أحرار الشام فيما يبدو مفتاح منع الاقتتال الداخلي.
وقال معارض بارز طلب عدم نشر اسمه إن أحرار الشام أصبحت أكثر تسامحا إزاء الجماعات المدعومة من الغرب على مدى العام الماضي. لكنه تساءل عما إذا كان هذا الانفتاح الجديد موجود أيضا لدى مقاتلي الجماعة على الأرض، وقال "إن التحدي هو أنهم لا يتحدثون عن ذلك مع أعضائهم. إنهم لا يستطيعون السيطرة عليهم".
حرب استراتيجية باللاذقية وادلب
فقد قتل سبعة مقاتلين على الأقل من كتائب المعارضة السورية وعشرة من قوات النظام والمسلحين الموالين لها في اشتباكات اندلعت بين الطرفين في محافظة اللاذقية الساحلية حيث يحاول النظام تحصين مواقعه وفق المرصد السوري لحقوق الانسان.
واوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس ان الاشتباكات بين الطرفين اندلعت بعد منتصف الليل في محيط قمة النبي يونس الاستراتيجية، النقطة الاعلى في المحافظة والواقعة على الحدود الادارية الفاصلة بين محافظات ادلب (شمال غرب) وحماة (وسط) واللاذقية (غرب)، وقال ان "قوات النظام تحاول التقدم في محيط قمة النبي يونس في شمال شرق اللاذقية لتحصينها باعتبارها نقطة استراتيجية للتقدم باتجاه سهل الغاب (شرقا) ومدينة جسر الشغور (شمالا)"، وخسر النظام سيطرته على مدينة جسر الشغور الاستراتيجية في محافظة ادلب بعد اقل من شهر على خسارته مدينة ادلب مركز المحافظة.
وذكرت وكالة الانباء السورية الرسمية "سانا" من جهتها ان "وحدات من الجيش والقوات المسلحة اوقعت اعدادا من افراد التنظيمات الارهابية قتلى ومصابين فى ضربات جوية نفذتها على اوكارهم وتجمعاتهم فى ريف اللاذقية الشمالي"، ودارت معركة شرسة بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام في المنطقة ذاتها اواخر نيسان/ابريل 2013 انتهت باستيلاء قوات النظام على قمة النبي يونس.
فيما سيطر ائتلاف من المقاتلين الإسلاميين على قاعدة عسكرية سورية في محافظة إدلب شمال غرب البلاد بعد أن قاد انتحاري من جبهة النصرة شاحنة محملة بالمتفجرات إلى داخل القاعدة ثم فجرها، وبهذا الهجوم الذي أعلن عنه قيادي للمقاتلين ومقاطع فيديو نشرت على مواقع للتواصل الاجتماعي على الانترنت ظهر فيها المقاتلون وهم داخل القاعدة يقترب الائتلاف من السيطرة على معظم محافظة إدلب ويتقدم صوب اللاذقية مسقط رأس الرئيس بشار الأسد، وكان الجيش يستخدم معسكر القرميد لقصف البلدات والقرى التي يسيطر عليها المقاتلون في المحافظة الزراعية الاستراتيجية المتاخمة لتركيا، ومن شأن السيطرة عليها أن تساعد المقاتلين على إحكام حصارهم لمعسكر المسطومة الكبير والذي يقع على مقربة.
وذكرت وسائل إعلام سورية رسمية أن الجيش قتل عشرات من مقاتلي جبهة النصرة وعشرات من الانتحاريين الإسلاميين من منطقة الشيشان الروسية خلال معارك قرب القاعدة لكنها لم تذكر أن المجمع سقط في أيدي المتشددين.
وقال الشيخ حسام أبو بكر وهو قيادي للمقاتلين من حركة أحرار الشام عبر سكايب "دخلت سيارة مفخخة محملة بطنين من المتفجرات إحدى مداخل المعسكر مما مكن فيما بعد المجاهدين من السيطرة على المعسكر"، ويضم التحالف المعروف باسم جيش الفتح جبهة النصرة وحركة أحرار الشام وحركة جند الأقصى لكنه لا يشمل تنظيم الدولة الإسلامية المنافس الذي يسيطر على مناطق واسعة من العراق وسوريا.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن انتحاريين فجرا نفسيهما عند بوابات المعسكر، وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن هذه واحدة من أهم قواعد النظام في إدلب وكان بها الكثير من الأسلحة مضيفا أن المقاتلين سيطروا على سبع دبابات على الأقل بالإضافة إلى مخزون كبير من الذخيرة وعشرات من قاذفات الصواريخ.
في حين تمكنت القوات النظامية السورية من قطع طريق امداد حيوي لمقاتلي المعارضة في جنوب البلاد، بعد معارك طاحنة تمكنت خلالها من السيطرة على مناطق عدة في ريف درعا الشرقي، بحسب ما ذكر الجيش السوري والمرصد السوري لحقوق الانسان.
واصدرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية بيانا يؤكد ان "وحدات من الجيش والقوات المسلحة تمكنت من احكام سيطرتها على بلدات مسيكة الشرقية والغربية والخوابي واشنان والدلافة وتطويق بلدتي مليحة العطش وبصر الحرير فى ريف درعا"، واضافت ان "هذا الانجاز الجديد (...) يعيد فتح الطريق الحيوي بين درعا والسويداء وتامينه ويقطع طرق امداد المجموعات الارهابية المسلحة" من الاردن، واعتبر ان "هذا النجاح يشكل ضربة قاصمة للتنظيمات التكفيرية". بحسب فرانس برس.
من جهته، اكد مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس ان الوات النظامية تمكنت من قطع "طريق امداد رئيسي" يسمح لمقاتلي المعارضة بتمرير المقاتلين والسلاح بين الحدود الاردنية وبلدة اللجاة في ريف درعا.وتعتبر اللجاة الواقعة على الحدود مع محافظة السويداء معقلا بارزا لمقاتلي المعارضة.
وافاد بيان الجيش ان "العملية العسكرية النوعية" نجحت في "اغلاق بوابة اللجاة التي كانت تستخدم لتهريب المرتزقة والاسلحة والذخيرة من الاردن باتجاه البادية والغوطة الشرقية بريف دمشق"، واوضح عبد الرحمن ان القرى التي احتلتها القوات النظامية تقع في محيط بصر الحرير. وياتي التقدم بعد اشتباكات عنيفة مستمرة منذ صباح الاثنين بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة ومقاتلي كتائب معارضة من جهة اخرى في المنطقة ترافقت، بحسب المرصد، مع قصف من قوات النظام على مناطق في البلدة.
وقتل في المعارك 18 عنصرا على الأقل من قوات النظام والمسلحين الموالين لها و11 مقاتلا معارضا بينهم قائد لواء مقاتل، بحسب المرصد، وكانت القوات النظامية خسرت مواقع عدة خلال الاسابيع الاخيرة في منطقة اخرى من درعا (الريف الجنوبي) ابرزها معبر نصيب على الحدود الاردنية، ما اضطرها الى الانسحاب من الحدود كاملة. كما خسرت مدينة بصرى الشام الاثرية التي تقع على طريق رئيسي يربط مدينة درعا بالسويداء.
أكثر من 220 ألف قتيل منذ بدء النزاع
الى ذلك أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن حصيلة القتلى الذين سقطوا في سوريا منذ بدء النزاع في منتصف آذار/مارس 2011 تجاوزت 220 ألف قتيل، غالبيتهم من المقاتلين، وبينهم 11 ألف طفل على الأقل، ووثق المرصد في آخر إحصاء، بحسب ما نقل مديره رامي عبد الرحمن الخميس "مقتل 220 ألفا و271 شخصا منذ انطلاقة الثورة السورية مع سقوط أول شهيد في محافظة درعا في 18 آذار/مارس حتى تاريخ 15 نيسان/أبريل 2015"، والقتلى هم 67293 مدنيا و39848 مقاتلا معارضا و28253 جهاديا، و46843 من قوات النظام و34872 من المسلحين الموالين لها، و3162 مجهولي الهوية. بحسب فرانس برس.
ويستند المرصد في معلوماته إلى شبكة واسعة من المندوبين والناشطين والمصادر العسكرية والطبية في كامل البلاد، وقد أحصى بين المدنيين مقتل 11021 طفلا، و7049 امرأة فوق سن الثامنة عشرة، ويتوزع مقاتلو المعارضة بين 37336 من المدنيين الذين حملوا السلاح ضد النظام و2512 منشقا. وبين المسلحين الموالين للنظام، قتل 682 عنصرا من حزب الله و2844 مقاتلا شيعيا من دول عدة.
وقتل حوالى خمسة آلاف شخص منذ 15 آذار/مارس الذكرى الرابعة لاندلاع النزاع. وإذ لفت مدير المرصد إلى أن المعدل الشهري لضحايا النزاع يدور غالبا حول الخمسة آلاف قتيل، فإنه سجل أن نسبة تسعين في المئة من القتلى المدنيين الذين بلغ عددهم في الفترة ذاتها 1184، قضوا في قصف جوي من قوات النظام، وهي نسبة شهرية نادرة خلال سنوات النزاع الدامية، ولاحظ المرصد خلال الأسابيع الماضية تصعيدا كبيرا في الغارات الجوية التي نفذتها الطائرات المروحية والحربية على مناطق عدة خاضعة لسيطرة المعارضة في سوريا، لا سيما إدلب (شمال غرب) وحلب (شمال) ودرعا (جنوب).
ولا تشمل حصيلة القتلى الإجمالية أكثر من عشرين ألف مفقود في سجون النظام ونحو سبعة آلاف معتقل من قوات النظام والموالين له لدى فصائل المعارضة وأكثر من ألفي مخطوف لدى "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" وكتائب إسلامية، ويقدر المرصد أن العدد الحقيقي لقتلى النظام والمعارضين أكبر بكثير، مشيرا إلى "تكتم شديد من الطرفين على الخسائر البشرية" خلال العمليات العسكرية.
اضف تعليق