رغم ان مسافة زمنية ليست بالقليلة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الامريكية والتي ستجري نهاية العام القادم 2016، الا ان ماكينات جمع الاموال بدأت تدور منذ الان.
فقد اعلن جيب بوش (وهو ليس مرشحا رسميا للحزب الجمهوري) ان لجنة العمل السياسي التي شكلها تمهيدا لاعلان ترشيحه في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، جمعت خلال الأيام الـ100 من عملها ما لم تجمعه حملة جمهورية في التاريخ الحديث.
ولم يكشف بوش أي ارقام ولكن قياديين في الحزب الجمهوري قالوا لصحيفة "واشنطن بوست" ان اللجنة في طريقها الى جمع 100 مليون دولار بحلول نهاية آيار(مايو) المقبل. وقال الحضور ان كلمة بوش تشير الى ثقته وثقة طاقمه بجمع ثروة سياسية تكفي لمساعدته على تمويل طموحاته الرئاسية.
ومن المرجح جدا ان يرتفع المبلغ الى ارقام خيالية مع اشتداد حمى التنافس بين المرشحين عند انطلاق سباق الرئاسة الامريكية في العام القادم.
ويحمل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش- شقيق المرشح الحالي- الرقم القياسي في أفضل بداية حققها مرشح جمهوري لتمويل حملته، ففي الأشهر الأربعة الأولى من عام 1999، جمع بوش نحو 37 مليون دولار، وفي المركز الثاني جاء ميت رومني الذي جمع في الربع الأول من عام 2007 أكثر من 23 مليون دولار ، بحسب سجلات مفوضية الانتخابات الفيدرالية.
ويمكن لهذه الحملة الرئاسية القادمة ان تتفوق في انفاقها على حملة العام 2012 والتي قدرت بنحو 7 مليارات دولار وفقا للجنة الانتخابات الفيدرالية.
ينطبق على هذه الارقام ما يقوله الامريكيون أنفسهم ان "الديمقراطية ليست رخيصة" و"الديمقراطية تأتى بتكلفة باهظة".
وكان لعمدة كاليفورنيا فى عام 1934 مقولة شهيرة بان "التاريخ الأمريكى عبارة عن معركة بين البيزنس والديمقراطية، والبيزنس هو الذى فاز".
ويقول محللون إن السياسة قد أثرت على البيزنس وليس العكس فحسب. فعند كل حملة انتخابية تزداد وتيرة الاعلانات التلفزيونية ذات البعد السياسي، وفى الوقت الذي تنخفض فيه معدلات متابعة البرامج الإخبارية على شاشات التليفزيون، تعمل القنوات المختلفة على زيادة ساعات إضافية وتستعين بصحفيين لبيع إعلانات جذابة للمرشحين السياسيين.
وقد اشارت كثير من التقارير أن إجمالي الإعلانات السياسية في 2014 التي رافقت انتخابات التجديد للكونغرس ومجلس الشيوخ قد بلغ 2.4 مليار دولار بحسب شركة الأبحاث "كانتار ميديا".
صحيفة الواشنطن بوست وصفت تلك الاعلانات بـ"حرب الهواء" في ولايات المنافسة فيها شرسة مثل ايوا حيث بلغ إنفاق المرشحين وحلفائهم 82 مليون دولار. و60 مليون دولار أنفقها المرشحون الديمقراطيون فى ولاية واحدة على الإعلانات التليفزيونية حيث يفضل عادة المرشحون عرض إعلاناتهم مع البرامج الإخبارية.
والطريف أن ثمن مقعد مجلس الشيوخ يتراوح ما بين 33 و80 مليون دولار بحسب الولاية بل إن أكثر من 87 مليون دولار تم إنفاقها على السباق الانتخابي في نورث كارولينا وحدها.
الإعلانات السياسية الحديثة تستهدف مجموعة من الناخبين من خلال توجيه رسائل سياسية محددة وفقا لاتجاهاتهم ورغباتهم أيضا وذلك مثل مجموعة المؤيدين لحرية حيازة السلاح أو حقوق الإجهاض.
فقد وجد الخبراء أن الإعلانات تأثيرها اقوى عندما تبث للأشخاص المناسبين. ويمكن الاستفادة من معدلات المشاهدة التلفزيونية، بما في ذلك البرامج السياسية، أو حتى الرياضية. فإذا كان 93% من مشاهدي لعبة الجولف من الجمهوريين يكون من المفيد للمرشح الجمهوري شراء مساحة إعلانية في مباريات لعبة الجولف. ويقول البعض انه بفضل محاصرة المستهلكين أو - الناخبين في حالة السياسة - فانه بحلول عام 2016 سوف تكون الإعلانات أكثر دقة بتوجيهها مباشرة إلى الأشخاص المناسبين.
التحدي الأول الذي يواجهه المشرعون الأمريكيون في مساعيهم للحد من التأثير السلبي للمال على الانتخابات الفيدرالية (ممثلة في البيت الأبيض والكونجرس) هو الارتفاع المستمر في تكاليف الحملات الانتخابية الفيدرالية ومن ثم زيادة اعتماد المرشحين الأمريكيين على المال للفوز بمناصبهم السياسية.
فعلى مستوى انتخابات الرئاسة الأمريكية جمع المتنافسون على منصب الرئيس الأمريكي في عام 2000 تبرعات قدرها 528 مليون دولار، في مقابل 425 مليون دولار جمعها المتنافسون في انتخابات عام 1996 الرئاسية، بينما جمع المتنافسون في انتخابات عام 1992 تبرعات مقدارها 331 مليون دولار فقط، مما يعني أن حجم التبرعات التي جمعها المتنافسون على الرئاسة الأمريكية زادت بمعدل 100 مليون دولار أمريكي كل أربعة أعوام منذ عام 1992.
وتعود الزيادة المستمرة في تكاليف الانتخابات الأمريكية للأسباب التالية:
أولا: ليس هناك سبيل يمكن للمرشحين من خلاله معرفة تكلفة الفوز بالانتخابات بشكل مسبق، ولذا يحرص كل مرشح على جمع وإنفاق أكبر قدر من الأموال للدعاية لحملته حتى ولو أهدرت بعض هذه الأموال في سباق ضد خصم ضعيف مادام ذلك سوف يؤكد نجاح المرشح.
ثانيا: الحملات الانتخابية ليست مجانية، فهي عملية صعبة ومكلفة لها هيئات ومكاتب متخصصة في مجال الحملات الانتخابية تقوم بها وتعمل على تطوير أدائها وأدواتها بشكل مستمر، وينبغي على المرشحين دفع ثمن استخدام خدمات هذه الهيئات وما تقوم به من أنشطة مثل تسجيل الناخبين وطبع الدعايات وتوزيعها وعقد اللقاءات الجماهيرية وعقد لقاءات جمع التبرعات انتهاء بشراء الدعاية التلفزيونية باهظة التكاليف.
ثالثا: حجم الأموال التي يجمعها أحد المرشحين قد تمثل رادعا قويا لخصومه خاصة إذ نجح المرشح في جمع قدر كبير من الأموال في بداية حملته الانتخابية.
رابعا: الدوائر الإعلامية والسياسية الأمريكية تنظر إلى حجم التبرعات التي يجمعها المرشحون خاصة في بداية حملاتهم الانتخابية كعلامة هامة على مدى جديتهم وقدرتهم على المنافسة والفوز بالانتخابات.
اضف تعليق