عقد مركز المستقبل للتنمية والدراسات الستراتيجية ملتقاه (استقرار العراق وبناء التوازن الاستراتيجي)، العنوان يحمل متغيرين، المتغير الأول هو الاستقرار، والمتغير الثاني هو التوازن الإستراتيجي، فعند الحديث عن الاستقرار فإننا نعني به (حالة الثبات وعدم التغيير فيما يعرف بالمؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي ترسم قوانين وقرارات...
عقد مركز المستقبل للتنمية والدراسات الستراتيجية ملتقاه الثقافي الشهري تحت عنوان (استقرار العراق وبناء التوازن الاستراتيجي)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية، وذلك ضمن فعاليات ملتقى النبأ الأسبوعي بمقرّ مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة.
وبدأ الملتقى أعماله بعرض ورقة الباحث في مركز المستقبل الدكتور قحطان حسين اللاوندي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بابل، قائلا:
إن عنوان هذه الحلقة يحمل متغيرين، المتغير الأول هو الاستقرار، والمتغير الثاني هو التوازن الإستراتيجي، فعند الحديث عن الاستقرار فإننا نعني به (حالة الثبات وعدم التغيير فيما يعرف بالمؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي ترسم قوانين وقرارات وأعراف تحفظ وتضبط نسق توازن المؤسسة للوصول إلى الأهداف المنشودة)، فالاستقرار السياسي هو (مدى قدرة النظام السياسي على توظيف واستثمار الظروف السائدة والمتاحة والتعامل بنجاح مع الأزمات لإستيعاب الصراعات التي تدور داخل المجتمع وخارجه مع عدم استعمال العنف فيه)، لأن العنف هو أحد ظواهر عدم الاستقرار السياسي.
أما التوازن الإستراتيجي فالمقصود به (تكافؤ وتعادل القدرات العسكرية والاقتصادية والبشرية في دولة أو مجموعة من الدول ضمن إطار معين مع القدرات لدولة أو مجموعة من الدول الأخرى بما يضمن تحقيق حالة الردع لأي تهديد مباشر لمصالح الطرف الأول أو الطرف الثاني وإمكانية هذه القدرات على إعادة التوازن إلى ما كان عليه قبل حصول التهديدات)، يتأثر الاستقرار السياسي في اي دولة بعناصر عدة منها (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية)، وترتبط هذه العناصر بالبنى الفكرية والثقافية السائدة في المجتمع، ولم يعد الاستقرار السياسي للدول مرتبط فقط بالبيئة الداخلية، بل أنه مهدد بتداعيات البيئة الخارجية الإقليمية والدولية منها، وما تتسم به من صراع أو تعاون بين مكوناتها.
يعاني الواقع العراقي من استمرار حقيقة المشهد السياسي المصطنع، الذي يؤشر ضعف أدوات العملية السياسية، وعدم إمتلاكها الإرادة الحقيقية، للبدء بخطوة جادة نحو توحيد الأهداف والتأسيس لرؤية مشتركة، لرسم مسارات صحيحة لإنقاذ المجتمع العراقي، ومعالجة أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وما زالت الآليات المتبعة في حكم العراق وإدارة شؤونه تستند للعمل السياسي الفئوي للحركات والأحزاب السياسية، متجاهلة بذلك الطموحات والآمال الشعبية بتجاوز أزمات البلاد، التي تمظهرت بالانفلات الأمني وهدر الثروات وتفكيك البنية المجتمعية.
والأهم والأخطر من ذلك كله هو استمرار تصاعد الأزمات، التي تترك آثارا سلبية بل خطيرة على مستوى الحياة للفرد والدولة خصوصا في زعزعة الاستقرار، ويواجه الاستقرار في العراق تحديات ومحددات عدة، من أهمها:
أولا: انقسام المجتمع على أسس مذهبي وقومي ومأسسة هذا الانقسام من خلال تطبيق نظام المحاصصة في الحكم.
ثانيا: الصراع على السلطة ما بين مكونات العملية السياسية وتوظيف البعد القومي والطائفي في الصراع.
ثالثا: فقدان السيادة وعدم استقلال القرار السياسي وغياب التوافق الوطني الناجم عن ارتباط بعض الأحزاب الحاكمة بأجندات خارجية تملي عليها برامجها السياسية البعيدة عن مصلحة الوطن.
رابعا: اللجوء المتكرر إلى العنف السياسي كوسيلة لحل الخلافات الناشئة بين أطراف العملية السياسية والعنف قد يكون رسميا موجها من الدولة ضد الأفراد والمؤسسات غير الرسمية أو قد يكون غير رسمي تقوم به تنظيمات غير قانونية اتجاه الدولة أو اتجاه مؤسسات مجتمعية أخرى.
خامسا: شيوع الفساد وتصاعده إلى درجة خطيرة أصبح فيها الفاسدون يمتلكون قدرات كبيرة على التحكم بمجريات الأوضاع السياسية والاقتصادية.
سادسا: الصراع على مكتسبات النصر على داعش، إذ نتج عن هذه الحرب صراع جديد بين أطراف توحدت في الحرب على داعش لكنها اختلفت على تقسيم مكاسب هذه الحرب وسواء كانت سياسية أو اقتصادية.
سابعا: إنتشار السلاح خارج إطار مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية بشكل يهدد استقرار البلد.
ثامنا: تصاعد دور العشائر في المشهد السياسي بما تمتلكه من نفوذ اجتماعي جعلها قادرة على منافسة سلطة الدولة مما يهيئ لحالة من الإرباك في تطبيق القانون الذي يتعارض مع المصالح العشائرية أحيانا.
تاسعا: التدخلات الدولية في الشأن الداخلي العراقي من أجل النفوذ وتحقيق المصالح حتى أصبحت الساحة العراقية ميدان لتصفية الحسابات بيد دول متصارعة.
لا شك أن عدم الاستقرار في العراق، يترك آثارا واضحة على سياسة العراق الخارجية، ومواقف وقرارات الحكومة إتجاه الأحداث والتطورات في النظام الاقليمي والدولي، ولما كان المشهد السياسي العراقي مخترقا من دول معينة (كالولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، وتركيا، والسعودية، وقطر) ودول أخرى، نتيجة ضعف الدولة وغياب الولاء الوطني، وامتلاك دول الجوار والولايات المتحدة أدوات النفوذ والتأثير، بحيث أصبحت قادرة على التحكم بمجريات العملية السياسية والاقتصادية والأمنية، فإن كل ذلك جعل من العراق ساحة تتصادم فيها إستراتيجيات دول منها عظمى ومنها فاعلة ومؤثرة.
لذلك فإن عوامل التأثير والتأثر ستكون حاضرة عند الحديث عن اتجاهات مستقبلية في علاقات العراق الخارجية (الإقليمية والدولية)، وهذه المسألة لم تعد حكرا على الحكومة فقط، فتحديد المواقف مما يجري من تطورات خارجية، امتد ليشمل الحركات والأحزاب والفصائل المسلحة وهو أمر خلاف المنطق وغير مفيد، بل له تبعات سلبية على وحدة العراق وتماسك شعبه، وأحيانا يعطي تبريرات للدول للتدخل في الشأن العراقي، كما هو حاصل بشأن صراع النفوذ الأمريكي - الإيراني في العراق.
وبوصف العراق مركزا إستراتيجيا فعالا ضمن نطاقه الإقليمي، فقد أصبح يؤثر وان كان بدرجة محدودة في هيكلية التفاعلات والتوازنات الإقليمية، حتى وان كان يعد الحلقة الأضعف في الإطار العام لهذه التحالفات، وهذا التأثير هو نتيجة للأحداث التي تجري على أرضه وإنعكاساتها، إن حالة الترابط في السياسة الدولية بين الدول من حيث التوازن الإستراتيجي للقوة وإعادة توزيعها، تؤثر في السياسات الإقليمية، لكون التغيير الذي يحدث في دولة ما، تنعكس آثاره على دول المنطقة عموما، وهو أمر ينطبق على العراق، فالعراق يشهد تحولا معقدا تجد فيه دول الإقليم تحديا ينبغي التعامل معه بشتى الوسائل من أجل مواجهته أو احتواءه.
لقد أثرت الانقسامات والصراعات السياسية المحلية في العراق سلبيا على قدرة حكومته، في تبني سياسة خارجية، تحافظ على المصالح الإستراتيجية العراقية، ويمكن أن نقول هنا، إن الافرازات الناتجة عن الوضع العراقي، تشكل مدخلات اضطرارية للتأثير والتأثر بالنسبة للدول المحيطة، التي تهدف من حركتها على الساحة العراقية، إلى تأطير شروط تعاملها مع الولايات المتحدة والقوى المؤثرة في المشهد العراقي بعدة محددات، لضمان مصالحها ولحماية أمنها القومي.
والخطير في هذا الأمر، إن الدول ذات النفوذ في العراق، تمكنت من إيجاد أذرع لها في العراق، تتبنى أهدافها وتدافع عن مصالحها، وهذا ما جعل العراق يفتقد لرؤية إستراتيجية قادرة على تحديد اتجاهات واضحة في السياسة الإقليمية والدولية، تكون بعيدة عن الارتباك، وبالنتيجة فقد العراق جزءا كبيرا من مقومات الفعل الخارجي، وأصبح الحلقة الأضعف في الاستقطابات الجارية في المنطقة، لقد انعكست الصراعات المحلية والإقليمية والدولية بشكل سلبي على العراق واستقراره.
ولعل أخطر مظهر في عدم الاستقرار، هو ظهور حالة من الاستقطاب ما بين مكوناته، جعلت كل مكون يرتبط معنويا وماديا بأحد أطراف الصراع الإقليمي والدولي، الذي يشكل العراق أحد ساحاته، وهذا قد يؤدي مستقبلا إلى تهيئة الظروف والمساعدة على حدوث انقسام مجتمعي حاد، ويحمل في جنباته خطر إندلاع حرب أهلية، خصوصا في ظل الأوضاع السياسية الراهنة، التي تفتقد فيها الحكومة لأدوات وعناصر الضبط والتحكم بالشؤون العامة، في مقابل تصاعد دور المؤسسات والجهات شبه الرسمية وغير الرسمية، في رسم ملامح الدولة وطبيعة تفاعل عناصره.
إن العراق بحاجة إلى إعادة رسم سياسته العامة، لتجاوز عوامل الضعف والسعي لبناء قدرته الذاتية، ورأب الصدع بين مكوناته لتحقيق الوحدة الوطنية، لتكون مقدمة للنهوض والتنمية وكسب القدرات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية اللازمة، والمؤهلة لصعوده كقوة مكافئة للقوى الأخرى في المنطقة، صحيح أن العقبات أمام هذا الطموح هي كبيرة، وقسم منها وضعته الدول المتنفذة في العراق، لكن الحوار والتفاهم بين الأطراف السياسية المؤثرة في العراق، والتي تجتمع في تحقيق المصلحة الوطنية.
قد ينجح في بلورة سياسة داخلية وخارجية عراقية ناجحة، تضمن للعراق الحصول على القدرات العسكرية والسياسية والتكنولوجية، التي تضمن للعراق سيادته واستقلاله، ومن شأن هذه القدرات أن تهيئ للعراق نوع من التوازن الإستراتيجي مع دول المنطقة، تمكنه من ردع التهديدات التي تواجه أمنه ومصالحه الحيوية، ولعل من أهم الآليات التي من الممكن اعتمادها لتحقيق هذا الهدف هي..
أولا: تحقيق السلم والتعايش المجتمعي بين المكونات العراقية.
ثانيا: إعادة تأهيل اقتصاد العراق وتنميته.
ثالثا: وضع حد للتدخلات الخارجية في الشأن العراقي الداخلي.
رابعا: بناء علاقات متعددة الجوانب مع دول الجوار تضع مصلحة العراق بالدرجة الأولى.
خامسا: إقناع الفصائل المسلحة بنزع سلاحها وعدم السماح لانتشار السلاح خارج إطار مؤسسات الدولة المختصة.
سادسا: الإبتعاد عن سياسة المحاور والاستقطاب والتحالفات، والعمل على تبني سياسة الحياد الإيجابي وتضمين ذلك في معاهدة دولية تضمن للعراق حقوق الدولة المحايدة.
ولإغناء الموضوع بمزيد من الأفكار والرؤى والتصورات يسرنا أن نطرح على الحضور الكرام السؤالين الآتيين:
السؤال الأول: ما هو أثر الصراعات المحلية والإقليمية والدولية على استقرار العراق؟
القوى السياسية توظف الانقسام طائفيا
- د. حسين أحمد السرحان، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، يعتقد بأن المجتمعات التي تشهد انقسامات مجتمعية، هي حتما تتوافر على مغذيات سياسية وأمنية لهذا الانقسام، والذي عادة ما يقود إلى حرب أهلية، والقوى السياسية العراقية تحاول أن توظف هذا الانقسام مذهبيا وطائفيا، وذلك من أجل إذكاء سيطرتها أولا وترسيخ نفوذها في العراق، خصوصا وأن العراق هو جزء من الشرق الأوسط، ويعتبر من أحد المناطق الكثيرة الاضطراب والموسومة بعدم الاستقرار، هذه المنطقة وبحكم موقعها وتأثيرها على مصدر الطاقة العالمي، ففيها تنافس جيوبولتيك على المستوى العالمي، وأيضا فيها تنافس جيوسياسي في المناطق الإقليمية الفاعلة، فبالتالي العراق بحكم موقعه الجغرافي هو ذو أهمية جيوسياسية لدول المنطقة، وأيضا ذو أهمية جيوبوليتك بالنسبة للأطراف الدولية المتنافسة، عندها يمكن وصف ما يحصل في العراق اليوم، هو ليس صراعا بل تنافسا على النفوذ، وسواء كانت تلك الأطراف محلية أو إقليمية، فالعراق فضلا عن أنه ساحة للتنافس الجيوبولتيك على مستوى العالم، هو أيضا ساحة للتنافس الجيوسياسي للأطراف الإقليمية لاسيما (إيران، تركيا، السعودية، إسرائيل)، وهذا التنافس الجيوسياسي هو إنعكاس طبيعي لحالة التنافس الجيوبولتيك.
لذا فإن المناعة السياسية إذا ما توفرت على مستوى الداخل، ستكون قادرة على جعل العراق طرفا في هذا التوازن الإستراتيجي، أو يكون العراق هو منسق للتقارب الجيوسياسي في المنطقة اقتصاديا وأمنيا، بالتالي يمكن توظيف هذين المتغيرين أي المتغير الاقتصادي والأمني، على اعتبار هذين المتغيرين هم أكثر اضطرابا في المنطقة، وأيضا يمكن للعراق توظيف هذين المتغيرين على اعتباره ثاني منتج للنفط في العالم، وبالتالي غياب حصة العراق عن سوق الطاقة العالمي ستسبب اضطرابا في سوق النفط العالمي.
عملية الاستقرار تحتاج للاستمرارية
- الشيخ مرتضى معاش، المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يعتبر هذا الكلام موجه لصانع القرار العراقي سواء كان سياسيا أو غير سياسي وحتى صاحب الرؤية الفكرية، فكيف يمكن تحقيق استقرار العراق من خلال بناء التوازن الاستراتيجي؟، فكل هذه العوامل التي تعرضت إليها الورقة تقودنا نحو سؤال مهم جدا، من يؤثر على عدم الاستقرار في العراق هل هي العوامل الخارجية التي تفرض على العوامل الداخلية هذه الاستقطابات الحادة، أم الاستقطابات الحادة الموجودة في داخل اللعبة المحلية، هي التي تؤدي إلى تدخل العامل الإقليمي والدولي؟
والسبب في طرح هذا السؤال، أن الصراعات القائمة اليوم ما بين القوى السياسية المحلية الداخلية، تحاول ان تستثمر الاستقطابات الإقليمية والدولية، من أجل تحقيق التفوق السياسي في الداخل، ويمكن أن يؤدي هذا إلى أخطار كبيرة جدا، فعلى سبيل المثال الصراع الأمريكي الإيراني أو الصراعات الدولية الأخرى، هذه إشكالية عظيمة يعاني منها صانع القرار السياسي في العراق، حيث يعتقد بأن تحقيق الاستقرار الهش والمؤقت، هو بمثابة إنجاز مهم على صعيد خلق التوازن الاستراتيجي وهذا خطا كبير. فمن أجل تحقيق الاستقرار تحتاج لعملية متواصلة، بالتالي أهم نقطة تؤثر على الاستقطابات الحادة، هو عدم فهم الاستقرار بالنسبة لصانع القرار السياسي في العراق، ففي الآونة الأخيرة عندما حصل الصراع بين الكتل السياسية في تشكيل الحكومة، وجدنا صانع القرار العراقي دائما ما يتلاعب من أجل تحقيق التفوق السياسي، وهذا يجعل صانع القرار بعيد كل البعد عن فهم التوازن الاستراتيجي المستقبلي الذي يحتاجه البلد، لذا فإن أهم نقطة في فقدان الاستقرار هو عدم إدراك مفهوم التوازن الاستراتيجي، فعندما تزداد المخاطر الاقتصادية على البلد مثل انخفاض أسعار النفط، أو ظهور التنظيمات الإرهابية مثل داعش، أو التظاهرات الخدمية التي شهدتها محافظة البصرة وباقي المحافظات العراقية، فمعناها أن صانع القرار العراقي لا يدرك أهمية التوازن الإستراتيجي المستمر، وهذا يعني أننا في العراق لا نفقه شيء اسمه بناء ثقافة التوازن، بل هناك تطرف وتعسف في الكثير من القضايا، سواء على مستوى صانع القرار وعلى مستوى المجتمع في آن واحد.
الفساد يؤخر عملية الاستقرار
- الحقوقي أحمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، يرى أن الاحتلال لا يخرج من دولة فيها مكونات إلا وخلف وراءه مشكلة، وخير شاهد على ذلك هو الاستعمار البريطاني الذي أوجد منطقة كشمير وهي محل نزاع باكستاني هندي إلى اليوم، في العراق ايضا حاول المحتل الامريكي جعل محافظة كركوك هي محل نزاع عربي تركماني كردي، هذه القضية وقضايا اخرى جعلت في الداخل العراقي صراعات، بالتالي هناك ثمة سؤال يطرح نفسه هل صانع القرار العراقي لديه النية الصادقة لترسيخ الاستقرار في العراق؟.
إذا ما أردنا تفكيك العراق على مكوناته، فالأكراد تعرضوا إلى ضربة ما بعد الاستفتاء، بالتالي استقرار العراق لا يخدم مشروع الدولة الكردية المزعومة، كذلك المكون السني هو لا يريد العراق أن يكون العراق دولة قوية ومستقرة، وذلك لأنهم يحملون شعار واحد ولا يؤمنون بغيره كون السنة هم من يحكمون العراق وليس سواهم، المكون الشيعي يعتبر استقرار الدولة هو القضاء على الفساد، وهذا عنوان ضخم جدا وهو بعيد المنال، فالفساد أقوى من جيوش الاحتلال وأقوى من الصراعات على السلطة، فقضية الفساد هي التي تنخر جسد الدولة العراقية وهي التي تؤخر عملية الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني.
الصراع المحلي أخطر من الصراع الإقليمي والدولي
- الدكتور علاء الحسيني، التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء، والباحث في مركز آدم، يكاد يجزم بأننا لن نصل إلى نتيجة الاستقرار ما دمنا نتكلم عن صراع محلي او اقليمي، حيث قدر للعراق قدر له أن يكون في موقع جغرافي لا يشهد ولن يشهد سابقا حالة الاستقرار، وهذا ما ترسمه خارطة الأحداث تأريخيا منذ الدولة الإسلامية وما قبلها وإلى اليوم، والعراق في مرحلة صراع مستمر خاصة ومع وجود قوى عظمى من هنا وهناك، وهو يظهر في كل حقبة بمظهر جديد وتكون له ثوابت جديدة ولكن يبقى الصراع قائما، لكن ما أختلف في العراق هو وجود المكونات المتنوعة، هذه المكونات أضفت نوع من الصراع المحلي، هذا الصراع المحلي هو أخطر من الصراع الإقليمي والدولي على العراق، لأنه يمثل البوابة التي تفتح المجال واسعا أمام القوى الخارجية كي تتدخل في الداخل العراقي، وتعدم الاستقرار نهائيا في العراق من خلال هذا الاستقطاب، فهذه القوى وحتى تبقى مستمرة في الحياة وتعتاش، فهي تحتاج للدعم من الخارج، فاليوم عندنا صراعات في داخل المحافظة الواحدة وما بين المحافظات وبين المحافظات والإقليم.
القانون العراقي والدستور العراقي لم يحسم الأمر ولم يغلق الباب على هذه الصراعات، فلو أخذنا مثلا الحدود الإدارية للمحافظات فكلها غير محددة بشكل قطعي، الكثير من الناس تجد في بعض المراسيم الجمهورية التي صدرت في العام (1978/1979)، التي ضمت بعض الاقضية إلى محافظات بعينها قد ألحق فيها الظلم، وهذه بوابة من بوابات الصراع الداخلي، أيضا اليوم هناك صراع بين تكريت وبين كركوك على تازة وغيرها، وبين ديالى وصلاح الدين، وبين كربلاء والانبار، فهذه كلها مقدمات وأسباب للصراع، فالاستقرار الذي ننشده استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، فلعله هذه الاهداف التي نريد أن نصل اليها في المدى المنظور بعيدة، بسبب مغذيات الصراع التي تم ذكرها آنفا هي كلها موجودة، فهناك المسألة (المذهبية، العشائرية، الحدود الإدارية، الأطماع)، أيضا الدستور لم يحسم مسألة الخيرات في العراق كالنفط والغاز والمعادن الأخرى وكيفية إدارتها بشكل دقيق، ولم يضع لنا آليات حقيقة لفض الصراع ما بين المحافظات، فهناك هيئة تنسيقية يرأسها رئيس الوزراء الذي هو جزء من المشكلة، فكيف بهذه الهيئة أن تحل صراعا معينا ما بين محافظتين، بالتالي نحن نحتاج إلى آليات حقيقية ممكن أن تأتي إلى أسباب الصراع وتنهيها من الأساس.
ما زال استقرار العراق بعيد المنال
- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يعتقد أن موضوع الاستقرار لأي بلد، وبغض النظر عن احتمالات التدخلات الخارجية أو وجود مؤامرة أو ضغوطات، يعتمد بالأساس على عدة ملفات داخلية، فالاستقرار لكل بلد يأتي من استقرار عدة ملفات منها الملف (السياسي، الاقتصادي، التجاري، الصناعي، الأمني).
دولة تعيش من المفترض نظام ديمقراطي برلماني، وبالتالي فإن كل ملف من هذه الملفات هناك أساس يقوم عليه، وكل حكومة تأتي تضيف على هذا الأساس لبنة لتزداد علوا في هذا الجانب، لكن في الحقيقة وبعد مضي (15) عام تقريبا على هذا التغيير، لا نجد أي لبنة موضوعة لأي ملف من هذه الملفات، فكل هذه الملفات هي أمام حالات ترقيعية لا جدوى منها، فما زلنا نعيش هاجسين وهما (إيجاد قانون للانتخابات ومفوضية الانتخابات، كيفية التوافق على رئيس الوزراء ووزراء الدفاع والداخلية).
فهذه معضلة متكررة في كل دورة برلمانية وفي كل انتخابات، وهي تأخذ مساحة من عمر الحكومة ليست قصيرة، كذلك هي تشغل الحكومة، وبالتالي لا استقرار في الجانب السياسي، والسبب عدم وجود رؤية واضحة في كيفية بناء حياة سياسية عراقية، لا يوجد استقرار في الملف الزراعي والصناعي والإداري، فلا توجد رؤية في هذا الجانب، الكل يعالج الأمور بحلول ترقيعية، بالتالي أي اهتزاز في الحالة الإقليمية سيرتد عليك، لأنك تعتاش على حالة طارئة، فكل التجارة هي من الخارج وأغلب الصناعة من الخارج، فإننا نعيش حالة من الاتكالية المطلقة على أسعار النفط، بالتالي نحن عبارة عن دولة قائمة على دول أخرى، فالاستقرار بهذه الطريقة لن ينشد إلا ببناء منظومة توافقات على أساس قرارات عراقية محضة، ترعى مصالح الدول ولكن وفق المصلحة الداخلية، وأن يكون هناك قانون حاسم للانتخابات وهو ثابت لا يتغير، وأن تكون هناك أسس واضحة لاختيار الوزراء على أساس الكفاءة، بعد ذلك تتجه الحكومة نحو إيجاد الحلول للملفات الأخرى وأهمها البنى التحتية والخدمات، بالنتيجة لا توجد ثقة متبادلة بين الأطراف والكل ينتظر أن يخطأ الآخر حتى يبين أنه صح، وبهذا السياق يكون اللاعب الدولي والإقليمي قد وجد ساحة فارغة وسهلة لتقوية شوكته، لذا فالساحة مفتوحة أمام الدول الإقليمية والعالمية لتمرير مشاريعها في العراق، وما زالت الإرادة الوطنية غائبة تماما عن الأغلب في إتخاذ قرار بمنع التدخل، لذلك ما زال استقرار العراق بعيد المنال.
الجميع مقصر في بناء جبهة اجتماعية
- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، في ظل بناء اجتماعي متخلخل وهش ومليء بالصراعات والضعف، لا يمكن أن تتحقق استراتيجية لبناء الاستقرار، فكل شيء ينطلق من المجتمع من الداخل إلى الخارج، نعم هناك قدرات خارجية هائلة يمكن أن تخلخل الوضع في العراق، ولكن اذا كانت الجبهة الداخلية والمجتمع الداخلي قوية ورصينة ومبني بطريقة سليمة، فلا يمكن أن يسمح لتدخل اي دولة مهما بلغت من القوة، بالتالي هناك تقصير من قبل الجميع في بناء جبهة اجتماعية رصينة تمنع هذا التدخل، فطالما الجبهة الداخلية متضعضعة فالاستقرار الداخلي ايضا سيكون متضعضعا.
(2003) صدمة مزدوجة
- حامد عبد الحسين الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يعتقد بأن عام (2003) كان عام صدمة مزدوجة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فالعراق كان يمارس النظام الاقتصادي الاشتراكي والنظام الشمولي سياسيا ومحافظ اجتماعيا، بالتالي المتغير السياسي في العراق هو الذي أحدث هذه الفوضى السياسية، فتلك الأحزاب التي تشكلت ما بعد (2003) لا توجد لديها رؤية استراتيجية لبناء دولة، كذلك التدخلات الخارجية غذت هذا الصراع.
لذا استمرت حالة عدم الانسجام والتوافق ما بين القوى السياسية العراقية، ايضا هناك صراع دولي على النفط خصوصا وأن العراق يعتمد على النفط بمورد وحيد، فالمنتج دائما ما يبحث عن ارتفاع الأسعار والمستهلك دائما ما يبحث عن إنخفاض الأسعار، فالصراع الدولي يؤثر على الاقتصاد العراقي من خلال قناعة النفط والموازنة العامة، لذا فالأحزاب السياسية تحتاج لارتفاع أسعار النفط لبناء طموحاتها ومشاريعها، وهذا الصراع الخارجي سيؤثر على الصراع الداخلي.
الوضع في العراق حرجا للغاية
- حيدر الاجودي باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يرى أن الصراعات السياسية الدولية التي تريد السيطرة على الشرق الأوسط، هي تحاول استخدام المخالب الإقليمية التي تسعى لتفكيك الجغرافيا العراقية، هذا مما جعل الوضع في العراق حرجا للغاية، بسبب زجه في مسرح الصراعات الدولية، وهذا يعكس واقعا مريرا على عكس ما يعتقد البعض ممن يكتبون عن مستقبل العراق الواعد، بالتالي علينا أن نضغط أكثر على صاحب القرار، وأن نفكر بجدية في الوضع السياسي العراقي، وما ينتج عنه من وقائع سياسية جديدة، في ظل صراعات دولية وفي ظل تناحر الفاعل الإقليمي.
السؤال الثاني/ كيف يمكن للعراق بناء توازن استراتيجي في ظل الاستقطابات الحادة في المنطقة؟
- د. حسين السرحان، مستفسرا، من هو صانع القرار في العراق ومن هو متخذ القرار في العراق؟، وللإجابة عن هذا الاستفسار دستوريا وقانونيا معرف في الإطار التشريعي، ولكن في واقع الحال فإن مهمة صناعة القرار هي أيضا مهمة خضعت للتوافق، وذلك من خلال توافق القوى السياسية والمرجعية الدينية والجهات الفاعلة في المجتمع، بالتالي فإن مهمة صناعة القرار هي مهمة مبعثرة في العراق، أما فيما يخص موضوع الاستقرار العام فهناك فرق كبير ما بين الاستقرار العام ونوع الاستقرارات الأخرى (السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي)، فعادة كل واحدة من أنماط الاستقرارات لها مؤشرات ومعايير معينة، لكن مؤشر الاستقرار العام هو معناها استقرار سياسي اقتصادي اجتماعي، عادة صانعي القرار الناجحين دائما ما يحولون الازمة إلى فرصة، بالتالي فان ازمة داعش وازمة انهيار اسعار النفط التي يعاني منها العراق، ممكن أن تكون فرصة على اساس بناء توازن استراتيجي اقليمي، طبعا العراق غير مؤهل لبناء توازن استراتيجي عالمي نهائيا، لكنه بالإمكان أن يعمل على بناء توازن استراتيجي اقليمي، وحتى هذا الموضوع ربما مبالغ فيه، بل يمكن أن يلعب دور في وجود تقارب جيوسياسي بالمنطقة ينعكس على العراق، لان العراق هو المتضرر والضحية الاولى في الصراع والتنافس الموجود في المنطقة سياسيا وامنيا، لذلك على المستوى الاقتصادي فبإمكان العراق أن يلعب دور في هذا الموضوع، فقبل عام من هذا التاريخ ورغم التنافر الموجود بين ايران والسعودية، لكن كانت هناك زيارات متبادلة ما بين الجانبين، وايضا مشاكل الحدود بين السعودية وقطر والإمارات والسعودية.
بمعنى أن العراق يمكنه أن يلعب دورا في توظيف المتغير الاقتصادي في خلق التقارب السياسي، امنيا لابد أن يستغل العراق ميزة اساسية فهي الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تهزم داعش، وهذا ما عجزت عنه دول كثير ة في المنطقة كمصر ونيجيريا والجزائر، لذلك لابد أن يوظف المتغير الامني من اجل خلق تقارب جيوسياسي إقليمي.
الإنطلاق من الكل إلى الجزء
- الشيخ مرتضى معاش، يجد أن اختلال التوازن يؤدي إلى الازمات، فكل شيء في الحياة هو قائم على التوازن، فالإنسان عندما يعتل جسده فهذا ناتج عن اختلال التوازن في الجهاز المناعي، كذلك التغيرات المناخية هي نتيجة لاختلال التوازن البيئي، لذا فان اهم اسباب نشوء الازمات في العراق، هو أن الدولة لم تطور هيكلية الدولة بما يتناسب مع التغيرات التي حصلت في العراق، فصانع القرار العراقي مهما كان حتى الموظف الصغير يمكن أن يكون صانع قرار وحسب مهنته، فالأكاديمي في الجامعة والمفكر فالجميع صانع قرار ولكن بمستويات مختلفة، وذلك لان الأفكار هي التي تصنع حياتنا، بالتالي فان الدولة لم تتطور هيكليتها ولم تستجب للتطورات التي حصلت في العالم، وادى ذلك إلى نشوء الكثير من الازمات وهذه الازمات تراكمت حتى اصبحت كثيرة، واقرب مثال على ذلك المواطن يفكر في جانب والدولة تفكر في جانب اخر، لذلك اهم نقطة لابد أن يسعى اليها الدكتور(عادل عبد المهدي) هو تطوير هيكلية الدولة، حتى يستطيع أن يلبي التوازنات الداخلية والإقليمية والدولية، كما ان كل صناع القرار المشتركين في اللعبة المحلية، ينطلقون من الجزء إلى الكل، وهذا يؤدي إلى خلل في التوازن الإستراتيجي، فلا يمكن تحقيق التوازن الإستراتيجي الداخلي إلا من خلال الإنطلاق من الكل إلى الجزء، وذلك حتى نخلق بيئة جامعة، وإلا هذا التفكك والتعسف والإستيلاء الهيمنة الاحتكار كلها نتيجة الانطلاق من الجزء إلى الكل، وهذا الامر حتما يصنع الكارثة ويخل بكل التوازنات.
النظام البرلماني هو نظام جيد، ولكن مع وجود الاختلال في التوازنات تظهر عناصر الضعف أكثر من عناصر القوة، وايضا لا يمكن القول بان العراق اولا، فصانع القرار يحتاج أن يكون ذكيا حتى يحقق التوازن بينه بين الاقليم وبين العامل الدولي، بالتالي لا يمكن الاضرار بالزبون الذي يشتري النفط العراقي، لذا علينا أن نفكر في كيفية خلق حالة التوازن ما بين مصلحة البائع ومصلحة المشتري. أيضا هناك نوعان من صانع القرار أما مشعل الحرائق أو مطفئ الحرائق، فهناك من يفتعل الازمات حتى يركب الموجة، وهناك من يسعى دائما إلى اطفاء الحرائق، وكلا الامرين غير صحيح، خصوصا وان التوازن الاستراتيجي ينشد حالة خلق وبناء وصناعة مستمرة، حتى تصبح ثقافة دائمة في المجتمع وفي النظام السياسي.
فالتوازن لابد أن يكون له هدف، فالمشكلة اليوم تتركز كون السياسي العراقي يركن للتفكير العدمي الكارثي، وهو يتجه نحو المستقبل الاسود اي (عدم اليقين)، فهذا كله يؤدي إلى فقدان الثقة والشك، كذلك هو يؤسس لإذكاء بعض العناوين الشعبية (عصفور في يد خير من عشرة على الشجرة) (ان لم تكون ذئبا اكلتك الذئاب) (الغاية تبرر الوسيلة)، هذا التفكير هو تفكير عدمي وكارثي، فالمسالة برمتها تتعلق بماذا اربح انا، وليس المهم ماذا يربح الآخرون معا، لذا فهذا النوع من التفكير يؤدي إلى كثرة الانشطارات وكثرة التناقضات وبالنتيجة انتاج الازمات، وذلك سيضر بالبناء الاستراتيجي، ويؤدي إلى ظهور اشياء مثل داعش والازمات المالية الكبرى، بالتالي لابد أن نشجع العراقيين وخاصة صانع القرار على الذهاب نحو التفكير المتوازن، خصوصا وأن العراق امامه فرصة كبيرة نتيجة الاستقطابات الحادة في المنطقة، فمن خلال اعادة هيكلة الدولة وارجاع ثقة الناس بالدولة يكون عاملا مهما، في بناء التوازن محليا إقليميا ودوليا.
حالة حياد دائما
- الدكتور علاء الحسيني، يجد أن العراق لابد أن يسير بمسارين مسار داخلي ومسار دولي، فالمسار الدولي كيف يستطيع العراق أن يكون طرفا فاعلا في تحقيق توازن استراتيجي بالمنطقة وهذا ممكن، فالعراق يستطيع من خلال علاقاته مع العديد من الدول كي يستقطبها لصالحه ويصنع نوع من التوازن، ولعل الورقة اول ما اشارت إلى بعض الحلول المقترحة وهي الانتقال نحو الحياد، فالتجربة السويسرية والتجربة النمساوية كانت دول محايدة، علما أن دخول تلك الدول بالحياد الدائم ليس عائد لها كدول، وانما كانت سويسرا بين دولتين دائمتي العداء والحرب فرنسا من جهة وبريطانيا من جهة أخرى.
سويسرا لو قارناها بالعراق تقريبا هي مماثلة له، ثلث الشعب السويسري يتكلم الفرنسية وثلث يتكلم الالمانية وثلث يتكلم الانكليزية، وهناك بروتستانت في الشمال وكاثوليك في الجنوب اي تقريبا نفس ظروف العراق، وهم عبارة عن خليط، لذلك وافقوا على المقترح الفرنسي من اجل البقاء في حالة حياد دائم إلى الان، فالعراق هل يستطيع الدخول في حالة حياد دائما، فحتى لو رغب العراق بذلك دول الجوار (تركيا، إيران، السعودية) لا تدع العراق في شأنه، لذلك الارادة لابد أن تنطلق من الداخل، كذلك مسألة العيش المشترك لابد أن ترسخ للوصول إلى التوازن الاستراتيجي.
العراق كان طرفا استراتيجيا في توازناته لما كان قويا بجيشه بإمكانياته الاقتصادية، فكار رقم صعب في المعادلة الاقليمية والدولية، لكن عندما ضعف العراق وغاب عنصر التوازن، وهذا ليس بعزيز خاصة في مجال بناء القدرات العسكرية وبناء التوازن الاقليمي مع الدول الاخرى، بناء قوة الردع الصاروخية والعسكرية، هذه كلها أشياء ممكن أن تأتي للعراق، ولكن هل نحن بحاجة اليها الان، اتصور لسنا بحاجة اليها الان، خصوصا وأن هناك سلم اولويات، فرعاية حقوق الانسان والنهوض بها أولى من هذه الأولويات، خاصة وان تخصيص جزء من الموازنة لهذه الاولويات لا يحقق لنا التوازن، بل لعله سيخلق لنا مشاكل جديدة، بالتالي نحتاج أن نسير بالمسار الثاني وهو التوازن الداخلي، فعلى المسار الداخلي وكما تعرفون هناك قوة معارضة لبعض المشاريع التي تطرح من الحكومة أو من بعض الجهات، والتي من خلالها يمكن ان نصل إلى حلول لمشاكل اجتماعية ثقافية اقتصادية دينية، هذه القوة المعارضة موجود في كل زمانا ومكان، لكن يبقى السؤال قائما كيف نستطيع ان نستوعبها ونحتويها، بالتالي على المكونات العراقية يجب أن تتفق على إستراتيجية.
هذه الإستراتيجية سواء كانت وطنية أو عراقية، فاذا توصلنا إلى خيوطها، من الممكن ان نصل إلى مرحلة التوازن الاستراتيجي، لكن هل هناك ارادة حقيقة صادقة من العراقيين كأحزاب أو مكونات سياسية، فهذه الارادة وحسب ما موجود من قناعات هي غير متوفرة الان، ولكن لعلها تتوفر في المستقبل.
- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يعتقد من أهم النقاط التي لابد أن تكون لدى العراق كأداة لبناء قوة إستراتيجية في الوقت الحاضر، طبعا العراق لا يمتلك الردع العسكري والردع الصناعي والردع التجاري، بمعنى آخر أن العراق لا يمتلك اي وسلة ضغط ضد اي دولة، بل على العكس من ذلك فتركيا مثلا الان تساومنا على المياه، ايران تساومنا على الطاقة، امريكا تساوم العراق على الوضع الأمني.
إذا لم يبقى أمام العراق الا شيء واحد، وهو غلق الحدود أمام الرحلات غير الرسمية، فلا يوجد شيء أسمه المسؤول الأجنبي يدخل سرا ويفرض على المسؤول العراقي ما يريد، فهذا يعني انتقاص لأصل السيادة العراقية، لذا فإن بداية بناء التوازن الاستراتيجي هو غلق الحدود امام الرحلات غير الرسمية، وبالعكس لا يمكن لسياسي عراقي يخرج من دون علم الحكومة العراقية وموافقتها، بالنتيجة عندما يحس الآخرون بأن إزاء بناء دول لا يسمح بالدخول الا بموافقات رسمية، بالتالي سيدرك الجميع بان العراق رقم في المعادلة وليس صفرا على اليسار.
- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يتصور وجود تصرفات جيدة رافقت تشكيل الحكومة الحالية، فمثلا رئيس جمهورية العراق الدكتور (برهم صالح) قام بزيارات رسمية لكافة دول الجوار العراقي باستثناء سوريا لوضعها الخاص، وهذا يعطي رسالة مباشرة للقريب وللبعيد أن العراق يبحث عن الاستقرار وعن التوازن، وهذا الامر ساعد على رسم سياسة مستقلة، كذلك هو رفض سياسة مراقبة امريكا لإيران من الارض العراقية، رئيس الوزراء العراقي كذلك يكاد يوصل رسائل يومية بان العراق لا ينحاز لجهة دون اخرى.
اخراج القطاع الخاص من خيمة الدولة
- حامد عبد الحسين الجبوري، يؤكد "على فكرة (السعر العادل) هي عنوان فاعل لخلق حالة التوازن الاستراتيجي، خصوصا على المستوى الاقتصادي الذي يعتبر ركيزة اساسية من ركائز الاستقرار، دائما الدول النفطية التي تمتلك احتياطيا قليل تحبذ ارتفاع اسعار النفط، اما الدول التي تمتلك احتياطات هائلة هي دائما تدعو للسعر العادل، ارتفاع اسعار النفط يدفع بالدول المستهلكة إلى البحث عن بدائل جديدة.
الدول التي تمتلك احتياطيا ضخما من مصلحتها أن يكون السعر عادل، بالتالي العراق يبحث عن السعر العادل حتي يحقق الاستمرارية في الاستهلاك، وهذا يدخل ايضا في خانة البعد الاستراتيجي، اما بخصوص الاجابة عن هذا السؤال فينقسم إلى قسمين، الاول المستوى المحلي فلابد من اخراج القطاع الخاص من خيمة الدولة، حتى نمحي الاثار السياسية التي من خلال يستطيع السياسي العراقي شراء الاصوات الانتخابية، كذلك على مستوى الصراع الدولي لابد على العراق أن يوجد البدائل المتاحة للتنوع الاقتصادي.
- حيدر الاجودي، يرى أن دور العراق المستقبلي تحدده مجموعة من العوامل والمؤثرات الداخلية والإقليمية والدولية، وهذه العوامل تعتمد على تفاعلها سلبا أو إيجابا، ومنها خروج العراق عن عزلته، ومحاولة الانفتاح على جميع الدول وهذا ما تعمل عليها حكومة السيد (عادل عد المهدي)، الأمر الآخر اعتماد العراق على مبدأ الاعتدال الوسطي، وهذا من الامور الصعوبة جدا في ظل التقوقع والتخندق الطائفي والقومي والمذهبي، ايضا لابد على العراق الخروج من التبعية، كي لا يكون ساحة لتصفية الحسابات، بالنتيجة الخيار الاسلم هو الاتجاه نحو الاعتدال والوسطية، وهذا خيار يكاد يكون صعب المنال في الوقت الحاضر.
وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الدكتور قحطان الحسيني الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، بالشكر الجزيل والإمتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع، وتقدم بالشكر أيضا إلى وسائل الإعلام التي شاركت بتصوير الملتقى الفكري الأسبوعي لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
اضف تعليق