اقام مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية –احد منظمات المجتمع المدني الناشطة في محافظة كربلاء المقدسة- يوم الاحد الموافق 29/3/2015 حلقة نقاشية بعنوان (دور الدين في التحول الديمقراطي في العراق). وقد قدم لها وادارها مدير المركز الدكتور خالد عليوي العرداوي الذي استشهد في مقدمة كلامه بقول العلامة الطباطبائي (بأن الدين هو مجموعة قواعد وأحكام تهدف إلى إصلاح الحياة الدنيا لتكون على غرار الحياة الآخرة أو المدينة السماوية)، فالدين ليس لبناء الانسان فقط بل هو للبناء والعمران، وأضاف: إن البعض ممن لبسوا لباس الدين في الوقت الحاضر- داعش وامثالها- بدأوا ينتهكون الكرامة الانسانية باسم الدين في كثير من المظاهر، وتساءل الدكتور العرداوي: لماذا لا يكون الدين عاملا من عوامل الدفع باتجاه بناء دولة ديمقراطية تتحقق فيها الحرية والكرامة الانسانية؟. هل السبب في الدين نفسه أم في المتدينين.
التحول الديمقراطي وموقف القوى الدينية
بعد ذلك تم فتح الباب للباحثين لتقديم أوراقهم البحثية، حيث بدأ الدكتور محمد إبراهيم فلفل الموسوي رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الاسلامية في الكوفة بتقديم ورقته البحثية الموسومة (التحول الديمقراطي وموقف القوى الدينية)، جاء فيها: إن موضوع الدين هو موضوع العراق، والقوى التي ظهرت بعد 2002 مستندة إلى مجموعة من الافكار السياسية حول الديمقراطية انقسمت الى ثلاث اتجاهات: الاول يؤيد الديمقراطية شكلا ومضمونا. والثاني رفضها بشكل تام. والاتجاه الثالث هو توفيقي يقبل الديمقراطية في جزء ويرفضها في الجزء الآخر. وأضاف الدكتور الموسوي: إذا بحثنا قضية الدين بالمفهوم الاسلامي السياسي فإنه لا يمكن الفصل بين الدين والسياسة، وضرب مثلا بواقعة الغدير حين نزلت الآية " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا "، فإكمال الدين وتمام النعمة بالولاية يشير الى الترابط بين الدين والسياسة ولا يمكن الفصل بينهما في الاسلام، والدين حاجة ضرورية للإنسان ولا يمكن التخلي عنه. وان القوى السياسية التي دخلت العراق بعد 2003 انشغلت بالجانب السياسي اكثر من الديني وضيعت الديني المقدس لمصلحة السياسي المدنس، وأوضح الموسوي ان انصار الديمقراطية يؤيدون ان الديمقراطية هي نظام اجتماعي تام من الجانب الاقتصادي والأخلاقي والسياسي (وهي عملية يراد منها تحقيق القبول العام والرضا التام). في حين ان بعض القوى الدينية لا ترى فيها جوانبها الاقتصادية والاخلاقية والاجتماعية ويعتقدون ان الديمقراطية ينتهي دورها عند عملية الانتخابات واختيار الشخص الذي يمثل الجماعة فقط، وهذا قمة الاختلاف بين القوى الدينية والقوى الديمقراطية.
الخطاب الديني السياسي
الورقة البحثية الثانية قدمها الباحث والإعلامي عزيز علي رحيم الباحث والكاتب السياسي ومدير قسم الاخبار والبرامج الوثائقية في قناة العراقية الفضائية، تحت عنوان (الخطاب الديني السياسي). وقد بدأها بالحديث عن العلمانية والنظام السياسي الليبرالي في الغرب عندما كانت أوربا في القرون الوسطى تحت سلطة البابا والكنيسة التي كانت تعلو سلطتها على كل شيء حتى الملوك، وقد استمدت قوتها من الخرافات -صكوك الغفران وغيرها- وجاءت النهضة الاوربية بقيادة مارتن لوثر؛ لتحرر الفكر المسيحي من الخرافات وقادت حركة الاصلاح اللوثرية الى تطورات سياسية انتهت الى الفصل بين الدين والسياسة. والمشكلة في العراق حسب رأي الباحث هي أن الكثير من المثقفين المسلمين الذين يحملون الفكر التنويري يريدون إعادة هذه التجربة في العراق بكافة تفاصيلها وهذا خطأ؛ لأن الديمقراطية تتقاطع تقاطعا كبيرا مع الاسلام، ويعتبرها البعض فلسفة سياسية واجتماعية، والبعض الاخر يعتبرها مجرد آليات اجرائية. وفي الحالين أي إذا كانت الفلسفة سياسية واجتماعية أو آليات فهي تتقاطع مع الاسلام، والسؤال المهم اثارته هنا هو ما هي الآلية والرؤية لوصول الاسلام إلى الحكم؟.
يبين الباحث في اجابته على سؤاله أن الخطابات الدينية لم تبلور خطابا دينيا موحدا لتشكيل الحكومة الاسلامية، باستثناء تجربة الحكم في ايران بعد ثورة عام 1979. وأن الموقف الاسلامي من الديمقراطية في العراق ينقسم بين رؤيتين: الرؤية الاولى تقول ان الديمقراطية هي دكتاتورية الاقلية وهي أفضل السيء. والرؤية الثانية هي رؤية الصدر الاول التي تتقاطع مع رؤية ولاية الفقيه في ايران بشكل واضح. وبعد التغيير عام 2003 تماهت القوى السياسية الشيعية مع المرجعية الدينية في النجف الاشرف عندما اعلنت في البداية مشروع الدولة المدنية. ولم تنجح هذه القوى في استيعاب مشروع الدولة المدنية فتشظت الاحزاب السياسية الشيعية والسنية بشكل كبير، واليوم لا توجد رؤية سياسية تتناغم مع مشروع ادارة الدولة في العراق وليس ادارة سلطة.
المداخلات
وبعد تقديم الاوراق البحثية تم فتح باب الحوار والتعقيب للحضور فالدكتور عبد الرسول عبد الرضا الأسدي تدريسي في جامعة بابل، قال: الجميع يلاحظون تداخلا في الاوراق العراقية وكأن السياسيين اختزلوا الدين بدل ان يستثمروه، ومكانة الدين الاسلامي في العالم وفي حياتنا العلمية والعملية كبيرة جدا. وأضاف ان كل توجه ديني او طائفي اختزله الافراد وبدأوا يستثمروه لمصالحهم الشخصية والفردية ونلاحظ الارتباك في النظرة للدين حتى في النصوص الدستورية. ولا نستطيع ان نصف دولة العراق هل هي دينية ام علمانية بل هناك ضبابية، وكل شيء في العراق لا يعطيك احساسا بالديمقراطية والتحول الديمقراطي.
صادق خلف، عضو مجلس محلي في بغداد تسائل عن العوامل التي نستطيع من خلالها التمازج بين الدين والسياسة؟.
الباحث احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات وجد في مداخلته ان التركيز في الورقتين كان على الاحزاب الدينية وليس على دور الدين. وأضاف ان الدين جاء لحفظ حقوق الانسان وان الديمقراطية وجدت لإشاعة ثقافة حقوق الانسان، والإسلام انما جاء ليركز على الحقوق والحريات. وأكد جويد وجود عدم فهم للديمقراطية يصل بالبعض الى فهمها على أنها نوع من الفوضى، علما ان لدينا مفاهيم في الدين الاسلامي يمكن ان تساعد على التحول الديمقراطي بعيدا عن التنافس الحزبي والطائفي والتسقيط وكيل الاتهامات.
عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث رأى أن المشكلة هي ان الاحزاب السياسية الاسلامية بعد 2003 اخضعت الجمهور للعاطفة، ولم تكن لديها رؤية يقتنع بها الناس ولم تستطيع ان تخالف تلك العاطفة خوفا من فقدانها لشعبيتها ومكاسبها السياسية. والشيء الثاني هو ان ردة الفعل هي السمة الغالبة للعمل السياسي بعد 2003 فالاحزاب لم تكن لديها استراتيجية عمل واضحة في كيفية التعامل مع الملفات الشائكة، وردات فعلها كان لها سلبيات ونتائج كارثية على الدولة، فضلا عن ذلك فان فكرة الاستحواذ والإقصاء لازال معمول بها داخل تلك الاحزاب نفسها.
الشيخ محمد ناظم من مركز تراث كربلاء في العتبة العباسية المقدسة اوضح ان الرسول (ص) هيأ الانسان في البداية في مكة، وبعدها صنع مجتمع مدني في المدينة، وجعل له دستور، وسلخ المسلمين من بداوتهم وجعلهم امة متحضرة، اي انه هيأ الانسان للأمور الجسيمة. أما الان فان الوازع العشائري لدينا هو الذي يتخذ القرار. وعليه يجب ان نعيد تهيئة مجتمعاتها لممارسة الديمقراطية. وأضاف في تجربتنا قبل وبعد 2003 تهيأت الارضية للفوضى والفساد والعنف، وجاءت امريكا ولعبت دورا في الفهم الخاطئ للديمقراطية. ونحن الان بحاجة إلى اعداد مجتمع متكامل يبدأ من الام والأب والحوزة والجامعة والخ.. لفهم معنى الديمقراطية.
الاستاذ ياسين خضير مدير منتدى الفكر للشباب المنبثق عن مركز الفرات تساءل عن العقبات التي نواجهها وكيفية اجتيازها لنبني نظام سوي يحفظ الحقوق والحريات؟.
الدكتورة عهود ثعبان من جامعة كربلاء من جانبها تساءلت هل هناك لغة دينية ولغة سياسية موحدة أم لا؟. واذا كانت هذه اللغة غير موجودة، فذلك يعني ان هناك طبقة دينية وطبقة سياسية متقاطعة الاتجاه والمصلحة. وللخروج من هذا المأزق نحن بحاجة إلى لغة خطابية موحدة مشتركة، توحد كل الاطياف لتجاوز الخلافات السياسية في العراق.
الباحث حيدر جابر قال: ان دور الدين في التحول الديمقراطي في العراق يتمثل في القوى الدينية والأحزاب الدينية والمرجعيات، وهذه الجهات بعدما فشلت في تحقيق ولاية الفقيه، وفشلت في تحقيق مبدأ الشورى، فشلت في تقديم نموذج اسلامي يستطيع ان يتبنى رؤية واضحة للدين في قيادة الامة. وما نشهده اليوم من تردي في الحكم في العراق هو دليل على ضعف المحاسبة الشعبية للحكام، وضعف الثقافة الشعبية المحفزة لتبني فكرة المحاسبة.
الباحث احمد المسعودي من مركز الفرات رأى اننا اليوم نتحدث عن الدين وليس سلوك المتدين، وينبغي ان نمنح الدين حقه؛ لأنه القادر على ادارة اي تحول في العراق وغيره، وربما السر في ذلك كامن في الاثر العميق الذي يحدثه الدين في المجتمع. واذا اردنا ان نمنح الدين دورا في التحولات الديمقراطية علينا ان نفكك مفاهيمه ونعيد ترتيبها من جديد بحيث تنسجم مع التحولات والمتغيرات الكبرى مثل الشورى، الإمامة، العصمة، الولاية والخلافة فعدم فهم هذه المرتكزات هو الذي يمنع التحول نحو الديمقراطية، وتكرس بسببه القوى السياسية سلوكياتها الدكتاتورية المقيتة.
الشيخ مرتضى معاش، رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام بين في مداخلته ان كلمة الديمقراطية بحاجة إلى بحث وفهم هل هي إيديولوجية أم آلية. فالديمقراطية هي وسيلة من اجل الوصول إلى هذا هدف وهو حماية الحقوق والحريات، وإذا كان المراد استنساخ التجربة الغربية وإسقاطها على الواقع العراقي فهي تجربة فيها كثير من السلبيات ومن ضمنها انها تبيح المحظورات التي تتنافي والطبيعة البشرية، حتى انها تتعارض مع حريات المواطنين مثل الديمقراطية الفرنسية التي اباحت الشذوذ وزواج المثليين ومنعت الحجاب والنقاب، فهناك ازدواجية في هذه الديمقراطية. وبالنسبة للدين هناك ظلم من قبل المتدينين وغير المتدينين حيث حول المتدينون الدين إلى سلطة ومن ثم إلى استبداد. وغير المتدينين حاولوا ان يعزلوا الدين عن الواقع واتهموه باتهامات كبيرة. وهذا يحتاج إلى فتح باب الحوار لقراءة الدين وعلاقته مع الديمقراطية قراءة علمية.
الدكتور حسين جواد احمد قائم مقام قضاء مركز كربلاء عرج على التحول الديمقراطي فيما اذا كان نابع من حاجة العراقيين ام بتأثير قوى خارجية؟ وهل كان هذا التحول مسبوق بتجارب سابقة ام كان الشعب العراقي وبالتحديد الشيعة تحت الظلم منذ قرون واليوم سنحت لهم الفرصة لإدارة انفسهم، وعلى الرغم من وجود تجارب ومنها تجربة ولاية الفقيه في ايران، هل استطاعت القوى السياسية تطبيق هذه التجربة ام ربما هناك سياسية خارجية حالت دون ذلك؟. وطالب ان تدرس هذه الامور وتؤخذ بنظر الاعتبار، لاسيما أن السيادة العراقية لازالت منقوصة، كما طالب بان تعزى تصرفات الاحزاب السياسية الاسلامية الخاطئة إلى نفسها وليس إلى الدين.
خليل الشافعي، رئيس نادي الكتاب قال ان الديمقراطية هي ليس كل المفاهيم والمقولات التي تدور في الفلك السياسي، بل المجال الاجتماعي هو الذي ينتج المجال السياسي، والديمقراطية اذا كنا نريدها او لانريدها هي ضرورة وحاجة ملحة تفرضها الضرورة ولا تترك لك مجال للنقاش مثلما حدث في المجتمع الاوربي.
وفي ختام الحلقة النقاشية قدم الدكتور خالد العرداوي التوصيات التي انتهت لها الحلقة النقاشية والتي تمثلت بما يلي:
1- ان السياسة اختزلت الدين واساءت توظيفه في تحقيق التحول الديمقراطي، وهذا الامر يتطلب معالجته وأخذه بنظر الاعتبار عند توظيف الدين في التحول السياسي.
2-ان الاديان جاءت لحفظ الحقوق وعلى المتصدين للموضوع من المسلمين ان يحرصوا على حفظ الحقوق والحريات بما يعزز الكرامة الانسانية.
3 -ان غياب الرؤية الاستراتيجية لبناء الدولة من قبل الاحزاب الاسلامية التي حكمت العراق بعد 2003 اثرت سلبا على الدور الايجابي للدين في حياة الناس، مما يتطلب معالجة هذا الخلل وتصحيح المسار بما يقدم أنموذجا صالحا لبناء الانسان وإعلاء العمران.
4- ان اعداد الانسان من المتطلبات الاساسية لبناء نظام الحكم، وبناء الانسان خير من بناء هياكل العمران، فالإنسان هو الذي يحافظ على هذا العمران ويطوره.
5- توحيد الخطاب الديني - السياسي؛ لتوحيد فئات المجتمع المختلفة، وبناء دولة تستوعب الجميع بصرف النظر عن الانتماءات الضيقة.
اضف تعليق