q
يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حربه الشرسة ضد جماعة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي تتهمه الحكومة التركية بأنه وراء الانقلاب الفاشل عام 2016 التي قتل فيها 250 شخصا. واعتقل آلاف الأشخاص في حملة امنية ماتزال مستمرة أعقبت محاولة الانقلاب...

يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حربه الشرسة ضد جماعة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي تتهمه الحكومة التركية بأنه وراء الانقلاب الفاشل عام 2016 التي قتل فيها 250 شخصا. واعتقل آلاف الأشخاص في حملة امنية ماتزال مستمرة أعقبت محاولة الانقلاب. حيث سعت السلطات التركية الى نقل حربها ضد الجماعة الى خارج الحدود واعتماد خطط جديدة لاقناع بعض الدول الحكومات الحليفة بتحجيم اعمال وتحركات انصار فتح الله كولن في تلك الدول. وبعد محاولة الانقلاب في 2016 طلبت أنقرة من بعض الحكومات إغلاق المؤسسات التابعة لشبكة كولن لكن بعض تلك الدول أحجمت عن الانصياع لذلك.

وأردوغان بحسب بعض المصادر، لم يكن ليصعد إلى سدة الحكم لولا فتح الله كولن زعيم جماعة "الخدمة الصوفية" الذي لعب دورا خفيا في مساعدة أردوغان في أيامه الأولى في منصب رئيس الوزراء بعد خروجه من السجن، فبفضل جماعة كولن الذين نجحوا في اختراق أجهزة الدولة في تركيا هدأت مخاوف أجهزة الدولة من الحزب المحافظ الجديد الذي وصل إلى السلطة، وكذلك امتلاكه قاعدة ضخمة من رجال الأعمال الذين قدموا دعما قويا لحزب العدالة والتنمية في بدايات صعوده إلى سدة الحكم.

لكن ومع مرور الوقت اكتشف كولن أن أردوغان ليس سوى ديكتاتور صغير، فبدأ في مهاجمته، متهما إياه بأنه يسعى منذ عام 2011 لإقامة دولة الرجل الواحد الديكتاتورية كما هاجم تورطه في الفساد هو وعائلته، وهو الأمر الذي اضطر كولن إلى ترك تركيا بعد التضييق عليه، ومازال كولن مقيما في بنسيلفينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يكتب المقالات لفضح حقيقة شريك الماضي متهما أردوغان بتدمير حياة 300 ألف مواطن تركي فصلوا من وظائفهم بعد الانقلاب في عام 2016.

اعتقالات مستمرة

وفي هذا الشأن قالت وسائل إعلام رسمية في تركيا إن السلطات أمرت باعتقال 68 مشتبها به‭‭ ‬‬منهم ضباط جيش برتبة كولونيل في عملية تستهدف من تقول إنهم أنصار لرجل دين مقيم في الولايات المتحدة تتهمه أنقرة بتدبير محاولة انقلاب قبل عامين. وقالت وكالة أنباء الأناضول الرسمية إن 19 ضابطا في الخدمة من بين من أمرت السلطات باعتقالهم في عملية ركزت على القوات البرية للجيش في 19 إقليما من بينها العاصمة أنقرة.

ونقلت الوكالة عن مصادر من مكتب كبير ممثلي الادعاء في أنقرة قوله إن المشتبه بهم على اتصال من خلال خطوط هاتف أرضية مع عناصر نشطة في شبكة رجل الدين فتح الله كولن الذي تقول أنقرة إنه مسؤول عن الانقلاب الفاشل في 15 يوليو تموز 2016. وذكرت الأناضول أن 22 ضابطا برتبة كولونيل و27 ضابطا برتبة لفتنانت كولونيل من بين من صدرت مذكرات الاعتقال بحقهم وأن 19 شخصا اعتقلوا بالفعل حتى الآن. بحسب رويترز.

وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في مارس آذار إن تركيا اعتقلت 160 ألف شخص فيما فصلت عددا مماثلا تقريبا من الموظفين الحكوميين منذ الانقلاب الفاشل. ومن هذا العدد وجهت السلطات اتهامات رسمية لأكثر من 50 ألف شخص وظلوا محتجزين قيد المحاكمة. ويتهم منتقدون الرئيس رجب طيب إردوغان باستغلال محاولة الانقلاب كذريعة لسحق المعارضة. وتقول تركيا إن الإجراءات ضرورية للتغلب على تهديدات للأمن القومي.

من جانب اخر قالت وكالة الأناضول التركية للأنباء إن السلطات اعتقلت 63 شخصا يشتبه في صلتهم بشبكة متهمة بتدبير محاولة انقلاب فاشلة وإنها تتعقب 40 آخرين. ونقلت الوكالة عن مسؤولين قولهم إن بعض المشتبه بهم عملوا وسطاء زواج لأتباع رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي تتهمه الحكومة التركية بأنه وراء الانقلاب الفاشل عام 2016.

وأضافت أن آخرين كانوا ضمن قوائم لأزواج محتملين وضعها وسطاء الزواج. وقالت الأناضول إن المشتبه بهم اعتقلوا في اسطنبول و35 منطقة أخرى في أنحاء تركيا في إطار حملة أمنية نددت بها الأمم المتحدة وقوى غربية. واتهمت جماعات حقوقية الرئيس رجب طيب إردوغان باستغلال محاولة الانقلاب لتكميم المعارضة.

قضايا وتحقيقات

الى جانب ذلك قال محامي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن الرئيس رفع دعوى قضائية ضد رئيس حزب المعارضة الرئيسي بسبب تصريحات ”لا أساس لها“ تربط بين إردوغان ورجل دين تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب عام 2016. وقال كمال قليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري العلماني في وقت سابق إن إردوغان كان أقرب إلى كولن من أي سياسي تركي آخر.

وقال في كلمة أمام أعضاء بحزبه في أنقرة ”الذراع السياسية لشبكة كولن هي الشخص الذي يشغل الرئاسة... الذراع السياسية رقم واحد لشبكة كولن.. المدافع رقم واحد هو الشخص الذي يشغل الرئاسة“. ورفض حسين أيدين محامي إردوغان هذا الاتهام قائلا إن من الواضح للجميع أن الرئيس يقود المعركة ضد شبكة كولن مضيفا أن إردوغان يسعى للحصول على تعويض عما لحق به من أضرار قدره 250 ألف ليرة (63 ألف دولار).

وقال على تويتر ”رفعنا دعوى قضائية بسبب اتهامات قليجدار أوغلو الظالمة والتي لا أساس لها والموجهة لرئيسنا“. وينفى كولن، الذي يعيش في الولايات المتحدة منذ 1999، أي دور له في محاولة الانقلاب. من جانب اخر قال رئيس وزراء كوسوفو راموش هاراديناي إن سلطات بلاده فتحت تحقيقا في اعتقال وتسليم ستة مواطنين أتراك إلى بلادهم بعد أن قال نشطاء إن ذلك يمثل انتهاكا لحقوق الإنسان.

وجرى اعتقال المواطنين الأتراك الستة في كوسوفو بناء على طلب من تركيا بمزاعم صلتهم بمدارس مولتها حركة كولن التي تتهما أنقرة بأنها وراء محاولة انقلاب عام 2016. وأقال رئيس الوزراء وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن الداخلي لعدم إبلاغه باعتقال الأتراك. وقال هاراديناي بعد اجتماع طارئ لمجلس الأمن في كوسوفو ”قررنا اليوم بدء تحقيق مع كل أجهزة (الدولة) التي كانت على صلة باعتقال وترحيل الأتراك الستة“.

وقالت أنقرة إن الستة مسؤولون عن استقطاب عناصر للانضمام لشبكة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن ومساعدة أشخاص متهمين بأنهم على صلات بالشبكة ليغادروا تركيا. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن ضباط المخابرات التركية ألقوا القبض على الرجال الستة ونقلوهم إلى تركيا. وأضاف إردوغان أمام مؤيدين وأعضاء من حزبه في اسطنبول ”وكالة المخابرات الوطنية التابعة لنا أسرت ستة من أكبر أعضاء (حركة كولن) في البلقان خلال عملية نفذتها في كوسوفو“. وأضاف أنه شعر بالحزن عندما علم بإقالة وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن الداخلي في كوسوفو.

وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش سلطات كوسوفو بسبب هذه الواقعة. وقالت المنظمة في بيان ”فضلا عن (عمليات) الاعتقال المريبة جرى إرسال الرجال إلى بلد ربما يواجهون فيه خطرا حقيقيا (متمثلا في) التعذيب“. وتعرضت كوسوفو لضغط كبير من تركيا لاتخاذ إجراء ضد المدارس التي تمولها حركة كولن.

المدارس التركية في أفريقيا

على صعيد متصل تكثف تركيا ضغوطها في جميع أنحاء العالم لإغلاق المدارس القريبة من شبكة فتح الله غولن التي تتهمها بالإرهاب، لكنها تواجه مقاومة غير مألوفة في جمهورية أفريقيا الوسطى، إحدى أفقر البلدان وأكثرها ضعفاً في العالم. تقع مدرسة غالاكسي في العاصمة بانغي وتعد مقربة من حركة "حزمت" التي يديرها الداعية غولن المقيم في الولايات المتحدة ويؤكد مؤيدوه أنه يسعى إلى نشر الإسلام في صيغة تقدمية معاصرة.

لكن تركيا تلقي باللوم على غولن في محاولة انقلاب عام 2016 ضد الرئيس رجب طيب أردوغان الذي توعد باستئصال الحركة في الداخل والخارج. ونفذت وكالة الاستخبارات التركية عدة عمليات لا تزال طبيعتها غامضة "لإعادة مشتبه بهم" من الخارج وذهبت حتى كوسوفو وأوكرانيا والغابون حيث اعتقل ثلاثة أتراك يعملون في مجال التعليم في نيسان/أبريل. وقال اردوغان بعد عملية الغابون "لن نسمح أبدا لهؤلاء الأشرار بالبقاء أحراراً". ونتيجة لذلك، يعيش مدير مدرسة غالاكسي التركية هارباً ومنفياً.

وخلال جولة في المبنى، قال مدير المدرسة الذي اختار اسم "إمري" لتجنيب عائلته في تركيا أي أعمال انتقامية، إنه "في 15 تموز/ 2016 ذكروني بالاسم على أنني أنتمي إلى حركة غولن". وأضاف "نحن متهمون بأننا جماعة إرهابية في حين أن ما نفعله هو التعليم والعمل الانساني". وتفتخر المدرسة بتجهيزاتها الجديرة بمنشأة جيدة التمويل في أوروبا - لوحة ذكية رقمية حديثة وجهاز عرض فيديو ، بالإضافة إلى فصل دراسي مخصص لتكنولوجيا المعلومات، عدا عن الملاعب والكافتيريا.

وتبلغ كلفة الدراسة في هذه المدرسة الخاصة حوالي 100 يورو (115 دولاراً) في الشهر وتوفر الدراسة للصفوف العليا. وهي تفخر بأن طلابها يجتازون امتحان المرحلة الثانوية بمعدلات تزيد عن 83 في المائة مقارنة بمعدل وطني من 12 في المائة. لا يشغل المكون الإسلامي في منهجها سوى حيز صغير للغاية، على الرغم من أن الطلاب يمكنهم طلب دروس إضافية في الدين.

وأدت جهود تركيا وضغوطها إلى إغلاق هذه المدارس في 17 دولة أفريقية على الأقل فتم إما تأميم هذه المؤسسات أو استحوذت عليها مؤسسة المعارف القريبة من سلطات أنقرة. ونظراً إلى ضعف جمهورية أفريقيا الوسطى، يثير بقاء مدرسة غالاكسي الدهشة لا سيما وأن البلاد تسيطر عليها جماعات مسلحة وعصابات متناحرة منذ عام 2013 وهو ما يجعلها تحتل المرتبة الأخيرة في قائمة 188 دولة في مؤشر التنمية البشرية لدى الأمم المتحدة لعام 2016.

كما تعاني مؤسسات الدولة في جمهورية أفريقيا الوسطى من الضعف ولديها سمعة راسخة بأنها مكان يمكن فيه شراء أي شيء ولذلك احتلت المرتبة 156 من بين 180 دولة في مؤشر إدراك الفساد لعام 2017 الخاص بمنظمة الشفافية الدولية. ويقول أحد موظفي المدرسة إن "أهل أفريقيا الوسطى لا زالت لديهم عزة نفس"، كون الدولة لم ترضخ أمام الضغوط التركية. وروى جان سيرج بوكاسا الوزير السابق لشؤون الأمن والحكم المحلي أن دبلوماسيين أتراكاً زاروه في آذار/مارس 2017 ووجهوا إليه كلاماً "امتزج فيه الوعيد بالوعود" إذا ما وافق على مطالب أنقرة. بحسب فرانس برس.

وقال وزير ثان إنه تم الاتصال به وعرضت عليه "هدايا" ورحلات إلى تركيا. وأضاف "قلت لهم: إذا أردتم مساعدتنا فابنوا لنا مدرسة جديدة بدلاً من إغلاق واحدة. قالوا لي إنني لن أندم إن وافقت" على طلبهم. ويقول خبير مطلع على القضية إن بقاء المدرسة مرده "قبل كل شيء إلى أنه لا توجد سفارة تركية في البلاد، مع القليل من الروابط الاقتصادية والدبلوماسية". ويضيف "عدا عن ذلك، فإن إدارة المدرسة تربطها علاقات جيدة للغاية مع الحكومة - فنائبة المدير هي زوجة رئيس الوزراء - والمستوى الأكاديمي مرتفع للغاية". وعلى الرغم من أن بوكاسا يؤكد إنه عدو سياسي للرئيس فوستن أركانج تواديرا، فإنه يثني عليه لوقوفه ضد أنقرة. ويقول "في الوقت الحالي، يسعدني أن الرئيس لم يرضخ".

اضف تعليق