لا تزال الإمارات تتصدر قائمة \"اللوبيات\" في الشرق الأوسط، حيث تسعي بكل إمكاناتها إلي تعزيز مكانتها كأحد أقرب حلفاء واشنطن الاستراتيجيين في المنطقة ومن أجل ذلك، أنفقت الإمارات في العام الماضي وحده أكثر من 13,5 مليون دولار علي مجموعة من أصحاب النفوذ وخبراء العلاقات العامة من أجل تحويل القرارات لمصلحتها...
من أجل فهم المعني السياسي لكلمة "لوبي"، يبدو من المنطقي جداً معرفة أصول التسمية التي تعود إلي البرلمان البريطاني، وتحديداً عندما وقفت مجموعة من الأفراد في بهو مجلس النواب الذي يطلق عليه اسم "اللوبي" لمقابلة المشرعين بهدف التأثير في قراراتهم قبل بدء الجلسة، ومنذ ذلك الحين بات لصيقاً في الأذهان مصطلح "اللوبي" للتعبير عن أولئك الذين لا يرتبطون بالسلطة لكن يمكنهم التأثير في مراكز صنع القرار.
ويبدو من المهم معرفة أن مدلول الكلمة قد تطور مع الوقت، حيث أخذت تستخدم كلمة "لوبي" في السياسة علي الجماعات أو المنظمات التي يحاول أعضاؤها التأثير في عملية صنع القرارات بشكل عام، والسياسية بشكل خاص في هيئة أو جهة معينة وما لبث أن تبلور هذا المصطلح في الولايات المتحدة خلال عام 1930 عندما بدأت مجموعات المصالح تمارس الضغوط علي الكونغرس، وأخذت "اللوبيات" ومنذ ذلك الحين تلعب دوراً محورياً في الحياة السياسية، حتي بات معروفاً أن "لوبيات" الضغط القوية هي المُتّخذ الحقيقي للقرارات وهي التي تصنع السياسة المتبعة داخل الدولة.
والأهم أنه في حال وجود "لوبي" قوي من "لوبيات" الضغط في دول معينة ينحصر دور سلطات تلك الدولة في إضفاء الصفة الرسمية علي تلك السياسات والقرارات، وخاصة أن لتلك "اللوبيات" تأثيراً كبيراً في العملية الانتخابية، بل لديها من العلاقات داخل أجهزة الدولة ما يجعلها مسيطرة بشكل كبير علي المسار السياسي والاقتصادي للدولة.
وتبقي السياسات المفروضة من قبل "اللوبيات" غائبة ظاهرياً عن الساحة السياسية، لكنها موجودة في حقيقة الأمر وباقية وإن تغيّرت الحكومات وتعاقبت، ما يطرح تساؤلاً عن جدوي الأنظمة الديمقراطية وفكرة تداول السلطة ما دامت هناك حالة من حالات تقويض الدولة المفروضة من اللوبيات؟
هناك العديد من "لوبيات" الضغط في العالم سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو ثقافية، لكن جميع تلك "اللوبيات" تعد أوهن من بيت العنكبوت مقارنة "بلوبيات" النفط والسلاح والمال في الولايات المتحدة، علي سبيل المثال لا الحصر، يوجد أكثر من لوبي ومن أشهرهم "اللوبي" اليهودي الذي يمارس الضغوط علي مجلس النواب، وتعد شركات السلاح الأمريكية أهم "لوبي" في الولايات المتحدة وصانعي القرار الحقيقي، ففيهم أخطر القوي الخفية التي تدير وتنتج برامج ومخططات الحرب للحزب الحاكم في أمريكا.
أما "لوبيات" المال والنفط فهي تمارس نشاطها في الميدان الداخلي، وتتسم نشاطاتها بأنها غير وطنية أي إنها لا ترتبط ببلد أو وطن، بل بوجود الشركات العابرة للقارات متعددة الجنسيات، ولا يقتصر عملها في ممارسة الضغط علي متخذي القرار داخل بلدانها، بل تمتد أذرعها بقوة نحو البلدان التي تمارس فيها استثماراتها ما يؤكد أن "اللوبيات" المالية بمنزلة قلاع اقتصادية عالمية تجاوزت بقوتها الاقتصادية قوة دول مجتمعة.
الإمارات، حسب تقرير نشر مؤخراً، تحولت خلال السنوات العشر الماضية إلي قوة اقتصادية كبري، انتقلت فيها من اقتصاد النفط إلي اقتصاد التنوع الإنتاجي الهائل في شتي المجالات
تتصدر الإمارات قائمة "اللوبيات" في الشرق الأوسط حسبما أورده موقع "المونيتور" الإلكتروني الذي نشر مقالاً مطولاً عن ذلك، حمل عنوان "اللوبيات تشكل العلاقة بين الولايات المتحدة والإمارات" وجاء فيه:
لا تزال الإمارات تتصدر قائمة "اللوبيات" في الشرق الأوسط، حيث تسعي بكل إمكاناتها إلي تعزيز مكانتها كأحد أقرب حلفاء واشنطن الاستراتيجيين في المنطقة ومن أجل ذلك، أنفقت الإمارات في العام الماضي وحده أكثر من 13,5 مليون دولار علي مجموعة من أصحاب النفوذ وخبراء العلاقات العامة من أجل تحويل القرارات لمصلحتها، حيث فضحت التقارير المالية التي تم الكشف عنها مؤخراً أن الإمارات تنفق مبالغ طائلة من أجل تدعيم وتعزيز علاقتها بالولايات المتحدة مستغلة الصعوبات التي تهدد صناعة الطيران في واشنطن.
وقد تم مراراً تأكيد قوة العلاقات الثنائية وبشكل علني بين الإمارات والولايات المتحدة وذلك عندما أعلنت الإدارة الأمريكية السابقة نقل أكثر من 15 محتجزاً من سجن غوانتانامو في كوبا إلي الإمارات، وتعد تلك الخطوة أكبر عملية نقل للسجناء تمت منذ ذلك الوقت وحتي الآن، وذلك عندما كان أوباما يتنافس علي إفراغ السجن المثير للجدل قبل فترة ولايته الثانية علي الرغم من معارضة الجمهوريين الشرسة له في الكونغرس.
وعن عمليات نقل السجناء آنذاك أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية بياناً جاء فيه: "إن الولايات المتحدة ممتنة لحكومة الإمارات علي دعمها الجهود الأمريكية الرامية لإغلاق سجن غوانتانامو، وأضاف إن الولايات المتحدة تنسق بقوة مع حكومة الإمارات من أجل ضمان إجراء عمليات النقل للسجناء بما يتفق مع إجراءات الأمن".
إن عدداً كبيراً من الصفقات والقرارات في الإمارات العربية تسيطر عليها مجموعات مثل مجموعة كامستول التي أنفقت أكثر من (6,5 ملايين دولار في عام 2015 وحده) ومجموعة هاربور التي أنفقت هي الأخري (4,5 ملايين دولار).
وتجدر الإشارة إلي أن الإمارات أول دولة تسمح لها الولايات المتحدة بشراء نظام الدفاع الصاروخي للطائرات علي ارتفاع عال وتقوم بتخريج الدفعة الأولي من ضباط الإمارات والطيارين المتدربين علي هذا النظام.
وعن ذلك قال جوزيف مكارثي، نائب فريق الدعم الفني في الإمارات لمراسل "المونيتور": "يعد تخريج هذه الدفعة من الضباط الإماراتيين تاريخياً لأنه يمثل تتويجاً لما يقوم به الجيش الأجنبي من تدريب علي نظام من الأسلحة متطور جداً".
وزيادة في تعزيز الشراكة بين الإمارات والولايات المتحدة تسعي الأولي إلي الحصول علي امتيازات عاجلة لمبيعات الأسلحة والذخائر، وذلك وفقاً لما ذكره مسؤولون إماراتيون لمركز دراسات الكونغرس في واشنطن وجاء في التقرير الصادر في الـ 16 من آب عام 2015 أن الحصول علي الحليف الرئيس نفسه لحلف "ناتو" والذي تتمتع به كل من الكويت والبحرين قد يكون حلاً في حال غياب دور الإمارات، لكن الإمارات بدورها لن تسمح بذلك وهي اليوم وأكثر من أي وقت مضي تسعي للحصول علي ضمان أو تشريع يؤكد أنها شريك رئيس للولايات المتحدة الأمريكية والذراع اليمني لها في منطقة الشرق الأوسط.
وخلص أحد التقارير إلي أن الإمارات تميل إلي التشدد في قراراتها داخل دول مجلس التعاون الخليجي، حتي إنها قد تذهب إلي حد رفض أي قرار يقره الرئيس، كما حدث عندما رفضت الإمارات طلب أوباما خلال قمة الـ 21 من نيسان عام2016 التعاون مع إيران، وكان قرار الإمارات هو القرار الوحيد الرافض بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وأضاف التقرير إن الإمارات رفضت أثناء القمة طلب أوباما بزيادة الدعم المالي للعراق الذي تأثر بشدة بانخفاض أسعار النفط وفي الوقت نفسه دعمت الإمارات خليفة حفتر المقرّب من حكومة مجلس النواب شرق البلاد، بيد أن الولايات المتحدة تؤيد وبقوة حكومة الوفاق الوطني التي وافقت عليها الأمم المتحدة، فهل يعد ذلك تغييراً لقواعد اللعبة التي دأبت عليها الإمارات أم مخالفة لبعض الشروط لإثبات الذات أم أن شيئاً أعمق يُحاك من وراء الكواليس؟.
عمل اللوبي الإماراتي
"الأميران والرئيس والباحثون عن الثروة" تحت هذا العنوان نشرت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية تقريراً مفصلاً عن اللوبي الإماراتي السعودي في الولايات المتحدة، الذي كان يسعي إلي تغيير السياسة الخارجية لواشنطن من أجل معاقبة قطر والضغط علي إيران وكسب الملايين.
الأميران هما محمد بن سلمان ومحمد بن زايد مع الرئيس دونالد ترامب، أما الباحثون عن الثروة فأبرزهما -وفق تقرير الوكالة - إليوت برويدي (أحد أكبر جامعي التبرعات لحملة ترامب) وجورج نادر (اللبناني الأصل المرتبط بالإمارات) اللذان عملا كقناة خلفية داخل البيت الأبيض لصالح بن سلمان وبن زايد.
وقد جهد كلّ من برويدي ونادر للحصول علي عقد استشاري ضخم من السعودية والإمارات وتحويل نجاح حملتهما إلي ملايين الدولارات في الصفقات الدفاعية، حسب ما كشفت الوكالة الأمريكية بعد مقابلات مع أكثر من 24 شخصاً والاطلاع علي مئات الصفحات المسرّبة من رسائل البريد الإلكتروني بين الرجلين وفيها ملخصات العمل ومستندات ومقترحات التعاقد.
ومع المعلومات المفصّلة في تقرير "أسوشيتد برس"، تُضاف حلقة جديدة إلي مسلسل فضائح إدارة ترامب والمقربين منه، ولعبة الأموال والمصالح التي بدأت مع بدء الرئيس الأمريكي التحضير لحملته الانتخابية، وكانت يُفترض أنها تسير علي ما يُرام إلي أن تمّ تعيين روبرت مولر كمستشار خاص للنظر في مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكيّة.
ما الذي كشفه تحقيق "أسوشيتد برس"
السعي السعودي الإماراتي للتأثير في السياسة الأمريكية عبر برويدي ونادر اللذان شاركا في قيادة حملة سرية للتأثير علي البيت الأبيض والكونغرس، أدي إلي إغراق واشنطن بتبرعات مالية سياسية.
كيف ذلك؟ أجري برويدي ونادر مراسلات عديدة مع الأميرين، بينما عملا علي إيصالها إلي آذان ترامب مباشرة وكيل المديح عنهما من أجل كسب الأموال، بحسب التقرير الذي كتبه كل من ديزموند باتلر وتوم لوبيانكو، وذكر الكاتبان أن لا برويدي ولا نادر عملا بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، وهو قانون يهدف إلي جعل جماعات الضغط التي تعمل لصالح الحكومات الأجنبية تكشف عن روابطها وأنشطتها السياسية المحددة، بينما يُعاقب من ينتهك القانون بغرامة عشرة آلاف دولار أو السجن لمدة تصل إلي خمس سنوات.
يضيف التحقيق كاشفاً أنه بحلول شهر ديسمبر من العام الماضي، كان هؤلاء قد نجحوا في حملتهم لخلق حملة ضد قطر في واشنطن هنا سعي برويدي للحصول علي المكافأة، وكان حريصاً علي تحصيل الدفعة الأولي وقيمتها 36 مليون دولار نظير اتفاق مع الإمارات لجمع المعلومات كلّ ذلك كان يُفترض أن يتمّ بسلاسة لولا تعيين مولر.
في المقابل، قال محامي شركة برويدي كريس كلارك إن تقرير الوكالة يستند إلي وثائق مزورة فبركتها كيانات تريد إلحاق الضرر ببرويدي، من جهتها، رفضت محامية نادر كاثرين رويملر التعليق، بينما اعترف مسؤول سعودي رفيع المستوي بحصول مناقشات مع نادر لكنه رفض الاعتراف بتوقيع أي عقود معه أو مع برويدي.
اللوبي السعودي في أمريكا
دفع تسارع الأحداث المتعلقة بالعلاقات السعودية الأمريكية في ضوء تمرير قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» والمعروف اختصارا باسم «جاستا» لطرح تساؤلات مهمة منها: كيف جري ذلك؟ هل للسعودية لوبي في واشنطن؟ لماذا فوجئت السعودية الرسمية وغير الرسمية بهذا القرار الخطير؟ وما هي تبعات هذه القانون الخطير؟
مر قانون جاستا بأغلبية وإجماع غير مسبوق في مجلسي الكونجرس، الشيوخ والنواب. وصوَّت كل أعضاء الكونجرس في حالة نادرة لصالح القرار قبل أن يتدخل الرئيس أوباما بالفيتو الرئاسي محاولا إيقافه. وعلي الرغم من تدخل البيت الأبيض ووزارة الدفاع وأعداد كبيرة من الدبلوماسيين والخبراء السابقين في محاولات لإثناء الكونجرس عن قراره، فقد أصبح جاستا قانونا بأغلبية 97 صوتا مقابل صوتا واحدا في مجلس الشيوخ، وبأغلبية 348 مقابل 77 صوتا في مجلس النواب.
وجاء طرح سؤال: هل للحكومة السعودية لوبي يعمل لصالحها في واشنطن؟ منطقيا، إلا أن الإجابة عليه شديدة التعقيد. فهي نعم ولا في الوقت نفسه. نعم هناك عدة شركات أمريكية محترفة تقوم بمهام اللوبي التقليدية ومهام العلاقات العامة والاستشارات القانونية والسياسية والإعلامية لصالح السعودية. ويجمع هذه الشركات تعاقدات بعضها يعود لسنوات وبعضها تعاقدات حديثة منذ أسابيع وأشهر قصيرة. وتعاقدت السعودية مع عدد كبير من شركات اللوبي منها علي سبيل المثال لا الحصر «سكوير باتون بوجز»، و«بوديستا جروب» وكثيرين غيرهم كما تشير بيانات وحدة قانون تسجيل العملاء الأجانب بوزارة العدل الأمريكية. إضافة لذلك هناك عدد كبير من الدبلوماسيين والرسميين الأمريكيين السابقين من كبار السن ممن يعتادون الظهور في حفلات استقبال السفارات الخليجية بواشنطن، تستعين الرياض بخدمات الكثيرين منهم بطرق مباشرة أو غير مباشرة. كذلك تمول السعودية عدة برامج بحثية في عدد من مراكز الأبحاث في العاصمة واشنطن. إضافة لكل ما سبق ظهر منذ شهور لوبي مباشر خاص بالسعودية علي نمط النموذج الإسرائيلي، من حيث الاسم وليس المضمون، المتمثل في «لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)»، وأُطلق عليه اسم «لجنة شئون العلاقات العامة السعودية الأمريكية (سابراك)».
إلا أنه يمكن القول أن السعودية ليس لديها لوبي حقيقي في واشنطن إذا نظرنا بحيادية للعائد من وراء هذه التعاقدات مع شركات اللوبي ومن العلاقات الخاصة التي تجمع الرياض ببعض دوائر واشنطن. لم يستطع اللوبي إيقاف جاستا عند بداياته، ولم يلتفت هذا اللوبي لما قام به ويقوم به السيناتور بوب جراهام رئيس لجنة الاستخبارات الأسبق بمجلس الشيوخ. لم يدرك اللوبي حجم تشوه الصورة السعودية Image في الداخل الأمريكي لأسباب مختلفة. ومن الجدير بالذكر أن عائد اللوبي يقاس في واشنطن ليس بالأهداف سهلة التحقيق، بل بمعيار تعظيم الفائدة (كما يحدث مع اللوبي الإسرائيلي)، أو بمعيار منع المخاطر أو منع اتخاذ مواقف معينة وفي ضوء المقارنة يكون اللوبي السعودي قد فشل بجدارة.
يعمل لوبي السعودية في واشنطن وعينه علي صانعي القرار في الرياض بالدرجة الأولي. ونظرة سريعة علي ردود الأفعال علي صدور قرار جاستا تُظهر ذلك بوضوح. الكثير من الكتابات والتحليلات خرجت من واشنطن لكنها باللغة العربية وموجهة للنخبة السعودية. حتي تلك الكتابات المعبرة عن وجهة النظر السعودية باللغة الإنجليزية ظهرت في معظمها في صحف ودوريات عربية تنشر بالإنجليزية مثل جلف نيوز، وعرب نيوز وسعودي جازيت. ولم ينجح اللوبي السعودي بأجنحته المتعددة في نشر مقال للرأي في كبريات الصحف الأمريكية مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست وول ستريت جورنال يعرض وجهة النظر السعودية الرسمية قبل أو بعد تمرير القرار. سارع اللوبي إلي إبدال الحقائق بداية بالتقليل من مخاطر قانون جاستا، ووصولا لإلقاء اللوم علي «دور إيران في صدور القانون». كذلك أرجع اللوبي تصويت الغالبية العظمي في الكونجرس لصالح جاستا بسبب موسم الانتخابات متناسيا أن ثلثي مجلس الشيوخ أو 66 عضوا منه ليس لديهم انتخابات هذا العام ولا العام القادم، ومع هذا صوتوا لصالح قانون جاستا.
اختار اللوبي جهلا أو عمدا تجاهل مبدأ «فصل السلطات» المعمول به في أمريكا، وعامل اللوبي النظام السياسي الأمريكي كوحدة واحدة لا تميز بين الكونجرس بمجلسيه والسلطة التنفيذية التي ليس لها أن تتدخل في أعمال السلطة القضائية، وبينهما فصل واضح للاختصاصات والواجبات. لا يستطيع الرئيس الأمريكي ولا الكونجرس التدخل لتعديل حكم قضائي صادر اعتمادا علي القانون الجديد. الحكومة الأمريكية ليست طرفا في معركة عائلات ضحايا 11 سبتمبر مع الحكومة السعودية. وبالفعل بدأت هذه العائلات في رفع دعاوي قضايا ضد الرياض، وهناك قضية «دي سيمون ضد المملكة العربية السعودية ــ رقم 16 ــ سي في ــ 1944» والتي تنظرها حالية محكمة مقاطعة كولومبيا في العاصمة واشنطن.
اختار اللوبي تكرار مقولة إن الرئيس أوباما لم يقم بما يجب كي يوقف هذا القانون، إلا أن الحقيقة عكس ذلك، لم يكن أوباما ليستطيع الضغط علي أعضاء الكونجرس نظرا لطبيعة العلاقة اللامركزية داخل الأحزاب السياسية، واستقلال أنماط تصويت أعضاء الكونجرس. اختار اللوبي تجاهل حقيقية قاسية متمثلة في إعلان مرشحي الرئاسة، الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون، لقانون جاستا، وانتقادهما الرئيس أوباما بسبب استخدامه الفيتو في محالته الفاشلة لعرقلة صدوره. اختار اللوبي تجاهل قضية الـ 28 ورقة من لجنة التحقيق الخاصة بأحداث 11 سبتمبر، والتي رفضت إدارة بوش وأوباما لسنوات نشرها قبل أن ترضخ إدارة أوباما لضغوط لنشرها قبل أسابيع.
قبل صدور جاستا بأسبوع أعترض 26 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ المائة علي بيع أسلحة قيمتها 1.15 مليار دولار للسعودية، ويعد هذا الرقم (أكثر من ربع الأعضاء) كبيرا جدا في ضوء قيام شركات السلاح الأمريكية بضغوط لصالح عملية البيع! وكان ذلك كافيا للإشارة لنمط التصويت المستقبلي ضد السعودية. وعلي الرغم من استثمار السعودية لمئات المليارات داخل أمريكا، وعلي الرغم من وجود عشرات الآلاف من الطلبة السعوديين في مختلف الجامعات الأمريكية، إلا أن صورة السعودية شديدة السوء، وليس هناك سبيل لتحسينها في المستقبل المنظور. وقد يكون ذلك من حُسن حظ السعودية، إذ يخلق فرصة للتركيز علي تحسين الداخل.
لواشنطن وجود عسكري واستخباراتي ومصالح مهمة في السعودية، من هنا لا يتوقع أحد انهيار العلاقة الخاصة بينهما في أي وقت قريب، إلا أنه من المؤكد أن المصالح المشتركة التي جمعتهما لأكثر من نصف قرن كأحد أركان السياسة الأمريكية في المنطقة تخضع اليوم لاختبار قد لا يقدر النظام السعودي علي اجتيازه إلا إذا اتبع أساليب انتقامية سريعة تردع صانع القرار الأمريكي الذي يبحث بدوره عن مخرج من ورطة قانون جاستا الذي أزعج الجماعة الدولية بأسرها لأنه يهز أركان الحصانة السيادية للدول.
نعم يبحث الكونجرس سبلا للخروج من ورطة قانون جاستا، إلا أن طريقة الخروج قد تكون أكثر ضررا للسعودية. من الأفكار المطروحة لطمأنة الجماعة الدولية تبني الكونجرس تشريعا جديدا يقتصر بمقتضاه قانون جاستا علي أحداث 11 سبتمبر فقط، أو بديل آخر يتمثل في تشكيل محكمة خاصة تنظر فقط في الدعوات القضائية المتعلقة بأحداث 11 سبتمبر. ويعني ما سبق طمأنة مختلف دول العالم وتأكيد أن القانون لا يُقصد به أي دولة سوي المملكة السعودية. وعلي العكس مما أكده بعض رموز اللوبي السعودي في واشنطن من أن قانون جاستا هو «سلاح بدون رصاص»، أؤكد أن قانون جاستا يمثل سلاحا متعدد الطلقات قد يطول تجميد استثمارات أو يتطلب دفع مليارات الدولارات تعويضات علي أقل تقدير.
الدور الإماراتي في حرب اللوبيات في أمريكا ضد قطر
يكاد لا يمر يوم واحد، منذ أكثر من شهر، إلا ويجد المتابع للإعلام الأمريكي، المكتوب خصوصا، ولإنتاجات مراكز الدراسات الأمريكية الفاعلة في واشنطن، مقالا أو ندوة أو دراسة بعنوان ومضمون موجهين سياسيا في اتجاه ثلاثي الأضلاع قطر، وعلاقة مفترضة تربط هذه الدولة بحركة الإخوان المسلمين، ومن خلفهما عنوان عريض اسمه "شيطنة قطر" وتصويرها كداعم للإرهاب.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة " العربي الجديد" اللندنية فإن اللافت في هذه الإنتاجات، التي تستعين بإعلاميين وسياسيين أمريكيين حاليين ومتقاعدين من "الصف الأول" أحيانا، أن خيطا واحدا يربط في ما بينها، وشخصيات عربية وأجنبية تدير ماكينتها، يظهر، من دون عناء كبير، أنها تنتمي في النهاية إلي مصدرين اثنين؛ الأول يسمي في واشنطن "اللوبي الإماراتي" السياسي الإعلامي الفاعل للغاية في العاصمة الأمريكية، علي شاكلة تمويل دراسات ومقالات ووثائقيات تلفزيونية وورش عمل تتخذ من "الفكر" عنوانا عريضا لها، لكنها في نهاية المطاف تبدو عبارة عن حملات سياسية في خدمة الترويج لسياسات خارجية تتبناها دول، كالإمارات ومصر والسعودية أحيانا، أو موضوعة بهدف مهاجمة سياسات تعتمدها دول كقطر وتركيا غالبا، وذلك باختيار توقيت سياسي غالبا ما يكون مدروسا، مثلما حصل أخيرا.
أي منذ تحديد موعد لأولي زيارات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلي الخارج، واختياره السعودية منطلقا لها، والمصدر الثاني هو اللوبي الإسرائيلي الذي ربما يكون الأقوي علي الإطلاق في الإعلام وفي دوائر صنع القرار الأمريكي ومراكز الدراسات الأكبر والتي تجاهر بدعمها "إسرائيل" وسياساتها بشكل مطلق.
وغالبا ما يظهر لقاء مصلحة بين اللوبيين في عدد من المواضيع، تحديدا في ما يتعلق بمهاجمة قطر، ذلك أن عداء أبوظبي القاهرة الرسمي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" مثلا، يكاد يزيد عن العداء الإسرائيلي لها من هنا، يظهر في أحيان كثيرة اهتمام إعلامي استثنائي من وسائل إعلام محسوبة علي أبوظبي مثل قناة "الغد" التلفزيونية (المحسوبة علي القيادي الأمني المطرود من حركة فتح، محمد دحلان)، بأحداث وفعاليات فكرية وإعلامية وسياسية تنظمها شخصيات ومؤسسات مؤيدة لإسرائيل بشكل مطلق.
آخر تجليات هذه الظاهرة، بدت في مؤتمر "منظمة غينزا" الأمريكية المتخصصة بالأمن القومي الأمريكي، عقد في إحدي قاعات الكونغرس الأمريكي في واشنطن مطلع شهر مايو/أيار الجاري، واستضاف عددا من السياسيين الأمريكيين المعروفين بتأييدهم لـ"إسرائيل" وبتحريضهم ضد دولة قطر، أبرزهم كان المبعوث الأمريكي الأسبق إلي الشرق الأوسط، السفير "دينيس روس".
وقد تصدرت المؤتمر المذكور عناوين تحتل اليوم صدارة المواقف المتداولة حاليا في العواصم المصرية والإماراتية والسعودية ضد قطر، من نوع هل ينبغي إغلاق قاعدة العديد الأمريكية في قطر؟، وتمويل قطر لمنظمات إسلامية متطرفة ودعمها بالسلاح والمال.
والمقصود بالجماعات هذه بتعريفات "روس"، حركة "حماس" و"الإخوان المسلمين"، ويضيف إليها المؤتمر، الذي كان نجمه "روس"، "جبهة النصرة" وليبيا و"داعش"، بحسب تعبير عضو الكونغرس الأمريكي "براد شيرمان" كل ذلك مع إضافة المتحدثين في المؤتمر كليشيهات تستخدم اليوم في كل تعليق ومقال وتقرير في إطار الحملة الحالية ضد الدوحة، من نوع أن استمرار دعم قطر لـ«الإخوان المسلمين» خطير علي مستقبل المنطقة العربية.
14 مليون دولار سنويا
هذا النمط من عمل لوبي أبو ظبي في الولايات المتحدة ليس جديدا بالنسبة لمن يعرفون أن دولة الإمارات هي أكثر دولة شرق أوسطية تنفق أموالا علي العلاقات العامة ولوبيات الضغط في واشنطن ويضطلع السفير الإماراتي في واشنطن "يوسف العتيبة"، بدور مركزي في إدارة لوبي أبو ظبي ونسج العلاقات مع صناع القرار في البيت الأبيض والكونغرس.
وتظهر إحصائية تعود لعام 2016 أن الإمارات تدفع من خلال سفارتها في واشنطن نحو 14 مليون دولار سنويا لشركات علاقات عامة ومنظمات ضغط وشخصيات سياسية، ويأتي المغرب في المرتبة الثانية، حيث تبلغ الميزانية السنوية للوبي المغربي في واشنطن نحو 4 ملايين دولار، وتليهما كل من السعودية في المرتبة الثالثة وقطر رابعة.
هكذا تحاول الإمارات شراء واشنطن
نشرت شبكة "الجزيرة" عبر موقعها الإلكتروني تقريرا مطولا كشفت من خلاله كيف حاول ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد شراء شبكة نفوذه في العاصمة الامريكية واشنطن، مذكرة بالتنافس الخفي بين أبناء عائلة "زايد" علي تولي منصب رئيس الدولة في حالة خلو المنصب، ولفت التقرير إلي كيف استطاع "ابن زايد" مناورة "آل مكتوم" من خلال عقد صفقة كبيرة مع الولايات المتحدة الامريكية بسبعة مليارات دولار عام 1998، فيما اعتبرته أول حالة لتقديم الولاء لواشنطن التي دعمت توليه ولاية العهد.
لم يكن الأمر بهذه السهولة أبدًا، ولم تُحَول إمارات "آل زايد" واشنطن، في شقها البحثي والإعلامي، لمستنقع رشاوي تشتري فيه كل من تستطيع شراءه تقريبًا، في ليلة وضحاها، وبينما كان المشهد منذ أقل من شهر في (مايو/أيار) الماضي أشبه بأوركسترا ضخمة اتفق فيها صحفيون وباحثون، من مختلف التوجهات، علي توجيه أسلحتهم ناحية دولة خليجية صغيرة المساحة، تبعد آلاف الكيلومترات عن واشنطن، في وقت واحد تقريبًا وبشكل غير مفهوم حينها، كانت الذاكرة تعود إلي تسعينيات القرن الماضي، منذ أقل من عشرين عامًا فقط، وقت بداية الحج الإماراتي لـ "كعبة واشنطن"، وبداية صعود شاب ثلاثيني، يدير ذراعه اليمني شبكة مرتزقة إعلامية وبحثية هائلة في الولايات المتحدة لفهم ذلك، هناك قصة بالغة الأهمية غير معروفة لابد أن تروي.
لم تكن الأمور تسير علي نحو جيد في الإمارات النفطية الصاعدة، الزمان تسعيني وتحديدًا في عام 1998، والمناخ يضج بالتوترات مع صعود ملف خلافة الشيخ "زايد آل نهيان" إلي الواجهة، مع مرضه وإصابة "خليفة" ولي عهده بمرض في القلب بعد عملية أجراها عام 1995، ومع كون الشقيق الآخر، نائب رئيس الوزراء "سلطان بن زايد"، لا يتمتع بالكاريزما الكافية لتجاوز المعارضة لتوليه السلطة داخل عائلة "زايد" نفسها، كان التوتر يحتدم مع المنافسين المترقبين في دبي، مع قرب خلو مقعد رئيس الإمارات والأهم ولي عهده، ما عناه هذا من قتال خفي لاختيار وجه مقبول لآل مكتوم، في ظل دستور يعطي الرئاسة نظريًا لآل زايد.
في ذلك الوقت كان الشيخ "خليفة"، أكبر أبناء "زايد"، يميل دومًا مع والده إلي المدرسة الفرنسية، خاصة مع الصداقة الجامعة بين الأخير وبين الرئيس الفرنسي "جاك شيراك"، بينما مال "آل مكتوم" حكام إمارة دبي والمستحوذين علي رئاسة الوزراء إلي بريطانيا، كان الاتجاه الإماراتي أوروبيًا بامتياز، خاصة مع علاقات اقتصادية وثيقة العري بين دبي وطهران لا يمكن المغامرة بفقدها، وسط اللعبة كان هناك شاب يخطط لإفساد كل ذلك، ونقل الدفة بأكملها إلي واشنطن، والأهم هو تأمين وصوله إلي مقعد ولي العهد، أو بالأحري مقعد الحاكم الفعلي للإمارات مع ضعف "خليفة" المرشح الأول المتوقع، ما يعنيه هذا حال نجاحه من بداية تنفيذ أجندة خاصة سيعاني منها الشرق الأوسط كاملًا وطويلًا.
كان الشاب "محمد بن زايد"، الشاغل لمنصب رئيس أركان الجيش الإماراتي، يدرك أن واشنطن لا تمنح مباركتها مجانًا، وأن الأمور تحتاج لما يشبه ضريبة تقديم الولاء إن جاز التعبير، لذا، وعلي مدار عامين، أدار "محمد بن زايد" إحدي أكثر المفاوضات تعقيدًا وقتها، مفاوضات قاضية بشراء 80 طائرة من طراز "إف 16 بلوك 600" ضمن ما سوقه علي أنه خطة شاملة لتحديث سلاح الجو الإماراتي، خطة ستكلف وقتها الخزانة الإماراتية مبلغًا هائلًا يقدر بسبعة مليارات دولار كاملة، إلا أن المفاوضات لم تقتصر علي أحاديث ودية حول "كعكة الطائرات المليارية"، وإنما تعدتها وتحديدًا أثناء زيارته بصحبة والده المريض لواشنطن، إلي محاولة تأمين ولاية العهد وحكم الإمارات الفعلي.
لم يرض أبدًا "آل مكتوم" عن الصفقة، ورأوها هدرًا بالغًا لأموال الدولة، فضلًا عن كونها ستفتح بابًا يجلب الأميركيين إلي بلادهم، ما يعنيه هذا من إفساد علاقات "دبي" مع إيران، ورأوا أنه وإن كان لابد من الصفقة فليحصلوا علي مقاتلات "يوروفايتر" من حليفتهم الأقرب والأكثر موثوقية لهم "لندن"، بينما مال الرئيس المريض "زايد" وولي عهده "خليفة" إلي قبلة "باريس" ومقاتلات "رافال" التي تنتجها شركة "داسو" الفرنسية، إلا أن "محمد بن زايد" تحرك في الظل ببراعة لتأمين الصفقة عبر زيارات متكررة لواشنطن، إلي أن نجح في ذلك في عام 1998، ليوقع عليها "خليفة" ويمنح أخيه "محمد بن زايد" هدفه الأكبر، ويمنح "آل مكتوم" هزيمتهم الكبري أيضًا.
كانت الولايات المتحدة تبحث عن موطن قدم لها في الاتحاد النفطي، وكان الأمير الشاب يبحث عن حلفاء يدعمون طموحاته للصعود إلي السلطة، لذا فإن الصفقة كانت رابحة لكلا الطرفين وبفضل الدعم الأميركي الذي حظي به الأمير الشاب، الذي ظهر بوضوح أنه الرجل المفضل بالنسبة إلي البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية، ومع نفوذه الداخلي المتزايد، ضمن الشاب محمد مقعد ولاية العهد كثمن لتولي أخيه غير الشقيق خليفة رئاسة البلاد في أعقاب وفاة زايد الأب.
بإمكاننا أن نعتبر، ولن نكون مخطئين في ذلك، أن صعود محمد بن زايد كان نقطة التحول الفعلية لبلاده إلي كعبة واشنطن، وأن صفقة الطائرات كانت البداية الفعلية لرحلة من تحويل واشنطن لمستنقع أموال ورشاوي وشبكة مرتزقة إماراتية هائلة تهاجم بإشارة بسيطة أي هدف، رحلة امتدت لأكثر من 20 عاما، حيث لم يكن خليفة بن زايد، الرئيس الفعلي للبلاد إلي اليوم تقنيًا، أكثر من رئيس شرفي من وجهة نظر الكثيرين ومنذ صعوده إلي ولاية لعهد، واصل "محمد بن زايد" تعزيز نفوذه في واشنطن، في الوقت الذي كان يرسخ فيه سلطته أيضًا داخل سائر إمارات الاتحاد.
لا يقتصر عمل الإمارات في واشنطن علي اللوبيات وجماعات الضغط فقط، وكان هذا هو أحد الدروس الكبيرة التي تعلمها حكام الإمارات من حادثة موانئ دبي السالف ذكرها في ذلك التوقيت لم يكن الكثيرون في واشنطن يعرفون شيئًا عن دبي سوي أنها إمارة قادمة من عالم النفط لشراء بلادهم، وهو ما لفت نظر حكام الإمارات أن عليهم الاستثمار في الفكر أيضًا لذا فإنه في نفس التوقيت الذي كانت الإمارات تنسج فيه اللوبي الأخطبوطي الخاص بها، فإنها بدأت أيضًا في الاستثمار في مراكز الأبحاث المقربة من الحكومة الأميركية، وكانت البداية مع مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية (CSIS)، الذي قام في عام 2007، بدعم وتمويل إماراتي، بعقد سلسلة ندوات حول الأهمية الإستراتيجية لدول الخليج، وسبل إقامة شراكة بناءة مع الولايات المتحدة كما دفعت الإمارات المركز لتنظيم رحلات سنوية إلي منطقة الخليج، حملت العشرات من الخبراء الأمنيين والسياسيين للقاء المسؤولين في أبوظبي ودبي.
وفق تحقيق شهير أجرته صحيفة "نيويورك تايمز"، ساهمت ما لا يقل عن 64 حكومة أجنبية، أو كيانات ومسؤولين في دول، في تمويل 28 منظمة بحثية رئيسية في الولايات المتحدة، بإجمالي إنفاق يزيد عن 92 مليون دولار، في الفترة بين 2010 إلي 2014 في أدني التقديرات وفي حين أن العلاقة بين مراكز الفكر الأميركية، والجهات الخارجية الراعية لها، تخضع لقانون تسجيل الوكلاء الأجانب، والقانون الفيدرالي لعام 1938 الذي وضع بهدف تجنب تكرار تجربة الدعايات النازية في الولايات المتحدة، فإن هذا القانون يلزم مراكز الفكر بالإفصاح عن التبرعات والمنح التي تتلقاها من الدول الأجنبية وبينما لا تزال دول آسيا، اليابان والصين علي وجه التحديد، تحتلان موقع الصدارة في هذا المضمار، فإن دول الخليج تأتي في المرتبة التالية مباشرة، وكالعادة فإن "هوس الإمارات" بالنفوذ يحملها إلي الصدارة أيضًا.
علي رأس هذه المراكز التي تم ربطها بالنفوذ الإماراتي مؤخرًا يأتي "المجلس الأطلسي" (Atlantic council) وهو مؤسسة بحثية مقرها العاصمة واشنطن، قامت بإطلاق فرع الشرق الأوسط الخاص بها تحت اسم مركز "رفيق الحريري" في عام 2011، تحت قيادة الباحثة الأميركية ميشيل دن، وبدعم كبير من عائلة الحريري اللبنانية وتظهر بيانات المركز، الذي يتلقي 20% من تمويله من جهات أجنبية، إدراجه لدولة الإمارات العربية المتحدة ضمن فئة المانحين بمبلغ أكبر من مليون دولار، وهي نفس الفئة المدرج ضمنها "بهاء الحريري"، ممثل عائلة الحريري، ما يعني أن الإمارات فعليًا تعد أحد أبرز مولي المركز علي الإطلاق.
وقد كشفت الرسائل المسربة من بريد السفير "يوسف العتيبة" المزيد حول علاقات الإمارات مع "المجلس الأطلسي"، حيث حوت تبادلات بين العتيبة وكل من "فريدريك كيمبي" رئيس المجلس، والباحث "بلال صعب"، تناولت مناقشات حول تمويل الإمارات لفعاليات المجلس، واقتراح من "صعب" بعمل فيلم وثائقي حول فساد الفيفا يربط بينها وبين قطر إلا أن الواقعة الأبرز المتعلقة بالمجلس هي تلك المتعلقة باستقالة الباحثة "ميشيل دن" من قيادة مركز "رفيق الحريري" عام 2013، بعد الشهادة التي قدمتها أمام مجلس الشيوخ الأميركي، والتي أدانت فيه ممارسات النظام المصري الذي يقوده عبد الفتاح السيسي، وهي الاستقالة التي يرجح أنها جاءت بضغط من الإمارات وعائلة "الحريري"، المقربة من السعودية، ليحل محلها "فرنسيس ريشياردون" السفير الأميركي لدي مصر في عهد مبارك.
بالإضافة إلي "المجلس الأطلسي" ومركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، تظهر الإمارات أيضًا ضمن قائمة مانحي مراكز بحثية مرموقة مثل "بروكينغز" -المرتبط اسما بالدوحة-، ومؤسسة "راند"، ومركز التقدم الأميركي وغيرها وتسعي الإمارات لتوظيف نفوذها في هذه المراكز من أجل التأثير علي صناع القرار الأميركيين، لاتخاذ مواقف موافقة لرؤيتها في الملفات الحساسة، مثل التعامل مع إيران أو "الإسلام السياسي"، كما تسعي أيضًا لضمان الحماية السياسية لمجموعتها الواسعة من المصالح التجارية، وعلي رأسها المتعلقة بضمان حرية الطيران في الأجواء الأميركية.
ومن المراكز البحثية إلي الجامعات يحكي لنا أندرو روس، الأستاذ بجامعة نيويورك قصة جديدة حول شراء الإمارات للنفوذ في جامعات أمريكا في عام 2015 تم منع روس من دخول الإمارات لإجراء أبحاث حول أوضاع العمالة المهاجرة في البلاد، رغم كونه أستاذًا بجامعة نيويورك التي فتحت أحدث فروعها في أبو ظبي عام 2014 في جزيرة السعديات، الجزيرة الأشبه ببؤرة استيطانية جديدة للمؤسسات الغربية في الإمارات، بما في ذلك مشروعات متحف اللوفر ومتحف غوغنهايم والمتحف البريطاني.
والجدير بالذكر هنا أيضًا، أن جامعة نيويورك ليست الجامعة الوحيدة التي تلقت تمويلًا إماراتيًا لفتح فرع لها في البلاد، حيث تضم القائمة جامعات أخري أبرزها كلية إدارة الأعمال في ميتشجان، التي تملك فرعًا لها في دبي، والتي تبقي جميعها علي استعداد لغض الطرف عن قائمة واسعة من الانتهاكات، سواء ضد العمال الذين يشيدون أبنيتها، أو حتي ضد أساتذتها أنفسهم كما حدث مع روس، كثمن مقبول لضمان تدفق الدعم المالي الإماراتي.
حدود القوة
بعد مرور عدة أعوام تقريبًا علي واقعة موانئ دبي الشهيرة، وبشكل أكثر تحديدًا مع انتصاف عام 2014، حققت الإمارات أكبر انتصاراتها في مجال التصنيع داخل الولايات المتحدة، بعد أن تمكنت شركة إماراتية تدعي "غلوبال باوندريز" من الدخول في مناقصة، بقيمة 1.5 مليار دولار، للسيطرة علي عدة مصانع في نيويورك وفيرمونت والمثير هنا أن هذه المصانع هي المسؤولة، وحدها، عن تصنيع وبيع الإلكترونيات الدقيقة وأشباه الموصّلات لشركة "آي بي إم" (IBM).
كانت الصفقة شديدة الحساسية لدرجة احتياجها لتصريح من لجنة الاستثمار الخارجي في الولايات المتحدة، لأنها كانت تعني أن المتعهد الأول لتزويد وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" بأشباه الموصلات الخاصة بالأنظمة الدفاعية، سوف يكون شركة أجنبية، إلا أنه تمت الموفقة عليها في نهاية المطاف أما الأمر الأكثر إثارة، فكان موقف السيناتور "تشاك شومر"، الذي كان سببًا رئيسيًا في تصفية أعمال موانئ دبي بالكلية من الولايات المتحدة، مسارعًا إلي امتداح صفقة الموصلات الدفاعية واصفًا إياها بـ"الخبر الرائع"!
الكثير من المال والقليل من الوقت كفيلان بتغيير كل شيء، يبدو أن تلك القاعدة هي ما يؤمن به ابن زايد ورجاله في واشنطن، الذين ينظر إليهم اليوم في العاصمة الأميركية كمصدر غير محدود للمال اللازم لتمويل أي شيء منذ عام 2014، يسعي مسئولو دولة الإمارات العربية المتحدة للحصول علي تسهيلات لمبيعات الطائرات والأسلحة والذخائر، كشريك مباشر للبنتاجون وليس تحت بند حليف كبير من خارج الناتو، كما تفعل كل من البحرين والكويت مثلًا، لأن الشراكة المباشرة مع وزارة الدفاع تعطي للدولة الشريكة ميزة تجهيز الطائرات علي أراضيها، إضافة إلي ميزة تدريب القوات المقاتلة وكان باراك أوباما حذرًا من منح الإمارات هذه الصلاحية، وهي الصلاحية التي وافق عليها ترمب بشكل مبدئي خلال اجتماعه في واشنطن منتصف الشهر الماضي، بعد أن تعهدت أبوظبي، كعادتها، بدفع المزيد من الأموال لإدارة ترمب كما بدا واضحًا خلال اتفاقات قمة الرياض.
المال قد يشتري المواقف لكنه لا يغير الحقائق
ربما تكون هذه الحقيقة الإستراتيجية الأكبر التي يغفل عنها ابن زايد ورجاله، وهي التي تولد الخلط بين مفهوم ممارسة الضغط والتحكم في السياسة يمكن للإمارات أن تدفع المال لتستقطب "روبرت غيتس"، ولكن ذلك لا يعني أن البنتاغون لا يزال يستمع لكلمات وزير متقاعد يمكن للمال حتي دفع الرئيس الأميركي الجديد لإطلاق تغريدات التأييد علي تويتر، ولكن هذا لا يعني بالضرورة الحصول علي تأييد البنتاغون والخارجية والاستخبارات وعلي الأرجح فإن جميع هذه العوامل مجتمعة لن تكون كافية حين يقرر، في لحظة مجنونة من عمر الزمان، شيخ منتش، وشاب مهووس، أن يتلاعبا بموازين القوي وحقائق السياسة ويحاولان فرض إرادتهما رغم أنف الجميع.
للوبي الإماراتي في واشنطن 13.5 مليون
لا تزال دولة الإمارات العربية المتحدة تتصدر قائمة المنفقين علي أنشطة الضغط في الشرق الأوسط في إطار سعيها لترسيخ مكانتها باعتبارها واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة الاستراتيجيين في المنطقة وفقا لتقرير نشرته صحيفة "المونيتور" لمراسل الكونجرس "جوليان بيكويت".
ووفقا للتقرير، أنفقت الدولة الخليجية 13.5 مليون دولار خلال العام الماضي (2015) علي وكلاء النفوذ وخبراء العلاقات العامة ساعد هذا الإنفاق علي تدعيم الشراكة الاستراتيجية للبلاد مع الولايات المتحدة في الوقت الذي واجهت فيه تهديدات جاءت من الولايات المتحدة لتفوقها في صناعة الطيران العالمية.
تهيمن مجموعة كامستول (Camstoll) علي معظم عمليات التأثير والضغط التي قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة في الآونة الأخيرة بقيمة 6.5 مليون دولار، تليها مجموعة هاربر (Harbour) بواقع 4.5 مليون دولار تركزت أعمال الضغط علي تعزيز سياسات دولة الإمارات في «هزيمة التطرف وتمويل الإرهاب».
كانت الإمارات هي الدولة الأولي التي سمح لها بشراء نظام الدفاع الصاروخي ثاد (Thaad) تخرجت الدفعة الأولي من الضباط والطيارين الذين تم تدريبهم علي استخدام النظام في ديسمبر/كانون الأول، وهي أول دفعة لجيش أجنبي يتم تدريبها علي هذا النظام المتطور.
يسعي مسؤولو دولة الإمارات العربية المتحدة الآن للحصول علي تسهيلات لمبيعات الأسلحة والذخائر وفق ما أخبر به مسؤولون إماراتيون خدمة أبحاث الكونجرس يمكن أن تحصل الإمارات علي هذه الأسلحة بوصفها "حليف كبير من خارج الناتو" كما تفعل كل من البحرين والكويت، ولكن دولة الإمارات العربية المتحدة تفضل التشريعات التي من شأنها أن تجعل منها شريكا رئيسيا لوزارة الدفاع الأمريكية، وفقا للتقرير الصادر عن خدمة أبحاث الكونغرس حول العلاقات بين البلدين في 16 أغسطس/آب.
أمضت الإمارات العربية المتحدة أيضا العامين الماضيين في جهودها لمواجهة محاولات شركات الطيران الداخلية في الولايات المتحدة لدفع الحكومة الأمريكية لمراجعة اتفاقية الأجواء المفتوحة مع شركات الطيران الخليجية ويبدو أن هذه الجهود قد آتت أكلها، في الوقت الذي لم تشر فيها وزارة الخارجية الأمريكية عن فتح أي مشاورات رسمية مع الإمارات أو قطر لمناقشة ما إذا كانت شركات الطيران التابعة لها تتمتع بمزايا تنافسية غير عادلة علي منافسيها في الولايات المتحدة.
إخفاقات
أظهرت الإمارات علي مدي السنوات الثلاث الماضية اهتماما بشراء أحدث الطائرات المقاتلة الأمريكية من طراز "إف-35" ولكن الولايات المتحدة أكدت أنها لن تفعل ذلك قبل أن تقوم (إسرائيل) بإدماج هذه الطائرات في ترسانتها وقد تم الاتفاق علي تسليم هذه الطائرات لإسرائيل في يونيو/حزيران، ومن المتوقع أن تتم عملية التسليم بحلول نهاية العام.
قامت الإمارات أيضا بمحاولة مواجهة التقارب الأمريكي مع إيران كتب السفير الإماراتي في واشنطن "يوسف العتيبة" مقالا في صحيفة "وول ستريت جورنال" في الذكري السنوية الأولي للاتفاق النووي، عبر فيه عن أسفه لتخاذل "أوباما" عن معاقبة إيران علي اختبارات الصواريخ البالستية التي تواصل طهران إجراءها منذ توقيع الصفقة.
ويخلص تقرير خدمة أبحاث الكونغرس، وفقا للمونيتور، أن "الإمارات تميل لأن تكون الأكثر تشددا ضمن الطيف الخليجي، حتي إنها رفضت طلبا مباشرا من أوباما خلال القمة الخليجية الأمريكية بزيادة الانخراط مع إيران".
اضف تعليق