يمكن أن تكون معركة ميناء الحديدة في غرب اليمن حجر زاوية ذا أهمية كبيرة في الحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاث سنوات. لكن محللين يقولون إن الصراع معقد لدرجة أن نتيجة حاسمة ما هناك قد لا تحقق السلام. لماذا مثل هذا الانقسام في اليمن؟ اعتملت...
بيروت (رويترز) - يمكن أن تكون معركة ميناء الحديدة في غرب اليمن حجر زاوية ذا أهمية كبيرة في الحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاث سنوات. لكن محللين يقولون إن الصراع معقد لدرجة أن نتيجة حاسمة ما هناك قد لا تحقق السلام.
- لماذا مثل هذا الانقسام في اليمن؟
اعتملت انقسامات اليمن الداخلية على مدى سنوات. اتحد الشمال والجنوب في دولة واحدة عام 1990 لكن الانفصاليين في الجنوب حاولوا الانشقاق عن الشمال المتمسك بالوحدة في 1994.
ولاقت قوات الانفصاليين هزيمة سريعة وتدفق مزيد من السلطة والثروة على العاصمة صنعاء الواقعة في الشمال وهو ما أغضب كثيرا من الجنوبيين.
حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح شمال اليمن منذ 1978 ثم اليمن الموحد بعد 1990. لكنه أثار غضب الكثير من اليمنيين. فقد سيطر أقاربه على القطاعات الأساسية من الجيش والاقتصاد، وتحدث منتقدون عن انتشار الفساد.
في أقصى الشمال اشتعل أيضا غضب بعض الزيديين الشيعة. وكان الزيديون قد حكموا شمال اليمن حتى ثورة 1962 لكن مناطقهم شديدة الفقر الآن. وفي أواخر التسعينيات شكل بعض الزيديين جماعة الحوثي التي حاربت الجيش اليمني وأقامت علاقات صداقة مع إيران.
على الرغم من تحالفهم مع صالح اكتسب الإخوان المسلمون والإسلاميون السنة الآخرون قوة خاصة في ظل اللواء على محسن الأحمر الذي بنى مركز قوة في الجيش.
واستغل جهاديون هاربون تلك الصراعات وأسسوا تنظيم (القاعدة في جزيرة العرب) أحد أقوى أجنحة تنظيم القاعدة وبدأوا في شن هجمات.
- كيف أدت احتجاجات الربيع العربي إلى الحرب؟
عندما اندلعت الاحتجاجات الحاشدة في 2011 انقلب بعض حلفاء صالح السابقين عليه. وانقسم الجيش بين وحدات موالية لصالح وأخرى انضمت للأحمر. ونظم الانفصاليون تجمعات حاشدة في الجنوب. واستولى الحوثيون على مزيد من المناطق وزادت هجمات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وبعد مرور عام على اندلاع الأزمة بما فيها من تفجير كاد يودي بحياة صالح، أقنع جيران اليمن الخليجيون صالح بترك السلطة لكنه بقي في اليمن.
انتخب عبد ربه منصور هادي نائب الرئيس في 2012 لفترة رئاسة مدتها سنتان للإشراف على انتقال ديمقراطي. وشرع اجتماع ”حوار وطني“ يضم جميع الفرقاء اليمنيين في وضع دستور جديد.
لكن رغم الحوار أخذت الأوضاع تتداعى.
كان الرأي في هادي على نطاق واسع أنه ضعيف وأن حكومته فاسدة. وقوض حلفاء صالح في الجيش والحكومة العملية الانتقالية. وأقامت القاعدة في جزيرة العرب دولة صغيرة وشنت هجمات دامية غير مسبوقة في صنعاء.
في 2014 استولى الحوثيون على صنعاء بمساعدة وحدات من الجيش موالية لصالح وأرغموا هادي على إشراكهم في السلطة. وعندما اقترح الحوار الوطني دستورا اتحاديا رفضه كل من الحوثيين والانفصاليين في الجنوب لنيله مما اكتسبوه من قوة.
اعتقل الحوثيون هادي في أوائل 2015 لكنه هرب وفر إلى عدن. ولاحقه الحوثيون واشتبكوا مع الموالين للحكومة الانتقالية.
وبعد أيام دخلت السعودية الحرب إلى جانب هادي يدعمها ائتلاف من الحلفاء العرب لمنع إيران من اكتساب نفوذ من خلال الحوثيين على حدودها ولتحافظ على العملية الانتقالية التي توسط فيها الخليجيون.
ونقلوا هادي من عدن إلى الرياض، وعلى المستوى الوطني حافظوا على حكومته المعترف بها دوليا كما حافظوا على خطة الانتقال الديمقراطي.
- لماذا استمرت الأزمة في طريق مسدود لفترة طويلة؟
الأزمة الآن حرب بين تحالفين غير مستقرين.
الحوثيون وصالح كانوا أعداء في الماضي وسيطروا معا على المناطق كثيفة السكان وساحل البحر الأحمر.
لا يملك هادي قاعدة نفوذ شخصية، لكنه أصبح زعيما شكليا للانفصاليين الجنوبيين والقبائل في شمال شرق البلاد والإسلاميين السنة ووحدات الجيش الباقية الموالية للأحمر.
وظهرت خصومات داخلية في التحالف الذي شكلته السعودية لدعم هادي. ودب خلاف بين السعودية والإمارات بشأن حلفاء محليين وبشأن الخطط.
وطُرد الحوثيون وقوات صالح من عدن والمناطق المحيطة بها في جنوب اليمن ومن مأرب في وسط البلاد والمنطقة الصحراوية إلى الشرق منها في عام 2015. وتلى ذلك سنوات من الجمود العسكري.
وسيطر الحوثيون على معظم المناطق الجبلية التي يسهل الدفاع عنها وكذلك على ساحل البحر الأحمر وميناء الحديدة آخر نقطة دخول للإمدادات إلى شمال اليمن.
وواصل التحالف الغارات الجوية المكثفة بهدف فصل الحوثيين عن صالح، كما فرض حصارا جزئيا لمنع إيران من تسليح الحوثيين، وهو ما تنفيه طهران.
ورغم هذه الضغوط، ظلت المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة جامدة.
- كيف تطورت الانقسامات الداخلية؟
تخلى صالح في النهاية عن حلفائه الحوثيين في العام الماضي على أمل إبرام اتفاق وإعادة السلطة إلى أسرته. لكنه قتل خلال فراره من صنعاء في ديسمبر كانون الأول 2017.
وانقلب حلفاؤه على الحوثيين وساعدوا في التقدم باتجاه الحديدة الذي وصل لذورته بهجوم بدأ هذا الأسبوع.
واتسعت الانقسامات على الطرف الآخر أيضا. فقد أيدت الإمارات الانفصاليين في الجنوب الذين اشتبكوا مع المقاتلين المدعومين من السعودية في بعض الأحيان.
وفي الشمال، أتى السعوديون بالأحمر لقيادة القوات حول مأرب وهو ما أثار قلق الإمارات بسبب ارتباطه بالإخوان المسلمين أشد خصوم الإمارات.
في غضون ذلك، أثار ارتفاع عدد الوفيات واقتراب البلاد من المجاعة بسبب الحصار الجزئي غضبا دوليا مما يجعل من الصعب على الحلفاء الغربيين لدول الخليج الاستمرار في تقديم المساعدات العسكرية.
وإذا استمر القتال في الحديدة طويلا وسبب خسائر كبيرة في صفوف التحالف وغضبا بشأن الأزمة الإنسانية، فإن الحوثيين قد يأملون في فشل الزحف.
لكن إذا طُرد الحوثيون وفقدوا القدرة على الاحتفاظ بخطوط الإمداد فقد يخسرون الحرب. ولا يوجد ما يضمن أن ينحي المنتصرون خلافاتهم جانبا ويسعوا لبناء سلام حقيقي.
من الذي يقاتل في الحرب الأهلية اليمنية؟
كل طرف من أطراف الصراع في الحرب الأهلية اليمنية لديه أجندته الخاصة مما يزيد من صعوبة التسوية. وفيما يلي عرض لبعض هذه الأطراف وما الذي تريده:
* الحوثيون
في أواخر التسعينات أسست عائلة الحوثي في أقصى شمال اليمن حركة صحوة دينية للطائفة اليزيدية الشيعية التي حكمت اليمن يوما لكن معقلها في شمال البلاد عانى من التهميش.
ومع تصاعد الخلاف مع الحكومة خاض الحوثيون سلسلة من حروب العصابات مع الجيش الوطني كما دخلوا في نزاع حدودي قصير مع السعودية، وأقاموا علاقات مع إيران لكن مدى عمق العلاقة بينهما غير واضح.
ومنذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء في عام 2014 اعتمد الحوثيون على أجزاء من الإدارة الحكومية الحالية ليتمكنوا من الحكم. واستراتيجيتهم الطويلة المدى ليست واضحة.
* الموالون للرئيس الراحل صالح
انتزع علي عبد الله صالح السلطة في شمال اليمن عام 1978، وبعد الوحدة مع الجنوب عام 1990 ظل رئيسا. وانضم إلى أطراف قبلية مؤثرة كي يهيمن على البلاد، ونصب أفرادا من عشيرته في مواقع مهمة بالجيش والاقتصاد مما أثار اتهامات باستشراء الفساد.
وعندما تخلى عنه حلفاء سابقون أثناء احتجاجات الربيع العربي وأجبروه على التخلي عن السلطة، أفسد صالح عملية الانتقال السياسي وانضم إلى الحوثيين خصومه القدامى وساعدهم على بسط سيطرتهم على صنعاء.
ورغم الخلافات بينهما، فقد حكما معا معظم أنحاء اليمن حتى العام الماضي. ثم رأى صالح فرصة سانحة لاستعادة سيطرة عائلته على السلطة بالانقلاب على الحوثيين، لكنه قتل أثناء فراره.
وعندما غير صالح الجانب المتحالف معه، تبعه بعض القادة والمقاتلين الموالين له. وهم يحاربون الآن ضد حلفائهم السابقين الحوثيين تحت قيادة أحمد نجل علي عبد الله صالح، وهو قائد في الجيش له علاقات بالإمارات.
* حكومة الرئيس هادي
كان عبد ربه منصور هادي قائدا عسكريا في جنوب اليمن قبل الوحدة، وتحالف مع صالح في أثناء الحرب الأهلية القصيرة التي دارت عام 1994. وبعد هزيمة الانفصاليين عينه صالح نائبا له.
وعندما اضطر صالح للتخلي عن السلطة تم انتخاب هادي لفترة رئاسية مدتها عامان في سنة 2012 للإشراف على الانتقال إلى الديمقراطية بدستور جديد وانتخابات جديدة كان مقررا إجراؤها عام 2014.
لكن صالح دأب على إضعاف حكومة هادي التي واجهت من جديد حركة انفصالية في الجنوب وتمردا من الحوثيين وتفجيرات عديدة نفذها تنظيم القاعدة. ورفض الحوثيون الدستور الجديد وأرجئت مسألة الانتخابات.
وبعدما سيطر الحوثيون على صنعاء، فر هادي ثم سافر إلى السعودية. وهو نفسه يفتقر لأي سلطة فعلية ويراه كثيرون ضعيفا. لكن التدخل العسكري للتحالف العربي يستند إلى الحفاظ على شرعية حكومته المعترف بها دوليا وعلى عملية الانتقال السياسي المنوطة بها.
* الانفصاليون الجنوبيون
بعد الاستقلال عن بريطانيا أصبح جنوب اليمن البلد الوحيد الذي يتبنى الاشتراكية الشيوعية في الشرق الأوسط، لكنه عانى من التناحر الدائم. ثم أصابه الضعف بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واتحد مع شمال اليمن الذي كان يحكمه صالح في عام 1990.
وبعدما أصبح واضحا أن معظم السلطة في أيدي الشمال حاولت قيادة الجنوب القديمة الانفصال عام 1994 لكن سرعان ما قمعها جيش صالح. وشكا الكثير من أبناء الجنوب من زيادة التهميش الاقتصادي والسياسي.
وظلت الحركة الانفصالية بالجنوب منقسمة على نفسها، وإن بقيت قوة ذات نفوذ في أنحاء جنوب اليمن وقدمت الكثير من المقاتلين لمواجهة الحوثيين.
* تنظيم القاعدة في جزيرة العرب
أسسه أفراد في التنظيم المتشدد فروا من سجون اليمن ورفاق تركوا السعودية في العقد الماضي. وأصبح تنظيم القاعدة في جزيرة العرب واحدا من أقوى أفرع القاعدة.
وانتهز التنظيم الفوضى التي صاحبت الربيع العربي وأقام ولايات صغيرة في المناطق الشرقية النائية ونفذ العديد من الهجمات الدامية التي أثرت سلبا على حكومة هادي الانتقالية.
وفي أثناء الحرب الأهلية نفذ التنظيم هجمات ضد الجانبين. ومن شأن أي فوضى طويلة الأمد في اليمن أن تفسح له المجال لتدعيم موقفه والتخطيط لهجمات في الخارج.
* السعودية والإمارات والتحالف العربي
تعتبر السعودية الحوثيين وكيلا لإيران، أكبر خصومها في المنطقة، وتريد منع طهران من بسط نفوذها في هذه الدولة المجاورة لها.
ومن أهدافها الأخرى إنهاء القصف والضربات الصاروخية التي ينفذها الحوثيون وإعادة بدء العملية الانتقالية التي دعمتها الرياض عام 2012 ومنع أي فوضى طويلة الأمد باليمن يمكن أن تسمح لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بشن هجمات على المملكة.
وتشارك القوات الجوية السعودية في الأساس في العمليات الدائرة باليمن، لكن المملكة وفرت أيضا مقرا لهادي وشاركت في القتال على الأرض بشمال اليمن.
والإمارات، التي دعمت الخطة الانتقالية أيضا في عام 2012، هي الطرف الرئيسي الآخر المشارك في التحالف. وهي تريد منع تنامي التشدد الإسلامي في اليمن وتعتبر موانئه ذات أهمية استراتيجية. وتركز الإمارات على الحرب في جنوب اليمن وساحل البحر الأحمر.
ومشاركة البلدان الأخرى في التحالف أقل، وإن كان السودان قد نشر بعض قوات على الأرض.
* إيران وحلفاؤها في المنطقة
تدعم إيران الحوثيين في إطار محورها الإقليمي ”للمقاومة“، وتتبنى الحركة عناصر من الفكر الثوري الإيراني. لكن بينما تتهم السعودية وحلفاؤها إيران بتسليح وتدريب الحوثيين فإن مدى هذه العلاقة محل تكهنات، وتنفي إيران إرسال أسلحة إلى اليمن.
اضف تعليق