باربرا سلافين

 

إذا حافظ دونالد ترامب على الاتّفاق النّووي الإيراني، سيفاجئ ذلك عددًا كبيرًا من الإيرانيّين.

هذه إحدى خلاصات استطلاع جديد للرّأي أجراه كلّ من "مركز الدّراسات الدّوليّة والأمنيّة في ماريلاند" وشركة "إيران بول"، اللّذان أجريا استطلاعات متكرّرة للرّأي العام الإيراني في السّنوات الأخيرة.

من بين 1,000 إيراني شملهم استطلاع الرّأي الذي جرى بين 10 و24 كانون الأوّل/ديسمبر من العام الماضي، أي بعد شهر على انتخاب ترامب، 77.5% لم يكونوا واثقين من أنّ الولايات المتّحدة ستفي بالتزاماتها بموجب خطّة العمل المشتركة الشّاملة. وقال 19% فقط إنّهم يعتقدون أنّ الولايات المتّحدة في عهد ترامب ستواصل تقيّدها بخطّة العمل المشتركة الشّاملة. تختلف هذه الأرقام إلى حدّ كبير عن تلك التي حصل عليها "مركز الدّراسات الدّوليّة والأمنيّة في ماريلاند" في استطلاع للرّأي أجراه في أيلول/سبتمبر 2015، بعد وقت قصير على اختتام المفاوضات النّوويّة بنجاح، حين كانت النتائج 45% من الواثقين و41% من غير الواثقين. ونشير إلى أنّ هامش خطأ استطلاع الرّأي الجديد نسبته ± 3.2%.

أثناء حملته، وجّه ترامب انتقادات لاذعة للاتّفاق الإيراني. وقال للجنة الشّؤون العامّة الأميركيّة الإسرائيليّة في شهر آذار/مارس إنّ خطّة العمل المشتركة الشّاملة "كارثيّة بالنّسبة إلى أميركا، وإسرائيل والشّرق الأوسط بأكمله"، وقال "أولويّتي القصوى هي إلغاء هذا الاتّفاق الكارثي مع إيران".

لكن منذ الانتخابات، بالكاد أتى ترامب على ذكر الاتّفاقيّة. وقام عدد من مرشّحيه لمناصب رفيعة في الحكومة، بمن في ذلك وزير الدّفاع جيمس ماتيس، وأيضًا السيناتور بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة بمجلس الشّيوخ، بالإشارة إلى أنّه قد يجري إعادة النّظر في خطّة العمل المشتركة الشّاملة وتطبيقها مع مزيد من الحزم، لكن ليس إلغاؤها.

قال المسؤولون الإيرانيّون بدورهم إنّهم غير مستعدّين لتعديل الاتّفاقيّة التي جرى التّوصّل إليها في إطار مفاوضات صعبة وطويلة مع الولايات المتّحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، والصّين وروسيا وجرى تدوينها في القانون الدّولي من قبل مجلس أمن الأمم المتّحدة.

في استطلاع الرّأي، قال الإيرانيّون إنّهم يوافقون على خطّة العمل المشتركة الشّاملة بهامش 55.4% إلى 33.6%، وهذا انخفاض ملحوظ منذ شهر آب/أغسطس 2015 عندما كان 75.5% موافقين على الاتّفاق و20.6% رافضين له. ومن الأسباب الرّئيسيّة لهذا التّراجع هو عدم رضا الإيرانيّين عن التقدّم الاقتصادي منذ بدء التّنفيذ الكامل للاتّفاقيّة منذ عام. في الواقع، 35% فقط من الذين شملهم الاستطلاع في شهر كانون الأوّل/ديسمبر قالوا إنّ الاقتصاد في حالة جيّدة؛ و72.6% قالوا إنّ الاقتصاد لم يتحسّن على الرّغم من تخفيف العقوبات بموجب خطّة العمل المشتركة الشّاملة.

وفي حين قالت أغلبيّة بسيطة (51.7%) من الإيرانيّين إنّ الولايات المتحدة رفعت العقوبات ذات الصّلة بالبرامج النوويّة كما هو محدّد في الاتّفاق، أشاروا إلى إنّ الولايات المتّحدة تجد أساليب أخرى لإبقاء الأثر السّلبي للعقوبات. وقالت أكثريّة ساحقة، 82.2%، لمستطلعي الآراء إنّ الولايات المتّحدة ما زالت تحاول منع دول أخرى من إقامة علاقات طبيعيّة مع إيران.

قال محلّلون مختصّون بشؤون الشّرق الأوسط وإيران إنّ نتائج استطلاع الرّأي تتماشى مع الأدلّة الظّاهرة التي تشير إلى عدم رضى الإيرانيّين عن الظّروف الاقتصاديّة الرّاهنة.

قال للمونيتور بول بيلار، وهو خبير سابق بشؤون الشّرق الأوسط في مجلس الاستخبارات القومي، إنّ "نتائج استطلاع الرّأي تُبيّن تراجع ثقة الإيرانيّين في خطّة العمل المشتركة الشّاملة ليس بسبب الاتّفاقيّة نفسها بل لأنّ عددًا كبيرًا من الإيرانيّين يشعرون أنّهم لا يحصلون على المنفعة الاقتصاديّة التي توقّعوها – ويؤمنون بأنّهم يستحقّونها – من الولايات المتّحدة".

وأضاف بيلار أنّ "التشاؤم الذي يعرب عنه الإيرانيّون بشأن التوقّعات المستقبليّة للاتّفاق هو انعكاس غير مفاجئ لجزء كبير ممّا يقوله أعضاء إدارة ترامب والأكثريّة الجمهوريّة في الكونغرس بشأن خطّة العمل المشتركة الشّاملة وبشأن إيجاد أساليب جديدة لإنزال عقوبة اقتصادية بإيران".

تحدّث بعض المنتقدين الأميركيّين للاتّفاقيّة عن محاولة إعادة التّفاوض بشأن بعض جوانب خطّة العمل المشتركة الشّاملة من أجل إحكام الإنفاذ وتوسيع نطاق القيود على جوانب رئيسيّة من برنامج إيران النّووي ما بعد السّنوات الـ10 إلى 15 المحدّدة في الاتّفاق. وحثّ آخرون على فرض مزيد من العقوبات ضدّ إيران في قضايا أخرى، مثل انتهاكات حقوق الإنسان أو التّجارب الصّاروخيّة الإيرانيّة، آملين في أن يدفعوا إيران للانسحاب من خطّة العمل المشتركة الشّاملة.

لدى سؤالهم ما إذا كانوا مستعدّين لإعادة التّفاوض بشأن الاتّفاقيّة مقابل تخفيف إضافي للعقوبات الأميركيّة، 30% فقط من الإيرانيّين الذين شملهم المسح أيّدوا الأمر في حين رفضه 58.9%. وقالت الأغلبيّة تقريبًا بنسبة 48.4% إنّ إيران عليها الردّ على أيّ فسخ للاتّفاق من جانب الولايات المتّحدة باستئناف عناصر البرنامج النّووي التي قيّدتها خطّة العمل المشتركة الشّاملة؛ وقال 39.1% إنّ إيران عليها رفع تظلّماتها للأمم المتّحدة.

وقال بيلار إنّ "النّتائج في استطلاع الرّأي المتعلّقة بإعادة التّفاوض هي دليل إضافي على أنّ فكرة التمكّن من الحصول على صفقة أفضل من إيران لطالما كانت ضربًا من الخيال".

وافقت نانسي غلاغر، مديرة "مركز الدّراسات الدّوليّة والأمنيّة في ماريلاند"، على الأمر. وقالت للمونيتور، "مع اقتراب الانتخابات الرّئاسيّة في إيران، ستكون الضّغوطات السّياسيّة قويّة على [الرّئيس الإيراني حسن] روحاني من أجل مقاومة خطوة إعادة التّفاوض، بخاصّة نظرًا إلى اعتبار الرّأي العام أنّ الاتّفاق الحالي فشل حتّى الآن في تحقيق المنافع الموعودة".

يعتقد بعض المعلّقين الإيرانيّين أنّ إدارة ترامب تسعى إلى دفع إيران لانتهاك الاتّفاقيّة. في 23 كانون الثاني/يناير، كتبت صحيفة "خراسان"، بحسب ترجمة نشرها موقع "ميديست ميرور"، "مع تطبيق الاتّفاق النّووي بدون حماس، سيحاول ترامب زيادة الضّغط على إيران في مجالات كالبرنامج الصّاروخي، وحقوق الإنسان والإرهاب. ومن المرجّح حتّى أن يجري فرض مزيد من العقوبات. مع هذا النّهج، سيحاول ترامب دفع إيران إلى الخروج من الاتّفاقيّة النّوويّة".

وأكمل المقال الافتتاحي بالقول إنّ إيران عليها التّركيز "على منع صدور أيّ إجماع ضدّ إيران" و"التّركيز على الاختلاف في الرّأي بين إدارة ترامب وأوروبا، على أمل أن يقف كلّ من أوروبا وإيران في صفّ واحد لو أتى يوم انتهى فيه الاتّفاق النّووي قبل أوانه [بسبب أفعال الولايات المتّحدة]. وإنّ عزلة الولايات المتّحدة يمكنها أن تقف بقوّة في وجه عودة العقوبات وأن تلغيها حتّى".

في حين كشف استطلاع رأي ماريلاند عن عدم رضى الإيرانيّين عن الاقتصاد، كانت أغلبيّة بسيطة نسبتها 56.5% لا تزال متفائلة بأنّ الأحوال المعيشيّة ستتحسّن، أي بانخفاض عشر نقاط مقارنة بشهر حزيران/يونيو 2016. بقيت شعبيّة روحاني، الذي حظي بدعم 68.7% من الذين شملهم الاستطلاع، وفضّلوا أن يفوز على عمدة مدينة طهران محمد باقر قاليباف، وهو مرشّح منافس محتمل، وذلك بنسبة 48.5% مقابل 31.8% في الانتخابات الرّئاسيّة المقبلة.

كان قاليباف، الذي ترشّح للرّئاسة قبل أربع سنوات وخسر، يتمتّع بتصنيف إيجابي مثير للإعجاب يبلغ 72.6% في آخر استطلاع للرّأي. أجري المسح قبل الحريق الكارثي الذي اندلع في 19 كانون الثاني/يناير في مبنى بلاسكو، وانهيار هذا الأخير الذي يشكّل ناطحة سحاب إيرانيّة رمزيّة من ستّينيّات القرن الماضي، ما أدّى إلى دعوات لقاليباف بالاستقالة لتحمّل مسؤوليّة التّراخي في معايير السّلامة.

http://www.al-monitor.com/

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق