الثقافة كما توصف هي الطريق الذي يمهد لوصول الانسان الى التحضّر التام، وهذا يعني أن الحضارات نتاج لثقافات الأمم، فالحضارة كما يسهب في وصفها العلماء والمفكرون وأصحاب الشأن، هي نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي لرفع مستوى التفكير وتنظيم الحياة وتطويرها، وتتألف الحضارة من عناصر أربعة هي الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون؛ وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها.
ويرى بعض المختصين أن الحضارة عبارة عن أسلوب معيشي يعتاد عليه الفرد، بدءاً من التفاصيل الصغيرة إلى التفاصيل الأكبر التي يعيشها الانسان في مجتمعه، ولا يقصد من هذا استخدامه إلى احدث وسائل المعيشة، بل تعامله هو كإنسان مع الأشياء المادية والمعنوية التي تدور حوله وشعوره الإنساني تجاهها، ويمكن أيضا تعريف الحضارة على أنها الفنون والتقاليد والميراث الثقافي والتاريخي ومقدار التقدم العلمي والتقني الذي تمتع به شعب معين في حقبة من التاريخ.
من هذه المقدمة نستطيع أن نجزم بأن حجر الزاوية في تحقيق درجة عالية من التحضّر لشعب ما، هي الثقافة الانسانية والقدرة على نشرها وزرعها في نفوس وعقول أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع، واذا اتفقنا على هذا الدور المهم الذي تقوم به الثقافة.
فإننا نقف إزاء (ثقافة أهل البيت عليهم السلام)، لكي نبحث في مدى تأثيرها وفاعليتها الكبيرة وقدرتها المتميزة على نشر التحضّر بين افراد المجتمع، لسبب بسيط، أنها تنطوي على أعظم القيم الانسانية التي قدم الانسان من اجل احيائها والتمسك بها، الغالي والنفيس من الارواح والممتلكات، وبذل أعظم التضحيات والجهود من أجل الحفاظ عليها والتمسك بها، إن عالمنا اليوم يعاني من التوتر والاحتراب وانواع التطرف، والسبب هو تراجع الثقافة الانسانية والقيم النبيلة التي تمثلها ثقافة اهل البيت (ع) بكل ما لهذه الكلمة من معنى، لذا هناك مسؤولون عن نشر هذه الثقافة في عموم العالم.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمة وجهها للمسلمين حول مسؤولية حمل ونشر ثقافة أهل البيت: إن (الكل مسؤولون في حمل ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم إلى العالم كلّه، لا فقط في الشرق الأوسط أو في البلاد العربية فقط. فالعالم اليوم بحاجة إلى ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم أكثر من حاجته لها بالماضي). ويضيف سماحته مؤكد على: (انّ ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم تتجّلى في رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما. والكل، في مجاله، عليه مسؤولية حمل هذه الثقافة(.
حمْل ثقافة أهل البيت (ع)
دائما هناك من يؤمن بالثقافة كطريق نحو بناء الحضارة ونشرها، وهناك مستويات متباينة في الوعي والقدرة وحجم المسؤولية، ولكن على العموم ليس هناك فرد غير معني بها، او مسموح له عدم القيام بدوره في نشر ثقافة أهل البيت (ع)، لاسيما الشيعة من أتباع الأئمة (ع) والخط الواضح لهذه الثقافة، فالجميع هنا معني بالترويج لهذه الثقافة والعمل على نشرها بجميع السبل المتاحة، لأن الطريق الذي يؤدي الى تحضّر الانسان على المستوى العالمي هو ثقافة أهل البيت عليهم السلام، ولذلك جميع الناس لهم ادوارهم في هذا المجال.
ومن الواضح تماما، أن حجم المسؤولية يرتبط بدرجة الوعي والثقافة والعقلية وطبيعة العمل، فالأكاديمي والاستاذ والمفكر، لهم دورهم في نشر هذه الثقافة، والانسان العادي له دوره ايضا، ولكن قد تختلف درجة التأثير في الاخرين، بيد أن هذا الاختلاف لا يعني اعفاء الناس من هذه المسؤولية، فالكل له دوره في احياء ثقافة اهل البيت ونشرها.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله في الكلمة المذكورة نفسها: على (الخطيب والعالِم والأستاذ، وباقي الناس، كل في مجاله، حمل – ثقافة أهل البيت- إلى العالم).
المطلوب في هذا الاطار، عدم التقصير في نشر هذه الثقافة العظيمة كون الهدف من ذلك هو إسعاد البشرية جمعاء، من خلال تشر التحضر في ربوع المعمورة كلها، ولا يُستثنى أحد من هذه المهمة، على أن يكون أتباع اهل البيت (ع) في الصدارة دائما لتطبيق هذا الهدف، لاسيما حملة القلم وصنّاع الابداع، من شعراء وكتاب ومفكرين، على أن يقوموا بتضمين ابداعاتهم المتنوعة في الشعر وسواه، جوهر ثقافة أهل البيت (ع).
لذلك يطالب المرجع الشيرازي المبدعين وغيرهم بالمشاركة الفعالة لتحقيق هذا الهدف المهم، كما نلاحظ ذلك في قول سماحته: (حاولوا أن لا تقصّروا في سبيل أهل البيت صلوات الله عليهم، فاحملوا ثقافتهم وانشروها في كل مكان، من خلال القصائد. فمثلاً: على الشعراء ومنظّمي القصائد أن يضمّنوا قصائدهم وأشعارهم ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم).
ثلاث كلمات عظيمة
ولا شك أن من يريد يتقن هدفه عليه اولا ان يهضمه جيدا، فعلى اتباع اهل البيت ومحبيهم ان يعرفوا اولا ما هي ثقافة اهل البيت وما هي مقوماتها وشروطها من حيث العقائد والافكار والضوابط كافة، وبعد الوصول الى اتقان لك يمكن الشروع بعملية نشر هذه الثقافة الى ابعد حد ممكن من حيث حجم المساحة الجغرافية، واعداد الناس الذين يصل إليهم هذا الفكر وهذه الثقافة المعطاء، ومن بين هذه المقومات التوحيد وهو شرط أساس والعدل وهو احد اركان ثقافة اهل البيت (ع) وفي الحقيقة ان سعادة البشرية كلها تقوم على العدل وشروط اخرى كالاخلاق الحسنة، وهذه وغيرها من صفات ثقافة اهل البيت عليهم السلام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم تتلخّص في ثلاث كلمات، الأولى: عقائد أهل البيت صلوات الله عليهم، في التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد. الثانية: الأخلاق الحسنة من أهل البيت صلوات الله عليهم).
وهناك ركن مهم جدا لثقافة اهل البيت وهي الكلمة الثالثة التي اشار اليها سماحة المرجع الشيرازي، وهي تخص الاحكام الشرعية، فالحقيقة ان شؤون الانسان في هذه الحياة وتعقيدها يوما بعد آخر، وتضارب المصالح وتداخلها، وتعقيد التركيبة التكوينية للانسان، وخطورة المنظومة الغرائزية لديه، كل هذا وسواه يجعل من الاحكام الشرعية ذات اهمية قصوى في تنظيم حياة الانسان الفرد والمجتمع والبشرية جمعاء.
ان الاحكام الشرعية وما سبقها من القول بخصوص الثوابت والعدل والاخلاق والعقائد والامام وكما جاء في كلمة سماحة المرجع الشيرازي، كلها تعد عوامل مساعدة للانسان حتى ينجح بصورة تامة في ادارة شؤونه وفي المجالات كافة، واذا ما التزم الانسان في العالم اجمع بهذه الثقافة الانسانية التي تحتضن الجميع من دون فرق او تفضيل بين احد وآخر، عند ذاك يصل الانسان الى قمة التحضر، وتسود الحضارة الانسانية عموم العالم.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب، إن الكلمة الثالثة التي تتعلق بثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم هي: (الأحكام الشرعية من أهل البيت صلوات الله عليهم. وهذه الكلمات الثلاث هي قمّة في الفضيلة وقمّة في الحضارة).
اضف تعليق