وبين ما هو متوفر على طاولة اي إدارة في الأجهزة الرقابية من إمكانيات في تعظيم أفعال المنع والردع بدلا من تكرار الحديث عن جرائم كبرى، مرة بعنوان سرقة القرن وأخرى عن سرقة ملياري دولار وربما تظهر ثالثة ورابعة، ويتواصل الباب الدوار للفساد سياسيا ومجتمعيا بلا توقف...
أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية عن مسابقة دعت فيها جميع الفعاليات المجتمعية للمشاركة فيها، واذ تعد خطوة محمودة، فان تحديد مدخلات محاورها بالتكليف الشرعي لخطبة النصر على منبر مرجعية النجف الاشرف في وصف الإرهاب والفساد وجهين لعملة واحدة، انما يؤشر إلى ادراك صناعة المحتوى التطبيقي في المنع والردع قبل محتوى التجريم، كون وقوع إثم الجريمة للفساد او الإرهاب يجعل من دعم النزاهة في مكافحة الفساد والإرهاب بلا أهداف رادعة.
في هذا السياق ومن وجهة نظر متواضعة لابد من التوقف عند تلك المدخلات المطلوبة لتعظيم أفعال الردع والمنع في الاتي :
اولا : اعتادت منظمة الشفافية الدولية لقياس مدركات الفساد في الدول التي يتكرر تقييمها في النصف الاقل من ٥٠ درجة على تقييم حالة هذه البلدان ومنها العراق.. واذ تتفق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد العراقية مع بعض مدخلات مؤشرات مدركات الفساد الدولية بكون اسبابه ومظاهره سياسية ومجتمعية ثم تطبيقية إدارية ومالية.
لم يتم تفعيل منظومة الحلول الكلية في نظام نزاهة وطني.، تمنح منظمات المجتمع المدني في شبكة متخصصة لدعم الشفافية والنزاهة حقوق الشراكة الفعلية وفق منطوق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ولعل أبرز ما في ذلك التفريق بين حالة المشتكي ووضع المبلغ عن الفساد، واعتبار ذلك احد أبرز أعمال هيئة النزاهة الموقرة، كمنظور استراتيجي للسنوات المقبلة، بدلا من مراقبة حلول دوائر الجهاز الحكومي لمظاهر الفساد في دوائرهم فقط!
ثانيا.. يتجسد أبرز معالم المنع والردع في عدم وصول او بقاء موظفي الدرجات الخاصة الذين شملوا بقوانين العفو العام في اي مواقع للدرجات العليا والفشل المتكرر في قياس أثر الوقاية من المفسدين في المشاركة لاي انتخابات محلية او اتحادية ناهيك عن مطلب التحاسب وكشف الذمة المالية لمرجعيات الأحزاب السياسية بمفهومي البيعة والتقليد. كون مرجعيات هذه الأحزاب لم نشهد الإفصاح بكل شفافية انها تقدم اي كشوفات مالية تبين من أين لها مصادر الأموال السياسية المصروفة على هذه الأحزاب. مغادرة هيئة النزاهة هذا المطلب يلغي أبرز مدخلات الردع والمنع في نظام نزاهة وطني منشود.
ثالثا: أيضا مغادرة هيئة النزاهة الموقرة مطلب الكشف عن الذمة المالية ما قبل ٢٠٠٣ وما بعدها لاي مشارك في الخدمة العامة او يسعى للمشاركة في الانتخابات المحلية او الاتحادية.. كون هذا المطلب يحدد مصادر الأموال اولا.. وتضارب المصالح ثانيا.. والكشف عن تضخم الأموال بدلا من تلقي البلاغات عن الاثراء غير المشروع.. يمكن أن تنهض هيئة النزاهة الموقرة بمهام الكشف عن الاثراء غير المشروع من خلال سياسات عامة خولها قانونها إصدارها لمكافحة الفساد.
رابعا: هناك معايير النزاهة المؤسساتية التي تعتمد التوظيف في الأجهزة الرقابية وكلما وضعت شروط الاستقلالية وابرزها استقلالية رئيس اي جهاز رقابي والمدراء العاميين نزولا لكافة الموظفين. ليس على الورق بل في مدونة سلوك متشددة جدا وفق التجارب لمثل هذه الأجهزة دوليا.. تتطلب بذل جهود مضاعفة عراقيا في نظام سياسي ما زال يتعامل مع المناصب العليا وفق نظام التكليف من دون إقرار برلماني يمنح هذه القيادات سلطة دولة وليس امرا حكوميا فحسب.
هذا غيض من فيض الحديث عن مدخلات يمكن أن تكون مخرجات عملية موضوعية لتطبيق مصفوفة حلول وبدائل استراتيجية لدعم النزاهة والشفافية في المسابقة الثقافية التي أعلنت عنها هيئة النزاهة الموقرة.. التي تنطلق من التكليف الشرعي كمطلب تطبيقي.. لان الأولويات الأهم من وجهة نظر متواضعة.. تكمن في اليات وأساليب إبداعية مبتكرة لإدارة هذه المتغيرات الشاملة ما بين وقائع المنع والردع فعلا وليس قولا.. وبين ما هو متوفر على طاولة اي إدارة في الأجهزة الرقابية من إمكانيات في تعظيم أفعال المنع والردع بدلا من تكرار الحديث عن جرائم كبرى.. مرة بعنوان سرقة القرن وأخرى عن سرقة ملياري دولار وربما تظهر ثالثة ورابعة.. ويتواصل الباب الدوار للفساد سياسيا ومجتمعيا بلا توقف.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!
اضف تعليق