إن ثمار التمسك بأحكام الله تعالى يمكن أن تكون فردية يستفيد من الفرد تقربا إلى الله تعالى وخلقا للحياة السعيدة المنتظمة، وكذلك تتحقق الفائدة الجمعية من خلال النهوض بالمجتمع كله في جانب حفظ الحقوق والتوعية الدينية، وبالتالي تطوير الحياة المجتمعية والفردية في بيئة نظامية متوازنة واحدة...
(قيمتنا عند الله يحددها دفاعنا عن أحكامه) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
يؤكد العلماء دائما بأن أحكام الله تصب بصالح الإنسان في كل الأحوال، فهي تهدف إلى تنظيم حياة الناس بما يحقق العدالة فيما بينهم، وبما يزيد من اللحمة الاجتماعية ومتانتها، وكذلك ضبط وتطوير العلاقات الإنسانية فيما بينهم بعيدا عن الظالم والمظلوم وبعيد عن الظلم وأسبابه، وبالتالي يكون الهدف من التمسك بأحكام الله هو عدم ارتكاب المحرمات، لأنها تضرّ بالآخرين وتلحق الضرر بمن يرتكبها أيضا.
لذلك من المحذورات التي يتم التنبيه إليها، عدم الالتزام بالأحكام التي أقرها الشرع استنادا إلى أحكام الله تعالى، لأن النتائج سوف تكون وبالا على الناس، وكأنهم يحطمون أنفسهم وحياتهم بأيديهم في حال تمّ انحرافهم عمّا أقرّهُ الشرع من أحكام تصب في تنظيم العلاقات المختلفة بين الناس، بالإضافة إلى تحديد المحرمات والمكروهات والمستحبات وماهية الحلال بكل أنواعه، عبر تشريعات واضحة المعاني والأهداف.
لهذا فإن قضية الدفاع عن أحكام الله تعالى، هي في الحقيقة دفاع عن الإنسان نفسه، عن حقوقه، وعن حدوده وحرمته وكرامته، لأن الهدف الواضح من الالتزام بأحكام الله هو تأمين الحقوق الخاصة بالبشر، وتنويرهم بما يصب في صالحهم وما يعكّر صفو حياتهم ويلحق بهم الأذى. من هنا فإن الدفاع عن أحكام الله تمنح الإنسان كرامة كبيرة عنده تعالى.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (نفحات الهداية):
(إنّ أعظم قيمة لنا عند الله تعالى تتحقق بمقدار ما ندافع عن أحكامه تعالى وبمقدار ما نعمل بها ونطبقها على واقع سلوكنا، وبمقدار ما نحفظ هذه الأحكام لكي نبلّغها إلى الأجيال القادمة).
ولكن مع كل هذه الأهمية الكبيرة لدور الأحكام في تنظيم وتطوير حياة الناس، نلاحظ هناك من لا يضع الاعتبار اللازم لهذه الاحكام، وهناك من لا يعمل بها، ويعطيها الأهمية التي تستحقها، ونجد أناسا مشغولين بما يناقض أحكام الله، حينما يلهثون وراء الماديات، ويرتكبون المعاصي والذنوب من دون أدنى شعور بالذنب.
خطر الانشغال بتوافه الدنيا
تأخذهم الدنيا بين أحضانها، وينسون أحكام الشرع التي تحفظ حقوق الناس وكرامتهم، فهناك بشر يفقدون عقولهم، وينطفئ إيمانهم، وينسون يوم الحساب، وتصبح الدنيا هي همّهم الوحيد، وتصبح الأموال وكنزها والسيارات الفارهة والقصور هدفهم الأول، فيسعون إليهم بكل السبل والوسائل، سواء الحلال منها أو الحرام، وهكذا لا يقيمون وزنا لأحكام الله.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(هل نقيم لأحكام الله تعالى وزناً كما يقيم بعضنا للدرهم والدينار؟ إنّ بعض الناس لو سمع بوجود مال وضيع مَرميّ في مكان ما، يجدّ في البحث عنه للحصول عليه، ولكن إذا قيل له إن ّالشيء الفلاني حرام استهان بالأمر، فهو لا يقيم وزناً لأحكام الله سبحانه حتى بمقدار عشرة دنانير يركض خلفها ويبحث عنها لمجرد احتمال حصوله عليها).
أما إذا أبدى الإنسان عدم احترامه لأحكام الله، فسوف يكون الخاسر الأكبر، لأنه سوف يفقد كرامة الله تعالى، وسوف تضيع أعماله وجهوده وحياته سدى، وبالتالي سوف تتعرض حياته للشقاء والعوز، بسبب عدم سيره وفق ما رسمته الأحكام السماوية، وبسبب حالة الضلال والانحراف التي تتلبس الإنسان فتجعل منه لا يميز بين الصالح والطالح. ويغيب التنظيم عن حياته، فتصبح مخرجاتها عشوائية لا جدوى منها.
أما الذي يلتزم بالأحكام فإن حياته سوف تكون متوازنة، ومخرجات أعماله كلها سوف تكون غاية في الجودة، ويكرمه الله تعالى كرامة عالية، ولا يتساوى مع من لا يحترم الأحكام، صحيح إن الله تعالى يرزق الجميع، الملتزم وغير الملتزم، الخلوق وغير الخلوق، فهؤلاء جميعا لهم أرزاقهم، إلا أن المنحرف لا يحصل على أي درجة من التكريم الإلهي.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(إنّ مَن لا يكرم أحكام الله تعالى فلا كرامة له عند الله. صحيح أنّ كرم الله تعالى عظيم ولطفه عميم بحيث يشمل المؤمن والكافر برزقه وعطفه في الحياة الدنيا، لكن هذا لا يعني تكريماً للكافر، بل هو أشبه بالوليمة العامة تقيمها وقد يحضرها مَن لا تحبّه، لكنك لا تمنعه، ولا يُعدّ ذلك تكريماً له؛ لأنّ الدعوة عامة ولم تكن من أجله).
لننصح الناس بأهمية أحكام الله
إن من يتمسك بأحكام الله سوف يلمس تغييرا كبير في حياته نحو الأفضل، لأنه سوف يتعامل في حياته وفق ما يريده الله تعالى، ولهذا فإن المطلوب من كل إنسان أن يسعى بجدية لحفظ واحترام وتطبيق الأحكام الصحيحة، ليس هذا فحسب، وإنما مطلوب منه أن يعلّم الآخرين بها، وأن يدعوهم لتطبيقها، ليس بأساليب الإكراه أو القوة، كلا، بل بالأسلوب اللطيف الذي يجعل الناس يسارعون إلى تطبيق احكام الشرع والالتزام بها.
وبهذا نكون قد أدينا واجبا مهما و مزدوجا، فالأول التزامنا وقطف الثمار التي نستحقها في مقابل هذا الالتزام، والثاني هو نصح الناس على أهمية هذه الأحكام، وكيف تساعد الناس على تنظيم حياتهم، وتغييرها نحو الأفضل، فالأصدقاء والجيران، وحتى الغرباء سوف يستفيدون كثيرا ممن يعرّفهم بأحكام الله وماهيتها وكيفية تطبيقها والمخرجات والثمار الجيدة التي يحصل عليها الإنسان من جرّاء هذا الالتزام.
وهنا يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(لنقرّر من الآن - ونُشهد الله - أن ندافع عن أحكام الله تعالى، فنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، في البيت وخارجه، مع الأصدقاء، والجيران والغرباء بالمقدار الذي نتمكن. وليس المطلوب منا أن نجرّد سيوفنا ونحارب بل ليكن سلاحنا الكلمة الطيبة نقولها، فإن سُمعتْ منا فبها ونعمت، وإلاّ نكون قد أدّينا ما علينا وأبرأنا ذمتنا).
ولابد للإنسان القويم السليم أن يقرر تعلّم وحفظ أحكام الله، والاطلاع على المسائل الشرعية بشكل جيد، وهذه المعرفة تعد من الأساسيات التي يجب أن تتوافر في شخصية كل إنسان مؤمن، وطامح لحياة مستقرة منتظمة متوازنة.
أما إذا كان الشخص لا يقع تحت واجب تطبيق الأحكام، فهذا لا يمنعه من حفظها والاطلاع عليها وفهمها، وبالتالي من المهم أن يعرّف عليها الآخرين، وينشرها ويعلّم الناس القربين منه بها، فإذا لم تكن واجبة عليه، ليكن حفظه لها لنشرها وقطف ثمار هذا العمل الجيد على مستوى فردي ومجتمعي عام في نفس الوقت.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) أكد على هذه النقطة قائلا):
(كذلك فلنبدأ من الآن فصاعداً بحفظ أحكام الله تعالى وتعلّم المسائل الشرعية حتى تلك التي لا يجب علينا تعلّمها، فلنتعلّمها أيضاً. فهب أن تعلّم أحكام الزكاة والتجارة ليست واجبة عليَّ ولكن ليكن تعلّمي لها من أجل حفظها ونشرها).
إذًا فإن ثمار التمسك بأحكام الله تعالى يمكن أن تكون فردية يستفيد من الفرد تقربا إلى الله تعالى وخلقا للحياة السعيدة المنتظمة، وكذلك تتحقق الفائدة الجمعية من خلال النهوض بالمجتمع كله في جانب حفظ الحقوق والتوعية الدينية، وبالتالي تطوير الحياة المجتمعية والفردية في بيئة نظامية متوازنة واحدة.
اضف تعليق