المشكلات التي يعاني منها العراق كثيرة ومتداخلة ومعقدة أيضا، وهذا يجعل العيش في هذا البلد مؤلم ملبّد بالحرمان والضياع، والسبب أن القادة والنخب لم يستلهموا منهج أهل البيت كما يجب، مع أن هذا المنهج يمصل خريطة واضحة المعالم لإنقاذ العراق، بل إنقاذ العالم كله من الأوبئة والأمراض السياسية والاقتصادية والنفسية التي تفتك به...
(كان الرسول صلى الله عليه وآله يجوع حتى لا يبقى في أمّته جائع واحد)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
يسأل كثير من العراقيين وحتى غير العراقيين، كيف يمكن إخراج العراق من الظروف الصعبة التي تحيط به، لاسيما أنه تخلص من الدكتاتورية الأعتى والأشد فتكا بالناس، لكنه للأسف لم يحظ بالنظام السياسي البديل والمؤهل لإنقاذه، ولم يحصل على تعويض الشعب عن عقود الحرمان والعذاب والقمع الذي تلقّاه على أيدي زمر وجلاوزة النظام الدكتاتوري البعثي المستبد، فكيف يمكن الخروج بالعراق وشعبه من هذه المحنة.
لقد نجا العراقيون من قبضة النظام السلطوي الدكتاتوري الصدامي، بالتضحيات الجسام، وعانى من السجون التي ملأت البلاد من الجهات الأربع، وكانت الكلمة الواحدة يمكن أن تقطع رأس قائلها إذا كانت تمس بالنظام المستبد، على العكس تماما مما كانت عليه الجذور السياسية إبان العهد النبوي وحكومة الإمام علي (عليه السلام).
ففي ظل هاتين الحكومتين النموذجيتين في تاريخ الإسلام، لم يكن هناك سجينا سياسيا واحدا في طول وعرض الدولة، مثلما لم يكن فيها جائعا واحدا، وهذا دليل على حكمة الإدارة السياسية وجودة الإدارة الاقتصادية في هاتين الحكومتين، فلماذا لم يستفد ساسة العراق والعرب والمسلمين من هذه المدرسة السياسية العظيمة؟
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في إحدى محاضراته التوجيهية القيّمة:
(نحن بملء أفواهنا، نرفع رؤوسنا مفتخرين ونقول: رغم كل المشكلات فيهما، لا ترون قتيلاً سياسياً واحداً في تاريخ الحكومتين المجيدتين، أي حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه الذي هو تلميذ رسول الله وتربية رسول الله صلى الله عليه وآله).
إن العراق اليوم يحتاج إلى خريطة عمل فعلية موضوعة ومدروسة لإنقاذه، وهي في واقع الحال متوافرة لرجال السياسة اليوم، كما أن العراب والمسلمون والعالم كله ليسوا أفضل حالا من العراق، حيث الفساد يضرب العالم أجمع، وإن كانت مستوياته متباينة هنا وهناك، لكن في الحقيقة العالم كله بحاجة إلى خريطة إنقاذ من الأوضاع البائسة والتشنج الهائل.
هذه الخريطة موجودة وهي تتمثل بمنهج رسول الله صلى الله عليه وآله، ومنهج الإمام علي (عليه السلام)، ومدرسة أئمة أهل البيت الأطهار، فلا وجود للقمع والاستبداد في منهجهم ولا في حكومتي الرسول (ص) والإمام علي (ع)، بل ليس هناك سجينا سياسيا واحدا في هاتين الحكومتين رغم اتساع الدولة بشكل شاسع.
عالمنا يفتك به الجوع
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (ابحثوا في التاريخ، فلا تجدون حتى سجين سياسي واحد في حكومتيهما صلوات الله عليهما وآلهما، ولا يوجد في هاتين الحكومتين من مات من الجوع. في حين كم نرى اليوم في العالم من يموتون من الجوع).
إذًا المشكلات التي يعاني منها العراق كثيرة ومتداخلة ومعقدة أيضا، وهذا يجعل العيش في هذا البلد مؤلم ملبّد بالحرمان والضياع، والسبب أن القادة والنخب لم يستلهموا منهج أهل البيت كما يجب، مع أن هذا المنهج يمصل خريطة واضحة المعالم لإنقاذ العراق، بل إنقاذ العالم كله من الأوبئة والأمراض السياسية والاقتصادية والنفسية التي تفتك به.
عالمنا اليوم ليس أفضل حالا من العراق، وطالما أن العراق ينتمي لعالم متشنج ومريض، ومصاب بوباء المادية الاستهلاكية، فإنه مرضه من النتائج الحتمية، ولكم ما يزيد الطين بلّة، أن الذين يديروا هذا البلد يحتاجون إلى الإدارة الصحيحة، وإلى المنهج القويم المستقيم، وهو موجود بين يديهم، ويشكل لهم خريطة إنقاذ واضحة، لكن عليهم فهم هذا المنهج، والتعلّم على كيفية تطبيقه في إدارة شؤون العراقيين.
نحن وغيرنا نلاحظ موجات الجوع التي تفتك بالعالم، كما أننا نتابع حرائق الحروب المتأججة هنا وهناك، كل هذا يحدث بسبب غياب العدالة، وعدم المساواة، وغلواء التحكم بثروات وموارد العالم بأيدي أقلية تهيمن على البشرية كلها، وهذا يتسبب بالجوع والحروب والاضطرابات التي تحدث في مختلف مناطق العالم المتأزمة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول في هذا الشأن:
(إنّ إدارة العالم اليوم، إدارة سخيفة، وإدارة ظالمة، لا على مستوى السياسة فحسب، بل على مستوى العالم. فكم من الناس يموتون يومياً من الجوع، وكم منهم يُقتل يومياً سياسياً، وكم منهم يسجنون سياسياً؟ وأمّا في تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله، لا يوجد حتى فقير واحد بقي على فقره إلى آخر حياته أبداً).
النموذج القيادي الأفضل عبر التاريخ
لقد قدم الرسول (صلى الله عليه وآله) نموذجا قياديا فريدا على مر التاريخ، وكان على قادة العراق والمسلمين، أن ينهلوا من هذه الشخصية القيادية، ومن تجاربها، ومن أسلوبها في التعامل مع الناس، وفي إدارة شؤون الدولة في السياسة والاقتصاد وغيرهما، ومن الأمثلة التي قدمها قائدة المسلمين لكي يكون نموذجا لأمته ولمعاونيه، فقد حرص على تقديم الجانب الأفضل من التعاملات الإنسانية مع الناس.
هذه الشخصية القيادية الإنسانية مفقودة في عالم اليوم، ولم نعثر عليها في العراق أو غيره من البلدان الإسلامية، بل هناك استعراضات إعلامية سطحية يفهمها حتى الناس البسطاء يقوم بها بعض القادة، بشكل غير صادق، وإنما تمثيلي، بينما كانت حياة الإمام علي (عليه السلام) قائمة على التعامل الصادق في كل شيء.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يُظهر لنا الجانب الإيثاري في شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله) فيقول سماحته:
(إنّ رئيس الحكومة رسول الله صلى الله عليه وآله أحياناً كان يجوع ويعطي عشاءه لشخص جائع، أي كان صلى الله عليه وآله يجوع حتى لا يبقى في أمّته جائع واحد. وهكذا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ما بقي أحد جائعاً في تاريخ حكومته).
وهكذا لابد أن نفهم بأن خريطة إنقاذ العراق وحتى العالم، تقوم على اعتماد منهج الرسول (صلى الله عليه وآله) ومنهج أهل البيت (عليهم السلام)، فهو وحده الكفيل بالقضاء على الظلم، وغياب الإنصاف والعدالة، وهو المنهج الذي ينقذ العراقيين والعراق مما تعرّض ويتعرض له من مشكلات عميقة في إدارته وفي الحفاظ على موارده.
كما أن عالم اليوم الذي يُدار بطريقة سيئة، قائمة على المصالح والمنافع والأرباح غير المشروعة، يحتاج أيضا إلى إعادة نظر حاسمة بخصوص هذه الإدارة الفاشلة وكذلك الأمر بالنسبة للبلاد الإسلامية، أما العراقيون لاسيما القادة منهم، فهؤلاء توجد أمامهم فرصة كبيرة من خلال السير في منهج أهل البيت (عليهم السلام)، لإنصاف هذا البلد وشعبه.
كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(العراق اليوم، وغيره من البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، بحاجة إلى تعلّم منهاج أهل البيت صلوات الله عليهم وتطبيقه. والعراق لا ينجو إلاّ بمنهاج عليّ والحسين وأهل البيت صلوات الله عليهم، وهذه مسؤولية للجميع وعلى الجميع، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته).
وأخيرا فإن خريطة إنقاذ العراق موجودة، ومعروفة، وممكنة التطبيق، لكن ما يحتاجه العراقيون إدارة حكومية صادقة وحكيمة ومؤمنة وتسير في خطواتها وقراراتها على هدي السيرة القيادية النبوية والعلوية، ومن هاتين التجربتين، ومن منهج أئمة اهل البيت، يمكن تطبيق خريطة واضحة المعالم تنتشل العراق مما يحيط به وحوله من أزمات ومشكلات.
اضف تعليق