q
مستوى ثقة المملكة بالإدارة الأمريكية في تراجع، إذ ترى الرياض أنها من أكبر حلفاء واشنطن في المنطقة، وأن المحافظة على أمن المنطقة هو في الأساس محافظة على الأمن والسلم الدوليين، وأن السعودية أسهمت في التمكين السياسي والعسكري والاقتصادي لأمريكا، وترى أن هذه الجهود يجب أن تأخذها إدارة الرئيس الأمريكي...

أثار قرار مجموعة “أوبك بلس” خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً حالة من التصعيد السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية، التي سعت لزيادة الإنتاج، ودول “أوبك”، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية؛ حيث رأت الإدارة الأمريكية أن القرار يأتي منسجماً مع الموقف الروسي، ويهدد العلاقات السعودية الأمريكية، وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن: “إن الوقت قد حان للولايات المتحدة لإعادة التفكير في علاقتها مع السعودية”، في حين صرحت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، بإمكانية صدور قرار بشأن العلاقة بين واشنطن والرياض، وهو ما أسماه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان “عاصفة سياسية مستغربة”.

ربما لم يكن قرار “أوبك بلس” السبب الوحيد لتراجع العلاقة بين الرياض وواشنطن، بقدر ما أسهم في توضيح طبيعة الأزمة بين البلدين، التي تأثرت من جراء تداعي عدد من الملفات خصوصاً بعد صعود الديمقراطيين.

يبحث تقدير الموقف في سيرورة العلاقات السعودية الأمريكية وتداعياتها الحالية، ومحددات مستقبل العلاقة بين البلدين، وسيناريوهاتها القادمة.

سيرورة العلاقات السعودية الأمريكية

منذ تفكك الاتحاد السوفييتي أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القطب الأوحد في العالم، وأصبح العالم خاضعاً للهيمنة الأمريكية، ولا سيما منطقة الشرق الأوسط؛ بوصفها حلقة الوصل بين دول العالم، وأكبر منتج للنفط، وهذا ما جعل منها ساحة للصراع الدولي، ومركزاً لتحديد المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى، وأصبحت فكرة تأمين المنطقة من الأفكار التي تبناها النظام الدولي، وحشد جميع الإمكانات لها، تحت مظلة تأمين النفط بوصفه سلعة استراتيجية للأمن والسلم العالميين، ووفقاً لمبدأ جيمي كارتر (الرئيس الأمريكي 1977- 1981) الذي يجيز للولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها في المنطقة.

في هذا الإطار، يرتبط الحضور الأمريكي في المنطقة بمركزية دور المملكة العربية السعودية، نتيجة موقعها الجيوستراتيجي، ومكانتها السياسية والثقافية، وقدراتها الاقتصادية والنفطية.

وقد مرت العلاقة السعودية الأمريكية بعدة مراحل من التعاون المشترك، كان للمملكة من خلالها دور مركزي في الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، والمساهمة المباشرة في دعم الاقتصاد الأمريكي. وقد تأثرت العلاقة بين البلدين بعدة عوامل في مراحل مختلفة، خاصة بعد قطع إمدادات النفط عام 1973، وأحداث سبتمبر/أيلول 2001، لكن الحكومتين عملتا بهدوء على الحد من الأضرار التي لحقت بتعاونهما.

في الوقت الحالي ربما ازدادت حدة التصعيد نتيجة تداخل عدد من الملفات، خصوصاً بعد فوز الديمقراطيين، حيث تصادمت توجهاتهم في المنطقة مع الرؤية السعودية، وخاصة بعد تخفيض الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة، الذي نظرت إليه السعودية على أنه تخلٍّ عن التعهدات الأمريكية تجاه أمن حلفائها، إضافة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، والتراجع الأمريكي عن موقفها المؤيد للسعودية في اليمن، والتلويح بفتح المساءلة تجاه عدد من الملفات الخاصة بالمملكة.

هذه القرارات كانت تعبيراً عن توجه الإدارة الأمريكية الحالية نحو عزل حكومة المملكة العربية السعودية، لكن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ورغبة الإدارة الأمريكية في رفع الإنتاج النفطي لتفادي الأزمة الحاصلة، جعلت الرئيس بايدن يراجع موقفه تجاه المملكة، وقد كان من المفترض أن تعيد زيارته للسعودية، في مايو/أيار الماضي، ترتيب ملف العلاقات، لكن قرار خفض الإنتاج النفطي أعاد إرباك المشهد، خاصة أنه جاء في ظل الاستعداد الأمريكي لخوض الانتخابات النصفية، وهذا الأمر أظهر فشلاً كبيراً لبايدن في إدارة ملف الطاقة، ورأت فيه بعض الأوساط السياسية الأمريكية إذلالاً دبلوماسياً لواشنطن.

يبدو أن مستوى ثقة المملكة بالإدارة الأمريكية في تراجع، إذ ترى الرياض أنها من أكبر حلفاء واشنطن في المنطقة، وأن المحافظة على أمن المنطقة هو في الأساس محافظة على الأمن والسلم الدوليين، وأن السعودية أسهمت في التمكين السياسي والعسكري والاقتصادي لأمريكا، وترى أن هذه الجهود يجب أن تأخذها إدارة الرئيس الأمريكي بايدن في الحسبان، في حين يبدو أن إدارة بايدن مركزة على أولوية مواجهة الخطر الروسي والصيني، وتحاول التخفف تدريجياً من ملف المنطقة.

المحددات الحاكمة لمستقبل العلاقات السعودية الأمريكية

العلاقات السعودية الأمريكية استراتيجية وذات أهمية كبيرة على المستويات كافة، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية الشريك الأول للمملكة العربية السعودية في المنطقة، وهناك حرص من الجانبين على استمرار العلاقة، لكن طبيعة مستقبلها تحكمه عدة محددات، من أهمها:

المحدد الأول: ملف الطاقة

تعد الطاقة من المحددات الرئيسية للعلاقات السعودية الأمريكية، حيث ارتبطت العلاقة بين البلدين في بدايتها باكتشاف النفط وإنتاجه، ومنحِ حق التنقيب للشركات الأمريكية، وتوقيعِ اتفاقية التعاون بين البلدين في العام 1933، وقد ارتبطت هذه الاتفاقية بقاعدة “السلام مقابل النفط”.

مؤخراً، عانت سوق الطاقة من تقلبات كثيرة، نتيجة تداعيات جائحة كورونا، ثم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وقد سعت الإدارة الأمريكية لزيادة الإنتاج رغبة منها في خفض السعر لمواجهة التحديات من جهة، وضرب السوق الروسية من جهة أخرى، في حين ترى دول أوبك أهمية المحافظة على استقرار سوق النفط، وأن المعطيات الاقتصادية هي التي تحكم قرارات المجموعة لا الاعتبارات السياسية. كذلك أعلنت المملكة العربية السعودية أن قرار الخفض بني على إجماع الدول الثلاث والعشرين الأعضاء في مجموعة أوبك، وأنه بني على حيثيات اقتصادية سليمة واستقلالية عالية، حسب تصريحات الخارجية السعودية وبيان مجلس التعاون الخليجي.

في المقابل اعترضت الإدارة الأمريكية على قرار الخفض، ورأته خطراً على الاقتصاد الأمريكي والأوروبي، الذي يعاني من انخفاض المخزون الاستراتيجي، وزيادة نسبة التضخم، كما رأت فيه واشنطن تمرداً سعودياً وتقويضاً لجهودها في رفع الإنتاج والسعي نحو عزل روسيا وحصارها سياسياً واقتصادياً، ولهذا أعلن البيت الأبيض أنه سيتشاور مع الكونجرس بشأن تبني إجراءات لكبح ما سماها سيطرة أوبك على أسعار الطاقة، في إشارة إلى إعادة إحياء مشروع قانون “نوبك” الذي يمنح المحاكم الأمريكية صلاحية النظر في الدعاوى المرفوعة ضد دول الأوبك بتهمة الاحتكار والتحكم في الأسعار، وهذا القرار قُدم للكونجرس قبل نحو عقدين، ومنذ ذلك الوقت لا يزال الجدل دائراً حوله، وحتى يتحول المشروع إلى قانون لا بد من موافقة مجلسي النواب والشيوخ ومصادقة الرئيس الأمريكي، وفي حال إقراره قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في العلاقات السعودية الأمريكية.

المحدد الثاني: الرؤية الأمريكية لأمن المنطقة

تقليص الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة خلال السنوات الماضية أحدث حالة من الفراغ السياسي والأمني، وأضعف ثقة الرياض بواشنطن، وأدى لتراجع العلاقة، ولطالما كانت الرؤية الأمريكية لأمن المنطقة محدداً مهماً لطبيعة العلاقة بين البلدين، لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية تقايض بأمن المنطقة مقابل تخلي السعودية عن التعاون مع روسيا والصين، كما أن هناك رغبة أمريكية في أن تعهد بأمن المنطقة للكيان الإسرائيلي، وهو ما أسماه بايدن “عهد تعاون جديد في المنطقة يضم أعضاء جدداً، من بينهم إسرائيل”، ويظهر أن ملف التعاون العلني مع الكيان الإسرائيلي يواجه تحفظاً سعودياً مؤقتاً.

بناء عليه، من المفترض أن تكون الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لأمن المنطقة أحد المحددات المهمة التي ستحكم مستقبل العلاقة السعودية الأمريكية، وهذه الاستراتيجية مالم تكن متقاربة مع الرؤية الأمنية السعودية، فإنها قد تؤسس لأزمات قادمة.

المحدد الثالث: نتائج المفاوضات النووية

تنظر السعودية إلى المفاوضات النووية مع طهران على أنها خطوة ينبغي أن تعزز الأمن والاستقرار في المنطقة، وترى ضرورة استيعاب مخاوف الدول المجاورة لإيران، وضم السعودية في المفاوضات. لكن الموقف الإيراني رافض لوجود السعودية، وتماهى مع رفضه موقف الإدارة الأمريكية، ولهذا تتخوف الرياض من نتائج هذه المفاوضات التي قد تتجاوز تخوفات دول المنطقة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والبرنامج الصاروخي والتوسع الإيراني، وفي حال لم تأت المفاوضات بصيغة جديدة تنظم هذه التحديات فإن نتائج المفاوضات قد تعزز التوسع الإيراني في المنطقة، ومن ثم فإن التهديد الإيراني والهجمات الحوثية على السعودية من المتوقع أن تبقى قائمة، ولهذا فإن السعودية قد ترى في ذلك تراجعاً عن تعهدات الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بأمن المنطقة.

المحدد الرابع: الموقف السعودي من روسيا والصين والحرب في أوكرانيا

تعد روسيا والصين إحدى القوى السياسية والصناعية التي حاولت السعودية تعزيز علاقتها بها في الفترات الماضية، وعلى الرغم من تأكيد الإدارة الأمريكية الحالية أولوية مواجهة روسيا والصين، فإنَّ السعودية تعمل على موازنة العلاقة بمختلف القوى الدولية، وتفضل عدم الانحياز لأطراف الصراع في الحرب الروسية الأوكرانية، وتتجنب اتخاذ أي موقف قد يؤثر سلباً على علاقتها بأطراف الصراع، وتفضل هذه الحالة من التوازن ومحاولة أداء دور الوسيط لدى الطرفين. لكن يبدو أن السعودية تواجه ضغوطاً للالتزام بالعقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على روسيا وعدم التعامل مع المصارف الروسية، والذي يظهر أن واشنطن غير راضية من الموقف السعودي تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وكانت تنتظر من الرياض موقفاً سياسياً أكثر صرامة يصب في مصلحة واشنطن وحلفائها. لكن السعودية على ما يبدو تنظر إلى الأحداث الأخيرة على أنها فرصة لإعادة موازنة علاقتها بالأطراف كافة، والاستفادة من فرص الصراع في الحضور الإقليمي والدولي أكثر.

المحدد الخامس: الموقف الأمريكي من الصراع في اليمن

الموقف الأمريكي تجاه ملف الصراع في اليمن اختلف في ظل إدارة الرئيس جو بايدن عن سلفه دونالد ترامب، حيث رفع بايدن اسم الحوثيين من قائمة الإرهاب، وضيق على صفقات السلاح التي كانت ترغب السعودية في شرائها، وعين مبعوثاً أمريكياً خاصاً في اليمن، وقد تحول الملف اليمني خلال ولاية بايدن إلى إحدى أدوات الاستقطاب والابتزاز الأمريكي الداخلي والخارجي.

قبل بايدن كانت الولايات المتحدة داعماً سياسياً ولوجستياً للسعودية في اليمن، وأسهمت في حشد الموقف الدولي المؤيد للموقف السعودي، لكن موقف الإدارة الأمريكية الجديدة أدى إلى تراجع العلاقة بين الرياض وواشنطن، حيث يعد الملف اليمني محدداً رئيساً للعلاقة بين البلدين.

تضغط الولايات المتحدة حالياً نحو تمديد الهدنة في اليمن، لتعد منجزاً إضافياً لبايدن قبيل الانتخابات الأمريكية النصفية، إضافة إلى الحديث عن تسوية سياسية يتم التفاوض حولها في سلطنة عمان، بحضور فاعل من الجانب الأمريكي. وأي موقف أمريكي أو تسوية قادمة لا تراعي المخاوف السعودية قد تؤدي إلى تراجع العلاقة بين البلدين أكثر.

المحدد السادس: نتائج الانتخابات الأمريكية النصفية

تستعد أمريكا لخوض الانتخابات النصفية في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وتعد الانتخابات النصفية بمنزلة استفتاء على السنتين الأوليين لحكم الرئيس، يتم من خلالها التنافس على مقاعد مجلس النواب (435 مقعداً)، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (35).

ولعل التحدي الأبرز أمام الديمقراطيين في هذه الانتخابات ارتفاع أسعار الوقود وغلاء المعيشة، وهذا المحدد الأبرز لقرار الناخب الأمريكي، إضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بزيادة معدلات الجريمة ومشاكل الحدود الأمريكية مع المكسيك، وهذا تهديد حقيقي أمام الديمقراطيين الذين لا يحظون إلا بأغلبية ضئيلة في البرلمان، قد يضعف نتيجتهم في الانتخابات لمصلحة الجمهوريين.

وفي حال فوز الجمهوريين فإنه من المتوقع أن تشهد العلاقات تحسناً، وهذا لا يعني أن العلاقة السعودية بالجمهوريين جيدة في كل مراحلها، بل تتحكم فيها المصالح المشتركة غالباً؛ نتيجة حضور أنصار الحزب في شركات التسليح والنفط، والتي تتطلب علاقة متوازنة بالسعودية، في حين يركز الديمقراطيون على الحرية الاجتماعية والبعد الليبرالي واقتصاد السوق والتفاهم مع إيران، وهناك تباين بين حكومة المملكة العربية السعودية والديمقراطيين في جذور هذه المفاهيم، ما يعني أنه في حال فوز الديمقراطيين فذلك قد يمكنهم من فرض أجندتهم الخارجية إلى حد ما، وستكون المملكة أمام تحدي إعادة تطوير العلاقة مع الديمقراطيين.

السيناريوهات

تعد الأزمة الحالية بين الرياض وواشنطن من أسوأ الأزمات التي واجهت العلاقات السعودية الأمريكية خلال العقود الثمانية الماضية، ومن المتوقع أن يأخذ مستقبل العلاقة بين البلدين في المدى القريب أحد هذه السيناريوهات:

السيناريو الأول: استمرار حالة التراجع

يفترض هذا السيناريو صدور قرارات أمريكية جديدة تستهدف المملكة العربية السعودية، خصوصاً بعد المطالبات الأخيرة بإقرار قانون “نوبك”، أو منع تصدير الأسلحة أو سحب قوات عسكرية أمريكية أخرى من المنطقة، وهذه القرارات في حال التعاطي الأمريكي معها قد تسهم في زيادة تراجع العلاقات السعودية الأمريكية، خصوصاً إذا تلتها ردود فعل سعودية تتعلق بالنفط وزيادة الانفتاح السياسي والعسكري على روسيا والصين.

ولعل من أبرز ما يدعم هذا السيناريو:

– ردود الفعل الأمريكية غير المسبوقة، والضغط الذي تواجهه الإدارة الأمريكية نحو فرض عقوبات على السعودية.

– إمكانية تفعيل واشنطن علاقتها مع الدول النفطية غير المنضمة لأوبك، مثل فنزويلا وليبيا، وتحفيزهم على ضخ كميات للسوق لإرباك قرارات أوبك.

– حرص الإدارة الأمريكية الحالية على اتخاذ موقف يحفظ ماء الوجه لدى الناخب الأمريكي.

ويضعف هذا السيناريو:

– العلاقة التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، ومرورها بتحولات مختلفة لم تؤثر كثيراً في سير العلاقة.

– الخشية الأمريكية من التوجه السعودي نحو روسيا والصين أكثر.

وفي حال تحقق هذا السيناريو يمكن أن تكون له انعكاسات مهمة منها:

– زيادة الضغط الدولي على واشنطن في ظل صراعها مع القوى الناشئة؛ روسيا والصين.

– تراجع فرص تطبيع دول المنطقة مع الكيان الإسرائيلي، باعتبار ذلك يمثل رغبة أمريكية.

– توغل المشروع الإيراني أكثر في منطقة الخليج، وزيادة الضغط على السعودية في الملف اليمني.

– إمكانية فرض عقوبات، ومنع بيع أسلحة، وفتح ملفات سياسية وحقوقية ضد حكومة المملكة العربية السعودية، والتضييق على الشركات السعودية في أمريكا.

السيناريو الثاني: عودة تنامي العلاقة

يفترض هذا السيناريو تراجع حالة التصعيد بين الرياض وواشنطن، والتوصل إلى تفاهمات مشتركة تؤدي لإعادة ترتيب ملفات الخلاف وزيادة التعاون.

ويدعم هذا السيناريو:

– حاجة الدولتين كل منهما إلى الأخرى؛ فالسعودية شريك إقليمي يصعب استغناء أمريكا عنه، كما أن أمريكا هي الوحيدة ربما القادرة على توفير الأمن المطلوب للمنطقة، نظراً لخبرتها التاريخية واستيعابها لتحديات المنطقة.

– محاولة الإدارة الأمريكية الضغط للتراجع عن قرار الخفض أو تأجيله على الأقل.

ويضعف هذا السيناريو:

– تنامي الأزمة وتبنيها من قبل قيادات سياسية كبيرة.

– الضغط الانتخابي الذي يتطلب موقفاً من الديمقراطيين يستوعب التحديات القائمة.

وفي حال تحقق هذا السيناريو قد تكون له عدة انعكاسات، لعل من أهمها:

– العمل على تقارب الرؤيتين السعودية والأمريكية تجاه الأمن الإقليمي وملف الاتفاق النووي.

– التنسيق المشترك بين السعودية وأمريكا فيما يتعلق بملف الحرب في اليمن.

– الدخول في تفاهمات سعودية جديدة مع الكيان الإسرائيلي.

السيناريو الثالث: المراوحة

يفترض هذا السيناريو أن تبقى العلاقات السعودية الأمريكية في حالة من المراوحة التي لا تؤدي إلى الانغلاق التام، ولا تعود إلى حالة الاستقرار التي كانت عليها قبل صعود بايدن.

ويدعم هذا السيناريو:

– طبيعة تعقيدات الملفات الدولية والإقليمية الحالية التي تتطلب تفاهمات أكثر بين البلدين ووقتاً أطول.

– الانعكاسات السلبية التي قد تترتب على أي قرارات تصعيدية ضد المملكة.

ويضعف هذا السيناريو:

– خروج التصريحات السياسية عن السيطرة، وهذا الأمر قد يؤدي لتصاعد الأزمة.

– رغبة عدة أطراف داخلية من الجانبين في احتواء الموقف، وهذا الأمر ربما يفضي إلى إعادة التفاهمات المشتركة حول ملفات الخلاف واستئناف تطوير العلاقة.

سيناريو المراوحة في حال استمراره قد تشهد معه العلاقات السعودية الأمريكية حالة من التذبذب ربما تؤدي إلى تعقيد بعض الملفات الخارجية المشتركة وتنامي المخاطر.

خاتمة

تكمن خطورة قرار خفض الإنتاج في توقيته المتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها التي أثرت في سوق النفط، وقرب الانتخابات الأمريكية، وتعقيد عدد من الملفات المشتركة بين البلدين، إضافة إلى طبيعة السياسة الأمريكية المتهمة بالانتهازية، التي يشعر معها حلفاؤها في المنطقة أنهم لم يعودوا أولوية لدى الإدارة الأمريكية الحالية، وهذا ما دفع السعودية لإعادة مراجعة علاقتها بأطراف المجتمع الدولي، وربما تسعى المملكة من خلال ذلك إلى تغيير أدوات تعاطيها مع المستجدات الإقليمية والدولية، وتجاوز حالة الاعتمادية على طرف واحد، وذلك من خلال توسيع مجالات التعاون مع القوى الدولية الأخرى، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن السعودية تمتلك أوراقاً رابحة في المعادلة السياسية الحالية، وخصوصاً ورقة النفط، التي تستطيع الضغط من خلالها، كما أن الموازنة في العلاقة بين المحاور الدولية هي الأخرى قد تشكل عنصر قوة إضافياً في المعادلة السياسية الحالية.

قد يعمل الطرفان السعودي والأمريكي على استعادة زمام المبادرة؛ خصوصاً في حال فوز الجمهوريين، أو إعادة تقارب السعودية مع الديمقراطيين، لأنه من الصعوبة ربما زيادة التصعيد، لكن ذلك يتطلب إعادة صياغة التزام أمني جديد للمنطقة، وتفاهمات جديدة بخصوص الملفات الخارجية المشتركة.

https://fikercenter.com

اضف تعليق