q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

عالمية استشهاد الإمام الحسين (ع)

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

إن استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، يجب أن تكون قضية عالمية، لكي تستثمر البشرية هذه الشهادة، ولكي يندحر الظلم، ويُخذَل الاستبداد وصانعوه أينما كانوا، فالحسين ثورة لا ينطفئ نورها، ومبادئ لا يخبو وهجها الإنساني قطّ، وفكر سيبقى مقتحما للفكر الظلامي إلى أبد الآبدين...

(علينا تعميم الفكر الحسيني في كل العالم) الإمام الشيرازي

أمرٌ متَّفقٌ عليه أن يتعاطف الناس، كل الناس بغض النظر عن الهوية والعِرْق وطبيعة الانتماء، مع أي نموذج إنساني متوهّج، فالثائر للحق هو محط فخر واعتزاز من قبل الناس جميعا، ليس لأنه ينتمي لهذا الإنسان، بل لأنه نموذج إيجابي يزرع الأمل في النفوس والقلوب، ويمثل بادرة نور تضيئ مساحات الظلام التي يحاول الأشرار زيادتها وتوسعتها.

منْ منَ البشرية لا يحب غاندي مثلا، لماذا هذا الإجماع على احترام ومحبة هذا الثائر الهندي الخالد؟، أليس لأنه نموذج لثورة الحق على الباطل، وإذا كان غاندي نفسه قد استعان بمبادئ الإمام الحسين (عليه السلام)، وجعل منه نموذجا له كي ينتظر على المستعمرين، فكيف ينظر العالم أجمع إلى استشهاد أبي الأحرار من أجل الحق.

إن قضية استشهاد الحسين (عليه السلام) كانت ولا تزال وستبقى ذاكرة بطولية ثورية تمنح كل الثائرين العزم والإرادة الحرة لمقارعة الطغاة الظالمين، ولهذا نجد أثر هذه القضية النموذجية يمتد يوما بعد آخر إلى آماد بعيدة، وأناس يسكنون أقاصي الأرض، في مشارقها ومغاربها، لكنهم ينظرون إلى الإمام الحسين فنارا لهم، وناصرا لقضاياهم على الرغم من أنهم ليسوا مسلمين، بل من أديان أخرى، لكنهم وجدوا في الحسين (عليه السلام) سندا لهم، وطريقا يسيرون فيه لدحر الظلم والشرّ.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم، الموسوم بـ (موجز عن النهضة الحسينية):

(من المواضيع المهمة جداً، ولعله أهم المواضيع كلها، موضوع استشهاد الإمام الحسين (ع) والشعائر الحسينية، فلقد صرّح في هذا المجال أحد القساوسة الكبار قائلاً: «لو كان لنا نحن المسيحيين الإمام الحسين لاستطعنا أن ننصّر العالم كله تحت رايته». وهذا التعبير إن دل على شيء، فانه يدل على مدى فاعلية قضية الإمام الحسين (ع) والشعائر الحسينية في النفوس، وتأثيرها على الأرواح والقلوب، وقدرتها على استعطاف الناس واستهواء الجماهير).

هكذا ينظر المسيحي وليس المسلم إلى المأثرة العظيمة التي قدّمها الحسين للمسلمين وللبشرية كلها، لذلك من أبسط حقول الإمام علينا أن نعرف مكانته الحقيقية، وعظمته، والظلم الهائل الذي تعرض له وذويه وصحبه الأطهار، من دون أن يدفعه ذلك للتراجع أمام جبروت الفسق والضلال والاستبداد الأموي.

مسيحيون ينتصرون للحسين (ع)

فإذا كان الرجل المسيحي بانتمائه الديني وبإيمانه ينظر بهذه الطريقة إلى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، فما هو المطلوب منا تجاه القضية الحسينية، وكيف نتصرف إزاء ذلك حتى ننصف هذه القضية وننتصر لها ونعطيها حقها، ونحن من المسلمين ومن أتباع الحسين (عليه السلام)، ما الذي علينا القيام به، وما المطلوب منا، أليس الواجب أن نثبت تمسكنا بالفكر الحسيني أكثر من أي بشر يسكن هذه الأرض؟، وهل يجوز أن يتفوق علينا المسيحي بإعطاء المكانة الحقيقية للفكر الحسيني؟

يقول الإمام الشيرازي:

(علينا أن نعرف عظمة الإمام الحسين (ع) ومظلوميته، وأهمية الشعائر الحسينية، ونؤدي حقها الواجب علينا تجاهها، وان لا نكون بالنسبة إليها أقل مما هو عليه المسيحيون بالنسبة إلى السيد المسيح ع).

بعضهم لا يرى حاجة لإعلان الحزن على الإمام الحسين (عليه السلام) في ذكرى استشهاده، وآخرون لا يرتدون الأسود حزنا على سيد الشهداء، ومنهم يقول لماذا تغرقون في السواد أنتم ومدنكم وبيوتكم في أيام عاشوراء؟، ولكن هل كثير على ثائر مثل الحسين (عليه السلام) أن نُظهر له معالم الحزن في نفوسنا وأجسادنا وأمكنتنا وبيوتنا وأقوالنا ومشاعرنا؟

هذا ليس بكثير بل هو أقلّ القليل، وإذا كان بعضهم يردّد إن الحزن في القلب وليس في ظاهر الإنسان وملبسه، فنقول، إن قضية استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) تستحق أن يعرفها العالم أجمع ويعيشها بتفاصيلها، فما بالك حين نكون ممن ينصره ويؤمن بمبادئه وثورته ونهضته الفكرية المقارعة للشر والظلم والطغيان؟

إن كلّ شيء يذكّر ببطولة الحسين، وكل كلمة، وكل مظهر فعلي أو قولي على شكل شعائر أو سواها، مطلوب منا جميعا أن نقوم به ونشجع عليه، وأننا يجب أن نُسهم بطريقة أو أخرى كل بما يستطيع عليه في أن نوصل هذه القضية إلى أبعد أصقاع الأرض، وأن يعرف العالم كلّه من هو الإمام الحسين، ما هي ثورته، وما هي نتائجها، ولماذا تخلّدت على مرّ التاريخ، ولماذا ينبهر بها المسيحيّ واليهودي ومن كل الأديان والأعراق الأخرى؟

لهذا يقول الإمام الشيرازي:

(علينا أن نهتم بكل ما يرتبط بالإمام الحسين (ع)، ويرتبط بالشعائر الحسينية ارتباطاً ما، من ارتداء الملابس السود، وتغطية الجدران والشوارع والبيوت والمساجد والحسينيات وغيرها بالسواد، ورفع الأعلام السود فيها علامة للحزن والحداد على الإمام الحسين (ع)، إلى اقامة المجالس، ومختلف مواكب العزاء، مما قد تعارف بين الناس من الشعائر الحسينية).

استثمار الإعلام لنشر الفكر الحسيني

من الواضح أن قضية استشهاد الإمام الحسين باتت مناسبة عالمية، وأن الجهود التي نشرت مبادئ عاشوراء لم تذهب سدى، وأننا كمسلمين ومناصرين للإمام الحسين ى(عليه السلام) يجب أن نستثمر التطورات الهائلة في مجال وسائل الإعلام، لكي نوصل هذه القضية إلى كل إنسان على وجه البسيطة لا يعرف هذه القضية وأسبابها ونتائجها، لماذا؟

لأن البشرية كلها اليوم بحاجة إلى الحسين وثورته وهي تغوص في براثن الظلم والفساد والنزاعات والحروب، نعم البشرية تحتاج الحسين (عليه السلام) وليس العكس، لأن الله تعالى يؤكد على الحداد الذي يجب أن يتخذه الجميع على استشهاد سيد الأحرار، كل هذا ليس من أجل الحسين، بل من أجل الإنسانية نفسها أولا.

كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي قائلا:

(علينا أن نسعى في تعميم هذه الشعائر في كل العالم وعبر كل وسائل البث المتطورة، والإعلام الجديد والحديث، كيف لا نسعى لذلك وفي الحديث: ان الله تبارك وتعالى عند حلول شهر المحرم يأمر السماوات والأرض، ومن فيهما، وحتى الحور في الجنان باتخاذ الحداد على الإمام الحسين ع).

إن كل من يقف بالضد من نشر الفكر الحسيني، لا يريد للبشرية التقدم، ولا يريد للحق أن يعلو، ولا يريد للظلام والاستبداد أن يندحر، ليس الأمر متعلق بالشعائر وحدها، ولا بإقامة المجالس والندوات التي تعرّف بالفكر الحسيني، وإنما يجب أن يعرف العالم قضية عاشوراء، ولماذا قدم الحسين روحه قربانا للإسلام والمسلمين وللبشرية، في وقت كان بإمكانه أن يحصل على كل ما يشاء من العطايا والماديات الدنيوية.

إنه سليل الدوحة النبوية وسبط الرسول الأعم (صلى الله عليه وآله)، وهو الامتداد الناصع للنبي وللإمام علي (عليه السلام)، وهو خير من يمثل الإسلام الحقيقي، فقد أنقذ الإسلام بدمه، واستعاده من براثن الانحراف الأموي، مع أنه كان يعرف تمام المعرفة الثمن الهائل الذي عليه أن يقدمه في مقابل موقفه المبدئي الثوري.

لهذا علينا إيصال مبادئ الحسين وفكره إلى العالم كله، عبر الشعائر والندوات والمواكب والمجالس وكل الطرق والسبل التي يمكن من خلالها الانتصار لقضية الحرية الحسينية، وهذا واجب يقع علينا جميعا ومن دون استثناء، ويجب أن تهتم هذه المجالس والشعائر بالشباب بالدرجة الأولى كونهم اللبنة التي تُبنى عليها الأس المتينة للنهضة الحسينية.

يقول الإمام الشيرازي: 

(علينا أن نبذل جهدنا في اقامة الشعائر الحسينية بشكل أحسن، وبصورة أكبر، وبشمولية أوسع، وان نعتني بمجالس العزاء والمنبر الحسيني عناية كبرى، ونرفع من كمّها وكيفها باستمرار ودوام، وذلك بأن نقيم المجالس إقامة حسنة، وان نراعي فيها الكيفية المطلوبة لدى الناس، وخاصة ما يفيد الشباب و الناشئة).

إن استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، يجب أن تكون قضية عالمية، لكي تستثمر البشرية هذه الشهادة، ولكي يندحر الظلم، ويُخذَل الاستبداد وصانعوه أينما كانوا، فالحسين ثورة لا ينطفئ نورها، ومبادئ لا يخبو وهجها الإنساني قطّ، وفكر سيبقى مقتحما للفكر الظلامي إلى أبد الآبدين.

اضف تعليق