q
إذ اعتبر الصدر أنه لا يمكن تشكيل حكومة قوية مع وجود مليشيات منفلتة؛ لذا عليهم التحلي بالشجاعة وإعلان حل جميع الفصائل؛ حتى لا تكون ذريعة لأي فصيل مسلح لحمل السلاح خارج سلطة الدولة، اي ان الصدر ربط وجود الفصائل بوجود المحتل وإن عاد المحتل عدنا أجمع...

تعد خطبة صلاة الجمعة التي نظمها التيار الصدري في الجمعة الماضية بمدينة الصدر، عبارة عن استعراض سياسي أكثر مما هو تجمع ديني، ولاسيما بعد استقالة نوابه من البرلمان العراقي وابتعادهم عن سيناريوهات تشكيل الحكومة العراقية القادمة، إذ اراد الصدر ايصال رسالته السياسية من خلال هذا الاستعراض الى خصومه السياسيين وكل القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية، فضلاً عن الرسائل التي اوصلها إلى جمهور تلك الاحزاب، ولاسيما في المناطق المحررة.

خطبة جمعة الصدر كانت برسائل سياسية مباشرة، اعتبرت بمثابة اعطاء الضوء الاخضر لقوى الإطار التنسيقي في المضي بتشكيل الحكومة الجديدة، لكن بالشروط التي اعلنها الصدر في خطبته، وحملت الشروط تصعيداً كبيراً في سقف المطالب للقوى السياسية المنضوية في "الإطار التنسيقي". إذ وجه الصدر كلامه بشكل مباشر إلى القوى السياسية الساعية إلى تشكيل الحكومة بان يلتزموا بإخراج القوات المحتلة "في إشارة إلى القوات الأمريكية" إذا ما ارادوا تشكيل الحكومة الجديدة.

وهنا يريد السيد الصدر ان يضع قوى الإطار التنسيقي امام حقيقة مركبة، مفادها قدرة هذه القوى واستطاعتها ان تخرج القوات الأمريكية امتثالاً لإرادتهم وخطابهم السياسي وبرنامجهم وشعارهم الانتخابي ورغبة جماهيرهم وما بني عليها من رغبات سياسية تمثلت بخطاب شرعية وجود الفصائل المسلحة خارج هيئة الحشد الشعبي، التي استغلت فرضية وجود القوات الأمريكية والاستفادة من المناطق الرمادية التي استغلتها تلك الفصائل بعد تأسيس وتشريع قانون الحشد الشعبي، وانهاء مسألة وجود الفصائل المسلحة خارج الهيئة؛ لأن بعض الفصائل ما زالت تحمل السلاح وتمتهن الامن العراقي وتهاجم البعثات الدبلوماسية تحت ذريعة تواجد القوات الأمريكية في العراق.

إذ اعتبر الصدر أنه لا يمكن تشكيل حكومة قوية مع وجود مليشيات منفلتة؛ لذا عليهم التحلي بالشجاعة وإعلان حل جميع الفصائل؛ حتى لا تكون ذريعة لأي فصيل مسلح لحمل السلاح خارج سلطة الدولة، اي ان الصدر ربط وجود الفصائل بوجود المحتل وإن "عاد المحتل عدنا أجمع"، في إشارة إلى فصيله "سرايا السلام وكل الفصائل الاخرى" سواء المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي أو غيرها من الفصائل خارج تشكيل الحشد.

كذلك اراد الصدر ان يرسل رسالة إلى الجمهور السني واحراج القوى السياسية السنية أمام جماهيرهم من خلال تأكيده على ضرورة تهذيب عناصر الحشد الشعبي وتنظيمه بقوله: "باسمي واسم الحشد الشعبي نشكر أهالي المناطق المحررة (من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي) أن رضوا بنا محررين ولولا تعاونهم لما حررت الأراضي المغتصبة فلا منة للحشد عليهم، ومن هنا وحفاظا على سمعة الحشد يجب إعادة تصفيته وتنظيمه وتنقيته من العناصر غير المنضبطة وإبعاد الحشد عن التدخلات الخارجية وعدم زجه بحروب طائفية وخارجية وإبعاده عن السياسة والتجارة".

وهي إشارة واضحة لتدخل بعض فصائل الحشد في اغلب جزئيات وتفاصيل الحياة العامة في المناطق المحررة، فضلاً عن تدخلها في قطاع السياسة والتجارة وفرض سطوتها على الاهالي والمناطق التي حررها الحشد من قبضة تنظيم داعش الإرهابي. وهذا ما انعكس إيجاباً ووجد له اذانٍ صاغية في البيئة السنية على المستوى الاجتماعي والسياسي، فقد بادر اهالي الموصل إلى الترحيب بمبادرة الصدر وعدها خطبة مهمة في اعادة ضبط الاوضاع في المناطق المحررة، كذلك كانت للخطبة صدى واسع على المستوى السياسي تمثلت في تغريدة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي عد الخطبة بمثابة (خارطة طريق وطنية كانت اساساً لبناء تحالف قوي يتبنى هده الطروحات وغيرها من اساسيات المجتمع وضروراته "في اشارة إلى تحالف انقاذ وطن"، وأن العملية السياسية بحاجة إلى عقد جديد تتبنى فيه القوى الوطنية معالجة الاخطاء والخطايا بعيداً عن اوهام وعقد المؤامرة الكونية، التي يعيشها البعض). وهنا يشير السيد الحلبوسي إلى اتهامات بعض القوى السياسية التي اتهمته وتحالف الصدر بانه مدعوم اماراتياً وأمريكياً وغيرها من الاتهامات وهو تحالف تآمري على شيعة العراق.

وهو ذات الموقف الذي عكسه خميس الخنجر "رئيس تحالف السيادة" في تغريدته التي عبر فيها عن شكره للسيد الصدر ورسالته الوطنية الصادقة إلى شعب العراق عموماً والمحافظات المحررة بشكل خاص، اذ عد خطبة الصدر بمثابة الفرصة التي يجب ان تستثمرها القوى السياسية نحو خريطة طريق لتشكيل حكومة قوية تحارب الفساد والإرهاب، وتعيد للوطن هيبته. فضلاً عن دعوة الشيخ احمد ابو ريشة التي دعا فيها نواب المناطق المحررة إلى تمثيل نواب الكتلة الصدرية المستقيلين من مجلس النواب؛ وذلك وفاءاً وعرفاناً للسيد الصدر "على حد تعبيره".

هذه الرسائل الإيجابية التي عكستها الردود السياسية الرسمية والاجتماعية في البيئة السنية، عبارة عن دلالات سياسية اراد السيد الصدر ايصالها إلى الجمهور السني والمحافظات المحررة، وتوضيح ما بني عليه تحالفه السابق "تحالف انقاذ وطن". واحراج القوى السياسية امام جمهورهم بعد انسحاب نوابه من البرلمان العراقي وتشكيل الحكومة العراقية المقبلة.

بموازاة ذلك كانت رسالة الصدر واضحة في خطبة الجمعة التي وجه فيها الانتقاد إلى الفساد والمفسدين وارتباطهم الخارجي، ذلك الارتباط الذي ارادت أن تعكسه بعض القوى السياسية في عملية تشكيل الحكومة، وهي إشارة وضحة إلى قوى الإطار التنسيقي، التي اصرت على تشكيل حكومة توافقية يتقاسمها الجميع بقوله: "أغلبهم غير مقتنع بأن حب الوطن من الإيمان لذا فإن توجهاتهم خارجية وأطالب بتجذير حب الوطن والتعامل مع الدول الأخرى بالمثل"، داعياً إياهم إلى "ترك التبعية المقيتة"، وتحذيرهم من اعادة المجرب الذي اكدت عليه المرجعية الدينية من قبل.

بالمجمل، ارسل السيد الصدر دلالاته السياسية وشروط تشكيل الحكومة بعد انسحابه منها واستقالة نواب كتلته من مجلس النواب العراقي من خلال صلاة الجمعة، وهذا ما يعكس نية الصدر بمواجهة هذه الحكومة في حال ولادتها خارج ما يطالب به، وفي حال قد فكر "الإطار التنسيقي" مرة أخرى بطرح سيناريو آخر غير مسألة تشكيل حكومة دائمة لأربع سنوات، من بينها حكومة انتقالية قصيرة ثم الذهاب لانتخابات مبكرة. فضلاً عن ذلك فقد اراد الصدر ان يوضح حقيقة مشروعه السياسي الذي طالب به بحكومة أغلبية وطنية وتحالفه مع السنة والكرد، من خلال تسليط الضوء على ابرز شروطه لتشكيل الحكومة العراقية القادمة.

فضلاً عن ذلك، فان فرضيات تشكيل الحكومة القادمة وفق ما اراده السيد الصدر، مسألة صعبة ومعقدة جداً، حتى وان تجاوزت القوى السياسية تسمية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بشخصيات مقبولة سياسياً واجتماعياً، فان الصدر ربما يصر على تحقيق كل شروطه، أما اذا سارت الأمور عكس ذلك، فان سيناريو التظاهر والخروج على الحكومة الجديدة واجتياح المنطقة الخضراء مطروح بقوة، ولعل انصاره ينتظرون ساعة الصفر من اجل كسر ارادة القوى السياسية الاخرى التي كسرت ارادة زعيمهم ومصادرة استحقاقهم الانتخابي، وبالتأكيد الدخول هذه المرة إلى المنطقة الخضراء سيختلف عن المرة السابقة.

لهذا فالوضع السياسي في العراق يزداد تعقيداً يوم بعد يوم، والحديث عن انفراج سياسي مسألة معقدة جداً ايضاً؛ لان طرفي الأزمة ما زالوا متمسكين بمواقفهم السياسية، وان اي تراجع عن مواقفهم السياسية، يعدونه بمثابة الفشل السياسي وقد تترتب عليه تداعيات سياسية وقانونية واجتماعية في المستقبل القريب.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2022
www.fcdrs.com

اضف تعليق