q

كيف نبني دولةً قويةً مستقرةً؟؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

بناء الدولة مسؤولية جماعية، يشترك فيها الجميع، المواطنون من خلال أداء واجباتهم وممارسة حقوقهم، والدولة عن طريق أدائها للواجبات الحقوقية والسياسية والخدمية ازاء الشعب، ولا شك أن جميع أمم وشعوب العالم تطمح الى بناء الدولة القوية المستقرة، وهي تسعى نحو ذلك الهدف، بكل ما تمتلك من طاقات كامنة وظاهرة، وكل ما لديها من موارد وافكار وقدرة على التخطيط والاستثمار وما شابه.

في العراق ونحن نتحدث هنا على التاريخ السياسي القريب، هناك تجارب سياسية قريبة فشلت جميعها تقريبا، في بناء الدولة القوية المستقرة، فمنذ ما يقارب أكثر من عقد من السنوات والعراقيون يحاولون ترميم الوضع السياسي، من خلال العمل المتواصل لتشييد بنية سياسية جديدة، قائمة على التحرر، ورفض الفردية، وحفظ حقوق الجميع من دون استثناء، وطالما أن العلاقة بين الشعب والحكومة غالبا ما يشوبها الإلتباس وغمط الحقوق، لاسيما في الدول والمجتمعات المتأخرة عن الركب العالمي بسبب غياب الوعي او ضعفه، فلابد أن تتضح الامور ويخطط لها مسبقا، لبناء البنية السياسية والاقتصادية المرتقبة.

ولكن هذا لم يحدث في العراق حتى بعد الخلاص من الدكتاتورية وبداية عهد جديد مع الديمقراطية بعد نيسان 2003، إذ كان الجميع في العراق ولا يزالون يطمحون نحو الاستقرار، وتعويض الشعب عما لحق به من ظلم وحرمان وضياع متكرر لفرص التقدم والتطور ومواكبة العصر، ولكن كما تدل الاحداث لا يمكن أن يتحقق ما لم تتوفر للعراقيين إرادة سياسية منظمة وقوية وترى المشهد بوضوح لا يشوبه الغموض او اللبس.

ولابد من المحافظة على حقوق الشعب و واجباته، بمعنى يجب أن يعرف الجميع ما لهم، وما عليهم، كون الشعب العراقي يتكون من أعراق واثنيات وأقليات متعددة، فالكل له الحق بالحياة الكريمة في ظل عراق غني ومستقر وفاعل في آن واحد، هذا التنوع السكاني اذا لم يُستثمر بالطريقة الصحيحة، سيتحول الى عائق لتشييد بنية سياسية صحيحة، لهذا لابد أن يرتفع الوعي لدى الجميع ويعرفون واجباتهم وحقوقهم، حتى تتضح الصورة للجميع.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، بهذا الخصوص في الكتاب الموسوم بـ (إضاءات مرجعية): (إن الحكومة يجب أن تتوفر فيها عدة مقومات حتى تكون مرضية) للجماهير وقادرة على تنفيذ طموحاتها، وبالتالي تكون حكومة قادرة على اداء الوظائف المتوخاة منها، لاسيما في مجال الاعمار والبناء وتكريس العمل المؤسساتي، وحفظ حقوق المواطنين وحماية حرياتهم وما شابه من واجبات، ينبغي أن تضطلع بها الحكومة من دون تردد او تأخير.

الانتخابات والتعديل الدستوري

في تجارب للدول المتطورة او تلك التي لا تزال قيد التطور والبناء السليم، هناك تعديلات حدثت على الوثيقة التي تنظم علاقة السلطة بالشعب، فلا ضير من ذلك عند بروز مخالفات او ظهور عقبات في طريق بناء الدولة المستقرة، وهو ما يراه بعض السياسيين والمعنيين في العراق، ولكن هناك من يتخوّف من هذا الفعل السياسي، وهناك من يتخوف من أي تعديل خاصة من الفدرالية، اذا لم يكن هذا التعديل في وقته او ظروفه، كما يقول بعض المعترضين.

فليس الجميع متفقون على تغيير الدستور، بل هناك من يقف بالضد من ذلك، وفي جميع الاحوال يبقى الامر بحاجة الى حكومة جيدة متماسكة، قادرة على فرض القانون بما يحقق العدل بين افراد ومكونات الشعب كافة، ولكن متى تصبح الحكومة قوية وقادرة على المسك بزمام الامور دائما؟؟؟.

إنها يمكن أن تكون كذلك، اذا توفر لها شرط الشرعية الذي يعد عنصرا أساسيا في دعم مواقف الحكومة وتوجهاتها في عموم المجالات، ولن يتحقق هذا الشرط إلا من خلال الانتخابات التي لا تشوبها المخالفات، لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي حول شرعية الحكومة: ينبغي (أن يختارها الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة وبعيدة عن الضغوط الأجنبية أو الدول الإقليمية أم غيرها).

ان ما يشهده العراق اليوم من مطالبة الجماهير بالحقوق والحريات والخدمات، امر مشروع تماما، واذا كانت الحكومة بحاجة الى بعض الإجراءات الدستورية السليمة، من اجل تحقيق هذه المطالب، فيمكن ذلك من خلال الإصلاحات السليمة التي تصب في بناء الدول المستقرة، ونخلص من هذا الى الرأي بأن الشرعية هي أساس النجاح الحكومي، ولهذا غالبا ما تفشل الحكومات القائمة على الاكراه والقوة والبطش والتضليل وما الى ذلك من أساليب تنتهجها الحكومات المستبدة، فتسقط بشتى السبل.

وغالبا ما ترافقها أعمال عنف تأتي كرد فعل على العنف الحكومي نفسه، لهذا ينبغي أن يسعى السياسيون بكل إمكانياتهم لصياغة إصلاحات حقيقية، تلبي تطلعات وحاجات الشعب العراقي، على أن ترتكز منطلقات التغيير على مصلحة الشعب وبناء الدولة المستقرة المتقدمة قبل أي شيء آخر، وذلك لضمان التمثيل الصحيح للشعب وضمان النتيجة الحقيقية لأصوات الناخبين، لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه، قائلا في هذا المجال: (يجب ان تكون الاصلاحات حرة ونزيهة)، وهذا شرط ينبغي أن تعتمده الحكومة في حزمة الاجراءات التي تنوي أن تضعها موضع التنفيذ.

نحن من دعاة السلم

من البديهي القول، أن النجاح في بناء الدولة ينبغي أن يعتمد على التعاون بين الجميع (الحكومة والشعب، والطبقة السياسية والجماهير)، على تحقيق النجاح، لذلك لابد أن يتعاون الجميع، وأولهم الحكومة والجهات الاخرى التي تتصدر قيادة مكونات الشعب، لكي يُبنى المستقبل الأمثل للعراق، من خلال بناء الركائز القوية والصحيحة في الوقت الراهن.

لذا نحن جميعا، لاسيما الذين يتصدون لمركز الصدارة، مطالبون بأن نسهم في تأسيس وبناء أساسيات المستقبل الأفضل، ولعل هذه الأفضلية مقرونة بأسبابها، فإن غابت أسباب الجودة السياسية وغيرها، ستضيع فرصة بناء المستقبل المطلوب، يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه نفسه: (إن مستقبل العراق ـ بإذن الله تعإلى ـ سيكون بخير، شرط أن تتحقق أمور، منها عدم هضم حقوق أية مجموعة من الشعب، وإعطاء الأكثرية حقوقها كاملة غير منقوصة، وكذلك إعطاء الأقليات حقوقها).

وهناك جانب مهم يتعلق برفض العنف بصورة تامة، أي من غير المسموح مطلقا، أن يتم اعتماد القوة والبطش وما شابه، كأساليب لتحقيق الاهداف المشروعة للجماهير، علما أن التجارب السياسية حديثة التكوين والبناء، غالبا ما ترافقها معوقات ونواقص شتى، وجلّها تحدث بسبب الرفض الذي تواجهه من أعدائها، فلكل جديد أعداء، منهم من يعلن موقفه ومنهم من يفضل العمل في الخفاء.

وهناك اسباب اخرى تتمثل في احتمال اخفاق الحكومة بتأدية واجباتها تجاه الشعب، وتفشل في بناء الدولة القوية، وفي كل الاحوال قد تلجأ بعض الجهات الى العنف لتحقيق بعض المآرب، أو لتحقيق بعض الحقوق المشروعة أصلا، فيكون العنف منهجها، وهو سلوك ومنهج خاطئ حتما ولا يمكن تبريره في أي حال، لهذا يعلن سماحة المرجع الشيرازي موقف المرجعية، في هذا الصدد قائلا: (نحن من دعاة السلم، وبه يمكن الوصول إلى الحقوق المشروعة، والعنف على الأغلب لا يؤدي إلى نتيجة، وأما استهداف المدنيين العزل وقتلهم فإنه جريمة لا يرضاها عقل ولا شرع).

وأخيرا .. لا يمكن القبول بالعنف كطريق لبناء الدولة، او لتحقيق الأهداف والحقوق المشروعة للجماهير، فهناك ضوابط وأعراف وقيم لابد الالتزام بها، والتعاون المشترك، من اجل إبعاد شبح العنف عن العراقيين، لاسيما أنهم يواجهون اليوم، هجمة شرسة من تنظيم إرهابي يتربص بالإساءة إليهم، متمثلا بعصابات داعش الإجرامية.

اضف تعليق