كيف يمكن للمرأة أن تتسلح بأخلاق عالية تجعلها منتمية للعقل والخير، بدلا من الانتماء للنفس وشرورها؟، هناك قضية مهمة يجب التنبّه لها، لاسيما النساء، وهي تتعلق بالإرادة والعزم والتصميم، فالنفس ليست سهلة في جانب الترويض، كما أن رغباتها مهما حوربت أو حوصرت، تبقى متحفزة للظهور دائما...
(إذا عزمت المرأة عزماً أكيداً على أن تكون ذات خلق حسن، فإنها تُوفّق لذلك).
المرأة لها قصب السبق في الجانب التربوي على الصعيد الاجتماعي، يمكنها أن تصنع لنا أسرة ناجحة متميزة في أخلاقها وسلوكها، ويمكن أن يحدث العكس في حال إهمالها لهذا الهدف لأي سبب كان، ويعترف الجميع بدور المرأة في هذا الإطار، إلا إذا كان لم يكن منصفا، أو متحاملا على المرأة، فهناك من ينظر إلى المرأة نظرة استصغار، ولا يعترف بدورها التربوي الأخلاقي الحاسم للمجتمع، من خلال تأثيرها التربوي الأسري الكبير.
لقد قال فيها الشاعر بيتا ما فتئت تردده الأجيال على مر الزمن، يقول هذا البيت الشعري: (الأم مدرسة إذا أعددْتها.... أعددْت شعبا طيّبَ الأعراق)، وهذا يؤكد بشكل حاسم أن أخلاق الناس منبعها الأم وهي تتصدى بصدق وحرص كبيرين، لدورها في زرع الأخلاق الفاضلة بقلوب ونقوس وعقول وسلوك أفراد العائلة، وأول الثمار التي يقطفها الإنسان من أخلاقه، أنه سيكون محبوبا من الجميع، ولذلك قيل بأن الأخلاق تفتح الأبواب المغلقة لحاملها.
كما أكد سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (المرأة والعائلة) على: (انّ حَسِن الخُلق يكون محبوباً عند الله تعالى وعند الناس كافّة).
ومما عُرف عن الإنسان في الجانب التكويني، أنه يحمل معه دافعين متناقضين، أحدهما يدفع به نحو الخير، والآخر بالضد من ذلك، أي أنه دفع سيّئ يدفع بالإنسان نحو الشر، وهكذا فإن الإنسان في تكوينه عبارة عن وعاء يتصارع في داخله دافعان للخير والشر، ولكلّ من الطرفين أسلحته التي يحارب بها ليطيح بالآخر.
نعم يؤكد علم النفس أن معركة مستمرة تدور داخل الإنسان بين الخير والشر، العقل هو سلاح الخير، والنفس هي سلاح الشر، وهكذا يبقى هذا الصراع مستمرا طالما بقي الإنسان على قيد الحياة، فالنفس تتربص بصاحبها، فيما يستجيب العقل لحامله بحسب الإرادة والإيمان الذي يتحلى به، من هنا يجب التركيز على العقل وتحفيزه دائما للسيطرة على النفس، وقيادتها من قبل العقل وليس العكس، حتى يبقى الإنسان في مأمن من الانجراف أو الانحراف في المسالك الإغرائية الخطيرة التي تحث النفس حاملها على الانزلاق فيها.
صراع الخير والشر داخل الإنسان
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (يوجد في الإنسان دافع الى الخير وهو العقل، ودافع نحو الشرّ وهي النفس الأمّارة بالسوء. فإذا كان المرء حسن الخلق فإنّ دافع الخير عنده يغلب دافع الشر وسيكون نصيبه خير الدنيا والآخرة؛ بخلاف سيّئ الخلق فهو لا دنيا له ولا آخرة).
ولكن كيف يمكن للمرأة أن تتسلح بأخلاق عالية تجعلها منتمية للعقل والخير، بدلا من الانتماء للنفس وشرورها؟، هناك قضية مهمة يجب التنبّه لها، لاسيما النساء، وهي تتعلق بالإرادة والعزم والتصميم، فالنفس ليست سهلة في جانب الترويض، كما أن رغباتها مهما حوربت أو حوصرت، تبقى متحفزة للظهور دائما، فما أن يضعف العقل ويتراخى الإنسان في مراقبة نفسه وغض الطرف عن مآربها، حتى تجد حاملها يغوص في وحل الشر.
المرأة التي تريد أن تحمي نفسها بالأخلاق الرصينة، لابد أن تكون لها الكلمة الفصل في محاصرة النفس داخل حدود العقل، وجعل المراقبة العقلية المتوازنة مستمرة وقائمة على مدار الساعة، ليس بمعنى التقييد والانغلاق والحرمان من التمتع بما يُسمح من ترفيه مشروع، والتمتع بالملذات المشروعة، وإنما كبح جماح النفس عندما تحاول أن تخدع العقل، وتسحبه إلى دائرة الإغراء والانحراف، وحينئذ يسقط الإنسان أخلاقيا.
المرأة يجب أن تتسلح بالعزيمة الكافية والقادرة على كبح النفس وتحجيمها في الحدود المسموح بها، وبما لا يجعل لها أية قدرة على التحكم بالعقل وتوجيهه نحو رغباتها ونزواتها، فالأمر يعود للمرأة في هذا الجانب، وهي صاحبة القرار الحدّي، فأما أن تكون ذات عزيمة حديدية تمنع النفس من التحايل على العقل، أو أنها تستسلم للمغريات والرغبات، وهذا يعني السقوط في حبائل الشر، والتدحرج في مسالك الانحراف الخطير.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(أما كيف يكون الإنسان حسن الخلق، فهذا يرجع إلى كلمة واحدة يمكن لكل واحدة منكنَّ أن تبدأ بالعمل بها من هذه اللحظة الى آخر حياتها. والكلمة هي ما ورد في حديث لمولانا الإمام الرضا سلام الله عليه حيث قال: «إنما هي عزمة» والعزمة (بفتح العين) هي صيغة مبالغة ومعناها: العزم الأكيد).
كيف تتغلب المرأة على مصاعبها؟
حين تصمم المرأة وتقرر بشكل حاسم وبعزيمة قاطعة، على أنها يجب أن تكون ذات خلق حسن، فإنها سرعان ما تجد أنها بلغت ما تريد، وهذا ما يجعل منها صادقة في كلامها، وصابرة على ما يواجهها من خطوب صعبة ومكاره معقّدة، كما أن الإنسان الذي يتحلى بالأخلاق الحقيقية تراه يواجه الناس بقلب منفتح ووجه سمح بشوش، ويتعامل بأناة تامة مع كل من يريد الإساءة له، أي أنه يواجه الإساءة بالإحسان.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إذا عزمت المرأة عزماً أكيداً على أن تكون ذات خلق حسن، فإنها تُوفّق لذلك. وحُسنُ الخلق هو أن يكون الإنسان صادقاً في الكلام، صابراً على المكاره، يلقى الناس دائماً ببشر الوجه وطلاقته، ويحلم عمن يسيئ إليه...).
المرأة غالبا ما تواجه مصاعب كبيرة في المجتمع، لاسيما إذا كانت غير محمية، أو أنها مجبرة لأي سبب كان على خوض معترك الحياة، كأن تكون فاقدة لمن يعيلها، بل على العكس من ذلك مطلوب منها أن تعيل أطفالها لغياب زوجها لأي سبب من الأسباب، وهي كثيرة، ونتيجة لذلك قد تتعرض للانتقاص من شخصها، في هذه الحالة عليها التمسك بالحلم والأناة في التعامل مع المسيئين، وهذا كفيل بفوزها بخير الدارين.
كل امرأة تعزم على أن تكون حاملة خلق حسن، سوف تصل إلى أهدافها أيّا كانت المعيقات والمصاعب، فطالبة العلم سوف تصل هدفها عبر الوسيط المضمون وهو الأخلاق التي تتحلى وتتمسك وتتعامل بها مع الآخرين، كأن يكون زوجها، ففي هذه الحالة سوف تكون محبوبة ومطلوبة لدرجة أن الزوج يتمسك بها ويلبي لها جميعا طلباتها وينسجم معها ويحترمها.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(إذا انتقصكِ شخص ما فعليك أن تحلمي لتحصلي على خير الدنيا وخير الآخرة، وهذا بحاجة إلى العزم وهذه سُنة الحياة. فطالبةُ العلم إذا عزمت على أن تكون حسنة الخلق فستصبح عالمة، والزوجة إذا عزمت على ذلك ستكون محبوبة عند زوجها).
من الأفضل للمرأة أن تحتمي بأخلاق صادقة رصينة لكي تساعدها على رد الإساءة بالإحسان، وعدم الانزلاق في المشاحنات والصرعات التي لا تجدي أيّ نفع، فإن بلغت المرأة القدرة على الإحسان لمن يسء لها، من خلال قوة أخلاقها وحلمها، فإنها ستكون فائزة في مجتمعها وأسرتها وفي أي مكان آخر، فضلا عن أنها كسبت سعادة الدار الأخرى.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(من كانت منكنّ تريد التوفيق وخير الدنيا وخير الآخرة والمحبة عند الله عزّ وجلّ وعند الناس، فلتردّ السيئة بالإحسان والحلم).
هكذا يمكن للمرأة أن تحصّن نفسها وتبني شخصيتها أخلاقيا، وهي في هذه الحالة سوف تضمن النجاح الشخصي والأسري والاجتماعي في وقت واحد، كل هذا يتحقق حين تتمسك المرأة (الأم، الزوجة، الأخت و غيرها) بالأخلاق، وتعزم بإرادة مؤمنة وعزيمة ثابتة الجنان على عدم ضعف أو فقدان أخلاقها، بل زيادة قوتها وأصالتها يوما بعد يوم.
اضف تعليق