q
ما فعلناه في وسائل الإعلام هو قصف القارئ بسلسلة من السلبيات. ابتداء من قتل معنوياته في حب الحياة، ونشر الفواجع والنكبات والأحزان إلى غلق منافذ الأمل بالمستقبل لاستنفاد ما تبقى من طاقته الإيجابية. صحيح إن الكاتب عليه أن يعري الواقع السياسي السلبي، ويحفز القارئ إلى التغيير، لكنه بالمقابل عليه إن يزرع الورد في حدائق الواقع...

شعرت مؤخرا بتأنيب ضمير بأنني ساهمت مع الكثير من زملاء المهنة والعلم بعدم تناول موضوعات الحياة للقارئ من وجهة نفسية واجتماعية، خاصة تلك المتعلقة باكتساب مهارات الطاقة الإيجابية والأمل والسعادة. فقد شغلناه لسنوات بالحروب والقتل والتهجير والفقر. وقدمنا له نماذج بشرية ليس في وجوههم نور الله، ولا قطرة دم من الحياء والوطنية.

بل هي قبيحة أقبح من أوصاف الشعراء في القبح. إنه يعيش يوميا مع وجوه سياسية كالحة لا ضمير لها، وظيفتها تصْدِير الهموم والأحزان والفقر للمواطن، ورفع هرمونات خيبة الأمل واليأس المرير، واستنفاد طاقته الكهرومغناطيسية. فكل تحد يواجهه ينسحب من طاقته ومرونته وإيمانه، مما يزيد من تشاؤمه ويأسه وحزنه وضعف إيمانه. أكبر القتلة قاتل الأمل.

ما فعلناه في وسائل الإعلام هو قصف القارئ بسلسلة من السلبيات. ابتداء من قتل معنوياته في حب الحياة، ونشر الفواجع والنكبات والأحزان إلى غلق منافذ الأمل بالمستقبل لاستنفاد ما تبقى من طاقته الإيجابية. صحيح إن الكاتب عليه أن يعري الواقع السياسي السلبي، ويحفز القارئ إلى التغيير، لكنه بالمقابل عليه إن يزرع الورد في حدائق الواقع، ويبشر بالأمل والحياة، لكي يعينه على فهم الحياة بطريقة صحيحة بمنطق العلم لا بغيبيات الأموات.

سأبدأ بتغيير بوصلة الكتابة في زرع السعادة والأمل والصحة، ثالوث الوجود. مستثمرا ما درسته وتعلمته من الحياة. وما قمت به من تدريب على صناعة مهارة السعادة والأمل لمراكز عربية ودولية، وإجراء تمارين حياتية لمواجهة الواقع وسلبياته. وسأعبد طريق القارئ العراقي بنصائح العلم والتجارب وشلالات الحياة الصعبة. وسأتركه يختار ما يحب من أفكار، لكنني لن أقبل منه أن يغلق باب الأمل من أجل صحته وسعادته.

سأكون صريحا، بأن العراقي بمختلف مستوياته التعليمية وطبقاته الاجتماعية حريص على تعميق الحزن في داخله حتى وهو في نشوة الفرح. كما لديه من التقاليد القاسية والمؤلمة في الحياة ما يجعل منسوب الأمل عنده ينخفض إلى الصفر. حيث تضافرت عوامل تاريخية واجتماعية وسياسية على صنع شخصية العراقي الحزينة والمنقسمة على ذاتها بازدواجية مؤلمة. مثلما هناك كابوس الحاضر المتمثل بساسة العراق وما فعلوه بالعباد والأرض من جرف الجمال والأمل، واستبدالها بمكب نفاياتهم العفنة، لتشكل هذه العوامل جبالا من الأحزان واليأس في الحياة العراقية.

بشكل عام البيئة العراقية اليوم بظروفها الداخلية وتعرية الزمن لها هي بيئة الطاقة السلبية. فالعلاقات العامة متوترة وانتهازية وقائمة على المصالح. والجميع مصابون بالاكتئاب والظلم. والسياسة العراقية تجعل الناس في ظلام حياتي دامس بلا أمل للعيش في الحياة. القليل منهم من يخرج من هذه الدائرة المغلقة.

من هنا تبدأ القصة والمهمة الإنسانية للإعلام، يكون أو لا يكون. أن يبدأ بحملات توعوية لبث الأمل في النفوس، وصنع خرائط سلوكية وحياتية تؤدي بالوصول به إلى طريق الأمل. بالتوازي مع يفعله ويتفنن به لصنع الكوارث والأحزان، وابتكار صناعة التهييج والتنافر المجتمعي، والتشجيع على القتل والاختطاف والاستقطاب. وإبراز الوجوه القبيحة التي تنشر الرعب والخوف واليأس في نفوس الناس الذي يتحول إلى اكتئاب مزمن. فالقبح دائما ينتج المزيد من القبح.

اعرف إن المهمة صعبة ومعقدة. وإن المواطن العراقي سيربط الأمل بالوضع العصيب الذي يمر به العراق منذ سنوات، ويأمل الخروج منه بأقل الخسائر. وأعرف إن ما يجري في الحياة هو التفكير المستمر بالمستقبل بظلامية عراقية مبتكرة، دون أن يكون معها مساحة للأمل. الكل في الظلام معا. لكن البحث مستمر على باب الأمل لرؤية الشمس. الأمل هو إرادة البحث الذي لم نكتشفه بعد في معرفتنا وحواسنا. هناك امل تحت الأنقاض. هناك امل بين حنايا كل الم، ألم وأمل. لا فرق بين الألم والأمل سوى إن اللام تقدمت في الأولى وتأخرت في الثانية.

حالة الواقع

لا أريد تلطيف حالة الواقع. فالشعور بالإحباط والألم منطقي خلال هذا الوقت العصيب من حياة العراقي. لكن بالمقابل الأمل هو طاقة إيجابية لتقوية مناعته ضد الظلم والأحزان. فالأمل هو عملية مليئة بالإثارة ينشأ عندما يحدد طرقا لمقاربة أهدافه جنبا إلى جنب مع الاستعداد للمثابرة على الرغم من العقبات. فالأمل أكبر من أن يتم الحلم به. أعتقد أن الأمل يفتح الأبواب ويجلب الحلول. والأمل يبقي الإنسان يتحرك للأمام حتى عندما تبدو الأمور ميؤوسا منها. الأشخاص اليائسون يتصرفون بطرق ميؤوس منها.

نعم ليس من السهل التغلب على تحديات الحياة وتحقيق أحلامنا. الحياة ليست متكافئة. لم نولد جميعا بنفس الدرجة من الموارد، وتختلف مواهبنا وقدراتنا من شخص لآخر. والنجاح يكون من خلال التعامل مع حقيقة ما هو موجود، وليس ما نفضله أن يكون.

لكن علينا ألا ننظر إلى الأسفل، بل نتطلع إلى الأمام. التركيز على المسار المبهج فقط سيؤدي إلى إنكار الواقع. كما التركيز على المسار المؤلم فقط سيؤدي إلى الاكتئاب. لسنا بحاجة إلى النظر إلى الأسفل. نحن بحاجة للنظر إلى الأمام. هذا هو الأمل.

الأمم الحيّة تتعلق بالأمل أثناء الكوارث الكبرى أكثر من الحياة اليومية العادية. والإعلام هناك ينشر أخبار الكوارث والحروب مع صفحات السعادة والأمل وحب الحياة. معادلة مطلوبة لرفع منسوب المحبة بين البشر، والحفاظ على معنويات الناس أثناء الأزمات. لذلك يحتاج المواطن العراقي من النخب الإعلامية والثقافية إن يخترع له الحياة الجديدة، وَيَعْلَمهُ مهارات التعامل مع أزمات الحزن واليأس. ويفتح له باب الرحمة الواسعة بالحروف الجميلة المتفائلة، وباقات ورود المحبة. فالحب يتفوق على الكراهية. والحياة حركة مستمرة، مهما بدت الأشياء قاتمة وكئيبة. هناك جمال في الحياة، وإلا كيف يكون لدينا مساحة للأمل إذا لم تكن هناك كارثة.

رسالتي واضحة: سأبدأ من الأسبوع القادم بابتكار خريطة طريق للأمل والحب والسعادة للآخرين. وتمرين حياتي من الحياة بمقاسات إنسانية يبتعد عن التنظيرات الفلسفية والفكرية، لكنه عميق بالمعاني العلمية والدراسات الميدانية والتجارب الإنسانية.

ما اكتبه هو اعتذار للقارئ، ليس لأنني لم أقم بواجبي الوطني لتعرية السلطة الفاسدة التي قتلت الأمل والسعادة في نفوس العراقيين، فقد قمت بها منذ سنوات، لكن الخطأ إننا اختزلنا الحياة العراقية باليوميات السياسية القاتمة والحزينة. أجمل وأروع هندسة في العراق أن تبني جسرا من الأمل على نهر من اليأس.

سيكون من السهل جِدا أن نختبئ تحت الأغطية، ونتمنى أن يختفي كل شيء، لكن لا يمكننا تحمل ذلك. لكل منا في داخله القدرة على توليد العطاء والأمل. إن مهمتنا هي إيجاد تلك الأدوات ومعرفة كيفية استخدامها. علينا أن نبتكر مهارة تعلم الأمل والإرادة بالعلم للآخرين. مازلنا نعيش مع الحزن واليأس في الواقع. لكن الأمل ما يزال يعيش.

لا تفقد الأمل، الأمنيات أحيانا تتأخر بالقدوم. إن من العسر يسرا.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق