q
تجمدت أوضاع الملايين بفعل فيروس كورونا، كان من تعمل معهم ألفارو قد تلقوا وعودا بالنجاة من الحرب والعنف والصراع والاضطهاد وغيرها الكثير من الازمات، وبعد الخضوع لعملية مراجعة ربما تستغرق سنوات والفوز بفرصة لبدء حياة جديدة في دول مثل الولايات المتحدة وكندا علم الآلاف فجأة...

عندما غادرت ميشيل ألفارو مكتبها في مقر الأمم المتحدة بجنيف يوم 13 مارس آذار كان عملها في إيجاد موطن جديد للاجئين المعرضين للخطر أكثر من غيرهم في العالم يسير على ما يرام، لكن بعد أربعة أيام فحسب دبت الفوضى في عملها بسبب فيروس كورونا المستجد. فقد أعلنت الحكومات في مختلف أنحاء العالم إغلاق حدودها وفرض العزل العام وإلغاء الرحلات الجوية. واضطرت الأمم المتحدة إلى تعليق العمل بالبرنامج. بحسب رويترز.

قالت ألفارو التي تدير نشاط إعادة التوطين في مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين ”كل شيء انهار في ذلك الأسبوع“، تجمدت أوضاع الملايين بفعل فيروس كورونا. كان من تعمل معهم ألفارو قد تلقوا وعودا بالنجاة من الحرب والعنف والصراع والاضطهاد. وبعد الخضوع لعملية مراجعة ربما تستغرق سنوات والفوز بفرصة لبدء حياة جديدة في دول مثل الولايات المتحدة وكندا علم الآلاف فجأة، من خلال اتصال هاتفي في كثير من الأحيان، أن رحلاتهم الجوية لن تنطلق بعد الآن.

كانت أوبه محمد الصومالية البالغة من العمر 23 عاما واحدة من هؤلاء. كانت قد هربت من زوجها بعد أن حاول إرغامها على الانضمام لحركة الشباب الإسلامية التي قتل أفراد فيها والدها فيما بعد. وكان من المقرر أن تسافر إلى بريطانيا يوم 24 مارس آذار.

قالت في وصف محنتها التي استمرت خمس سنوات كلاجئة ”لم أكن أعرف أين سأذهب. كنت سأرحل وحسب. لم تكن لي سيطرة على الأمور“، وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن حركة إعادة توطين اللاجئين تراجعت في النصف الأول من العام الجاري 69 في المئة عن مستوياتها في 2019 ليصل إجمالي الحالات إلى ما يزيد قليلا على عشرة آلاف. واستؤنف البرنامج في يونيو حزيران لكن بوتيرة أبطأ كثيرا من ذي قبل، وجاءت الجائحة في وقت كانت المواقف قد بدأت تتصلب فيه من المهاجرين.

وبدأت النزعات القومية والخوف من العدوى والمخاوف الاقتصادية وكذلك مقاومة الناخبين للتغيير في تقويض توافق ترسخ بعد الحرب العالمية الثانية يقوم على أن المعرضين للاضطهاد وسوء المعاملة والعنف يستحقون منحهم المأوى، وهذا الشهر طلبت الحكومة البريطانية من القوات المسلحة المساعدة في التعامل مع زيادة في عدد القوارب التي تحمل مهاجرين قادمين من فرنسا. وفي اليونان صدت الحكومة آلاف المهاجرين من تركيا هذا العام وشددت الدوريات لمنع وصول المهاجرين بالقوارب.

وضخ الاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات في دول أفريقية في محاولة لوقف سيل المهاجرين إلى شواطئه الجنوبية، وتستقبل الولايات المتحدة القسم الأكبر من اللاجئين في برنامج إعادة التوطين الذي شكل في السنوات الأخيرة غالبية الأعداد التي تستقبلها أمريكا من اللاجئين، وقد انخفض عدد القادمين إلى الولايات المتحدة بمقتضى البرنامج أكثر من النصف في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي تولى السلطة في 2017 ببرنامج مناهض للهجرة ويسعى الآن لإعادة انتخابه بوعود مماثلة. ورغم أن أمريكا استقبلت ثلث اللاجئين الذين أعادت الأمم المتحدة توطينهم في العام الماضي فإنها ستقلص العدد.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لرويترز إن الولايات المتحدة توقفت عن استقبال اللاجئين من 19 مارس آذار حتى 29 يوليو تموز بسبب قيود السفر. ونتيجة لذلك توضح البيانات أن أمريكا أعادت توطين أقل من 3000 لاجيء بموجب برنامج الأمم المتحدة في النصف الأول من العام 2020 بالمقارنة مع أكثر من 21 ألفا خلال العام الماضي كله، وتقول الأمم المتحدة إنها كانت تواجه صعوبات حتى قبل انتشار كوفيد-19 في جمع التمويل وإيجاد موطن جديد لعدد 1.4 مليون لاجيء تقدر أنهم في أمس الحاجة للمساعدة.

لا سيطرة

تعيش أوبه محمد الصومالية في مخيم للاجئين في سهل رملي خارج نيامي عاصمة النيجر. وأبلغ مسؤولون في مفوضية الأمم المتحدة الصومالية وهي أم لطفلين تعيش فيما يشبه الخيمة في المخيم التابع للأمم المتحدة بالغاء الرحلة قبل أيام فحسب من موعد السفر، وقالت أوبه لرويترز هاتفيا ”كنت في غاية الفرح بالسفر. فأنا أعيش في خيمة وإذا أمكنني العيش في بيت بمكان آمن فسأرضى“.

بدأت رحلتها في 2015 في حافلة إلى مدينة بوصاصو الساحلية بعد أن قال لها والدها أن أسلم شيء يمكنها أن تفعله هو أن تبتعد عن زوجها وتترك طفليها، وعرض عليها رجل مكانا في قارب مسافر إلى اليمن وهو طريق اعتاد أن يسلكه الصوماليون الساعون للجوء هربا من الصراع الدائر منذ عشرات السنين. وبقبول هذا العرض وقعت دون قصد في حبائل شبكة من مهربي المهاجرين ستتعرض فيها للسرقة والاغتصاب بل وبيعها وانتقلت فيها من اليمن إلى السودان ثم إلى ليبيا، قالت إنها بعد أيام من بدء رحلتها اتصلت بوالدها لإبلاغه بمكانها. فردت زوجة أبيها وقالت لها إن المتشددين قتلوه لأنه ساعدها على الهرب.

وفي جنوب ليبيا اغتصبها مهرب أكثر من مرة. وحملت وأجهضت في ربيع 2016. وتخلى عنها المهرب وواصلت رحلتها شمالا، وخلال ذلك العام في بيت للمهاجرين في منتصف الطريق إلى شمال ليبيا ضربها مهرب عندما قالت له إنها لا تملك مالا كافيا للرحلة.

عبرت الصحراء من السودان إلى ليبيا في صندوق شاحنة بيك أب في 2016 وكانت تشرب ماء بطعم الوقود ورأسها يموج بالأفكار عن طفليها وهي تعتقد أنهما مع الأسرة، قالت ”لا أعرف أين هما. وأنا أم وليس بوسعي أن أكون بصحبتهما. كل ما يمكنني هو البكاء“، وتزوجت لاجئا صوماليا آخر في شمال ليبيا في 2017. وهربتهما شبكة المهربين باتجاه أوروبا. وانفصل الاثنان قبل أن تصعد إلى زورق مزدحم تعطل وظلت الأمواج تتقاذفه أياما في البحر المتوسط، وانتشلها حرس السواحل الليبي وسلمها لوكالة الأمم المتحدة للاجئين والتأم شملها وزوجها في مركز لاحتجاز المهاجرين بعد بضعة أيام. ونقلتهما الأمم المتحدة بالطائرة من طرابلس إلى نيامي ثم نقلتهما إلى المخيم في مارس آذار 2019 حيث بدأت عملية التقييم لإعادة التوطين، قالت أوبه إنها لم تتلق أي معلومات عن موعد سفرها إلى بريطانيا. وقالت متحدثة باسم وزارة الداخلية البريطانية لرويترز إن الحكومة علقت عمليات إعادة التوطين إلى أجل غير مسمى بسبب قيود حركة الطيران خلال الجائحة. وتريد بريطانيا التأكد من أن استئناف الحركة لا يشكل خطرا على الصحة العامة، وأضافت ”لسنا في وضع يسمح باستئناف استقبال الوافدين في الأجل القريب“.

استعطاف الدول

تعمل مفوضية الأمم المتحدة التي تعمل بها ألفارو على إعادة توطين اللاجئين منذ الخمسينيات عندما أوجدت أوطانا جديدة لنحو 170 ألفا فروا من الثورة المجرية، وخلال الخمسة والعشرين عاما الأخيرة تقول المفوضية إنها ساعدت مليون لاجيء من مناطق الاضطرابات في العالم بما فيها سوريا والعراق والسودان وميانمار. وتستقبل عشرات الدول اللاجئين بمقتضى هذا البرنامج، وعندما انتشرت جائحة كوفيد-19 أجلت الدول العاملين في السفارات ولم يعد باستطاعة مسؤولي الأمم المتحدة المساعدة في تنظيم عمليات السفر والوصول. وقالت عدة دول للأمم المتحدة إنها ستعلق عمليات استقبال اللاجئين كليا أو جزئيا.

وفي مارس آذار انقضت أيام ألفارو في مؤتمرات هاتفية طويلة وهي تحاول إقناع الحكومات بالإبقاء على حدودها مفتوحة أمام الحالات الاستثنائية وقبول إجراء المقابلات عبر الانترنت للحالات الجديدة التي تتم إحالتها إليها.

وقالت ألفارو إنه تم توطين بضع مئات من أصحاب الحالات الحرجة خلال فترة التعليق وإن بعض الدول قبلت إجراء المقابلات بالفيديو. غير أن دولا أخرى من بينها الولايات المتحدة لا تزال تشترط إجراء المقابلات وجها لوجه.

واستقبلت الولايات المتحدة اللاجئين بوتيرة أبطأ كثيرا من ذي قبل وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إنه لا توجد رحلات طيران أو أن الرحلات قليلة العدد من كثير من الدول التي ترسل اللاجئين، ويعكف العاملون في منظمة أممية أخرى تعمل مع المفوضية هي منظمة الهجرة الدولية على تفقد نظم حجز تذاكر الطيران بحثا عن وسائل لنقل الحالات الاستثنائية حتى خلال فترة التعليق. وتظهر رحلات ثم يتم إلغاؤها.

وقالت رنا جابر رئيسة عمليات إعادة التوطين بالمنظمة والتي عملت مع اللاجئين من العراق من 2015 إلى 2017 إن المنظمة ألغت 11 ألف تذكرة طيران بسبب الجائحة، قالت رنا ”أحسست وكأنني في العراق من جديد. يا إلهي! أعصابي احترقت“.

ضياع أماكن

بسبب بطء وتيرة المقابلات انخفضت عمليات الإحالة على مستوى العالم من 40 ألفا إلى 20 ألفا في النصف الأول من العام وفقا لبيانات الأمم المتحدة. وهذا يعني تراكم عشرات الآلاف من الحالات وثمة مخاوف أن تضيع هذه الأماكن إلى أجل غير مسمى.

والآن يقع اللاجئون فريسة لمرض كوفيد-19. ففي العراق قالت ألفارو إن المفوضية ترعى ”عددا كبيرا“ من اللاجئين ذوي الاحتياجات الطبية العاجلة الذين عجزوا عن السفر بسبب قيود الطيران. وتوفي اثنان على الأقل بكوفيد-19 وهما في انتظار السفر.

وفي أوغندا انتشر المرض في الأحياء الفقيرة في العاصمة كمبالا حيث يعيش كثيرون ممن ينتظرون إعادة توطينهم في أماكن سكن مزدحمة دون مياه شرب نقية أو كهرباء على حد قول العاملين في مجال الإغاثة.

وقد أعادت الأمم المتحدة توطين حوالي 2100 لاجيء منذ استئناف الرحلات الجوية وقالت رنا جابر إن هذا يقل كثيرا عن متوسط الأعوام السابقة. ولا تزال الإلغاءات مستمرة، وقالت ألفارو ”البعض بدأ يعود للعمل لكن لم يعد الكل. ربما لا يحدث ذلك قبل العام المقبل. ولا نعرف عدد الأماكن التي سنفقدها“.

وكانت هناك نماذج مشرقة. فقد قالت المفوضية على تويتر في 14 أغسطس آب إن زوجين من إريتريا وطفلهما الرضيع كانوا أول لاجئين يعاد توطينهم في أوروبا منذ توقف الرحلات في مارس آذار، وبعد ساعات فحسب من الانفجار المدمر الذي شهدته العاصمة اللبنانية بيروت في الرابع من أغسطس آب، عاد موظفو منظمة الهجرة للعمل. ويعيش في المدينة مئات الآلاف من اللاجئين من الحرب الأهلية في سوريا، وقالت رنا جابر إن المنظمة نقلت 30 منهم من لبنان في الليلة ذاتها.

اضف تعليق