q
وفي ما يخص العراق المظلوم، وهو اليوم يمر بمرحلة دقيقة وحساسة، كان قدس سره يدعو لتعبئة كافة الشرائح كامل الطاقات لبناء عراق الغد على أسس القرآن الكريم والعترة الطاهرة سلام الله عليهم كي ينعم الجميع شيعة وغير شيعة، ومسلمون وغير مسلمين بكامل الرفاه والخير والسعادة والعدل...

الإمام الشيرازي: دعا لتعبئة كافة الشرائح وكامل الطاقات لبناء عراق

تمرّ علينا هذه الأيام الذكرى السنوية لرحيل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، وليس أمامنا إلا أن نستذكر المحطات الزاخرة في حياته، لاسيما رحلته مع الأفكار والكتابة والتأليف، وما تركه للمسلمين من آثار وكنوز فكرية عقائدية وأخلاقية، تضمنتها مئات الكتب والمحاضرات التي كان شغلها الشغل تطوير الوعي المتميز للمسلمين والبشرية كلّها، وتحسين العالم المُعاش وجعله أقل عنفاً وأكثر عدلا وإنصافا ومساواة.

وكان الإمام الشيرازي، يؤكد بقوة وتكرارا مستمر وإصرار لا يلين على أهمية تعبئة المسلمين وتوحيد طاقاتهم لغرض العلو والارتقاء والعودة إلى المكانة الذهبية التي وسمت المسلمين إبان الحلقات المشرقة من تاريخهم، حينما كانت الثقافة القرآنية دليهم نحو الجادة الصواب، وعلوم أئمة أهل البيت فنارهم العالي الذي يهتدون به في متاهات الحياة ومصاعبها.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يستذكر هذه الصفة الكبيرة عند أخيه الإمام الشيرازي، وذلك في كلمته بمناسبة حلول ذكرى رحيل الإمام الشيرازي فيقول:

(لقد كان الأخ الأكبر آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي أعلى الله درجاته يؤكد تأكيداً كبيراً ـ ضمن ما يؤكد عليه ـ على التعبئة الشاملة المتواصلة والمعمقة لاستيعاب ونشر ثقافة القرآن الحكيم وعلوم أهل البيت الطاهرين سلام الله عليهم).

ومما انشغل فيه الإمام الشيرازي كثيرا، أهمية تحويل النصوص القرآنية إلى مفردات عملية يتم تطبيقها في واقع المسلمين، فتصبح المعاني والكلمات القرآنية خرائط عمل وطرائق واضحة ودقيقة يهتدي بها المسلم وهو يشق طريقه في دروب الحياة الشائكة، وكم سعى الإمام الشيرازي إلى جعل الآيات القرآنية (نصائح) يتمسك بها المسلمون لتنظيم علاقاتهم المختلفة، العملية والأخرقية والسلوكية وغيرها.

فهنالك الدعوة إلى المؤاخاة الحقيقية بين المسلمين، مما يجعل تقاربهم وتعاونهم وتحابّهم لبعضهم أفضل وأجدى، والتمسك بنص (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وتحويله إلى واقع يزجّ المجتمع الإسلامي كلّه في نسيج اجتماعي متماسك أخلاقيا ودينيا وإنسانيا، من خلال منع الظلم والانتصار للمظلوم بعيدا عن المصالح والصفقات، والتركيز الكبير على حماية الرأي وجميع الحريات المكفولة ومنع أساليب الإكراه بمختلف أنواعها.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه)، أكد على هذا الجانب من حياة أخيه الأكبر الإمام الشيرازي، وجاء ذلك في قوله:

(كان - الإمام الشيرازي- رضوان الله عليه يركز على الاهتمام الأكثر بالتطبيق العملي للآيات القرآنية المنسيّات (عملاً) في معظم المجتمعات مثل آية الأخوة على صعيد الإيمان «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...» وآية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...» وآية الحريات المشروعة: «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...» وآية نبذ التكلّف في المعيشة والتزام التعايش: «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ...». وآية الأمة الواحدة: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً...» وآية بسط العدل والإحسان في شتى مرافق الحياة: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ...» وغيرها).

ومما تميز به الإمام الراحل سعيه الدؤوب وتشجيعه المستمر للعلماء والخطباء وطلبة الحوزات والجامعات بمختلف تخصصاتهم، على أهمية نشر الفكر والثقافة والوعي بين جموع المسلمين، وذلك باعتماد (الكتابة، والخطابة) كوسائل يتم من خلالها توصيل الأفكار اللازمة للجميع، عبر الكلمات المكتوبة أو المنطوقة، وتمخضّ هذا التشجيع عن ظهور الكثير من العلماء والخطباء الذين كان ولا يزال دورهم مشهودا في توعية الناس والارتقاء بعقولهم إلى مستوى المسؤولية بما يوازي روح العصر.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، أكد ذلك في قوله:

(لقد شجع - الإمام الشيرازي- الكثير من العلماء والخطباء وطلاب الحوزات العلمية وطلبة الجامعات وغيرهم على الكتابة والخطابة والتأسيس في هذه المجالات مما أسفر عن اندفاع جمهرة منهم لذلك).

وأكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، على الجهد العلمي التأليفي الكبير للإمام الشيرازي عبر (المكتبة الألفية)، حيث ترك لنا الإمام الراحل ما يفوق الألف وبضعة مئات من المؤلَّفات في مختلف مجالات الحياة الفكرية والعلمية والثقافية والدينية والأخلاقية وغيرها، وهو ما أضاف إلى المكتبة الإسلامية سلسلة من الأفكار والعلوم التي لم تترك شاردة أو واردة في حياة المسلمين والإنسانية إلا وتناولتها بأسلوب ممتع دقيق ومسنود.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قال حول هذه النقطة:

(لقد أغنى رحمة الله عليه المكتبة الإسلامية بهذا الزخم الكبير من الكتب بالإضافة إلى (المكتبة الألفية) ـ وتزيد ـ التي كتبها بقلمه في مختلف الأصعدة وشتى المجالات).

ومما عُرف عن الإمام الشيرازي أنه كان المتصدي الأكبر في حياته لحمل هموم المسلمين في عموم المعمورة، مستجيبا في ذلك إلى الواجب الذي أرستهُ عليه المسؤولية الشرعية، وقدرته على تحمّل المصاعب، وتميزه بالقيادة المتزنة الهادئة، وقدرته على استيعاب المواقف والمعاداة غير المبررة من قبل بعض ناقصي العقول، فكان (رحمه الله) يستوعب الجميع ويسعى لتقريبهم من الإسلام ومن السلوك الذي يليق بالمسلمين وفقا لمبادئ القرآن وأهل البيت عليهم السلام.

ولم يستثنِ الإمام الشيرازي بلداً أو فردا مسلما من اهتمامه، وحملهِ مسؤولية التوجيه والإرشاد والعون الفكري أو المادي، فكان (رحمه الله) حاملا لهموم المسلمين ومشاكلهم الصعبة سواءً في العراق أو أفغانستان أو فلسطين وغيرها من الدول الإسلامية التي كانت محط اهتمام ومسؤولية الإمام الشيرازي.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قال في كلمته الاستذكارية:

(كما إنه قدس سره وانطلاقاً من المسؤولية الشرعية وأوامر القران الكريم وتعاليم أهل البيت سلام الله عليهم في الاستجابة لله تعالى وللرسول صلّى الله عليه وآله، كان يحمل هموم المسلمين المؤمنين ويعيش مشاكلهم ومآسيهم حيث كانوا في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها من سائر بلاد الإسلام والأمة الإسلامية في شتى بقاع العالم).

وللعراق حضوره القوي والكبير في مشاغل ومساحة اهتمام الإمام الشيرازي، فقد عدّه الإمام بلدا وشعبا مظلوما بسبب ما تعرض له من مصاعب وحرمان وطغيان وفقر، لا يليق بهذا الشعب والبلد الأصيل الذي أسماه الإمام الشيرازي بعراق عليّ والحسين، وهكذا كان العراق على رأس قائمة المهام التي يتصدى لها الإمام الشيرازي من خلال دعوته للشرائح العراقية كافة للتعبئة والنهوض لبناء العراق بما يتّسق ومكانته التاريخية والدينية وبما يمتلكه من ثروات طبيعية هائلة، وطاقات فكرية وبشرية خلاقة.

وقد دعا الإمام الشيرازي إلى تعايش العراقيين فيما بينهم، الشيعة مع غيرهم من الطوائف والأعراق والأقليات، ومن الأديان كافة، فالعراق وفق نظرة ودعوة الإمام الشيرازي ليس للشيعة وحدهم، إنه لجميع من يسكنه بغض النظر عن الأديان، على أن يتقاربوا ويتعاونوا ويتعايشوا وفق ضوابط العدل والإنصاف والمساواة.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) أكدّ هذا التوجّه في مسيرة الإمام الشيرازي:

(وفي ما يخص العراق المظلوم ـ وهو اليوم يمر بمرحلة دقيقة وحساسة ـ كان قدس سره يدعو لتعبئة كافة الشرائح كامل الطاقات لبناء عراق الغد على أسس القرآن الكريم والعترة الطاهرة سلام الله عليهم كي ينعم الجميع شيعة وغير شيعة، ومسلمون وغير مسلمين بكامل الرفاه والخير والسعادة والعدل).

هذه محطات موجزة حاولنا تلخيصها عما ورد في كلمة سماحة المرجع الشيرازي الاستذكارية، والتي ألقى فيها الضوء على المشاغل والاهتمامات الفكرية والدينية والعقائدية والعلمية عموما، في مسيرة الإمام الشيرازي، وهي تتكلل في منظومة فكرية مائزة، قًدِّمتْ للمسلمين والعالم في مجموعة من الكتب والمحاضرات المرئية والمسموعة والمكتوبة، تجاوزت سقف الألف ونيّف.

اضف تعليق