q
قدم الفقيه الراحل السيد محمد رضا الشيرازي، رؤى وأفكار وتوصيات وجهها للعراقيين للاستفادة من تلك العبر والتجارب، قد تمثل دليلا نحو السبل الصحيحة التي ينبغي للعراقيين سلوكها وتحاول أن ترسم السلوك الناجع للعراقيين في ظروف صعبة وتحولات كبيرة ومتغيرات خطيرة وهذه بعض المقتطفات من محاضراته...

عانى العراق خلال تاريخه في العقود الأخيرة المنصرمة من محن ومآسي كبيرة تسببت بها الأنظمة الدكتاتورية المتلاحقة، حيث قادت العراق إلى حروب كبيرة أدت إلى مقتل وإعاقة وترمل وتيتم الملايين من أبناء الشعب المظلوم، كما قادت هذه الأنظمة المستبدة الطاغية بحملات قمع شرسة أدت إلى إعدام وتعذيب وتشريد وتهجير الملايين من أبناء الشعب المنكوب.

واليوم بعد ملحمة التغيير وسقوط نظام الطغاة والمستبدين وعودة نسائم الحرية فإن الشعب العراقي مقبل على استحقاق بناء دولة جديدة قائمة على التعددية والحريات وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، لذا لابد من الاستفادة من العِبَر والدروس حتى لاتتكرر أخطاء وممارسات التاريخ الغابر.

ومن هنا قدم الفقيه الراحل آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي، رؤى وأفكار وتوصيات متنوعة وجهها للعراقيين للاستفادة من تلك العبر والتجارب، قد تمثل دليلا نحو السبل الصحيحة التي ينبغي للعراقيين سلوكها وانتهاجها. وتحاول أن ترسم السلوك الناجع للعراقيين في ظروف صعبة وتحولات كبيرة ومتغيرات خطيرة من خلال وضع النقاط على الحروف والتبصير بخطورة المرحلة التي يمرون بها الآن ووضع الحل المطلوب لعبور هذه المرحلة الخطيرة والمعقدة من تأريخهم.

وهذه بعض المقتطفات من محاضراته حول العراق والعراقيين:

من وظائفنا تجاه العراق

التفاعل الوجداني: مع مثل هذه الأحداث، وتنمية التفاعل الوجداني مع الآخرين، فينبغي علينا أن نحاول الخروج من قوقعة الذات، حيث تصبح المشاكل الصغيرة التي نعانيها كل شيء في حياتنا، أما المشاكل الكبيرة التي تمر بها الأمة ويمر بها المؤمنون فنمر عليها مروراً عابراً، وهذا الأمر يحتاج إلى تربية الذات.

العودة إلى الجذور: فأمتنا فاقدة للمناعة، لذلك لا توجد لدينا قدرة على مقاومة الباطل، وقد تحولت بلاد المسلمين ــ منذ مائة عام وحتى اليوم إلى ألعوبة فكم من حرب توجد الآن في بلاد المسلمين لذا يجب أن لا نفكر في الحل الآني فقط، بل نفكر بجذور المشكلة وإذا لم نعالج المشكلة من جذورها، فإن بلادنا ستبقى لعبة بيد الآخرين إلى مائتي عام قادمة لا سمح الله.

إن الجذور هي التي أشار إليها القرآن الكريم هي:

الحرية (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) إن بلادنا غالباً ما تفتقد الحرية من قبل الحكام؟ فعشرة يحكمون والبقية محكومون غير مشاركين، أو مائة يحكمون الملايين، أو فرد يحكم عشرة آلاف، إن البلد الذي يحكمه رجل واحد لا يتمكن أن يقاوم الخطأ، وعندما يكون الشعب شريكاً في الحكم في بلد مّا، أي إن الملايين هم الذين يحكمون بلدهم بأنفسهم فالحال أفضل، أما اذا كان يحكم البلد شخص واحد هو صدام، فهل يتمكن هذا البلد أن يقاوم.

لا توجد لدينا حرية، ولا شورى، ولا مشاركة سياسية، ولا توجد الأمة الواحدة، لكن الغرب يعتمد اليوم على آلاف التجمعات الإجتماعية الفاعلة، وهذه الحضارة ليس لدينا منها إلاّ مقدار ضعيف.

وإذا لاتُحل هذه الجذور فإن المشكلات تبقى، ولكن تتبدل ألوانها وأشكالها، وكلما واجهنا المشكلات أكثر كلما رأينا أن وعي الحياة في بلادنا أضعف، حيث يفتقد الكثيرون الوعي. وكيف تقاوم الأمة التي لا وعي لها؟

الإلتجاء إلى الله والتضرع إليه: يقول الله تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ) فينبغي على المؤمن أن يدعو دائماً للمؤمنين في قنوت صلواته، وأن يجمع الأطفال والنساء في البيت ويطلب منهم الدعاء، وهل في هذا العمل مؤونة؟!

أربع وصايا للعراقيين

الكلمة الأولى: جمع الكلمة

في هذه المرحلة التي يعيشها المؤمنون في العراق، يُعدّ جمع الكلمة ضرورة حتمية، لأن الحرب حالياً ربما لا تكون حرب حدود، وإنما هي حرب وجود، بمعنى أن الأعداء الذين يريدون الشر بهذا الشعب وبهذه الأمة المظلومة وبالمؤمنين، يحاولون أن يجتثوهم من الجذور.

إن اختلاف الأذواق أمرٌ طبيعي، فحتى الاخوان في البيت الواحد ومن أب واحد وأم واحدة قد تكون أذواقهم مختلفة، ولكن اليوم ليس وقت تحكيم اختلاف الأذواق، حاولوا أن تجمعوا كلمة المؤمنين، وإن كان هنالك اختلاف في الرأي أو في الأذواق، فليس وقته اليوم.

بعض آبائنا اختلفوا قبل ثمانين عاماً ولم تتحد كلمتهم بعد ثورة العشرين، فتورط المؤمنون في العراق خلال ثمانين عاماً، فقتل وسجن وتهجر الملايين من الناس، نحن لا نريد تكرار التجربة، حتى لايقول أبناؤنا بعد ثمانين عاماً: إن آباءنا اختلفوا فورطونا! (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).

الكلمة الثانية: ملء فراغات الشباب

إن الشباب طاقة هائلة: فنحن عندنا طاقات في هذا الكون، منها طاقة الكهرباء، فهي طاقة كونية، كما إن طاقة الذرة طاقة كونية، هذه الطاقات الكونية إذا وجهت ستنفع، لكن إذا لم توجه ستخرّب، وكذلك المطر، إذا حفرتم له قنوات وأنهاراً سيتم تصريفه بالشكل الصحيح، يروي العطاشى وينبت الأشجار والثمار، لكن إذا لم تحفروا سيتحول إلى سيل مدمر.

هكذا هم الشباب، يحتاجون إلى احتواء من كل الأبعاد، وليس في بعد واحد، فالشاب يحتاج إلى عمل، كم مليون عاطل عن العمل يوجد في العراق؟ حيث تعتبر البطالة منفذاً من منافذ الشيطان، فمن الذي يهيئ العمل للشباب العاطلين؟ الجواب: أنتم المؤمنون.

كذلك الشباب بحاجة إلى زواج، فإذا تزوج الشاب فإنَّ شيطانه يعج ويضج ويقول: (يا ويلتاه) لكن إذا لم يتزوج فإنه سيشكل خطراً عظيماً على المجتمع، إلاّ إذا كان إيمانه قوياً جداً، نعم يوجد هنالك شباب متدينون وإيمانهم قويّ، ولكن كثيراً من الشباب عرضة الانحراف، فمن الذي يزوج الشاب الذي لا زوجة له؟ هو أنتم...

إن الشاب بحاجة إلى كتاب وإلى صحيفة وإلى مجلة وإلى قناة فضائية، فإذا لم نملأ نحن المتدينين هذه الفراغات فإن الآخرين سيملؤون هذه الفراغات بالباطل ويأخذون منا شبابنا.

الكلمة الثالثة: دستور العراق

ليكون دستور العراق قرآنياً إسلامياً لا وضعياً مستورداً.. يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ(إن الدين لا ينفع الآخرة فقط، وإنما ينفع الدنيا أيضاً، ففي حكومة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لم يذكر التاريخ إلاّ فقيراً واحداً فقط في القضية المعروفة، رآه أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكوفة وقال: ما هذا؟! أي لماذا في حكومتي هنالك فقير يتكفف؟! ثم أجرى له راتباً من بيت المال.

الكلمة الرابعة:

لننصب علما لأهل البيت في بيوتنا، فلأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) جاذبية عجيبة...

التقوى مفتاح السعادة

تمثل هذه الكلمة مفتاح سعادة المؤمن في الدنيا والآخرة، وهي الكلمة الأخيرة في القرآن الكريم، وعلى ما ذكره بعض العلماء، فان آخر آية من القرآن الكريم هي قول الله تعالى:

(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) أي خافوا من ذلك اليوم، أو توقّوا من ذلك اليوم الذي نعود فيه جميعاً إلى الله سبحانه وتعالى فرادى، لا يوجد معنا مال ولا جاه ولا مقام ولا عشيرة، إذ يأتي الفرد إلى الله سبحانه وتعالى وحده، (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) نحن جئنا إلى هذه الدنيا فرادى ونقدم على الله سبحانه وتعالى فرادى، والشيء الذي ينفع في ذلك اليوم هو التقوى، والتقوى تعني أن لا يرتكب ذنباً واحداً ولا يفوّت واجباً واحداً طول عمره، فلا يغتاب غيبة واحدة ولا يكذب كذبة واحدة ولا يظلم ولو فرداً واحداً، ولا تفوته ولا فريضة واحدة من الفرائض.

ملأ الفراغات

ان الشاب يحتاج إلى عمل، فإذا افتقد الشاب العمل، ماذا سيفعل من الصباح وحتى المساء؟ إنه أحد منافذ الشيطان، لذا شكِّلوا لجنة لإيجاد فرص العمل لشبابكم وأولادكم وأبنائكم، إن أبناء العراق كلهم أبناؤكم، فهذا الفراغ الموجود ينبغي أن يُملأ بالصحيح، وإلاّ فإن الشبكات الشيطانية والفضائيات التي تحاول إفساد شبابنا، والشيطان والنفس الأمارة... كلها تدخل وتتدخل لإبعاد شبابنا عن الطريق.

إطفاء الحرائق

إن الإختلاف بين البشر أمر طبيعي، ربما ثمة أخوان توأمان وُلدا معاً، لكنّهما يختلفان، فالمنظومة الفكرية لهذا تختلف عن المنظومة الفكرية لذاك، وفي مرحلة التحولات الإجتماعية تشتد الخلافات وتقوى، والخلافات لا يوجد فيها غالب ومغلوب، يقول الله تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا) ومعنى الفشل كما يقول بعض العلماء: هو الضعف الباطني. أنتم عندكم قوة، وعندكم إندفاع ونشاط يدفعكم للتقدم بهذه الحيوية، بينما النشاط والإندفاع الباطني هو الأمل الذي عندكم، وما أن يقع الخلاف تهبط الروحيات والمعنويات، أي تفشل وتضعف، وهو الضعف الباطني، وإذا ضعف الباطن ضعف كل شيء،(فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) فالفرد أو الجماعة الذين لهم سمعة تزول سمعتهم وتذهب عند حصول خلاف بينهم.

في مرحلة التحولات الإجتماعية، إذا كان هناك ثمة خلاف فكري أو خلاف عملي، فإنه لابد من تأجيله، لأنه إذا انشغل أهل الدار بالخلاف فإن السراق واللصوص يأتون ويسرقون ويهربون، فحتى لو كانت لدى شخص حسابات معينة، فإنه يمكنه تسويتها في وقت آخر، وليس في مرحلة التحول الإجتماعي.

لذا يجب أن نتحلى بحالة الأبوة، فإذا اختلف اثنان من الأولاد في العائلة، ماذا يفعل الأب؟ هل ينحاز لطرف دون آخر؟ أو يحاول حلّ المشكلة، هذه مقتضى حالة الأبوة، فأنتم آباء ينبغي أن تكون لديكم هذه الحالة، نعم يوجد لدينا قانون الحق والباطل، ولكن لدينا أيضاً قانون حاكم على قانون الحق والباطل، ما هو؟ يشير الحديث المروي عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى ذلك فيقول: (الصلح سيد الأحكام) وهو القانون الحاكم في المرافعات والمنازعات وعلى قوانين الحق والباطل فيها، فإذا جاءكم رجل وامرأة بينهم خلاف، فقبل أن تنظروا من هو المحق ومن هو المبطل ينبغي أن تلاحظوا مسألة الصلح، فهو سيد الأحكام، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) أي هو الأفضل، إذن لا ينبغي الإنجرار وراء الخلافات، فليس وقتها الآن، بالمقابل لنغلّب حالة الأبوة والحلول الوسطى في الخلاف، حاولوا أن تجعلوا حلاً وسطاً.

الحكومة الاستشارية

إن الأكثرية السياسية يؤكدها القرآن الكريم وتؤكدها القوانين العالمية وتؤكدها التجربة التاريخية:

أولا: القرآن الكريم يقول: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) فماذا تعني الشورى؟ إنها حكومة الأكثرية، وفي قضية عادية وهي قضية الفطام، حيث يريد الأب والأم أن يفطما ولدهم، يقول الله تعالى: ينبغي أن تكون المشورة هي الحاكمة، (فَإِنْ أَرَادَا)، أي الأب والأم (فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ) فلا تستبد الأم بقرار الفطام بل تتشاور مع الأب، وفي قضية جزئية وعائلية تتعلق بفردين يقول الله تعالى بالمشورة وإنها يجب أن تكون هي الحاكمة، فكيف بحكومة بلد فيه الملايين.

اضف تعليق


التعليقات

ملاك المهدي
العراق
اووف اللهم اللعن قاتليه2023-10-29