q
أعادت قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بريكسيت قضية جبل طارق للأضواء، فالمنطقة البريطانية منذ ثلاثة قرون تريد أن تظل بريطانية وأوروبية في الوقت ذاته، بينما هددت إسبانيا بأنها ستعرقل المصادقة على مشروع الاتفاق حول بريكسيت في حال لم يضمن لمدريد حق النقض حول مصير جبل طارق...

أعادت قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) قضية جبل طارق للأضواء، فالمنطقة البريطانية منذ ثلاثة قرون تريد أن تظل بريطانية وأوروبية في الوقت ذاته، بينما هددت إسبانيا بأنها ستعرقل المصادقة على مشروع الاتفاق حول بريكسيت في حال لم يضمن لمدريد حق النقض حول مصير جبل طارق.

على مدار مئات السنين بقيت بريطانيا وإسبانيا على خلاف حول السيادة على جبل طارق، هذا الإقليم الذي يبلغ عدد سكّانه نحو 40 ألف نسمة ذوي الأصول بريطانية والإيطالية، جبل طارق واحد من 14 إقليما عبر البحار ماتزال جزءا من الإمبراطورية البريطانية، وكانت إسبانيا قد خسرت الإقليم أمام القوات الإنجليزية والهولندية عام 1704 وسلمتها رسميا للندن عام 1713 ومنذ ذلك الحين ومدريد تطالب بها.

ولكن في استفتاءين أجريا عامي 1968 و2002 اختار سكان الإقليم الحكم البريطاني على الحكم الإسباني، ويتمتع الإقليم بأهمية استراتيجية كمدخل للبحر المتوسط وذلك أحد الأسباب التي تدفع بريطانيا للتمسك به، ويقول فيليب دوماس، الذي ولد وعاش في الإقليم:" نحن نذهب إلى موريسونز ومطاعم السمك والبطاطس ويوجد هنا أكشاك الهاتف الحمراء وصناديق البريد الحمراء"، وأضاف قائلا إن جبل طارق يتمتع بمميزات العالمين، فهنا بريطانيا ولكن مشمسة ولدينا الشواطئ والمطبخ المتوسطي والثقافة المتوسطية أيضا."

أهمية جبل طارق في البريكست

الناس الذين يعيشون في جبل طارق بريطانيون لذلك أدلوا بأصواتهم في استفتاء البريكست، وقد صوت 96 في المئة منهم لصالح البقاء ولكن الإقليم سيغادر مع بقية بريطانيا، هذا ما تنص عليه خطة تريزا ماي للبريكست، ولكن إسبانيا تشعر بالقلق إزاء علاقاتها التجارية مع الإقليم ومدى تأثرها بالبريكست، وهدد رئيس الوزراء الإسباني بعرقلة الاتفاق لأنه يعتقد أن ماي ليست واضحة حول موقفها من هذا الملف.

إسبانيا: انتصارا في النزاع مع بريطانيا على جبل طارق

قالت إسبانيا إنها حققت انتصارا في النزاع مع بريطانيا على وضع منطقة جبل طارق بعدما أقر البرلمان الأوروبي قانونا أشار إلى شبه الجزيرة بأنها "مستعمرة تحت التاج البريطاني" وقد يكون النزاع مؤشرا ينذر بتراجع ثقل بريطانيا فور خروجها من الاتحاد الأوروبي الذي يقف عادة على الأرجح إلى جانب أعضائه أمام غير الأعضاء، وأزعجت الإشارة لندن وكان المجلس التنفيذي للاتحاد الأوروبي قد وافق على المشروع والذي يتيح للبريطانيين زيارة دول الاتحاد الأوروبي لمدة تصل إلى 90 يوما بدون تأشيرات حتى إذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بدون صفقة، طالما أن بريطانيا تتخذ إجراءات مماثلة.

وقال متحدث باسم الحكومة الإسبانية إنها "المرة الأولى التي يدرك فيها البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء أن جبل طارق مستعمرة"، مضيفا أن هذه "خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة للموقف والمطالبات التي قدمتها إسبانيا" وتنازلت إسبانيا عن المنطقة الواقعة عند مدخل البحر المتوسط لبريطانيا في عام 1713 بعد حرب، لكنها تطالب بالسيادة عليها.

ويقول مسؤولون إن بريطانيا لم تعترض عندما أعلنت محكمة العدل الأوروبية في قراريها عامي 2006 و2017 أن جبل طارق "مستعمرة تحت التاج البريطاني" وليس جزءا من المملكة المتحدة لكن لندن شعرت بالغضب من سعي إسبانيا لإثارة نزاع السيادة أثناء عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقالت متحدثة بريطانية إن جبل طارق "جزء كامل من أسرة المملكة المتحدة... ومن غير المناسب تماما" أن نسميها مستعمرة.

روايتان متضاربتان

قدمت السلطات في مدريد ومنطقة جبل طارق روايتين مختلفتين بشأن حادث أمرت فيه سفينة حربية إسبانية سفنا تجارية بمغادرة مراسيها قرب جبل طارق، وذلك في أحدث مثال على التوتر بشأن الميناء الاستراتيجي مع اقتراب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفي بيان حاد اللهجة، قالت منطقة جبل طارق إن سفينة حربية إسبانية أمرت سفنا تجارية بمغادرة مراسيها في المياه البريطانية قرب جبل طارق، مضيفة أن البحرية البريطانية تصدت لها وأبعدتها بينما ظلت السفن التجارية في أماكنها.

لكن الحكومة الإسبانية قالت في بيان إن السفن التجارية كانت في المياه الإسبانية وإنها غادرت المنطقة بعدما اتصلت بها السفينة الحربية الإسبانية، ولم يذكر أي من الطرفين جنسية السفن التجارية، وقال فابيان بيكاردو رئيس وزراء جبل طارق في بيان "أي شخص يؤمن بالنظام القانوني الدولي سيصاب بالصدمة من التصرفات المتعجرفة وغير المنطقية للسفينة الحربية الإسبانية"، وأضاف "هذا السلوك الصبياني غير مُرض سواء كان نتيجة خطأ أو موجها من أعلى".

تعيين 1735 موظفا للتركيز على قضايا الانفصال البريطاني

وافقت الحكومة الإسبانية على قرار بتعيين ألف و735 موظفا جديدا للتعامل مع تداعيات الانفصال البريطاني، خاصة في مجالات الحدود والرقابة الجمركية، وتريد الحكومة تعيين الأغلبية العظمى من هؤلاء الموظفين، بغض النظر عما إذا كانت بريطانيا ستتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن الخروج من عضويته أم لا، وقالت حكومة مدريد في بيان عقب اجتماعها الأسبوعي إن "الإدارة لديها الآن الوسائل اللازمة للتعامل مع إطار العلاقات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن عليها أن تعزز توافر موظفي العموم في قطاعات بعينها"، وتسعى إسبانيا لأن يكون لديها المزيد من الموظفين في المطارات والموانئ، فضلا عن تعزيز الرقابة على الصحة النباتية في الواردات والصادرات، ومساعدتها للبريطانيين الذين يعيشون في البلاد، والذين يقدر عددهم بنحو 300 ألف ومن بينهم متقاعدين.

إسبانيا تريد تضمين دورها

قالت إسبانيا إن مطالبها بأن يكون لها دور في القرارات الخاصة بجبل طارق يجب أن تضمنه اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وليس مجرد إعلان سياسي مصاحب للاتفاق يجري التفاوض عليه في بروكسل، وقال مصدر حكومي "ليس لدينا ضمانات كافية بشأن جبل طارق والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي مستقبلا حقنا في الاعتراض (الفيتو) على اتفاق خروج بريطانيا (من الاتحاد) ما زال قائما".

تعهّد "خطي" في ملف جبل طارق

طالب وزير الدولة الإسباني للشؤون الأوروبية لويس ماركو أغيريانو الجمعة لندن بتعهّد "خطي" في ملف جبل طارق قبل القمة الأوروبية المقرر عقدها للمصادقة على اتفاق ينظم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهددت إسبانيا بعرقلة المصادقة على الاتفاق الذي ينظّم انفصال المملكة المتحدة عن التكتل في حال لم تعترف بريطانيا "خطيا" بحق النقض الإسباني في قضية تحديد العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والجيب البريطاني المتوسطي.

وقال الوزير الإسباني "لقد طالبنا بأن ينشر البريطانيون هذا النص قبل انعقاد المجلس الأوروبي الأحد"، ولدى سؤاله عن مشاركة رئيس الوزراء الإسباني بدرو سانشيز الأحد في القمة الطارئة، رد الوزير الإسباني "سيحسم قراره (...) عندما يصدر الإعلان البريطاني مكتوبا"، وتريد إسبانيا الاحتفاظ بما تعتبره حقها في التفاوض الثنائي مع بريطانيا حول مصير جبل طارق، ما يعطيها عمليا حق النقض في هذه القضية.

وكرر سانشيز تهديده بعرقلة الاتفاق حول بريكست إذا لم يتضمن بشكل واضح منح مدريد حق الاعتراض في المفاوضات المقبلة حول جبل طارق، الجيب البريطاني الواقع جنوب اسبانيا والذي تطالب مدريد بالسيادة عليه، وذلك في أعقاب محادثة هاتفية مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، وكتب سانشيز على تويتر "مواقفنا ما زالت متباعدة جدا حكومتي ستدافع عن مصالح إسبانيا وإذا لم يحصل تغيير سنستخدم حقنا في تعطيل بريكست"، ومن لندن ردّت متحدّثة باسم ماي بالقول "لا نية لدينا لإعادة فتح ملف اتفاق الخروج لكننا سنبحث مع حكومتي جبل طارق ومدريد علاقتنا المستقبلية".

سكان جبل طارق مستاؤون من تحويلهم إلى تهديد لبريكست

لا يخفي سكان جبل طارق، الجيب البريطاني الواقع في جنوب اسبانيا، استياءهم من تحولهم خلال بضعة أيام إلى تهديد رئيسي لبريكست، وبينما بدأ العد العكسي قبل القمة الاستثنائية المخصصة للمصادقة على اتفاق الانفصال بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، تجد هذه المستعمرة الصغيرة التي تضم حوالى ثلاثين ألف نسمة نفسها فجأة تحت الأضواء، ويحمل سكانها بمرارة مدريد مسؤولية هذا الوضع.

جبل طارق ترفع دعوى ضد حزب إسباني يميني متطرف

رفعت حكومة جبل طارق دعوى جنائية على أربعة من قادة حزب اليمين المتطرف الأسباني "فوكس"، متهمة إياهم بـ"التحريض على الكراهية" ضد جبل طارق وشعبها، وتستهدف الشكوى المرفوعة إلى النيابة العامة في مدريد كبار مسؤولي فوكس بمن فيهم زعيمه سانتياغو أباسكال وأمينه العام خافيير أورتيغا سميث، العام 2016، كان سميث جزءاً من مجموعة من نشطاء فوكس الذين رفعوا علماً إسبانياً كبيراً على جبل شهير في جبل طارق قبل أن يعودوا سباحة إلى الأراضي الاسبانية.

وأصبح فوكس ثالث أكبر حزب في البرلمان الإسباني في الانتخابات العامة، ودعا بيانه الانتخابي مدريد إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية لإعادة جبل طارق إلى إسبانيا، وقالت حكومة جبل طارق إن تصريحات فوكس، بما في ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، كشفت "استراتيجية واضحة لمهاجمة سكان جبل طارق ومؤسساتنا بطريقة تبدو مصممة بشكل واضح على اشاعة جو من الكراهية عند الإسبان تجاه جبل طارق".

وقال رئيس الوزراء فابيان بيكاردو إن التصريحات راوحت بين وصف جبل طارق بأنه "طفيلي"، واتهامات لا أساس لها من الصحة مفادها أن عمالا اسبانا "احتُجزوا كرهائن" أو أن الإقليم كان "وكراً لمن يغسلون الأموال والمجرمين"واضاف أمام برلمان جبل طارق إن هذه هي "اللغة التي استخدمت في الثلاثينات ضد اليهود"، وتابع "لن نسمح بحدوث ذلك دون مواجهة".

وتطالب إسبانيا بجبل طارق، المنطقة الصغيرة التي تبلغ مساحتها 2،6 ميل مربع (6،8 كيلومترات مربعة) على طرف البلاد، والتي تم التنازل عنها لبريطانيا العام 1713، ويبلغ عدد سكانها نحو ثلاثين الف شخص، وفاز حزب فوكس القومي المناهض للمسلمين بـ 52 مقعداً في البرلمان الإسباني المؤلف من 350 مقعداً، ولم يكن له سوى 24 مقعداً عند انطلاقه.

اضف تعليق