q
حال الاكراد في سوريا يختلف عن العراق فهم اقل في عدد السكان، ولا يملكون نفس الموارد الطبيعية ولم يحصلوا على الحكم الذاتي، وتجربتهم مع التحالفات الغربية اقل من تجربة اكراد العراق، الا انهم يتفقون مع اكراد العراق في عنادهم مع أنفسهم ومع دولهم...

لم تكن مفاجأة ان يقرر الرئيس الامريكي دونالد ترامب التخلي عن الاكراد في سوريا، فالكرد لديهم سجل حافل من خيانات حلفائهم الغربيين، سواء كانوا مجتمعين ككيان كردي في البلدان التي يقطنون فيها، او ككيانات منفصلة كل حسب الدولة التي يقطنها.

وبعد القرار الامريكي يستعيد الكرد ذاكرتهم الاليمة بكونهم اكثر الشعوب شعورا بالظلم لانهم لم يحصلوا على دولة خاصة بهم رغم توافر كافة الشروط اللازمة لذلك، من حيث اللغة التي تجمعهم والمساحة الجغرافية الواسعة والموارد الطبيعية والبشرية التي تؤهلهم للحصول على دولة وفق الحدود التي رسمتها الدول الاستعمارية الاوربية بالإمضاء النهائي لمجموع اتفاقيات ما بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.

ما قبل هذا التاريخ كان الكرد ضحية الصراعات بين دول كبرى مثل الامبراطوريتين الصفوية والعثمانية، وربما هذا ما دفعهم بشكل دائم لطلب الدعم الخارجي، اي من خارج الدول المسيطرة فعليا على مناطق الاكراد وتفرض سلطة حكمها عليهم، فكان الغرب هو الخيار المناسب حسب ما تقتضيه الظروف، الا ان الحقيقة المرة هي ان الكرد لم يكونوا الا وسيلة لتحقيق مصالح الدول الغربية، فبينما كانت بريطانيا تدعم اكراد العراق هي في الواقع تريد اجبار حكومته على توقيع معاهدة دائمه مع بريطانيا، في حين انها كانت تدعم سياسة مصطفى كمال اتاتورك لتتريك الاكراد في تركيا لان ذلك يحقق مصالحها بتحديث تركيا وفق المعايير الغربية وانهاء ارث الدولة العثمانية.

يشعرون الكرد انهم جسد واحد تم تقطيع اوصاله على مساحات جغرافية لا تنتمي الى بعضها، وكأن هناك خطأ ما حدث في هذا التشريح غير المبرر، او ان هناك من يريد لهم ان يكونوا لقمة سهلة تتقاذفها الدول الكبرى، لكنهم يدفنون هذه الحقيقة تحت التراب ويذهبون للتحالف مع الدول التي تتاجر بحقوقهم وتستخدمهم كأداة لتحقيق مصالحها على حساب الكرد، وحينما تتحق تلك المصالح اي مصالح الدول الكبرى يصدمون بتخلي الحليف الدولي عنهم بدون سابق انذار.

قد يسأل سائل لماذا يكرر الكرد نفس الاخطاء؟ ولماذا لا يراجعون التاريخ؟ على الاقل التاريخ المعاصر منذ القرن العشرين وحتى الان، اذا لا يعاني الكرد من ضعف في القيادة، ولا تخلف في الجانب السياسي لديهم، وربما ما يعانيه الكرد فعليا هو عدم وجود رغبة اصلا في الاندماج مع الشعوب التي يعيشون معها، فلا يعقل ان يحصلوا على كل هذه الحقوق في العراق ثم يتخلون عنها، فقد حصلوا على الحكم الذاتي لاول مرة عام 1970 لكنهم لم يقتنعوا وذهبوا الى ميدان الحرب وتحالفوا مع شاه ايران، وبعد مضي عدة سنوات انقلب عليهم ووقع اتفاقية الجزائر مع العراق والتي تقضي جزء من بنودها على توقف شاه ايران عن دعم اكراد العراق.

لم يهدأ بال الكرد فعادوا للجبال واستغلوا ضعف الحكومة المركزية بعد الحرب مع ايران وغزو الكويت ففرضوا الحكم الذاتي بالقوة وبقوا على هذه الحال حتى الغزو الامريكي للعراق عام ٢٠٠٣ وحققوا مكاسب جديدة ايضا تمثلت بالنهاية الفعلية للصراع الداخلي بين الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود برزاني والاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني والذي اصبح رئيسا للعراق فيما بعد، وأقر حكمهم الذاتي في الدستور الجديد مع حقوق جعلتهم افضل بكثير من اشقائهم في الدول المجاورة، لكن هذا الواقع لم يقنعهم ودخلوا مرة اخرى في صراع مع الحكومة العراقية المركزية التي يملكون فيها وزراء ومسؤولين كبار بالاضافة الى رئاسة الجمهورية، لينتهى بهم المطاف باستفتاء ٢٥ ايلول ٢٠١٧ الذي اعادهم الى حدود ما قبل ٢٠٠٣ مع تخلي الولايات المتحدة الامريكية عنهم والتي وضعوا ثقلهم عليها لدعم انفصالهم عن دولة سيطروا على مفاصلها السيادية.

حال الاكراد في سوريا يختلف عن العراق فهم اقل في عدد السكان، ولا يملكون نفس الموارد الطبيعية ولم يحصلوا على الحكم الذاتي، وتجربتهم مع التحالفات الغربية اقل من تجربة اكراد العراق، الا انهم يتفقون مع اكراد العراق في عنادهم مع انفسهم ومع دولهم، فهم يعرفون ان تصالحهم مع حكومات البلدان الذي يقيمون فيها تحقق لهم الكثير من المكاسب، وتعزز مكانتهم كقومية لها خصوصيتها شرط اندماجهم مع عامة الشعب لهم حقوقهم وعليهم من الواجبات بنفس مقدار تلك الحقوق.

اذا أراد الكرد تحقيق أهدافهم والحصول على حقوقهم المشروعة فالطريق الاسهل لتحصيل تلك الحقوق يمر عبر التصالح مع دولهم، واثبات انهم لا يمثلون حركات انفصالية، بقدر ما يمثلون تنوعا قوميا يصب في صالح تقوية الدول التي يعيشون فيها، وعليهم ان يعرفوا ان الدول الغربية ما تزال تفكر بعقلية استعمارية لا تهمها سوى مصالحها، وقد تتخلى عن الكرد مرات ومرات.

اضف تعليق