من لا يثق بقدراته ويخطط لبناء نفسه ويستثمر إمكانياته بالصورة الصحيحة، سيبقى في حالة بائسة وضعيفة حتى لو قدّم له الغير بعض المحفّزات المعنوية والمادية، فالأصل في عمليات بناء الذات (أنت أولاً) ومن ثمّ يأتي الآخرون بعدك كي يمدّوك بالمساعدات العينية والخبروية، وحتى هؤلاء هناك...
من لا يثق بقدراته ويخطط لبناء نفسه ويستثمر إمكانياته بالصورة الصحيحة، سيبقى في حالة بائسة وضعيفة حتى لو قدّم له الغير بعض المحفّزات المعنوية والمادية، فالأصل في عمليات بناء الذات (أنت أولاً) ومن ثمّ يأتي الآخرون بعدك كي يمدّوك بالمساعدات العينية والخبروية، وحتى هؤلاء هناك من بينهم لهم مصالحهم ويخططون للاستفادة قبل تقديم الدعم، لذلك الاستثمار الصحيح للطاقات الذاتية هو أسلم الأساليب في تغيير واقع الإنسان والأمة.
هناك من يرى العكس ويتّكل على غيره في بناء الذات والأمة، بحجج كثيرة منها أهمية الاستفادة من الخبرات الأجنبية (وهو رأي صحيح ولا يرفضه عاقل)، ولكن هل تلكم الدول والجهات تساعدك (لسواد عيونك)، أم هنالك مآرب مضمرة وأهداف مبيّتة تضمن لها مصالح غير مشروعة في العراق؟، بالطبع هنالك دول خارجية وقوى دولية تنظر للعراق بمثابة (الكعكة) التي تطمع بها، فتقدّم خدماتها الاقتصادية والخبروية وسواها كي تستحوذ على حصتها بألف طريقة وطريقة، لاسيما قضية بناء العراق اقتصاديا.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يتساءل عن ذلك في كتاب (من عبق المرجعية):
(لماذا ننتظر غير المسلمين ليقدّموا المعونة لأحبّتنا في العراق).
من هنا فإن عمليات وخطوات وإجراءات بناء العراق القوي المستقر المتقدم اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وعلميا، ليس من شأن الآخرين بل هو شأن عراقي صميم، يبدأ بشعورنا بمسؤولية البناء، وهي عملية يومية بل لحظوية على الجميع أن يفهموا مسؤوليتهم في هذا الإطار، لا أن ننتظر ماذا يقدّم لنا الآخرون، أو أننا نفسح لهم المجال وندعوهم كي يسهموا في عمليات البناء لنفتح لهم أبواب التدخّل في شؤوننا ومن ثم السيطرة على مقدراتنا وسلبنا استقلاليتنا التي تضمن لنا الحرية والكرامة.
هذا لا يعني أننا منغلقون على أنفسنا، أو أننا رافضون للمساعدات والخبرات التي لا تهدف إلى التدخل في قرارنا وبناء بلدنا، بالعكس العراقيون والمسلمون يرحبّون بكل النيّات الحسنة التي لا تضمر شرّا خفيّا بالعراق، فهناك من يخفي تحت المساعدات أهدافا ومصالحَ يخطط للحصول عليها على حساب العراقيين، وهذا مرفوض جملة وتفصيلا، لذا هي مهمتنا نحن، وعلينا أن نتكفّل بهذه المهمة على أفضل وجه، وأن نصون المسؤولية ونؤديها ونشجّع بعضنا بعضا على ذلك، لأن العراق لا يبنيه إلا أبناؤه البررة المؤمنين.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لماذا ندع الأغيار يساعدونهم، فعلى كل واحد وبحسب وسعه، أنْ يعمل في هذا المجال، شخص عنده فيعطي، والآخر ليس عنده فيشجّع هذا وذاك... علينا جميعاً أن نؤدّي مسؤولياتنا فـ (كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته).
إنهم يحبون أنفسهم أولاً
إن الطامعين بثروات العراق كثيرون، منهم قوى عالمية، دول كبرى، ودول إقليمية، وشركات عالمية تحتكر ثروات العالم، لهذا علينا الانتباه، وخصوصا قادة العراق اليوم، الذين يتحملون كامل المسؤولية لما يجري في العراق حاليا وفي قابل الأيام، وهذه المسؤولية تشمل جميع أفراد الشعب، فالكل تقع على عاتقه مهمة الفطنة والتنبّه لما يجري في العراق، وكلما ارتفع المركز الوظيفي أو الاجتماعي للفرد العراقي ارتفعت وتصاعدت مسؤوليته ودوره في الحفاظ على العراق وعلى ثرواته التي لا تخص الأجيال الراهنة، وإنما هناك حصة للأجيال القادمة بثروات العراق، علينا اليوم ولاسيما القادمة أن نتحمل هذه الأمانة التاريخية والشرعية ونصونها للأجيال القائمة.
كيف نقوم بهذه المهمة؟ نقوم بها عندما نفتح عقولنا وأعيننا وقلوبنا ونتفحّص ما يجري في العراق بذكاء ودقة، ونعمل على مكافحة كل المخططات الطامعة بالعراق وثرواتهم بغض النظر عن العنوان الذي يختفي وراء هذه الأهداف التي تضمر للعراق والعراقيين الشر والجهل والتخلف.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)* محذّرا الجميع:
(ينبغي على الجميع الانتباه والالتفات لما يجري في العراق).
إن لعاب الآخرين يسيل طمعا بخيرات العراق، وهؤلاء خططوا سابقا، ولا زالوا يخططون كي ينهبوا ثروات العراق، ويسيطروا على قراراته، ويسلبوا استقلاليته من خلال أساليب التبعية الاقتصادية أو السياسية أو سواها، فلماذا ندع لهم الفرصة بالقيام بذلك؟، إنهم أعدّوا العدة ولا يزالون كي يهيمنوا على الاقتصاد العراقي بكل السبل والوسائل، بل حتى الجانب الثقافي يحاولون الهيمنة عليه ومسخ الهوية العراقية من خلال أساليب المساعدات والخبرات وما أشبه، والسؤال هنا، هل هؤلاء يحبون العراق والعراقيين؟.
هذا ما تساءل عنه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حين قال:
(غيرنا وغيركم وغير العراقيين من الآن ومن قبله يتجهّزون لأن يكونوا هم الذين يتولّون اقتصاد العراق، وثقافته ونشاطاته، فهل هم يحبّون العراق والعراقيين؟ كلا، هم يحبّون أنفسهم، يريدون ما تشتهي أنفسهم، هم يأتون إلى العراق في المستقبل بالفساد وبلغة الفساد).
مسؤوليتنا كبيرة و واسعة
في الخلاصة حتى نقاوم ما يخطط له المتربصون بنا كعراقيين، علينا أن نفهم اللعبة جيدا، فليس صحيحا أن نعزل العراق عن العالم بحجة تدخلات الآخرين وأطماعهم، وليس صحيحا أيضا أن نفتح لهم مصاريع أبوابنا ونسمح لهم بالتدخل في الصغيرة والكبيرة، الصحيح هو خلق نوع من التوازن في التعامل مع الجميع في مسألة بناء العراق، وهذه الموازنة تنتهجها جميع الدول القوية المستقلة والمستقرة، وهي مهمة سياسية بالدرجة الأولى، لأنها تبدأ من استقلالية القرار ومنهجيته السليمة وانبثاقه من رؤية ثاقبة تضع نصب عينها مصلحة العراق والعراقيين، ولا تغفل مصالح الآخرين المشروعة والمتعارف عليها قانونيا ودوليا.
فلا سماح كلّي غير مشروط، ولا انغلاق يحرمنا من خبرات ومساعدات الآخرين، هذا المنهج سياسي اقتصادي مزدوج مسؤولة عنه قيادات الدولة السياسية أولا والاقتصادية، ولكن لا يجب أن يغيب هنا دور الإنسان العراق بغض النظر عن عنوانه ومستواه وقدراته، فالمسؤولية أولا وأخيرا تُناط بالعراقيين وبمن يريد الخير لهم، وكما يصف سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) العراقي بأنه يمكن أن يكون شمعة في طريق بناء العراق، فبالإضافة إلى قدراته وإسهاماته ودوره فإنه يشجّع الآخرين في التصدي لأعباء بناء البلاد بكل أشكالها ومستوياتها وقطاعاتها، وسوف يكون حاصل جمع جهود العراقيين بالتراكم قويّا فاعلا وهادرا كالسيل الجارف.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذه النقطة بالذات:
(يجب علينا أن نقوم بدور مسؤولية بناء العراق، فإن مسؤوليتنا كبيرة وواسعة وبحاجة إلى جهود كثيرة وكثيرة، فكل إنسان من الممكن أن يكون شمعة في هذا المجال... وكل كلمة لها قيمتها، وكل عمل، فإنها مثل قطرات المطر؛ فإذا كثرت القطرات يتولّد عنها السيل الجارف).
وينصح سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، الجميع بمن في ذلك غير العراقيين، أن يتشرّفوا بهذه المسؤولية التي تدخل في إطار مساعدة العراق ودفعه نحو التقدم والتطور والثبات، فهذه المهمة وإن كانت عراقية لكنها إسلامية وذات طابع إنساني أيضا، فمن يلتحق بها ويعمل في هذا الاتجاه فهو شرف له، كون العراق يستحق هذا التعاون المشرّف وغير المشروط.
يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:
(علينا أن نعمل في مسؤولية مدِّ يد العون والمحبّة لأعزّتنا في العراق المظلوم ونشرّف أنفسنا بالعمل بهذه المسؤولية).
ومما ورد في أعلاه تتضح لنا جميعا طبيعة المسؤولية الملقاة علينا في قضية بناء العراق، في خضم تشابك الأهداف وتصادم المصالح الدولية، لكن الأهم يبقى يدور في مدار الشعور بالمسؤولية تجاه بناء العراق بعقولنا وأيدينا.
اضف تعليق