هناك طرق وأساليب كثيرة لمعالجة الانحرافات ومقارعة الأخطاء، منها على سبيل المثال اللجوء إلى الاستخدام المفرط للقوة، وكل ظن من يلجأ إلى هذا الأسلوب بأنه كفيل بمعالجة المشاكل وتقليل الأخطاء التي قد تعود أضرارها على الفرد أو المجتمع، لكن الإسلام يرى سبلاً أخرى غير القوة...
هناك طرق وأساليب كثيرة لمعالجة الانحرافات ومقارعة الأخطاء، منها على سبيل المثال اللجوء إلى الاستخدام المفرط للقوة، وكل ظن من يلجأ إلى هذا الأسلوب بأنه كفيل بمعالجة المشاكل وتقليل الأخطاء التي قد تعود أضرارها على الفرد أو المجتمع، لكن الإسلام يرى سبلاً أخرى غير القوة، تؤكد ذلك نصوص قرآنية مباركة تحث الناس على دفع الأمور (بالتي هي أحسن) وتدعو الأطراف المتخالفة على الجنوح إلى السلم ورفض العنف بكل صوره وأساليبه.
فلماذا هذه الدعوة إلى السلم وما هي الفوائد التي يمكن أن تُجنى منها، يقول العلماء المختصون أن الحرب لا يوجد فيها رابح، كونها تنتهي إلى خسائر مادية وبشرية تضرّ الجميع حتى المنتصر، لذلك ينصح الإسلام إلى السلام والتفاهم عبر الحوار بعيدا عن التعنت واللجوء إلى القوة إلا في حالة واحدة هي الدفاع عن النفس فيما لو تهدَّدها الخطر، كذلك هناك خطأ شائع بين عقول القوة غير المتعقّلة حين تدفعهم نفوسهم وعقولهم إلى الظن بأن البط والقوة سوف تحل جميع المشاكل التي تواجههم، لكن الحقيقة غير ذلك تماما.
سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول: (لا يمكن حلّ ورفع المشاكل والانحرافات بالتعامل بالقوة).
فأي تعامل يزيح الحوار جانيا ويجافي مبدأ ادفع بالتي هي أحسن، سيكون عاجزا عن التعامل السليم مع الانحرافات، وأية خشونة لفظية أو بدنية لن تكون سبيلا نحو الحلول الناجعة، على العكس من ذلك فالعنف يقود إلى نتائج عكسية ربما لا يتوقعها أصحاب القوة، والدليل الأهم عن ذلك أسلوب أئمة أهل البيت عليهم السلام وطبيعة تعاملهم مع المشكلات والانحرافات ومرتكبيها، إن غلط الكلام وغلظته لن نجدها في قاموس لغة أهل البيت عليهم السلام ولا في أفعالهم.
وهذا بحد ذاته درس لا يقبل التأويل أو المراوغة وقد استمده أئمتنا عليهم السلام من المنهج القرآني الداعي إلى تجنب العنف في الكلام والفعل مع الجميع، ابتداء من الأسرة وأفردها صعودا إلى أفراد المجتمع، ويشمل ذلك العلاقات بين الدول أو الجماعات الكبيرة، فالابتعاد عن التصعيد والكف عن الخشونة والصدام واعتماد الموعظة الحسنة والحكمة هو السبيل الذي يجب أن يسود معالجة الاختلافات بكل أنواعها.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لا يجوز في الإسلام ولا عند أهل البيت صلوات الله عليهم، التعامل بالقوة وبالخشونة، بل هذا التعامل مرفوض في الإسلام وعند أهل البيت، وغلط ومذموم. فيجب التصرّف بالموعظة الحسنة وبالحكمة).
العنف ليس من مبادئ الإسلام
نتيجة لاختراق أفكار التطرف وثقافة التعصب، تولد الإرهاب باسم الإسلام، واستفحل التطرف في مراحل متعددة وساد التكفير ومنطق القوة المفرطة كثيرا من المعالجات الخاطئة، فحين تواجه المختلف معك بالحزام الناسف وتقوم بتفجير الأبرياء أطفال ونساء وغيرهم، كيف يقترب هذا مما يدعو إليه القرآن من الجنوح إلى السلم والحوار؟ وحين يقود أحدهم سيارة مفخخة ويفجرها بين الناس باسم الإسلام أيضا، ترتفع تساؤلات كثيرة وكبيرة، أين هؤلاء من الإسلام الذي يرفضض العنف؟.
بالطبع حين يقتنع العقل الذي يفجر نفسه بين الناس بفعله هذا ويعتقد كل الاعتقاد بأنه على صواب، فهذا يعني انه تشبّع بالفكر التكفيري وأخذ منه التطرف مأخذا حتى صار يؤمن بأن ارتكاب العنف باسم الإسلام (جائز) وهو مرفوض جملة وتفصيلا، وما معالجة مثل هذه الأمراض سوى وأد الفكر المتطرف بما يتضاد معه وهو الفكر الوسطي الذي يؤمن بمعالجة التعقيدات والاختلافات بالتي هي أحسن.
كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(بعض الجهلة وباسم الإسلام يشدّ حزاماً ناسفاً علي بدنه ويفجّر نفسه وسط النساء والأطفال ويزهق أرواح الكثير من الأبرياء، أو يفجّر سيارة مفخّخة، ويزهق أرواح العديد من الأبرياء).
ومما يثير السخرية حقا أن من يقوم باستخدام الأحزمة الناسفة ويفخخ نفسه ويفجر الناس بهذه الطريقة أو بالسيارات المفخخة، يحاول أن يخدع الناس بعد أن تعرض هو للخداع فيخبرهم بأن الإسلام يدعو لهذا النوع من العنف، متغاضيا عن النصوص القرآنية الصريحة التي تأمر المسلمين باعتماد السلم كمبدأ أساس في معالجة الخلافات والانحرافات، وعدم اللجوء للقوة أو العنف واعتماد الحوار وصولا إلى الحلول التي تضمن حقوق الأطراف المتخالفة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حول هذه النقطة بالذات:
(أصحاب تلك الجرائم – الأحزمة الناسفة وتفخيخ السيارات- تراهم ينسبون جرائمهم وما يرتكبونه من أفعال مشابهة، إلى الإسلام. وهذا كلّه كذب. فلو بحثنا في التاريخ فلن نجد حتى موردا واحدا، أمر فيه أهل البيت صلوات الله عليهم بقتل طفل أو امرأة).
الوقاية الأخلاقية والعقائدية
إن عالمنا اليوم غارق حتى أذنيه في مستنقع العنف، فلا نجد مكانا من المعمورة خاليا من معالم الاحتراب إلا ما ندر، بسبب من صراع المصالح الذي استشرى بين دول كبرى وحكومات وقوى دولية لا تتورع عن ارتكاب اكبر المجازر وأعنف الصدامات من أجل ضمان مصالح ليست من حقها، مشهد الاحتراب والعنف هذا بات يهدد السلم العالمي بصورة جدية، هنا يقترح سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قيام الجميع بتطويق هذه الصدامات سواء على مستوى دولي أو أدنى، حتى بين الأفراد، لا يصح أن تكون الحلول عبر العنف والصراع الذي غالبا ما تغذيه العقاد المنحرفة أو الخاطئة.
لهذا تقع مسؤولية تصحيح عقائد الناس علينا جميعا من دون استثناء، فيجب أن نعلم من لا يعلم أو لا يعرف الأخلاق والقيم الصحيحة والعقائد والأحكام والأخلاق، إسهاما منا في انتشال (الدنيا) من مستنقع الرذائل الذي غرقت فيه، ولا ينبغي لأحد أن يستثني نفسه من هذه المهمة، لأننا جميعا قادرون على القيام بذلك بنسبة معينة تناسب الإمكانيات الفكرية والعقلية التي نحتكم عليها، فالمطلوب منا هو أن نؤمن بأننا مؤثرون وقادرون على تصحيح الفكر المتعصب وتجفيف الفكر التكفيري بالاقناع والتوضيح وليس بالقوة الضاربة.
كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:
(علينا جميعاً أن نسعى إلى تصحيح عقائد الناس، وإلى تعليمهم الأحكام والأخلاق، وأن نعمل على نجاة الدنيا من المستنقع الذي غرقت فيه. علماً بأن كل مسلم له قدرة واستطاعة، فهو المعنيّ في هذا المجال وغير معفي منه. وعلي الجميع أن يعلموا بأنهم لهم التأثير بمقدار ما، ويمكنهم أن يكونوا مؤثّرين).
ولا ينتهي دور الإنسان عند هذا الحد، فهناك مسؤولية أخرى وواجب مهم مطلوب منه القيام به، وهو حفظ نفسه وصيانة عقله من الأفكار المنحرفة التي تسعى لسحبه إلى منطقة الانحراف والتعصب والتطرف والعنف، وهذا يمكن تحقيقه من خلال عدم الانزلاق في الفساد العقائدي، أو الفساد الأخلاقي، هذان المنحدران كلاهما يقودان الإنسان نحو منحدر التطرف ومن ثم الابتعاد عن منهج أهل البيت عليهم السلام، وهو قدوتنا في اعتماد العقائد الصحيحة والفكر المعتدل الذي يُقصي العنف والتطرف بعيدا عن فكره وسلوكه وحياته كلها.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(يجدر بالجميع، رجالاً ونساء، وشيبة وشباباً، أن يصمّموا على حفظ أنفسهم وصونها من الوقوع في الهاوية وفي مستنقع الفساد الأخلاقي والعقائدي).
اضف تعليق