يغير قدوم شهر رمضان الفضيل الكثير من أمورنا اليومية، ويفرض نفسه ووجوده في كل لحظة من اللحظات التي تمر بنا، أنه شهر يدفعنا ويحثنا على المزيد من التعمق والتفكير المخلص من أجل انقاذ أنفسنا والآخرين. ونحن نسعى ونحاول دوما ان نجسد التأثيرات والتداعيات الايجابية الكبيرة...

(ان أمراً واحداً هو الذي يضمن استقامة الإنسان واستمراره على الطريق الصحيح، وهذا الأمر هو الشعور المزدوج بالرجاء والخوف، فالرجاء بلا خوف يدفع الإنسان إلى الغرور، والخوف بلا رجاء يدفع الإنسان إلى اليأس، وكل خطوة يخطوها الانسان في هذه الحياة هي بحاجة إلى الرجاء والخوف. عندما تريد ان تقول كلمة ما بمحضر جمع من اصدقائك، وعندما تريد ان تقوم بعمل ما في داخل المجتمع، فانت بحاجة إلى عامل محفّز وعامل مثبّط؛ فالتحفيز يدفعك إلى عمل البرّ والخير، والتثبيط يمنعك من عمل الشر، وهكذا تستقيم حياة الإنسان المؤمن. وشهر الصيام هو مناسبة جيدة لتربية الإنسان على هذه القيم ليكون انساناً مستقيماً).

(الامام الشيرازي الراحل (قدس سره) / كتاب شهر رمضان شهر البناء والتقدم).

يغير قدوم شهر رمضان الفضيل الكثير من أمورنا اليومية، ويفرض نفسه ووجوده في كل لحظة من اللحظات التي تمر بنا، أنه شهر يدفعنا ويحثنا على المزيد من التعمق والتفكير المخلص من أجل انقاذ أنفسنا والآخرين.

ونحن نسعى ونحاول دوما ان نجسد التأثيرات والتداعيات الايجابية الكبيرة التي تركها ويتركها هذا الشهر الفضيل في أمورنا اليومية، خصوصا وانه يعتبر عاملاً مهماً وحساساً في حثنا على المزيد من الالتزام بروح المسؤولية والمحاسبة أمام الله عزَ وجل أولاً، وامام عباد الله ثانيا.

من المناسب ان يعيش الصائم في بداية شهر رمضان الاجواء العبادية والروحية التي وصفها الامام السجاد (عليه السلام) في دعاء دخول شهر رمضان الذي استهله بالحمد ثم التمهيد للصائمين ببيان فضيلة ومكانة ومنزلة هذا الشهر العظيم وخصائصه وافضاله واحسانه على المؤمنين لتنبعث لديهم الهمة والرغبة والنشاط والاندفاع نحو الالتزام بما يفرضه هذا الشهر من تكاليف خاصة تهذب الانسان وتدربه للوصول الى التقوى.

يقول الامام السجاد (عليه السلام) في دعاء دخول شهر رمضان: (وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي حَبَانَا بِدِينِهِ، وَاخْتَصَّنَا بِمِلَّتِهِ، وَسَبَّلَنَا فِي سُبُلِ إحْسَانِهِ، لِنَسْلُكَهَا بِمَنِّهِ إلَى رِضْوَانِهِ، حَمْدَاً يَتَقَبَّلُهُ مِنَّا، وَيَرْضَى بِهِ عَنَّا، وَالْحَمْدُ لِلّه الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ، شَهْرَ الصِّيَامِ، وَشَهْرَ الإِسْلاَم، وَشَهْرَ الطَّهُورِ، وَشَهْرَ التَّمْحِيْصِ، وَشَهْرَ الْقِيَامِ، الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ، وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقَانِ...).

يحتاج هذا الشهر الفضيل الى عدد من الخطوات ليكون الصائم على أهبة التهيّؤ والاستعداد الكامل لهذا الشهر.

من ذلك:

1- التهيّؤ النفسيّ والروحيّ من خلال الإخلاص وتصفية النية وطهارة القلب.

2- التهيّؤ الذهنيّ والفكريّ ويكون ذلك من خلال الوعي الفقهي، والوعي الروحيّ، والوعي الثقافي

3- التهيّؤ السلوكيّ ويكون ذلك من خلال الإقلاع عن المعاصي والذنوب، وأداء الحقوق والتخفف من التبعات، وتصفية الخلافات.

وهذا التهيّؤ السلوكيّ يحتاج إلى (مجاهدة حقيقيّة) وإلى (ترويض حازم) وإلى (محاسبة جادة) لنتمكن من الانتصار على أهواء النفس ونزقها وطيشها وطغيانها.

هذا التهيؤ يجعلنا نستطيع الدخول الى مميزات هذا الشهر الفضيل، ومعرفة رسالته ومضامينها والتي يمكن اختصارها بالتالي:

أولاً: السموّ الرّوحي

فهو يعطي هذا الشهر تمايزاً للروح على الجسد، وللقيم على المادة، ولذلك يجوع الإنسان فيه ويعطش، بينما روحه تحلّق في آفاق واسعة من الاتصال بالله، والتغذية بالمضامين الحضارية لرسالاته لأهل الأرض.

يقول الإمام علي عليه السلام: «ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم وتخشيعاً لأبصارهم وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً لقلوبهم.».

ثانياً: الانعتاق من الدنيا

فالمسلم على مدار السنة ملاحق من الدنيا، تلاحقه في بطنه وفرجه وحاجياته المادية، أما في هذا الشهر الكريم، فإن الدنيا تركن جانباً، ويفسح المجال للآخرة لتأخذ دورها في توجيه الإنسان الوجهة السليمة، فالعطش والجوع، والشدّة والبلاء فيه، إنّما تذكر بشدّة أكبر، وجوع أشدّ وعطش أظمأ، إنّه عطش وجوع وشدّة يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.

يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: «فاذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه».

إنّ هذا الشهر الكريم يجعل الإنسان يعيش حياته بعد موته، وما أجمل أن يسبق الإنسان الزمن، فيموت قبل موته – كما يقول الإمام علي -، ويعيش الآخرة في الدنيا!

ثالثاً: تلخيص عام في ليلة…

فإذا كان الله سبحانه، يقدّر للإنسان في ليلة القدر، ما الذي سيجري عليه في عام كامل، فجدير بالإنسان أن يجمّع كل قواه لهذه الليلة، ليطلب من الله ما الذي يريده هو أن يكون عليه، ومن سلامة وعافية، وحمل رسالة الله لخلقه، وتصحيح نيّته، وسلامة قلبه وطهارة عمله، وكسب الحلال فيه. والانطلاق في الحياة بما يرضي الله في الدنيا والآخرة.

فهذا الشهر الكريم، هو شهر التطوّر السليم نحو الأفضل، وهو التطوّر الذي يبنيه الإنسان بنفسه، لا الذي يفرضه الآخرون عليه.

رابعاً: تجريب الإرادة

وهذا الشهر الكريم، فرصة جيدة لتجريب الإرادة واكتشاف النفس، فالإنسان بطبعه ينهار أمام ضربات الجوع والعطش واللذة. ولكنّه في هذا الشهر بحاجة لتغلّب إرادته على شهوته، وقيمه على لذّته. وإلاّ فإن الخضوع للذّة، أو عدم الصبر على جوع أو عطش، قد يدخل الإنسان ناراً سجرها جبّارها لغضبه.

خامساً: تحسُّس آلام الآخرين

لا يريد الإسلام المسلم فرداً، إنّما يريده أمّة، واختلاف الإنسان الفرد عن الإنسان الأمّة إنّما هو في أنّ الأول لا يعرف إلاّ نفسه، ولا يسعى إلاّ وراء رزقه وراحته، بينما الثاني يرى أن سعادته جزء لا يتجزّأ من سعادة الآخرين، ورزقه لا يكون مساغاً إلاّ إذا أمن رزق الآخرين عن النهب والسرقة من قبل أصحاب القوة والسلطة، ولذلك لا يستكبر دفع نفسه في لهوات الحرب دفاعاً عن لقمة المحرومين، وحريّة المستضعفين.

وهذا الشهر الكريم محطّة يتحسّس المسلم فيها آلام الآخرين، فهو بجوعه خلال هذا الشهر يتذكر الذين يجوعون في أيام السنة، من الفقراء والمحرومين الذين يجوعون دائماً ويعطشون.

يقول الإمام الصادق عليه السلام: «أمّا العلّة في الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك لأنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع، فيرحم الفقير، لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه فأراد الله عزّ وجل أن يسوّي بين خلقه وأن يذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم ليرقّ على الضعيف، ويرحم الجائع».

وسئل الإمام الحسين عليه السلام: لمَ افترض الله عز وجل على عبده الصوم؟ فقال عليه السلام: «ليجد الغنيّ مسّ الجوع، فيعود بالفضل على المسكين».

تنعكس هذا المميزات والخصال لهذا الشهر الفضيل على سلوك المسلمين الاجتماعي مما يترك فوائده واثاره العديدة على المجتمع الإسلامي.

من تلك الاثار والفوائد:

• الالتقاء بالجماعات.

• التفاعل الاجتماعي.

• تنمية روابط الألفة بين أفراد المجتمع.

• مظهر عملي للمساواة الكاملة.

• حسن المعاشرة.

• إشاعة الأجواء المعنوية وتقلّص الجرائم الاجتماعية.

• نشر العدل والمساواة.

• زيادة رقة المشاعر وحب للخير لدى الفرد.

• تنمية السلوك الحسن.

• صيانة المجتمع من الشرور والمفاسد.

• إشاعة روح المحبة والإخاء وروح التعاون في المجتمع.

• توطيد العلاقات الاجتماعية بين المؤمنين.

• التكافل والإيثار.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–2018Ⓒ
http://shrsc.com

اضف تعليق