q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

إدارة العالم وسياسة الكيل بأكثر من مكيال

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

ليس من الغريب أن يتطور عالم اليوم ويُصبح أفضل من عالم الأمس، فهذه سجيّة الحياة وطبيعتها أن ترتقي من حالٍ الى حال تبعا لقانون النمو والتطور، فصناعة الأمس ليست هي صناعة اليوم، وزراعة وتجارة وعلوم الأمس لا ترتقي لما هي عليه اليوم، وليس هذا أمرا مستغرَباً، فهذا هو المتوقّع، ولكن ثمّة أمر ينطوي على الكثير من الاستغراب الذي يصحبه الاستهجان والرفض، فما هو هذا الأمر، ولماذا بات مصدر استهجان وتذمرٍ في عالم اليوم.

إن هذا العالم الذي يتبجّح ويفتخر بما تحقق في مجالات مهمة وعديدة، يغض الطرف أو يتناسى أو يتجاهل أو يهمل الأمر الذي يتسبب بالاستهجان والتذمر والرفض، ونقصد بذلك (إدارة عالم اليوم بطريقة سخيفة وظالمة.

كما وصفها سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، حين قال في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة:

(إنّ إدارة العالم اليوم، إدارة سخيفة، وإدارة ظالمة، لا على مستوى السياسة فحسب، بل على مستوى العالم) في معظم مجالات الحياة.

ومن أسباب هذا التدنّي في مستوى إدارة العالم اليوم، هو الظلم، والقهر، وسياسة الكيل بأكثر من مكيال، وصولا الى نشر الجوع، والقهر السياسي الذي يشمل التصفية والقتل والتعذيب والتشريد والنفي والإقصاء، وكل الأساليب التي تسعى للقضاء على الصوت والرأي المعارض بأية طريقة ووسيلة كانت، مع أن الأديان والفكر الإيجابي والفلسفة الإصلاحية كلها تؤكد أن اختلاف الآراء وتعددها هو الذي يكفل نموّاً سليما للبشرية والعالم أجمع.

فلماذا تصرّ إدارة العالم اليوم على الظلم والسقوط في أدنى مستويات التعامل مع الناس؟، ولماذا يجمعون ثروات الأرض لدى أفراد، ويحرسونها بقبضة حديدية، فيما الأغلبية الساحقة من سكان الأرض تعاني الظلم والقهر والتمييز وكل أصناف التعذيب السياسي والعرقي؟.

هنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي: (كم من الناس يموتون يومياً من الجوع، وكم منهم يُقتل يومياً سياسياً، وكم منهم يسجنون سياسياً؟).

لكن يوجد لدينا النموذج الذي ارتقى الى أعلى الدرجات في سلوكه السياسي ومنهجه الإداري لشؤون الناس بما يحقق أقصى درجة من العدل السياسي والاجتماعي ويقضي على التمييز وينهي الجوع ويقضي على الفقر، فمن هو هذا النموذج العظيم؟.

إنه النموذج الذي استشهد به سماحة المرجع الشيرازي حول الفارق بين إدارة عالم اليوم والأمس، يقول سماحته:

(وأمّا في تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله، لا يوجد حتى فقير واحد بقي على فقره إلى آخر حياته أبداً).

القتل السياسي على المستوى العالمي

إن الغرب طالما أعلن بأنه يراعي حريات الناس، وسياساته قائمة على العدالة والمساواة، هذا القول هو وليد الكلمات والأفكار التي يطلقها الغرب عبر ساسته وبعض مفكريه وأقلامه، ولكن هنالك واقع مرئي وملموس لا يمكن تغطيته بغربال التصريحات والإدّعاءات، إنه واقع عالم اليوم الذي يغصّ بالظلم والقهر والقتل السياسي، على خلاف ما كان يدور يجري في حكومة الرسول صلى الله عليه وآله.

لذلك يتساءل سماحة المرجع الشيرازي مراراً فيقول:

(هل تجدون اليوم في الدنيا عدم وجود قتيل سياسي؟ حتى في بلاد الغرب التي تتبجّح بالحريّة، وفيها بعض الحريّة). بالطبع سوف تأتي الإجابة بالنفي، لأن عالم اليوم يضج بالتجاوزات السياسية وسواها، حتى التجارة لم تسلم من التجاوزات، كما في ظواهر التجارة بالدعارة والمخدرات والأعضاء البشرية، ويطول سجل الانتهاكات التي يقودها الغرب لتثبت البون الشاسع بين ما يقول وبين ما يثبته الواقع من تفشي خطير للإدارة الفاشلة للعالم في يومنا هذا.

ولكن حين نتطلّع في التاريخ السياسي للرسول الأكرم (ص) عندما أصبح حاكما أعلى، وكذلك تلميذه النجيب الإمام علي بن ابي طالب (ع)، فإننا سوف نعثر على كثير من الأدلّة المسنَدة، بأن سياسة العدل والمساواة والحرية ورفض اعتماد أسلوب القتل السياسي، هي التي كانت تميّز هاتين الحكومتين.

كما أكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بكلمته التوجيهية قائلا:

(في تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الحاكم الأعلى، وفي تاريخ حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، التي حكم فيها من العراق نصف المعمورة، إلى عمق أوروبا وإلى عمق أفريقيا، في هذين التاريخين المجيدين، لا يوجد قتيل سياسي واحد). هذا هو التاريخ الناصع لنماذج من عالم الأمس، وتبعا لقانون النمو والتطور، كما حدث في الصناعة والزراعة وسواهما، كان ينبغي أن تتطور إدارة العالم في يومنا هذا، لكن الذي يجري الآن في هذا المضمار ينمّ عن تدني في أخلاق السياسة والساسة، لدرجة يندى لها جبين الإنسانية والتاريخ معاً.

نفتخر ونرفع رؤوسنا عاليا

أما نحن فلدينا ما نفتخر به ملء أفواهنا، فقد غصّت الحكومتين النموذجيتين للرسول الكريم (ص) والإمام علي (ع) بالعديد من الآراء والأصوات المعارِضة، وأحيانا يصل الأمر حد رفع السلاح، أو حتى التعرض لشخص القائد الأعلى بصورة مباشرة.

ومع هذا كله وسوى ذلك مما لم نذكره بالتفصيل، مع هذا كله، لم يذكر لنا التاريخ الأمين المكتوب بأقلام أمينة، حادث قتل سياسي واحدة في حكومتي الرسول (ص) والإمام علي (ع)، على خلاف ما يحدث اليوم في عموم العالم بما في ذلك الغرب الذي يتبجّح كثير وبصوت عال بأنه خالٍ من القهر والظلم والقتل السياسي، على خلاف ما تؤكده الحقائق الدامغة، لذلك نحن نفتخر أشد الافتخار بهذه الأخلاق السياسية النموذجية، وبهذا التاريخ الأخلاقي الفريد لإرثنا السياسي الخالد المتمثل بأعلى وأنصع درجاته بحكومتيّ الرسول الأكرم (ص) والإمام علي (ع).

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله: (نحن بملء أفواهنا، نرفع رؤوسنا مفتخرين ونقول: رغم كل المشكلات فيهما، لا ترون قتيلاً سياسياً واحداً في تاريخ الحكومتين المجيدتين، أي حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه).

ونظرا للأوضاع السياسية المربكة التي يعيشها اليوم العراق والبلاد الإسلامية وغيرها، فإننا في أكبر وأمسّ الحاجة لاعتماد منهاج أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم، ومن ثم تطبيقه في حياتنا بالمجالات المختلفة، السياسية، الإدارية، الاقتصادية، وسواها مما يجعل حياتنا أكثر عدلا وإنصافا وتطورا واحتراما لقيمة الإنسان الذي منحه الله إياها وكرّمه بها.

ولذلك لا يمكن أن نتوقع النجاة للعراق على نحو الخصوص كونه أرض الأنبياء ومهبطهم، وأرض أئمة أهل البيت (ع)، ما لم تعتمد ساستنا وفكرنا وسلوكنا منهج عليّ والحسين عليهما السلام وباقي الأئمة من نسلهما وامتدادهما الموقّر الشريف، فبهذا المنهج النموذجي، إذا ما قيِّض لنا تطبيقه بصورة مشرّفة، فإننا سوف ننجو مما نحن فيه من تصدّع وتشتت وعشوائية في إدارة حياتنا وبلدنا ومؤسساتنا الحكومية أو سواها، فإذا أردنا أن ننقذ بلدنا وأنفسنا، فليس أمامنا سوى هذا الطريق المتاح لنا اليوم أكثر من أي وقت مضى، لذا علينا اغتنام هذه الفرصة بقوة وبلا أدنى تردد أو ضعف.

يقول سماحة المرجع الشيرازي بوضوح: إن (العراق اليوم، وغيره من البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، بحاجة إلى تعلّم منهاج أهل البيت صلوات الله عليهم وتطبيقه. والعراق لا ينجو إلاّ بمنهاج عليّ والحسين وأهل البيت صلوات الله عليهم).

اضف تعليق