للشر عوامل مساعدة كما لسواه، يرتكز عليها وينطلق منها كي يتفوق على كل ما يمت للخير بصلة، فالحياة كما هو معلوم حلبة صراع مفتوحة بين الخير والشر، وكلما اجتهد العقل البشري في تحجيم مكامن الشر وعوامله المساعدة، يجعله أكثر ضعفا وأقل تأثيرا، ولهذا يحثّ العلماء الناس على انتهاج سبل الإصلاح لتقويض مآرب الأشرار التي تنطلق دائما من عقول شريرة ونفوس مريضة لا يمكن معالجتها وإعادتها الى سواء السبيل إلا باعتماد الأخلاق.
هل نقول أن الأخلاق لها قابلية القضاء على الشر؟ جميع التجارب الفردية والجماعية أكدت أن الأخلاق هي الأكثر قدرة على إطفاء الشر فهي بمثابة الماء التي تطفئ النار عندما تُسكَب عليها، لهذا يستدعي الأمر أن نلج الدروب التي تقودنا الى إصلاح النفس بالسبل الأخلاقية، فمنذ أن بدأت البشرية مشوارها الشاق في طريق الحياة الطويل، كانت الحاجة الى تهذيب النفوس ملحّة ومطلوبة سواءً على مستوى الأفراد أو الجماعات، ولعل الأخلاق هي الطريق الأكثر صوابا الأقدر على تحقيق هذا الهدف، لذلك ليس غريبا أن يقول الرسول الأعظم (ص) في حديث شريف: (إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق) وليس غريبا أن تُمنَح هذه القيمة الكبرى للأخلاق، فهي القوة الرادعة لأهواء النفس وهي قاعدة الضوابط التي تحكم سلوك الإنسان ونواياه تجاه الآخرين، وتضبط كل رد فعل يبدر منه لهذا السبب أو ذاك.
لذا يؤكد سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (العلم النافع) على هذا الأمر فيقول:
(إذا كان المرء حسن الخلق فإنّ دافع الخير عنده يغلب دافع الشرّ وسيكون نصيبه خير الدنيا والآخرة، بخلاف سيّئ الخلق فهو لا دنيا له ولا آخرة).
كما أن الفرد مطالب دائما بضبط النفس واعتماد القواعد والبنود العرفية السائدة، لأن الأخلاق السامية تمنح الإنسان قدرة كبيرة على التسامح وتدفعه لمعاملة الآخر وفقا لقيمته العالية وكرامته الإنسانية التي ينبغي على الجميع أن يحافظ عليها، لهذا حين يتحلى الشخص بالأخلاق القادرة على توجيه أفعاله ونواياه، فإنه سيتميز بالصفات القويمة التي تجعله أشد إيمانا بحق الآخرين بالحياة الحرة الآمنة والتعامل معهم بإنصاف وعدل وترجيح التعاون على سواه في جميع أشكال التعاملات.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذه النقطة بالذات: إن (حسن الخلق هو أن تكون صادقاً في الكلام، صابراً عند المكاره، تلقى الناس دائماً ببشر الوجه وطلاقته، وأن تحلم عمّن يسيء إليك، وإلى غير ذلك من محاسن الأخلاق).
كن خلوقا تكسب العالم
ونتيجة لحالات الاحتكاك اليومي طلبا للرزق، ونشوء حالة التنافس وتضارب المصالح، تحدث اختلافات كثيرة بين البشر، لا يمكن معالجتها إلا بتنمية الأخلاق وتطويرها، ذلك أن الإنسان الذي يمتلك الاخلاق لا يمكن أن يظلم إنسانا آخر أو يفضل مصلحته على الآخر، حتى عندما يسيء شخص ما بحق حامل الأخلاق فإنه لا يرد عليه بالمثل.
لسبب واضح ومعرف أن رد الإساءة بمثلها ليس من شيم الإنسان المتوازن المؤمن، بل العفو والتعاون والصدق والطيبة هي السمات العظيمة التي ينبغي أن يتحلى بها أصحاب العقول الأخلاقية، ولعل حالة التعامل بهدوء وضبط الكلام والسلوك لا يتمكن منها إلا من يتحلى بالأخلاق المتينة الراسخة، لذلك غالبا ما نجد أن حامل الأخلاق محبوبا من الجميع مقربا إليهم، بسبب أخلاقه وسلوكه الإنساني.
يوضح لنا هذا الأمر قول سماحة المرجع الشيرازي إذ يقول: (إذا عزم طالب العلم على أن يكون حسن الخلق فسيصبح عالماً، والكاسب إذا عزم على ذلك سيصبح تاجراً، والزوج سيكون محبوباً عند زوجته، وهكذا الزوجة. بعبارة أخرى: إنّ حسن الخلق يكون محبوباً عند الله تعالى وعند الناس كافّة).
ولهذا عُرف عمّن يتحلى بالأخلاق أنه يسمو بنفسه عاليا فوق التوافه، وينأى بعيدا عن الإساءة للآخر، فتجده في مصنعا للقيم النبيلة التي ترتقي بالإنسان، وتسهم في نقل المجتمع كله الى مراتب أفضل في جميع المجالات العملية والمعنوية، فتعود الأخلاق على صاحبها بمراتب نجاح عليا وتجعله من المتميزين في محيطه الإجتماعي.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ من يريد التوفيق وخير الدنيا وخير الآخرة والمحبّة عند الله عزّ وجلّ وعند الناس ينبغي له أن يردّ السيئة بالإحسان والحلم).
كيف نمضي قُدما صوب النجاح؟
ومن أهم الفوائد التي تقدمها الأخلاق للفرد والمجتمع، أنه تضع بين يديه كل الأسباب والوسائل التي تمضي به صوب النجاح، لهذا من النادر أن تجد شخصا خلوقا يعاني من الفشل في حياته، بل على العكس من ذلك تماما، فالفشل هو حليف المستهترين دائما، حيث تراهم منبوذين لا احد يتعامل معهم او يقربهم فيبقون معزولين، على العكس من أصحاب الأخلاق الذين يشكلون عمود المحيط والمجتمع عموما.
لهذا السبب يؤكد سماحة المرجع الشيرازي، على دور الأخلاق في السمو بالإنسان الى مراتب عليا من النجاح في حياته، ذلك أن الآخرين يمنحونه الثقة اللازمة ويتعاملون معه على أنه كفؤ متوازن ويقدمون له تسهيلات كثيرة، في نفس الوقت لا يمكن أن يمنحوا فاقد الأخلاق أي فرصة للتعاون والتعامل المتبادل إلا في حالة الخداع التي يلجأ إليها غالبا من لا يحمل الأخلاق في نفسه وفكره وسلوكه، لذلك لا ينجح في تعاملاته وحياته، على العكس ممن يتحلى بالأخلاق حيث يكون النجاح حليفه دائما ويشمل هذا النجاح الفرد والمجتمع معا:
ويؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي عندما يقول في كتابه نفسه: (لقد رأيت الكثير ممن اتّصف بالخلق الحسن من العلماء وغيرهم من سائر الناس كانوا موفّقين في حياتهم وكانوا محبوبين عند الناس ولم يلقوا صعوبة في حياتهم).
لا يقتصر النجاح في الدراسة أو العمل أو في المشاريع الشخصية، فهناك ثمة دور كبير للجانب الأخلاقي في المحيط العائلي، فالإنسان ينبغي أن يكون ذا طبائع وسلوكيات ونوايا متطابقة من حيث المظهر والجوهر، فحين يكون لسانه حلوا لابد أن تدعم هذا الكلام الجميل أخلاق جميلة، ويثبت الواقع أن الشخص الخلوق لا يمكن إلا أن يكون كلامه مشابها له ولصيقا به، فالأخلاق وحسن الكلام صنوان لا يفترقان، وإذا كان الكلام معسولا مخادعا فإنه قد ينجح مرة واحدة، أما كلام الإنسان الخلوق فإنه مقبول محبب وناجح دائما وأبدا.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ أيّ فرد من أفراد الأسرة إذا كان حسن الخلق فإنّه سيكون محبوباً عند الجميع وسيقبل الله عزّ وجلّ أعماله، وإذا مات فسيترحّم عليه الناس، أمّا صاحب الخلق السيّئ فإنّه سيكون على العكس من ذلك تماماً. لذا ينبغي لكم أن تعزموا على التحلّي بالأخلاق الحسنة، لتنالوا خير الدنيا وخير الآخرة).
اضف تعليق