المادة والروح عنصران يشتركان في البناء التكويني للكائن البشري، ومن المهم جدا ان تكون هناك درجة من التوازن في بناء الانسان، لأن أي تركيز لطرف على حساب الآخر سوف يؤدي ذلك الى فقدان التوازن المطلوب، وبالتالي يتعرض البشر الى خطر العزلة المادية أو الفكرية، والتي تشكل بدورها حاجزا يمنع التطور الحياتي للانسان، وقد يؤثر على ايمانه وتقواه وعمله المعني ايضا، ما يجعله اكثر اهتماما بالمادة على حساب التربية الروحية، وهي تشمل كل ما يتعلق بالجانب التكويني الروحي للانسان ومن ضمنه درجة الاستقرار النفسي له، وهو أمر في غاية الأهمية لتوازن عقل الانسان وتفكيره.

من هنا تشكل قضية خلق التوازن المادي الروحي اهمية كبيرة، حتى يكون الانسان قادرا على العطاء، ومن الضروري خلق التوازن بين الجسم والروح، كي لا يطغى جانب على حساب آخر، إذ لو طغى الجانب المادي في الإنسان على الجانب الروحي فإن ذلك يهبط به إلى مستوى البهائم أو أضل سبيلاً، كما يؤكد ذلك احد المعنيين، ولو طغى الجانب الروحي على الجانب المادي فإن ذلك سيؤدي به إلى الرهبنة والتصوف والانعزال عن الحياة، ومن ثم ترك القيام بمسؤولية عمارة الأرض، وبناء الحضارة، وإدارة الحياة، وبالخصوص لجيل الشباب. فلا تطغى قبضة الطين على نفخة الروح، ولا نفخة الروح على قبضة الطين، فالله عز وجل خلق الإنسان مزيجاً منهماً، ويريد منه أن يعيش كذلك!.

وثمة تركيز كبير على شريحة الشباب في هذا الجانب، لسبب واضح أن الشاب يكون في قمة عنفوانه وقوته، لاسيما في مجال الرغبات والشهوات والغرائز التي قد تدفع بالشاب في منزلق خطير، لهذا ينبغي متابعة الشباب حيث القوة والعنفوان والشعور بالعجب والاقتدار أحوج ما يكونون للتوازن الدقيق بين متطلبات الجسم ولوازم الروح، ولأن النفس أميل بطبيعتها إلى غرائزها وشهواتها المادية، فإن الشباب بحاجة قوية إلى مجاهدة النفس، وممارسة الرياضة الروحية، وترويض الذات على سلوك طريق الحق والهدى والصلاح.

ولذلك يقول احد الكتاب استنادا الى خبرته في هذا الميدان، غالبا ما يعيش جيل الشباب صراعاً قوياً ومحتدماً ويومياً بين شهواته ورغباته المادية من جانب، وميوله ورغباته الروحية والمعنوية من جانب آخر، يقع في امتحان عسير، فإن قدّم شهواته على مبادئه وقيمه ومُثُله، فإنه بذلك يكون قد اتخذ إلهه هواه، وأما أن ينتصر لمبادئه وقيمه ومُثُله الدينية، وعندئذ يكون قد اجتاز الامتحان بنجاح، اما كيفية تحقيق هذا النجاح فإنها تستمد من قدرة الشباب على التمسك بالجانب الروحي وتطويره الى جانب التطور المادي، علما ان الجانب الروحي يدعم الانسان نفسيا ويجعله أكثر استقرارا وقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة في حياته.

نظرة الاسلام لاشباع الغريزة؟

هناك تصور خاطئ لدى أصحاب الآراء المسبقة عن الاسلام ومبادئه وأفكاره، اذ يرى هؤلاء أن الاسلام يمنع اهتمام الانسان بالجانب المادي والتمتع بمزايا الحياة الجيدة، والاسلام كما يظن هؤلاء يقتصر في اهتمامه بالجانب الروحي فقط، وهذا في الحقيقة تصور لا أساس له من الصحة، فكما يرى المعنيون ان فلسفة الإسلام تجاه الإنسان فهي قائمة على التوازن بين أبعاد الإنسان ومكوناته الروحية والعقلية والجسمية، وهو لا يجيز الوصول إلى الغايات والأهداف النبيلة إلا من خلال وسائل وأساليب نبيلة أيضاً. والإسلام لا يمانع من إشباع الغرائز المادية ولكن يجب أن يكون ذلك بالحلال، وبوسائل مشروعة، وضمن حدود وضوابط الشرع، وإلا فلا يمكن للإنسان أن يتجاوز ويتجاهل حاجاته المادية من أكل وشرب وجنس ومال.. وليس من الصحيح أن يكون الإنسان منعزلاً عن الجانب المادي في كيانه، وإنما نتحدث هنا عن الانسياق وراء الشهوات، والانغماس في الملذات بطرق غير مشروعة ومن دون حدود ولا قيود غير مسموح به بطبيعة الحال وهذا امر معمول به في كل المجتمعات والاديان والمذاهب، اذ لا يمكن أن تكون حرية الانسان المادية سببا في تدمير نفسه والآخرين ايضا.

لذلك يطالب الاسلام بحالة من ضبط الغرائز وتحقيق مآربها ضمن حدود مقبولة تضمن للانسان اشباع هذه الغرائز ولكن بطرق واساليب متحضرة ومقبولة تحفظ كرامة الانسان وحرمته، لاسيما أن مرحلة الشباب هي مرحلة الانفلات واستيقاظ الغرائز لابد من الاهتمام بالجانب الروحي للشباب، فهم أحوج ما يكونون إلى الارتباط بالخالق عزوجل، والتقرب إليه، والتوسل به، وبذلك يقترب الشاب أكثر وأكثر من ربه وخالقه تبارك وتعالى ويضمن مرضاته سبحانه وهذه النقطة ينبغي أن تعد أهم هدف في حياة الانسان

كذلك ينبغي أن يتنبه الجميع الى أننا لم نعد نعيش في عصر البساطة، بل اصبحت حياتنا في حالة غريبة من التعقيد، ربما وصلت الى المستوى الأعلى من التعقيد المادي، حيث طغت في هذا العصر المادية على كل شيء، وذلك بفعل هيمنة النموذج الغربي والثقافة الغربية التي تركز على كل ما هو مادي، وتتجاهل كل ما هو روحي وقيمي، فأصبح فرصة السباحة في بحر الشهوات والماديات متاحة للشباب المسلم، علما ان إطلاق الشهوات يمثل ركنا من الفلسفة المادية الحديثة، تحت عنوان المدنية والتقدم والتحضر.

الروح وماهية الفلسفة المادية

وعند الخوض في صلب هذه الفلسفة التي تعنى بالمادة سوف نلاحظ بحسب العلماء المعنيين أنها قسمت الفلسفات المادية الحديثة المعرفة إلى طبيعية فيزيقيا وما وراء الطبيعة ميتافيزيقيا فاعترفت بالأولى وأنكرت الثانية واعتبرتها مجرد خرافات وأساطير وتصورات ابتدعها الإنسان من وحي خياله وتفكيره، وهذا ما أدى إلى تقوية العلاقة بين الإنسان وعالم الطبيعة وكل ما هو مادي ومحسوس، والانقطاع عن عالم الروح وكل ما هو قيمي ومُثُلي، وقد انعكس هذا سلباً على سلوك الإنسان وممارساته المادية، فالإنسان في ظل الحضارة المادية أصبح يمارس كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في سبيل الوصول إلى غاياته وأهدافه، وإن كان ذلك على حساب الأخلاق والقيم الإنسانية، إن التزام الشباب بالصلاة والصيام والزكاة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلاوة القرآن والدعاء والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى هو الذي يحافظ على شعلة الدين في نفوس الشباب، وينمي الأبعاد الروحية لديهم، مما يجعلهم أقوياء أمام ضغوط النفس، وأعباء الحياة، ومغريات الحضارة المادية الحديثة.

أما فلسفة الإسلام تجاه الإنسان فهي قائمة على التوازن بين أبعاد الإنسان ومكوناته الروحية والعقلية والجسمية، وهو لا يجيز الوصول إلى الغايات والأهداف النبيلة إلا من خلال وسائل وأساليب نبيلة أيضاً، ووحدة الخالق وتوحيده حرر الإنسان من عبودية الذات، ومن عبودية الإنسان لأخيه الإنسان، وبذلك يتحقق للإنسان الحرية الحقيقية القائمة على توحيد الله عز وجل، والخضوع له، ورفض الخضوع لأي كائن آخر، إن التزام الشباب بالصلاة والصيام والزكاة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلاوة القرآن والدعاء والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى هو الذي يحافظ على شعلة الدين في نفوس الشباب، وينمي الأبعاد الروحية لديهم، مما يجعلهم أقوياء أمام ضغوط النفس، وأعباء الحياة، ومغريات الحضارة المادية الحديثة، والتمسك بالقيم الروحية والمعنوية هو أفضل حصانة للشاب من الانهيار أمام مغريات المادة، أو التحول إلى عبد من عبيد الشهوات، كما أن البناء الصلب للجوانب الروحية هو الذي يجعل الشاب قريباً من الله، محبوباً عنده، وعند الناس، وقادرا على بناء حياة ناجحة قائمة على الاهتمام بالجانبين المادي (الاحتياجات المادية للانسان)، والروحي الذي يمثل الاحتياجات الخاصة بالعمق الروحي له، كالتدين والايمان والتقوى والتقرب الى الله تعالى.

اضف تعليق