ملفات - شهر رمضان

الانشِغال ببناءِ النفس

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة (٢٧)

هل نظنُّ أَنَّ بإِمكانِ أَيِّ أَحدٍ أَن يُغيِّرَ الآخرين قبلَ أَن يغيِّرَ نفسهُ؟ وهل نظنُّ أَنَّ بإِمكانِ أَيِّ أَحدٍ أَن يجعلَ الدُّنيا كلَّها على دينٍ واحدٍ أَو مذهبٍ واحدٍ أَو لَونٍ واحدٍ فيقضي على الإِختلافِ؟ فأَنتَ الذي تظنُّ نفسكَ تفهم كُلَّ شيءٍ وقد وصلتَ إِلى الكمالِ الذَّاتي والنَّفسي لتبدأَ...

(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا).

 هل نظنُّ أَنَّ بإِمكانِ أَيِّ أَحدٍ أَن يُغيِّرَ الآخرين قبلَ أَن يغيِّرَ نفسهُ؟!.

 وهل نظنُّ أَنَّ بإِمكانِ أَيِّ أَحدٍ أَن يجعلَ الدُّنيا كلَّها على دينٍ واحدٍ أَو مذهبٍ واحدٍ أَو لَونٍ واحدٍ فيقضي على الإِختلافِ؟!.

 فأَنتَ [المُتديِّن] الذي تظنُّ نفسكَ تفهم كُلَّ شيءٍ وقد وصلتَ إِلى الكمالِ الذَّاتي والنَّفسي لتبدأَ رحلةَ تغييرِ العالَم إِسأَل نفسكَ ما يلي؛

- كم هيَ المسافةُ بينكَ وبينَ الآيةِ الكريمةِ (قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ* ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ* وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ)؟! أَم أَنَّكَ مِمَّن يخوضُ في اللَّغوِ في وسائلِ التَّواصلِ الإِجتماعي ليلَ نهار؟!.

- هل أَحسستَ لحظةً بالشُّعورِ التَّالي الذي يشرحهُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) عن المُؤمنِينَ عندَما يتلونَ القُرآن الكريم (أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا يُحَزِّنُونَ بِه أَنْفُسَهُمْ ويَسْتَثِيرُونَ بِه دَوَاءَ دَائِهِمْ فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ وإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وأَكُفِّهِمْ ورُكَبِهِمْ وأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ، وأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى ومَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ ويَقُولُ؛ لَقَدْ خُولِطُوا!)؟! أَم أَنَّكَ ممَّن (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).

- هل شعرتَ بالذلَّةِ مع [جماعةِ المُؤمنينَ] كما يصِفُ قولهُ تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)؟! وهل شعرتَ في ذاتِكَ بهذا الشُّعورِ الذي تحدِّثُنا عنهُ الآية الكرِيمة (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)؟! أَم أَنَّك كُتلةً من الغلِّ والحقدِ والحسَدِ ضدَّ [جماعة المُؤمنينَ] الذينَ تعتقِدُ أَنَّكَ منهُم؟! ومنَ (الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

 وماذا عن قولِ الله تعالى (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)؟! أَينَ أَنتَ مِنها؟!.

 وماذا عنكَ بإِزاءِ وصفِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) عندما كان يُقاتِلُ في سبيلِ الله (كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرسولِ الله (ص) فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ)؟! هل تجدُ نفسكَ في الصفِّ الأَمامي معَ [المُقاومة] أَم تتمترس في بُرجِكَ العاجي وتقاتل (مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ)؟! وإِنَّ (أَكْبَرُ مَكِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَرْمَ سَبَّتَهُ) ثم تقارِن نفسكَ بأَهلِ البيت (ع) الذي يقولُ عنهُم أَمِيرُ المُومنِينَ (ع) (نحْنُ أَهلُ البَيتِ لا يُقاسُ بِنا أَحدٌ فينا نزلَ القُرآنُ وفِينا معدِنُ الرِّسالَة).

 وما هي طبيعةُ علاقتِكَ بقولِ الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) أَم أَنَّك ممَّن يتلذَّذ بلحمِ أَخيهِ مَيتاً؟!.

 إِذا أَجبتَ على هذهِ الأَسئلة ومثيلاتِها بالإِيجابِ فأَنتَ على حقٍّ إِذا فتَّشتَ في نوايا الآخرين! وإِن كانَ هذا خلافَ الواقعِ والحقيقةِ لأَنَّ الله تعالى يقولُ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) و (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ).

 أَمَّا إِذا كانَ جوابكَ بالنَّفي، وهوَ الأَكيدُ والصَّحيحُ والسَّليمُ والأَسلم، فالأَفضلُ لكَ أَن تنشغِلَ بنفسِكَ فتعلِّمها وتزكِّيها وتطهِّرها ودع عنكَ نوايا الآخرين والتدخُّل في شؤُونهِم، والله تعالى يقولُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) أَلم يقُل ربُّ العزَّةِ (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا)؟! وقولهُ تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚأَفَلَا تَعْقِلُونَ)؟!.

 أَمَّا أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) فقد حسمَ الأَمرُ بقَولهِ (مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِه ولْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِه بِلِسَانِه ومُعَلِّمُ نَفْسِهِ ومُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ ومُؤَدِّبِهِمْ).

 إِنَّ انشِغالَ المرءِ ببناءِ ذاتهِ وتربيةِ نفسهِ في طريقِ الكمالِ هو الواجِبُ المفروضُ علينا إِنسانيّاً ودينيّاً وأَخلاقيّاً وعقليّاً ومنطقيّاً، فلماذا لا ننشغِلَ بها ونعبثُ بالتَّفتيشِ في نوايا الآخرينَ؟!.

اضف تعليق