الإِدمانَ على وسائل التَّواصلِ الإِجتماعي بدأَ يخلقُ ظاهرةَ التَّفاهة التي تنتشِرُ يوماً بعدَ آخر بشَكلٍ مُرعبٍ كالنَّارِ في الهشيمِ، فمتى يجرُفك هذا التيَّار وقد تصبحَ جُزءاً منهُ مِن حَيث تشعُر أَو لا تشعُر، إِنَّ التَّفاهة كالزَّهايمر مرضٌ لهُ أَسبابهُ وعوارِضهُ كما أَنَّ لهُ ما يُمكِّنُ...
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ}.
وإِنَّ أَسوأ أَدوات التَّضليل هي وسائِل التَّواصل الإِجتماعي التي أَدمنَ عليها الأَعمِّ الأَغلب من النَّاسِ من دونِ رقابةٍ خارجيَّةٍ أَو ذاتيَّةٍ، لافرق.
ولذلكَ فإِنَّ من الواجبِ المُؤَكَّد على الأُسرةِ على وجهِ التَّحديد ضبط تعامُل الأَبناء معَها بقواعِدَ صارِمةً وتنبيههِم إِلى أَن لا يُتابعُوها بشكلٍ تعسَّفيٍّ بذريعةِ أَنَّها [قراءة] في نهايةِ المَطاف، أَبداً فهيَ ليست [قراءَة] وإِنَّما هيَ مَضيَعةٌ للوقتِ في الأَغلبِ، ولذلكَ فهيَ مقبرةُ العقلِ وتسطيحُ الذِّهنِ.
ينبغي تعليمهُم وإِقناعهُم أَن يُسيطرُوا ذاتيّاً على الوقتِ الذي يقضُونهُ مع وسائلِ التَّواصُل، فسِياساتٌ مثلَ المنعِ والحرمانِ بالقَسوةِ لا تُجدي نفعاً معهُم، إِذ ينبغي أَن يتعلَّمَ النَّشء الجديد كيفَ يخلُق الفَلترة الذاتيَّة على وقتهِ الذي يقضيهِ معها، ليمتلِكَها ولا تمتلِكهُ فلا يكونُ {أَمْرُهُ فُرُطًا} فعلاقتهُ معَها يجب أَن تكونَ مَوزونةً [لا إِفراطَ ولا تفرِيط].
ولقياسِ مدى إِنتشارِ ظاهرةِ [القراءةِ] الحقيقيَّةِ والجديَّةِ في المُجتمعِ وسِعةِ تأثيرها وبالتَّالي مدى وعيهِ وفهمهِ واحترامهِ لشخصيَّتهِ عليكَ بمُتابعةِ الظَّواهرِ السَّلبية فيهِ وحجمِ انتشارِها، فإِذا تعدَّدت فيهِ توج الرُّوس والقادَة الضَّرورة وصِناعةِ وعِبادةِ الأَصنامِ والخطُوطِ الحمراءِ وامتدَّت الذُّيول لتشمِلَ كُلَّ المساحاتِ والسَّاحاتِ واختفى الرَّأي العامِّ وزادَ عددُ المُبوِّقُونَ، فتأَكَّد بأَنَّهُ مُجتمَعٌ عديمُ الطَّعم واللَّون والرَّائحة جاهلٌ لا يفهَمُ شيئاً إِمَّعةٌ عاجِزٌ عن التَّفكيرِ يتَّبع دونَ فَهمٍ ويسيرُ [خلفَ] مِن دونِ مَعرفةٍ ويُطيعُ {عُمْيٌ} وكُلُّها مُؤَشِّراتُ فشَلِ المُجتمع.
أَمَّا إِذا اختفت كُلَّ هذهِ الظَّواهر مِن مُجتمَعٍ ما أَو قلَّت إِلى حدودِها الدُّنيا فتأَكَّد بأَنَّهُ مُجتمَعٌ واعي وناجحٌ ومُنتِجٌ ومُبدِعٌ.
يصفُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) المُجتمع الفاشِل بقولهِ {أَلَا وإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}.
إِنَّ الإِدمانَ على وسائل التَّواصلِ الإِجتماعي بدأَ يخلقُ ظاهرةَ [التَّفاهة] التي تنتشِرُ يوماً بعدَ آخر بشَكلٍ مُرعبٍ كالنَّارِ في الهشيمِ، فمتى يجرُفك هذا التيَّار وقد تصبحَ جُزءاً منهُ مِن حَيث تشعُر أَو لا تشعُر؟!.
إِنَّ التَّفاهة كالزَّهايمر مرضٌ لهُ أَسبابهُ وعوارِضهُ كما أَنَّ لهُ ما يُمكِّنُ من الوقايةِ منهُ وتجنُّبهُ إِذا أَردنا ذلكَ أَو أَن نُعالِجهُ إِذا شعرنا بالإِصابةِ بهِ وهوَ بعدُ في أَوَّلِ الطَّريقِ.
فمِن أَسبابهِ مثلاً؛
أ/ أَن تقرأَ لكُلِّ مَن هبَّ ودبَّ وتُصدِّقهُ، وأَن تصغي إِلى كُلِّ مَن هبَّ ودبَّ وتُصدِّقهُ، وأَن تتعاملَ بإِيجابيَّةٍ مع أَيِّ خبرٍ يصلكَ مِن كُل مَن هبَّ ودبَّ حتَّى إِذا كانَ مجهُول المَصدر.
وتزدادُ الخطُورة عندما تَبني على كُلِّ ذلكَ رأياً أَو مَوقفاً وكأَنَّكَ تبني على الرِّمال أَو تنقُشُ في الماءِ! ثُمَّ تُباشِرُ بالتَّرويجِ!.
إِنَّكَ هُنا كمَن يدَّعي {ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ۚ فالتَّرويجُ من دونِ تثبُّتٍ لا يُمثِّلُ الحقيقةَ أَو الشَّيء الصَّحيح {وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ}.
يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) {هَلَكَ مَنِ ادَّعَى و (خابَ مَنِ افْتَرى) مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَه لِلْحَقِّ هَلَكَ وكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَه، لَا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ ولَا يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ وأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ والتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ ولَا يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلَّا رَبَّه ولَا يَلُمْ لَائِمٌ إِلَّا نَفْسَه}.
هذا الإِنسانُ يعيشُ الجَهلَ المُركَّب وضَعف الشَّخصيَّة والشَّك وعدمِ الإِستقرار النَّفسي والعقلي، فبتصديقهِ وتبنِّيه واتِّباعهِ وتروِيجهِ لكُلِّ ما يصلُ إِليهِ في وسائلِ التَّواصل يُحاولُ ملء الفَراغ الذِّهني الذي يعيشهُ كما يسعى بذلكَ إِلى إِكمالِ الجانبِ المُظلمِ في شخصيَّتهِ وما درى أَنَّهُ يُزيدها ظُلمةً وعُتمةً بمثلِ هذا السُّلُوكِ.
باستثناءِ إِذا كانَ مأجُوراً مدفُوع الثَّمَن موظَّفاً في شبكةِ [ذُبابٍ أَليكترونيٍّ] فذلكَ أَمرٌ يختلِف!.
إِنَّ المرءَ الواثق من نفسهِ، عقلهِ وفكرهِ وقدرتهِ على التَّمييزِ بين الغثِّ والسَّمينِ، لا يُروِّج ما يرِدهُ قبلَ أَن يجيبَ على [٣] أَسئِلة مُهمَّة وهيَ؛
١/ مدى دِقَّة المادَّة؟! أَهي صحيحةٌ أَم كذِب؟! حقيقيةٌ أَم مُفبركة؟!.
٢/ هل هيَ مُهمَّة أَم تافِهة لا قيمةَ لها؟! هل تنفعُ بشيءٍ أَم لا تُغني ولا تُسمِنُ من جُوعٍ؟!.
٣/ ما هيَ الفائِدة من التَّرويجِ لها؟! هل سيستفيدُ مِنها أَحدٌ؟! هل ستُساعدُ أَحداً في زيادةِ علمهِ ومعارفهِ أَو تُساعدُ أَحداً في بناءِ رُؤيَةٍ؟!.
وبعدَ كُلِّ هذا هوَ يتعاملُ معَها بحذَرٍ شديدٍ حتَّى إِذا كانت صحيحةً وسليمةً، فقد يتمُّ نشرها في هذا الوقتِ بالذَّاتِ لإِشغالِ الرَّأي العامِّ عن أَمرٍ آخرَ أَكثرَ أَهميَّة! أَو أَنَّها تستهدِفُ أَحداً لغرضٍ ما فيكُونُ التَّرويجُ لها مصداقَ قَولهِ تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) {الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَه وكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَه وإِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الرِّجَالِ إِلَى اللَّه تَعَالَى لَعَبْداً وَكَلَه اللَّه إِلَى نَفْسِه جَائِراً عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ سَائِراً بِغَيْرِ دَلِيلٍ إِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ الدُّنْيَا عَمِلَ وإِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ الآخِرَةِ كَسِلَ كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَه وَاجِبٌ عَلَيْه وكَأَنَّ مَا وَنَى فِيه سَاقِطٌ عَنْه}.
ب/ إِذا فقدتَ السَّيطرةَ على وقتِكَ الذي تصرفهُ وأَنتَ تعبثُ بهاتفِكَ الجوَّال مُنشغِلاً بمُتابعةِ وسائلِ التَّواصل الإِجتماعي لا إِراديّاً.
هذا الإِنشغالُ المُفرط يقودَك للتَّفاهةِ إِذا؛
- أَشغلكَ عن القراءةِ وطلبِ العلمِ والمَعرفةِ، فيمرُّ عليكَ اليَوم بعدَ اليَوم وأَنتَ لا تفتَح كِتاباً لتقرأَ ولا تجِد الوَقت لتُطالعَ بحثاً أَو دراسةً أَو تقريراً موزُونا أَو مقالاً مُعتبراً في قضيَّةٍ من القَضايا.
- أَشغلكَ عن حياتِكَ اليوميَّة فبَدا عليكَ التَّقصيرُ في كُلِّ شيءٍ، في العملِ والمدرسةِ والعلاقاتِ الإِجتماعيَّةِ والتَّواصُل المُباشرِ معَ النَّاس.
- أَشغلكَ عن أَهلِكَ وأُسرتِكَ وأَولادِكَ، وهوَ الأَخطر، فتبدأ تتواصَل معهُم بالواتس آب مثلاً أَو الفيس بوك، فلم تعُد تجِد الوقتَ للجلُوسِ معَ أَهلِكَ وإِبنكَ وبنتكَ، تستمِع إِلى طلباتهِم وإِنجازاتهِم ومشاكلهِم وقَصصهِم فتضيِّعهُم شيئاً فشيئاً إِذا اتَّسعَت الفَجوة بينكُم، حتى تبدُو وكأَنَّكَ غريبٌ في أُسرتِكَ! لا يسمعُوا منكَ ولا تسمَع مِنهُم.
- إِذا كانت مصدرَك الوحيد للأَخبارِ والتَّحليلاتِ والآراءِ والمعلُوماتِ.
- إِذا اكتشفتَ أَنَّها أَسَرَتْكَ فأَدمنتَ عليها، تخرجُ عن طَورِكَ إِذا قاطعكَ أَحدٌ وأَنت تُتابعها! لا تقدر على تكذيبها وليسَ بإِمكانِكَ تركها حتَّى في مخدعِكَ وأَنت أَعجز مِن أَن تُغادرها في الوقتِ الذي تُريدُ!
إِذا مررتَ بهذهِ الحالةِ فأَنتَ في قمَّةِ التَّفاهة أُصِبتَ بالمرضِ في مقتلٍ!.
اضف تعليق