وهذا النُّموذج هوَ ما نُطلِقُ عليهِ صِفة أَنصافُ المُتعلِّمينَ الذين يتصدُّونَ للجدالِ والحِوارِ والمُناقشةِ وهُم لا يمتلكُونَ من العلمِ والمعرفةِ شيئاً، فجِدالهُم هوَ للتَّشويشِ على الفِكرةِ فقط أَو لإِشغالِ المُتلقِّي وإِلهائهِ من أَجلِ أَن لا ينتبهَ للفكرةِ السَّليمةِ والرَّأي الجديدِ فيتأَثَّر بهِ وبالتَّالي يبني عليهِ مَوقِفاً...
{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ}.
يستندُ ويُغذِّي [المُترَفونَ] في المجتمعِ على عامِلَينِ للسَّيطرةِ والتحكُّمِ عن بعدٍ بالرأَي العام؛ الجَهلُ وضَعف الذَّاكرة.
ولأَنَّ القراءةَ وطلبَ العلمِ والمَعرفةِ وتحديثِهِما لمُواكبةِ حاجاتِ العصرِ، تقضي على هذَينِ العامِلَينِ الخطيرَينِ أَو على الأَقلِّ تُقلِّلُ من آثارهِما السلبيَّة المُدمِّرةِ في المُجتمعِ وتحُدَّ من تغوُّلهُما، لذلكَ لا يشجِّعُ المُترفُونَ على ذلكَ {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} لتبقى سيطرتهُم مُستمرَّة، يتحكَّمونَ باتِّجاهاتِ الرَّأي العام كيفَ ومتى شاؤُوا.
ومِن وسائلهِم لتحقيقِ ذلكَ كُتمانهُم العلمِ ليسَ جهلاً وإِنَّما معَ سبقِ الإِصرارِ {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وقولُهُ {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.
إِنَّهُم يتصدُّونَ لكُلِّ مُحاولةٍ يبذلها المُتنوِّرُونَ لنشرِ الوعي في المُجتمعِ وبطرِيقتَينِ؛ بالتكبُّرِ والإِستهزاءِ.
فما أَن يُقدِّمُوا قراءةً جديدةً أَو رأياً خارجاً عن المألوفِ حتَّى تنهالَ عليهِم سهامهُم لتخويفِهُم وإِرهابهِم ليتراجعوا، أَو أَنَّهم يستخِفُّونَ بالفكرِ والرَّأيِ في مُحاولةٍ لتسفيههِ بأَيِّةِ طريقةٍ من الطُّرُقِ.
وهذا القرآن الكريم يقصُّ علينا الكَثير من تجاربِ الأَمَمِ والشُّعوبِ الماضيةِ التي ظلَّ [المُترفُونَ] وبكُلِّ عناوينهِم وهويَّاتهِم وأَزيائهِم وخلفيَّاتهِم، يسعَونَ للتصدِّي لكُلِّ مُحاولةٍ توعَويَّةٍ.
ولذلكَ حذَّرَ القُرآن الكريم من مغبَّةِ الإِنهزامِ والإِستسلامِ والتَّراجُعِ بقَولهِ {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا} وقولهُ {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ} وقولهُ تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} وهؤُلاء هُم [الذُّباب الإِليكتروني] الذي يُنفقُ عليهِ المُترفُونَ لمواجهةِ الفكرِ التَّنويري كما في قولهِ تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}.
وبالجهلِ والغَوغائيَّةِ كذلكَ يتصدَّى المُترفُونَ لكُلِّ مُحاولةِ تجديدٍ وتحديثٍ في الفكرِ والثَّقافةِ، يقولُ تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ* ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}.
وهذا النُّموذج هوَ ما نُطلِقُ عليهِ صِفة [أَنصافُ المُتعلِّمينَ] الذين يتصدُّونَ للجدالِ والحِوارِ والمُناقشةِ وهُم لا يمتلكُونَ من العلمِ والمعرفةِ شيئاً، فجِدالهُم هوَ للتَّشويشِ على الفِكرةِ فقط أَو لإِشغالِ المُتلقِّي وإِلهائهِ من أَجلِ أَن لا ينتبهَ للفكرةِ السَّليمةِ والرَّأي الجديدِ فيتأَثَّر بهِ وبالتَّالي يبني عليهِ مَوقِفاً.
يقولُ تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}.
وما أَكثرُ اللَّغو الذي تحمِلهُ لنا وسائلَ التَّواصل في هذا الزَّمانِ كزخَّاتِ المطرِ حتَّى لم يعُد المُتلقِّي قادِرٌ على التَّمييزِ فضاعت الأَفكار المُستحدَثة والآراء القيِّمة حتَّى تساوَت الحقائِق معَ التَّوافهِ من الأَشياءِ!.
ومِن أَساليبِ [المُترفُونَ] تحريضهُم [الغَوغاء] لخلطِ الأَوراقِ وإِثارةِ الشُّبُهاتِ التَّافهةِ للتَّشويشِ على الفِكرةِ والرَّأي!.
يقولُ تعالى {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
ومِنَ الطَّبيعي أَن ينجرِفَ الرَّأي العامِّ لمثلِ هذهِ الأَساليبِ الخبيثةِ بسببِ {إِنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ مَرِيءٌ وإِنَّ الْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَبِيءٌ} كما يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع).
لنقرأَ الكِتابَ التَّالي الذي بعثهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) إِلى قثمِ بن العبَّاس عاملهُ على مكَّةَ، يشرحُ فيهِ كيفَ يُسخِّرُ طاغِيَةَ الشَّامِ [ذيُولهُ] لمراجهةِ الحقِّ.
كتبَ (ع) يقُولُ {أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَيْنِي (بِالْمَغْرِبِ) كَتَبَ إِلَيَّ يُعْلِمُنِي أَنَّه وُجِّه إِلَى الْمَوْسِمِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الْعُمْيِ الْقُلُوبِ الصُّمِّ الأَسْمَاعِ الْكُمْهِ الأَبْصَارِ، الَّذِينَ يَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ويُطِيعُونَ الْمَخْلُوقَ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ويَحْتَلِبُونَ الدُّنْيَا دَرَّهَا بِالدِّينِ ويَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بِآجِلِ الأَبْرَارِ الْمُتَّقِينَ ولَنْ يَفُوزَ بِالْخَيْرِ إِلَّا عَامِلُه ولَا يُجْزَى جَزَاءَ الشَّرِّ إِلَّا فَاعِلُه.
فَأَقِمْ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ قِيَامَ الْحَازِمِ الصَّلِيبِ والنَّاصِحِ اللَّبِيبِ التَّابِعِ لِسُلْطَانِه الْمُطِيعِ لإِمَامِه وإِيَّاكَ ومَا يُعْتَذَرُ مِنْه ولَا تَكُنْ عِنْدَ النَّعْمَاءِ بَطِراً ولَا عِنْدَ الْبَأْسَاءِ فَشِلًا والسَّلَامُ}.
أَيُّ نُموذجٍ تافهٍ هذا؟! ونتساءلُ؛ كيفَ يحكُمهُم طاغيةٌ مثلَ الطَّليقُ؟!.
ثباتُ المُتنوِّرينَ
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
المُتنوِّرونَ وأَصحاب الفكر التَّحديثي والتَّجديدي يقفُونَ عندَ مُفترقِ طُرقٍ عندما يواجههُم [المُترفُونَ]؛
فإِمَّا أَن يستسلِمُوا فيتنازلُونَ عن أَفكارهِم التَّجديديَّةِ ويُوقِفُوا مُحاولاتهِم ويجلسُونَ في بيوتهِم ويقولُونَ [توبة] لن نُعيدُها مرَّةً أُخرى!.
أَو أَن يتركُوا كُلَّ شيءٍ وينخرطُوا معَ المَوجُود وينسجِمُوا مرَّةً أُخرى معَ الجوِّ العام طلباً للسَّلامةِ من بابِ [حشرٌ معَ النَّاسِ عيدٌ].
أَو أَن يصمدُوا ويثبتُوا ولن يتنازلُوا عن شيءٍ {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ} خاصَّةً عندما تكونُ الهَجمةُ ضدَّهم قاسيةً يستعملُ فيها المُترَفُونَ وذُبابهُم الإِليكتروني كُلَّ أَنواعِ الأَسلحةِ الشَّريفةِ وغيرِ الشَّريفةِ، كالطَّعنِ بالعِرضِ وإِتِّهامِ الشَّرفِ والطَّردِ مِن الملَّةِ والحِرمانِ مِنَ الجنَّةِ والحُكمِ بالإِرتدادِ وسوءِ العاقبةِ! فضلاً عن كَواتمِ الصَّوتِ إِذا كانت مُتاحة، ناهيكَ عن المُطاردةِ والإِعتقالِ والتَّعذيبِ وغيرِ ذلكَ {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ}.
أَمَّا القرآن الكريم فيُحرِّضُ على الصَّبرِ والصُّمودِ والإِستقامةِ وعدمِ الإِرتدادِ مهما كانَ الثَّمنُ، لأَنَّ الإِنهيار أَمام عَصا المُترَفينَ وجزرتهُم، لا فرق، دليلٌ على ضعفِ الحُجَّةِ والبُرهانِ أَو الجبنِ والخَوفِ وهيَ ليست من طبيعةِ وأَخلاقِ وصفاتِ المُفكِّر المُتنوِّر الحقيقي الواثِق من نفسهِ وبما يصلُ إِليهِ من أَفكارٍ وآراء واستنتاجاتٍ تحديثيَّةٍ كنتيجةٍ للإِجتهادِ والبحثِ والتقصِّي من أَجلِ تحقيقِ التَّغييرِ المعرفي والإِصلاحِ الثَّقافي وليسَ لهوىً في نفسهِ مثلاً أَو لتحقيقِ غايةِ [خالِف تُعرَف].
يقولُ تعالى {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا} وقولهُ {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}.
ولَو لم يثبُت المُتنوِّرونَ على مرِّ التَّاريخِ أَمامَ التَّحدِّياتِ ويدفعُوا ثمَن هذا الثَّبات أَرواحهُم ودِماءهُم لما تطوَّرَ العقلُ البشري ليصِلَ إِلى ما هوَ عليهِ اليَومَ، ولكانَ النَّاسُ أُمَّةً واحدةً على مُستوى التَّفكيرِ وذلكَ هوَ المَوتُ السَّريري للعقلِ البشري.
حتَّى أُوروبا ما كانَ لها أَن تُحقِّقَ كُلَّ هذا التَّقدُّمِ والتطوُّرِ في الفكرِ وفي مفهومِ الدَّولةِ لولا ثباتُ المُتنوِّرينَ الذي تجلَّى في أَغلبِ الأَحيانِ برُؤُوسهِم المُتدحرِجةِ من مقاصلِ الإِعدامِ وأَجسادهِم المُتدلِّيةِ من أَعوادِ المشانقِ.
وعندما نُصغِ إِلى خُطبةِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) يذكرُ فيها آلَ مُحمَّدٍ (ص) نعرِفُ وقتها لماذا واجههُم [المُترفُونَ] بكُلِّ الأَسلحةِ وبِلا هوادةٍ، فكانُوا (ع) أَن دفعُوا الثَّمنَ غالياً جدّاً مِن دونِ تردُّدٍ أَو إِستسلامٍ او حتَّى انجرارٍ معَ الواقعِ المريضِ والمُرِّ طلباً للسَّلامةِ والدَّعة.
يقُولُ (ع) {هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ ومَوْتُ الْجَهْلِ يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ وصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ، لَا يُخَالِفُونَ الْحَقَّ ولَا يَخْتَلِفُونَ فِيه وهُمْ دَعَائِمُ الإِسْلَامِ ووَلَائِجُ الِاعْتِصَامِ بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِه وانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِه وانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ، عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَةٍ ورِعَايَةٍ لَا عَقْلَ سَمَاعٍ ورِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ ورُعَاتَه قَلِيلٌ}.
يلزم، إِذن، أَن لا نلتفِتَ لأَذاهُم خاصَّةً النَّفسي الذي يشنُّونهُ في وسائلِ التَّواصُلِ الإِجتماعي، مِن جهةٍ، والتوكُّلِ على الله تعالى باعتبارِ أَنَّ العِلم والإِجتهاد والمعرِفة والتَّحديثِ الفكري، كُلُّها عبادةٌ تقرِّبُنا إِلى الله تعالى كما في الحديثِ الشَّريفِ عن رسولِ الله (ص) {طلبُ العلمِ فريضةٌ على كُلِّ مُسلمٍ ومُسلِمةٍ} وقَولهُ (ص) {مَن خرَج في طَلَبِ العِلمِ، كان في سَبيلِ اللَّهِ حَتَّى يرجِعَ}.
وكذا في قولهِ تعالى {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.
وفي هذهِ الآية الكريمة إِلتفاتةٌ علميَّةٌ في غايةِ الأَهميَّة أَلا وهيَ؛ إِنَّ المُترفِينَ وذيولهِم وذُبابهِم الإِليكتروني لا يستهدفُونَ بحملاتهِم التَّسقيطيَّةِ الظَّالمةِ شَخص [المُفكِّر] و [المتنوِّر] وإِنَّما في الحقيقةِ يستهدِفونَ العِلم الذي يحملهُ والفِكر الذي ينشُرهُ والتَّجديدُ الذي يجتهدُ بهِ، والدَّليلُ على ذلكَ، فلَو أَنَّهُ قالَ ما يقولُ الآخرونَ وفكَّرَ بالطَّريقةِ نفسَها التي يُفكِّر بها الآخرُونَ ويكتُب وينشُر ما يكتُبهُ وينشرهُ الآخرُونَ، فهل يستهدفهُ المُترَفون؟! هل تجاوز عليهِ أَحدٌ؟! بالتَّأكيدِ كلَّا، بل لكانُوا احتضنُوهُ وروَّجُوا لهُ كما نرى ذلكَ اليَوم في الكثيرِ مِن النَّماذجِ.
كذلكَ لو أَنَّ هذا النَّوع مِن الفكرِ والثَّقافةِ تصدَّى لهُ عمرُو بدلاً مِن زيدٍ فهل سيستهدفُونَ زيداً؟! أَم عمرُواً؟!.
إِذن؛ فالمُستهدَف هو الفكرِ التَّجديدي والثَّقافة التنويريَّة التي تُسلِّط الضَّوء على المناطقِ المُعتمةِ من الفكرِ وتخُوضُ في اللَّامُفكَّر فيهِ، ويُلامس التُّراث الذي استسلمَ لهُ وآمنَ بهِ النَّاسُ مِن دونِ نقدٍ ومِن أَيِّ نَوعٍ كانَ وكأَنَّهُ نصوصٌ مُنزلةٌ إِكتملَ بها القُرآن الكريم!.
اضف تعليق