من مميزات شهر رمضان المبارك، ونحن على أعتابه، التقاء ما هو مادي مع ما هو معنوي في المفاهيم والمعاني والدلالات الخاصة بشهر الصيام، عند موائد الافطار الجماعية تلتقي مشاعر الحب والتضامن مع وعود الأجر الإلهي العظيم، والآثار الاجتماعية والنفسية العميقة لهذه الفعالية على المدى البعيد...
من مميزات شهر رمضان المبارك، ونحن على أعتابه، التقاء ما هو مادي مع ما هو معنوي في المفاهيم والمعاني والدلالات الخاصة بشهر الصيام.
عند موائد الافطار الجماعية تلتقي مشاعر الحب والتضامن مع وعود الأجر الإلهي العظيم، والآثار الاجتماعية والنفسية العميقة لهذه الفعالية على المدى البعيد.
وكلما اشتدت الازمات على شعوبنا بسبب الحروب والفقر، والكوارث الطبيعية، كانت الحاجة الى هذا الملتقى الحضاري العظيم، وأن يكون لهذا الملتقى مصداقية على ارض الواقع يلمس ثماره بؤساء في هذا البلد المسلم ممن يتحسرون على مفردات غذائية متوفرة في موائد بلد مسلم آخر.
في بقعة من هذا الوطن الاسلامي المترامي الاطراف، تُسمى؛ غزّة، تقترب تدريجياً نحو شهر رمضان المبارك، الذي نسميه شهر الرحمة والغفران، كناية عن التقاء الجهد الانساني للتكافل والتراحم، مع الوعد الإلهي بالمغفرة والأجر العظيم، وربما لا أجانب الحقيقة إن قلت: أن المسلمين في هذه البقعة أشد بؤساً اليوم من أي مسلم آخر في هذا الشهر الكريم، فهم يواجهون يومياً؛ الموت، والجوع، والحصار، وربما في قادم الأيام؛ الأوبئة بسبب نقص المياه والمستلزمات الصحية، فضلاً عن الأمن، والمأوى، والوقود، و وسائل النقل وسائر مستلزمات الحياة العادية.
ربما يُقال: أن حوالي اربعمائة شاحنة محملة بمواد الاغاثة متكدسة عند معبر رفح مع الحدود المصرية، وأن الكيان الصهيوني هو الذي يتسبب في كل هذه المعاناة بمنعه عبور هذه الشاحنات المرسلة من مختلف انحاء العالم، بيد أن هذا المآل السياسي المؤلم لا يلغي المسؤولية الاخلاقية في تحريك الرأي العام العالمي، من خلال وضع وسائل الاعلام العالمية أمام أمر واقع مرير، لنقل مشاهد التضامن الاسلامي من شتى أنحاء العالم مع أهالي غزّة مع حلول الشهر الكريم.
مما افرزته الاحداث في غزّة؛ تغلّب الحقائق لأول مرة في التاريخ السياسي الحديث على الأمر الواقع المفروض من قبل القوى الكبرى، فعامل القوة لم يُعد حاسماً في ساحة الصراع كما كان في العقود الماضية، وهذا ما أقره زعيم المعارضة الاسرائيلية؛ يائير لابيد خلال حديث ينتقد فيه سياسة غريمه، نتنياهو بقوله: "لقد ولّى زمن كفاية الجيش الصغير للقوة العسكرية الكبيرة"، بمعنى حصول تغيير كبير لأول مرة في معايير الصراع والمواجهة، فقد زالت كل عمليات التجميل من وجه هذا الكيان المصطنع طيلة حوالي ثمانين عاماً، بعد أن ملأت الدنيا حديثاً عن الديمقراطية، و دولة المؤسسات العصرية، وسط دول متخلفة همها القتال والارهاب ولا تحترم حقوق الانسان، وأن لها "جيش الدفاع"، وهو أقوى جيش في الشرق الأوسط، فقد انكشف الوجه الحقيقي لهذا الكيان لشريحة كبيرة من سكان العالم عندما رأوا ما تصنعه الطائرات الحربية يومياً بمن هم تحت الخيام، والساكنين في المدارس، بل ومن تجمعوا حول شاحنات الاغاثة من أطفال ونساء عندما هطلت عليهم القنابل من الجو بشكل لا يُصدق، بما لم يرتكبه أي جيش بالعالم، ربما منذ الحرب العالمية الثانية.
هذا التحول الكبير في المعايير يُعد فرصة تاريخية كبيرة لأن نثبت مصداقية الملتقى المادي والمعنوي لشهر الصيام أمام العالم، وأن المسلمين كالجسد الواحد، كما عبّر عنه بما لا أروع وأجمل؛ رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، في حديثه الشهير: "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، اذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى".
فالقضية ليس أن نملأ الشاحنات بالمواد الغذائية والطبية والاغطية والملابس ثم نراها قد وصلت الى يد الاطفال والنساء والمحتاجين في غزّة، إنما الصورة الإعلامية تلعب دوراً في ممارسة المزيد من الضغط الدولي والإحراج النفسي على هذا الكيان أمام العالم، وحتى عند من تبقى من المؤيدين لما يرتكبه من جرائم مريعة هذه الايام.
وأراني ملزماً بتقدير وتبجيل جميع الاحرار في العالم؛ من مسلمين وغير مسلمين ممن نظموا وقفات الاحتجاج، وتظاهروا، وصرخوا، وشاركوا بفعاليات مختلفة اعربوا من خلالها استنكارهم للجرائم الاسرائيلية بحق المدنيين في غزّة، ولعل المتضامنين من غير المسلمين في مختلف قارات العالم، سيشاركون بحملات التبرع والتضامن مع أهالي غزّة في هذا الشهر الفضيل علّها تكون بلسماً يخفف وطأة الجوع والحرمان من كل يتمتع به سائر المسلمين في العالم في شهر رمضان المبارك.
اضف تعليق