الفاشلَ يبحث عن أَسبابِ الفشَل خارج كيانهِ، أَكانَ إِنساناً فرداً أَم إِنساناً مُجتمعاً، فهو عندما يُصابُ بالفشلِ لم يُفكِّر لحظةً في أَن يجتهِدَ ليجدَ أَسبابَ فشلهِ بذاتهِ، بطريقةِ تفكيرهِ مثلاً أَو بوعيهِ للأُمورِ أَو بالأَدواتِ التي سخَّرها واستعملَها لتحقيقِ المُنجزِ، أَبداً، وإِنَّما يبدأ حملةً للبحثِ عن المُؤَامرات...
{أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}.
لماذا نفشل؟! ولماذا نتحسَّر دائِماً؟! ولماذا نُكرِّر كلِمة [لَو]؟! لو لَم نفعَل! لو كُنَّا قد فعَلنا! كما في قولهِ تعالى {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.
هذا السُّؤَال الأَزلي تبحث عنهُ البشريَّة منذُ قديمِ الأَزمِنة، فالإِنسانُ الفَرد يُريدُ أَن ينجحَ ويسعى لتحقيقِ النَّجاح فهوَ يكرهُ الفشَل ولا يحبُّ أَن يُسمَّى فاشِلاً يُشارُ إِليهِ بالبنانِ في المُجتمعِ، والإِنسانُ المُجتمع والأُمم والشُّعوب كذلكَ تُريدُ أَن تنجحَ ولا تُريدُ أَن تفشلَ وتظلَّ تسيرُ في نهايةِ ركبِ البشريَّةِ، عالةٌ على الحَضارة، تستهلِكُ ولا تُنتِجُ، كما يصِفُ القرآن الكريم مثلَ هذهِ الحالاتِ بالمثَلِ الذي يضربهُ بقولهِ تعالى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
فلماذا نفشَل؟! هل لأَنَّنا لا نمتلكَ أَدَوات النَّجاح كالعقلِ والإِرادةِ، هذا على المُستوى الإِنساني وخلقِ الله، ومصادِر الطَّبيعة والإِمكانيَّات والقُدُرات، وهذا على المُستوى المادِّي؟! أَم أَنَّ الله تعالى خلقَنا فاشِلُونَ وخلقَ أُمماً أُخرى ناجِحة؟!.
أَبداً، ليسَت هذهِ هيَ الأَسباب، فلقد منحَنا الله تعالى كُلَّ شيءٍ وأَكثر كما منحَ الآخرين كُلَّ شيءٍ، إِنَّما الفَرق بينَ النَّاجح والفاشِل أُموراً وأَسباباً تتعلَّق بالطَّريقة التي يُسخِّر فيها كُلّاً مِنهم ما خلقَ لهُ الله تعالى وسخَّرَ لهُ وبالإِسلُوب الذي يوظِّف بها كُلَّ ذلكَ لمشاريعهِ سَواء على الصَّعيد الفردي [الشَّخصي] أَو على صعيدِ الجماعة [الأُمَّة].
فالنَّاجح يوظِّف كُلَّ ذلك لخدمةِ مشاريعهِ، أَمَّا الفاشِل فيوظِّف نفسهُ عندها لخدمتِها! أَي أَنَّ المُعادلةَ مقلوبةً عندَ الفاشِل!.
ولقد تحدَّثَ القرآن الكريم عن ذلكَ وضربَ لنا أَمثلةً مِن أُممٍ سابقةٍ وقرُونٍ خلَت، حتَّى لقد أَوصى أَميرُ المُؤمنينَ (ع) ولدهُ الحسَن السِّبط (ع) أَن ينظُرَ فيها كعِبَرٍ ودرُوسٍ، في مبتدَئها ونِهاياتها لِما تُمثِّلهُ من طاقةٍ تُحيي القلب، بحُلوِها ومُرِّها، بقَولهِ {أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ وَقَوِّهِ بِالْيَقِينِ وَنَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ وَبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا وَعَمَّا انْتَقَلُوا وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الْأَحِبَّةِ وَحَلُّوا دِيَارَ الْغُرْبَةِ وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ فَأَصْلِحْ مَثْوَ اكَ وَلَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ} لماذا؟! {وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَهُ فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْأَهْوَ الِ} وأَكثر {لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَعُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ}.
ومِن ذلكَ على سبيلِ الفَرضِ لا الحَصر؛
- إِنَّ الفاشلَ يبحث عن أَسبابِ الفشَل خارج كيانهِ، أَكانَ إِنساناً فرداً أَم إِنساناً مُجتمعاً، فهو عندما يُصابُ بالفشلِ لم يُفكِّر لحظةً في أَن يجتهِدَ ليجدَ أَسبابَ فشلهِ بذاتهِ، بطريقةِ تفكيرهِ مثلاً أَو بوعيهِ للأُمورِ أَو بالأَدواتِ التي سخَّرها واستعملَها لتحقيقِ المُنجزِ، أَبداً، وإِنَّما يبدأ حملةً [وطنيَّةً] للبحثِ عن وفي المُؤَامرات [العالميَّة] التي قادَت إِلى فشلهِ وعن النَّاس الذينَ خطَّطُوا لإِفشالهِ وعن القُوى الخارِقة التي لم تُرِد لهُ النَّجاح!
وإِذا لم يجِد في كُلِّ مُحاولاتهِ البحثيَّة جواباً معقُولاً يضحك بهِ على نفسهِ، تراهُ يرمي بالفَشل على الحَظ والبخَت وعلى طائرهِ، والله تعالى يقُولُ {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ* قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ أَئِن ذُكِّرْتُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} وقولُهُ {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَـٰذِهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وقوله {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ۚ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ ۖ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}.
الفاشلُ يرمي بكَلِّهِ على أَيِّ أَحدٍ إِلَّا ذاتهِ، ثُمَّ يبني على اتِّهاماتهِ ليُبرِّر فشلهِ ويُخلي ساحتهِ! هكذا يتصوَّر، إِلَّا أَنَّ كُلَّ ذلكَ لم يُغيِّر من حقيقةِ المَوضوع وجَوهرهِ شيئاً! إِنَّهُ فاشِلٌ والسَّببُ هو نفسهُ دونَ غيرهِ، يقُولُ تعالى {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا}.
حتَّى الشَّيطان ينصحُ [الفاشِل] بأَن يلومَ نفسهُ بدلاً مِن أَن يبحثَ عمَّن يلومهُ {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
إِذا لم يُغيِّر الفاشِل طريقتهِ في البحثِ عن أَسبابِ فشلهِ فسيظَل يتورَّط من فشلٍ إِلى آخر، مِن دونِ أَن يصلَ إِلى نتيجةٍ، لأَنَّ الهرَب من مواجهةِ الأَسبابِ الحقيقيَّةِ هو بنفسهِ فشلٌ! وعليهِ أَن يتذكَّر دائماً قولَ الله تعالى {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}.
اضف تعليق