ومن أَجلِ أَن تُسيطِرَ على ردُودِ أَفعالِكَ غَير المحسُوبةِ عندما يتَّهمكَ الآخرُونَ فأَنتَ بحاجةٍ إِلى أَن تتغافلَ وكأَنَّكَ لم تسمع شيئاً، وبالتَّغافُل قد تنجحَ في حمايةِ عِلاقاتِك مع الذينَ سيندم منهُم على ظلمهِم لكَ إِذا كانُوا يحتفظُونَ لكَ ولَو بقليلٍ من المَودَّة، وبالتَّغافُل ستُحاصر هجَماتهُم لأَنَّ ردَّ فِعلكَ...
{قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ}.
لستَ مُضطرّاً لأَن تتحدَّث بكُلِّ ما تعرِف، ولا أَنتَ مُضطرٌّ للدِّفاعِ عن نفسِكَ كُلَّما اتَّهمكَ أَحدٌ بما ليسَ فيكَ، فذلكَ يُفسِدُ عليكَ رأيكَ ويُشغِلكَ عن مُتابعةِ هدفكَ المُقدَّس.
فالزَّمنُ كفيلٌ بالكشفِ عن الكثيرِ من التُّهم التي تُوجَّهُ لكَ ظُلماً وعُدواناً، وبعْضها تكشِفها الأَحداث والتطوُّرات.
إِنَّ التَّعامل معَ التُّهم بطريقةٍ إِنفعاليَّةٍ تُفسِدُ عليكَ خُططكَ، فتستعجِل بالكشفِ عنها قبل أَوانِها، أَو تدفعكَ للتَّعامل معَ الخصمِ بطريقةٍ لا تُعبِّر عن أَخلاقيَّاتِكَ وثوابِتِكَ الحقيقيَّة، لأَنَّ الإِنفعال بالردِّ على التُّهم يُورِّطكَ في أَحيانٍ كثيرةٍ بالوقُوعِ في المحذُورِ سواءً بالطَّريقةِ والسُّلُوكِ أَو بالأَدواتِ المُستخدَمةِ.
إِنَّ [الإِستيعابَ أَوَّلاً] قاعِدةٌ ذهبيَّةٌ وهي أَفضل طرُق التَّعامل مع التُّهم، وهي عكس الإِستعجالِ الذي سببهُ الإِثارة التي لا تُنتِجُ عنها، عادةً، حكمةً في التصرُّف!.
وهو الأَمرُ الذي يحتاجُ إِلى نَوعٍ من التَّغابي لتتجاوزهُ في أَحيانٍ كثيرةٍ كما يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَتَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَضِحُ لَكَ}.
فلو كانت تُهمةُ أُخوةُ يوسُف (ع) لهُ بالسَّرقةِ قد أَثارتهُ لينتقمَ لكبريائهِ مثلاً أَو للدِّفاعِ عن نزاهتهِ وتاريخهِ النَّاصع الذي لا تشوبهُ شائِبةً أَو ما إِلى ذلكَ وكشفَ عن نفسهِ وهويَّتهِ لهُم لأَفسدَ على نفسهِ الخُطَّة التي كانَ قد رسمَها لاستدراجهِم لليَومِ المُحدَّدِ وبالأَدواتِ الشرعيَّة والقانونيَّة المعمُول بها وقتَها في دَولة الفِرعَون.
لكنَّهُ تسلَّحَ بأَقصى درجاتِ ضبطِ النَّفس فتحلَّى بالحكمةِ والعقلانيَّةِ فكتمَ الحقيقة ولم يُحدِّثهُم بها إِلَّا في الوقتِ المعلُوم، فعندما اكتملت فصُول الخُطَّة المرسُومة كشفَ لهُم عن الحقيقةِ وواجههُم بأَفعالهِم المشينةِ والمُخزيَةِ فصدقَ قَولَ الله تعالى {كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}.
إِنَّ من الخطأ الفاحِش أَن تُخبِرَ الآخرينَ بكُلِّ أَسرارِكَ مهما قربُوا منكَ صُحبةً و [أُخوَّةً] فسيحاربُونكَ بها عندما تختلف معهُم ويفضحونكَ عندما يُريدُونَ ابتزازكَ، فالإِنسانُ ظالِمٌ بطبيعتهِ، يبحثُ عن زلَّاتِ أَخيهِ أَيَّام الصَّداقة ليُحارِبهُ بها أَيَّام الإِختلاف والعَداوَة، فاحذر أَن تُسلِّم [أَخوكَ] و [صديقكَ] أَسلِحتكَ أَيَّام الرَّخاء فسيُحارِبكَ بها أَيَّام الشدَّة، ولاتَ حينَ مندمِ.
إِنَّ سِرَّكَ هو شخصيَّتكَ، فاحفَظها بحفظهِ، فلا تُثرثِر مَع مَن كانَ، فالسرُّ لا يُقالُ على أَساسِ الثِّقةِ وإِنَّما على أَساسِ الحاجةِ.
وصدقَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) الذي يقُولُ {الْكَلَامُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وَجَلَبَتْ نِقْمَةً} وقولهُ {إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلَامُ}.
ومن أَجلِ أَن تُسيطِرَ على ردُودِ أَفعالِكَ غَير المحسُوبةِ عندما يتَّهمكَ الآخرُونَ فأَنتَ بحاجةٍ إِلى أَن تتغافلَ وكأَنَّكَ لم تسمع شيئاً، وبالتَّغافُل قد تنجحَ في حمايةِ عِلاقاتِك مع الذينَ سيندم منهُم على ظلمهِم لكَ إِذا كانُوا يحتفظُونَ لكَ ولَو بقليلٍ من المَودَّة، وبالتَّغافُل ستُحاصر هجَماتهُم لأَنَّ ردَّ فِعلكَ غَير المحسُوب يُساعدهُم على توسِعةِ مساحتِها، فاحذر أَن تضع نفسَكَ أَبداً بمَوضِعِ المُدافعِ عنها وكأَنَّكَ بالفعلِ قد ارتكبتَ ذنباً أَو تحمِل سِرّاً سيِّئاً في داخِلِكَ أَو فضيحةً في سلوكِكَ، فيظنُّ النَّاسَ بصدقِ أَكاذيبهِم وتتحَوَّل إِتِّهاماتهِم إِلى [حقائِقَ] عند كثيرينَ.
إِنَّ العاقِلَ هوَ الذي يُسيطر على ردُودِ أَفعالهِ بإِزاءِ تُهَمِ التَّافهِينَ، فلا يتسرَّع في فتحِ صُندُوقِ أَسرارهِ لهُم بمجرَّد أَن يُثيرُوهُ بتُهمَةٍ مثلاً، فلقد قالَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {صَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ} وبعكسهِ المجنُون.
عليكَ، إِذا أَردتَ أَن تنجحَ، أَن تتحكَّمَ بوقتِ الكشفِ عن أَسراركَ وخُططِكَ، فلا تدع الآخرين يتحكَّمُونَ بالتَّوقيتاتِ، لأَنَّ ذلكَ يُفسِدُ عليكَ كُلَّ شيءٍ، فلِكُلٍّ أَمرٍ وقتٌ لا ينبغي أَن يتجاوَزهُ أَو يسبِقهُ كما يصفُ ذلكَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ في عهدهِ للأَشترِ لمَّا ولَّاهُ مِصرَ {وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَأَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ}.
اضف تعليق