عِندما ترى فاشلاً في المُجتمع فلا تلمهُ وحدهُ، فهوَ عادةً نتاجُ منظُومةٍ فاشلةٍ تبدأ بالأُسرةِ ولا تنتهي بالتَّعليمِ، فنادِراً ما يكونُ النَّاجح نَتاجُ جُهدٍ شخصيٍّ ومُحاولاتٍ أَو مُبادراتٍ فرديَّةٍ. فإِذا كانت الأُسرة مُفكَّكة الأَواصر ضعيفة وغَير مُتماسكة لا يهتمَّ الأَب بتربيةِ إِبنهِ ولا يعطهِ من وقتهِ...
{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}.
عِندما ترى فاشلاً في المُجتمع فلا تلمهُ وحدهُ، فهوَ عادةً نتاجُ منظُومةٍ فاشلةٍ تبدأ بالأُسرةِ ولا تنتهي بالتَّعليمِ، فنادِراً ما يكونُ النَّاجح نَتاجُ جُهدٍ شخصيٍّ ومُحاولاتٍ أَو مُبادراتٍ فرديَّةٍ.
فإِذا كانت الأُسرة مُفكَّكة الأَواصر ضعيفة وغَير مُتماسكة لا يهتمَّ الأَب بتربيةِ إِبنهِ ولا يعطهِ من وقتهِ شيئاً فلا يتحدَّث معهُ ولا يجلِس إِليهِ ولا يُصغِ لمشاكلهِ وتحدِّياتهِ وهمُومهِ ورغباتهِ وحاجاتهِ الماديَّة والروحيَّة، فهوَ بذلكَ يُهيِّئ الأَرضيَّة لفشلهِ في الكِبَر.
وكذا الأُم التي لا تُعِر أَيَّ اهتمامٍ ببنتِها، فلا تتجاذَب معها أَطراف الحديث، تُهينها وتُقلِّل من شأنِها على أَبسطِ سؤالٍ أَو طلبٍ، ولا تجدُ البنت بأُمِّها أُذُناً صاغيةً لها ولأَسرارِها لتُفضفِضَ لها وتسترشِدَ بتجاربِها وخبرتِها، فهيَ [الأُم] بالتَّأكيد تدفعَها للفشلِ دفعاً.
كذلكَ فإِنَّ عِلاقة الأَبوَينِ معَ بعضهِما تترك أَثراً عظيماً جدّاً في تنشِئةِ الأَولاد، فكيفَ يُمكنكَ أَن تتخيَّلَ مثلاً نفسيَّة طفلٍ يبدأ يومهُ في أُسرتهِ بصراخِ الأَبوَينِ ضدَّ بعضهِما كلَّما اختلفا على شيءٍ؟! وما الذي سيتركهُ في نفسهِ ومشاعرهِ وتربيتهِ وهوَ يرى أَبوهُ يعتدي بالضَّربِ على أُمِّهِ؟!.
ما الذي سيُشجِّع الأَولاد على النَّجاحِ إِذا كانَ جَو الأُسرةِ مُتشنِّجاً طِوال الوَقت ومأزوماً وغَير مُستقر؟!.
هذا على المُستوى المَعنوي والرُّوحي والتَّربوي.
أَمَّا على المُستوى المادِّي [الحالة الإِقتصاديَّة] مثلاً، فهوَ الآخر لهُ آثارٌ سلبيَّةٌ واسعةٌ على بناءِ فُرص النَّجاح والفَشل بالنِّسبةِ للأَولاد، ولذلكَ رسمَ الإِسلامُ الكثير جدّاً من خُطط التَّكافُل الإِجتماعي، سواءً تلك التي يتصدَّى لمسؤُوليَّتها المُجتمع أَو الأُخرى التي تتحمَّل مسؤُوليَّتها الدَّولة.
كما أَنَّ فشل منظُومة التَّعليم وعلى مُختلفِ المراحلِ هو الآخر لا يمنح أَحداً فُرصةَ النَّجاح.
أَمَّا فشل المنظُومة السياسيَّة والإِداريَّة في البلدِ فحدِّث عن دورهِ الخطير في إِنتاجِ الفشَل ولا حرَج.
للأَسفِ الشَّديد فنحنُ عادةً ما نتغاضى عن كُلِّ ذلكَ ونتمسَّك بلَوم النَّتائِج [الفاشِل] فقط من دونِ أَن نُحمِّل الظُّروف المُحيطة بهِ والنُّظم التي حولهُ أَيَّة مسؤُوليَّة ولذلكَ تبقى عناصِر الفشَل في المُجتمع أَكثر بكثيرٍ مِن مقوِّمات وعوَامل النَّجاح، لأَنَّهُ لا أَحد يُفكِّر في تغييرِ الظُّروف والنُّظم، وإِنَّما ينشغِلُ الكُل بلَومِ الفاشِل ما لا نِهاية!.
يجب أَن ننتبهَ إِلى جذرِ الموضُوع حتَّى لا يصِلَ حال الدَّولة والمُجتمع إِلى ما وصفتهُ الآية الكرِيمة {الظَّالِمِ أَهْلُهَا}.
ولذلكَ نُلاحظ أَنَّ المُشرِّع أَولى اهتماماً بكُلِّ المنظُومةِ المُجتمعيَّةِ لتُنتج النَّاجحِينَ وتُقلِّلَ من فُرص الفَشل.
كما أَنَّ الأُمم المُتحضِّرة هي الأُخرى تسعى لضَمانِ منظُومةٍ مُتكامِلةٍ من أَدواتِ النَّجاحِ ولِكُلِّ المراحلِ لتزيدَ من الفُرص الملمُوسة والحقيقيَّة والواقعيَّة أَمامَ مَن يريدُ أَن يُحقِّق نجاحاً ويتجنَّب الفشَل.
بَل أَنَّ الدَّولة النَّاجِحة هي التي تأخُذ بيدِ المُواطن لينجحَ وتُجنِّبهُ الفشَل، وتالياً هي التي تأخُذ بيدِ المُجتمعِ صَوبَ النَّجاحِ وتجنُّبِ الفشَل.
ولقد أَسَّس الإِسلام للأُسرةِ الصَّالحةِ والسَّليمةِ منذُ لحظةِ نشُوئِها، فقالَ رسُولُ الله (ص) {تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ}.
ثمَّ اهتمَّ بتنشِئةِ المولُودِ عاماً بعد عامٍ كما وردَ في قولِ الإِمام جعفَر بن مُحمَّد الصَّادق (ع) {أُتركهُ سبعاً وأَدِّبهُ سبْعاً وصاحِبهُ سَبعاً}.
وفي العلاقةِ داخل الأُسرة يحرص الإِسلام على حمايةِ الأَطفال من صُور الإِثارة أَشدَّ الحِرص لأَنَّها الإِنطباع الأَوَّل الذي يبقى أَثرهُ في ذهنيَّة الطِّفل وتنشِئَتهِ ومِن الصُّعوبةِ بمكانٍ مَحوِهِ.
قالَ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
ولم يغفَل كذلكَ عن طريقةِ التربيَّةِ التي تضمِن الحاضِر وتُهيِّئ للمُستقبلِ كما وردَ عن أَميرِ المُؤمنينَ (ع) {لا تُقسِرُوا أَولادَكُم على آدابِكُم فإِنَّهُم مخلُوقُونَ لزَمانٍ غَيرِ زَمانِكُم}.
وفي كلامهِ (ع) معنىً واضِحاً عنِ [تطوُّر الأَجيالِ] وتكامُلِها.
وانظُر كيفَ يُنبِّه لنأخُذَ بنظرِ الإِعتبار حسَّاسيَّة النَّشء الجديد في وسائلِ التَّربيةِ.
يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {إِذا عاتَبتَ الحَدَث فاترُك لَهُ مَوضِعاً مِن ذنبِهِ، لِئَلَّا يَحمِلُهُ الإِحراجَ عَلى المُكابَرَةِ}.
اضف تعليق