في شهر رمضان تنفتح آفاق كثيرة وتتبلور أفكار جديدة، ينبغي على قادة النخب، والمسؤولين عن بناء الدولة والمجتمع، استثمارها، كونها تأتي في شهر رمضان الذي يعد فرصة لا تتكرر سوى مرة واحدة في السنة، وهذه الفرصة تتمثل في الأجواء التي تشجع على دعم الشباب معنويا، وماديا، من خلال استحداث خطط تستوعب مهاراتهم وتحرك مواهبهم وتستثمر طاقاتهم بالطرق السليمة علميا وعمليا.
وينبغي التنبّه الى قضية مهمة تتعلق بترسيخ القيم الاجتماعية التي تدعم الشباب، ولا تقف بالضد منهم، ولا تحط من قدراتهم، كما يفعل البعض تحت ضغط الذات المتضخمة والانانية المريضة، ولا شك ان القيم الاجتماعية والحفاظ عليها، هي هدف دائم ويعد من مسؤولية الجميع، لكن فئة الشباب تختلف عن غيرها من الفئات العمرية التي تتوزع على الطفولة والمراهقة والكهولة وكبار السن.
فكما يؤكد المختصون، أن مرحلة الشباب هي الاكثر حيوية ونشاطا وحماسا ايضا، لذا غالبا ما يحتاج الشباب الى آفاق واسعة رحبة من الحرية، للتعبير عن طاقاتهم وابداعاتهم الكثيرة والمتنوعة، ولتحويلها من كونها تصورات او احلام او افكار الى حالة ملموسة، وان اي خلل في هذا الجانب يؤدي الى تعثر مواهب الشباب وحياتهم ايضا.
لذلك يؤكد المعنيون ممن يهتم بالشباب أن الفرص لهذه الشريحة بالذات يمكن أن تتجدد في شهر رمضان ولغيرهم أيضا من خلال التخطيط السليم لهذا الهدف، ولابد من تطوير وتوفير مجالات التعبير عن مواهبهم وطاقاتهم، وتحويل أفكارهم وابداعاتهم الى عمل مجسّد، ولكن يبقى الامر منوطا بالجهات ذات العلاقة، سواء الاهلية او الرسمية، ولا شك أن شهر رمضان فرصة لمضاعفة الجهود في هذا المجال.
أهمية التخطيط السليم
ولكن من المؤسف حقا، أن يتم إهمال الشباب وان يتركهم ذوي المسؤولية يواجهون قدرهم من دون مساعدة، لذلك نجدهم منسيين على الدوام، وليس هناك برامج وخطط عملية لاستيعاب مواهبهم، وهذا الوضع يستمر طيلة شهور السنة، بمعنى أن الشباب – على نحو خاص- معرضون الى حالات الاهمال المزمن، لذا حين يأتي شهر رمضان المبارك سوف يشكل حافزا للفاشلين المتلكئين من بعض المسؤولين عن استيعاب طاقات الشباب وتطوير قدراتهم بما يصب في صالح الدولة والمجتمع.
والواقع كلنا يمكن أن نلاحظ بسهولة، أن هذا الشهر غالبا ما يكسر نمطية الزمن، ويغير السائد والمعتاد في الحياة، لذا كلنا عايشنا الانشطة الاجتماعية والثقافية والفنية التي تأخذ طابعا ترفيهيا مفيدا، حيث تقدم الاعمال الفنية او الادبية او التاريخية، فيما تنشط العلاقات الاجتماعية، وتزداد المحافل ذات الطابع الديني ايضا.
وهكذا يتحول المجتمع برمته، لاسيما بعد الافطار وانتهاء حالات السكون والظمأ، الى خلية نحل منتجة في عموم المجالات، لذا يمكن للجميع لاسيما الشباب منهم أن يعبروا في هذا الشهر عن مواهبهم وطاقاتهم وقدراتهم الكامنة، فيما لو قامت الجهات المعنية بتوفير الفرص المناسبة لذلك، كأن يتم عقد ندوات ثقافية فكرية فضلا عن اقامة الورش العملية.
لذلك نحن نلمس لمس اليد ونرى برؤية العين، أن شهر رمضان تعد فرصة ثمينة لدعم الشباب وتقويم كل ما يتعلق بنشاطاتهم المختلفة، ولابد من السعي الدائم لتركيز القيم وترسيخها في سلوكهم وطباعهم وافكارهم، خاصة اننا كمجتمع عراقي نعاني من اختلال قيمي واضح في هذه المرحلة، فقد انتشرت ظاهرة الرشى، كما تنامت ظاهرة الاختلاس والتجاوز على المال العام، وحالات التزوير والاحتيال وغسيل الاموال والمضاربات والمتاجرة بما يسيء للطبقات المتدنية.
لهذا تعد هذه الظواهر الخطيرة اشارات واضحة على تخلخل منظومة القيم، فقد حدث تغيير واضح وملحوظ في هذه المنظومة العرفية والاخلاقية، حيث دخلت فيها مضامين، فكرية وسلوكية غريبة، على المجتمع العراقي، وقد أصبح الاختلاس والسرقة وتعاطي الرشوة، نوعا من الشطارة، لبناء حياة الفرد وانعكست هذه القيم على السلوك المجتمعي بصورة عامة.
معالجة الظواهر الخطيرة
كذلك برزت ظاهرة جمع المال بطرق لا مشروعة، أي يتوجه كثيرون لجمع المال بغض النظر عن شرعية او مصدرها، والمهم في الامر هو أن يحصل الفرد (وخاصة الشباب) على المال، في حين كانت مثل هذه القيم معيبة، ولا يمكن أن يقبلها العراقي على نفسه، وقد وصل الامر في احيان كثيرة الى اعتبار مثل هذه السلوكيات، نوعا من الانحراف وفقدان الشرف، وليس نوعا من الشطارة كما هو متعارف عليه الآن، لذا ينبغي مضاعفة الجهود في هذا المجال على صعيدين.
الأول: حفظ الشباب من خطر هذه الظواهر التي تتعلق بالحصول على المال بعض النظر عن مشروعية هذا الهدف، والثاني هو الحفاظ على القيم السليمة وحمايتها من الافكار والسلوكيات الدخيلة، لاسيما الوافدة من ثقافات لا تنسجم ولا تلتقي مع ثقافتنا، ولابد ان يكون الهدف الاول هو حماية الشباب من الانحراف وهذا يستدعي خلق الفرص المناسبة لهم، وشهر رمضان يضاعف السعي نحو هذا الهدف.
إذاً ينبغي منع تنامي مثل هذه الظواهر السلبية، كونها تمثل خللا خطيرا، في منظومة قيم الشباب خصوصا، والمجتمع عموما، ومطلوب من الافراد والمنظمات والنخب، ورؤساء العشائر، ورجال الدين، وكل من يهمه الامر ملاحظة هذا التغيير الفادح، في منظومة القيم الاجتماعية والاخلاقية، وخطورة التساهل الخطير مع السلوكيات المنحرفة، واعتبارها نوعا من الشطارة، والحق ان قلة فرص الشباب تسهم في مضاعفة هذا الخطر الداهم.
لذلك مطلوب من لدن المعنيين، استثمار فرصة شهر رمضان لإعادة التوازن لمنظومة القيم وترسيخها لدى الشباب كونهم، الفئة الاكثر في المجتمع، على ان يتصدر الجهد الحكومي جميع الجهود المعنية بالشباب، واستثمار هذا الشهر ثقافيا وادبيا ودينيا وفنيا، لتربية الشباب والمجتمع عموما.
وأخيرا ليس امامنا سوى الاهتمام بالسليم المناسب من الافكار، فضلا عن منظومتيّ القيم والسلوك، وصيانتها وتنميتها لدى شريحة الشباب وعموم المجتمع، ولابد أن نفهم أن العلاج الناجع للقضاء على الانحراف الشبابي، هو خلق الفرص التي تناسب قدراتهم، وتمنع تأثير الفراغ عليهم، ولعلنا لا نخطئ عندما نقول، أن شهر رمضان يمكن ان يكون نقطة انطلاق سنوية متكررة، لتحقيق هذا الهدف الذي لا تنحصر فائدته بشريحة الشباب فقط، وانما تعود على الدولة والمجتمع عموما.
اضف تعليق