{وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}.
إنّها اسوأ تربية نشبُّ عليها منذ الطفولة؛
نذنبُ ثم نرمِ به غيرنا، هرباً من المسؤولية.
اذا فشلنا في المدرسة، برّرنا تقاعسنا بالقول؛ المعلّم عداوة معنا! واذا شاكسنا في المحلّة رمينا فعلتنا على ذمة ابن الجيران، وهكذا، ولِمَ لا ووراءنا من يشجّعنا على ذلك ويحرّض على فعل التبرير [أَب، أُم، الاخ الأكبر، الخالة، العم، وغيرهم كثير]!.
ثمَّ نشبّ ونكبر وتكبر معنا هذه العادة السيئة، حتى اذا تبوأ أحدنا موقعاً ما في الدولة وجدها افضل طريقة للهرب من المسؤولية، اذا بشغلهِ الشاغل البحث عن التبريرات، وعمّن يرم عليه فشله!.
ولذلك، فليس غريباً في العراق ان يمرّ بكلّ هذه المصائب وتمرّ على شعبه كلّ هذه العلل ولا احد يتحمّل المسؤولية! ولا احد يشقّ الصف ليواجه الحقيقة ويقول لنا؛ انا المسؤول!.
ثلث العراق يبتلعهُ الارهاب والى الان لم نعرف من هو المسؤول!.
١٧٠٠ شاب بعمر الورود يذبحهم الارهابيون في سبايكر وللآن لم نعرف من هو المسؤول!.
البلاد تتعرض الى عملية (شفط) عظيمة لميزانيّتها لدرجة انّها تقف اليوم على حافة الهاوية، ولم يظهر في الأفق حتى اسم واحد كمسؤول عن ذلك!.
آلاف مؤلفة من الأرواح تُزهق وانهار من الدماء تراق من نحور الأبرياء في عمليات التفجير، ولم نعرف الى الان المسؤول عن كل ذلك!.
كل العالم يقول ان اجهزة (الكشف عن المتفجّرات) خدعة كبرى، لا تُستعمل لهذا الغرض الا في العراق (العظيم) ولا يزال، ولكنّنا الى الان لم نعرف من هو المتورّط بذلك!.
كلُّ صفقات التسليح كانت خدعة أنفق عليها العراق مليارات الدولارات بلا ثمن او نتيجة، ولم نعرف للان من هو المسؤول!.
في العراق كلّهم مسؤولون، بمعنى عندهم مواقع ومناصب، بل يتعاركون عليها، ولكن لا يوجد حتى مسؤولٌ واحدٌ عن كل الذي يحصل!.
كلّهم مسؤولو راتب، وايُّ راتب! ولكن؛ لا احد منهم مسؤول موضوع ابداً!
شيءٌ عجيبٌ! لا يوجد مثل هذه الحالة في كلّ العالم، لأننا تعلّمنا ان نذنب ثم نرم به بريئاً!.
ففي بلدان العالم التي يحترم فيها المسؤول نفسه وشعبه، يبادر لتحمّل المسؤولية عن اي فشل، من تلقاء نفسه، من دون ان ينتظر توجيه التهمة او يُشغل الدولة ومؤسساتها للبحث عن سبب الفشل!
تُرى؛ مَن الذي يعلّمنا هذه الثقافة؟ ولماذا؟ وكيف؟.
طبعاً؛ ليس بالضّرورة ان يكون الأبوان متعمّدَيْن تعليمنا هذه العادة السيّئة، فقد يكون الباعث هو الحُبّ الزائد عن اللّازم حدّ الدّلال، فتراهما يجنّبا الولد اي موقفٍ مُحرج قد يمرّ به او يقع فيه لأيّ سببٍ من الأسباب، فيلجئان الى رمي ذنبه على آخر أيّاً كان هذا الآخر، فقد يكون الاب نفسه او الام، المهم ان لا يقع الولد في الاحراج!.
وصدق من قال [ومنَ الحُبّ ما قتل] فمثل هذا الحُبّ يقتل روح المسؤولية في نفس الطفل، فيكبر وهو يفقد هذه الروح، بل هي ميَتة عنده!.
هذه الحالة السيئة تجرّ الى حالة اخرى الا وهي الكذب، فعندما يتعلّم الولد رمي ذنوبه على آخر، وهو يعرف جيداً انه ذنبه وليس ذنب غيره، عندها سيضطرّ الى ان يكذب لينجو من العقاب، وتزداد جرأته على ذلك عندما يرى من يشجّعهُ ويحرّضهُ ويقف خلفهُ وبجانبه، يعلّمه كيف يكذب، وقد يصوغ له العبارة ويُفبرك له القصّة!.
والكذب سيجرّه الى ان يفقد ثقته بالآخرين، لانّه يعرف بقرارة نفسه انه يكذب وان من يبرّر له ذنبه، الاب او الام، يكذِب هو الاخر، وهكذا، يكبر الولد وقد تشكلّت شخصيّته بصورة مضطربة ومتقلّبة بين التهمة والكذب وانعدام الثقة، فماذا تتصوّر انّه سيكون اذا ما كبر وتسنّم موقعاً ما في الدولة؟!.
انّ ما نراه اليوم من السياسيّين من صفات سيّئة، وعلى رأسها التهرّب من المسؤولية من خلال رمي أخطائهم وفشلهم على الاخرين، ابرياء كانوا ام ليسوا ابرياء، والكذب والدّجل والتضليل وانعدام الثقة والشخصيّة المهزوزة التي تتناقض حتّى مع نفسها، انّ كلّ ذلك لم يكن وليد اليوم او الامس، انّما هو نتاج تربية خطأ تراكمت منذُ الطّفولة لتتقولب بها شخصيّته وهو وزير او نائب او مسؤول، او حتى زعيم حزب او كتلة!.
ولا ننسى ما لبطانة السّوء من أنصاف المستشارين من الجهلة والأمييّن والوصوليّين والأبواق والمنتفعين، من دورٍ في تكريس ظاهرة التهرّب من المسؤولية وبشكل مُقرف.
فعندما تنشغل بطانة السّوء بالدفاع عن وليّ نعمتها، القائد الضرورة، تبرّر له ولا تسمح لاحدٍ بمسّه ولو بحرف، ليس لسواد عيونه وانما لحماية مصالحها عندما تربط مصيرها بمصيرهِ، عندها تراها ترمي بأخطائه وذنوبه وفشلهِ على ايّ أحدٍ، خاصة من منافسيه لتضرب عصفورين بحجرٍ واحدٍ، العصفور الاول؛ عندما تبرّئ ساحة القائد الضرورة على الرّغم من كلّ أخطائه وجرائمه بحقّ البلاد والعباد، والعصفور الثاني عندما تورّط بريئاً بتهمة لتزيحهُ عن طريق صاحبها، خاصة إذا كان من المنافسين المزاحمين! وهذا ما جرى العمل به في السّنين الاخيرة عندما ظلّ الرأي العام العراقي يسمع عن ملفّات يحتفظ بها (كبيرهم) من دون ان يطّلع على ايّ واحدٍ منها، ليتبيّن، فيما بعد، للقاصي والدّاني انّ جُلّها ملفّات كيديّة الغرض منها التهديد والابتزاز، مادياً ومعنوياً، من خلال استدراج الضحيّة لمواقف لا يرغب فيها او آراء لا يعتقد بها.
ولذلك لاحظنا زيادة عدد الابواق في السّنوات الأربعة الاخيرة قبل التغيير الذي حصل، ليتبيّن لنا ان لكلّ بوقٍ ملفّات كيديّة عدة كانت تهدّدهُ بها بطانة السوء كلما حاول التهرّب مثلاً او التمنّع، طبعاً هذا لا يعني انّنا، هنا، نبرّر للبوق عويله دفاعاً عن الخطأ وتبريراً للفشل، ابداً، فالبوق، كغيرهِ من بطانة السّوء، يتحمّل المسؤولية كاملة، انّما المقصود هنا هو توصيف الحالة فقط لا غير، والا فلو جاز للبوقِ ان يبرّر فعلته الشنيعة لهذه العلة فلجاز لبطانة السّوء ذلك كذلك، بل لجاز لكلّ فاشلٍ ان يدافع عن نفسه لذات العلة، وهذا ما لا يجوز ابداً!.
انّ المرجو هو ان تتعلم البطانة من مصير من سبقها، فلا تدافع عن خطأٍ ولا تتّهم الاخرين بفشل ولي نعمتها، وصدق الله العليُّ العظيم الذي قال في محكم كتابه الكريم {هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا}.
امّا المسؤول الذي يرضى لنفسه اتهام البريء للهرب من المسؤولية، فان عليه ان ينتبه الى نفسه ليغيّر من منهجيّته التي ترقى الى مستوى الجريمة والاثم، فمثل هذه المنهجيّة لا يمكن ان تدوم الى ما لا نهاية ابداً، فلابدّ ان يكشفها الراي العام يوماً ما فيُفتضح.
ولو قلنا جدلاً انّها ستستمر في الحياة الدنيا وينجح المسؤول الآثم بالتّخفي من الناس بهذه الطريقة المنحرفة، أَفَهَلْ ستختفي على الله يوم القيامة؟ ويوم يقوم الأشهاد؟ او ليس من الاولى به ان يفكّر بطريقةٍ يستخفي فيها من رب العباد بتحمل المسؤولية كاملة وعدم التهرّب منها وإراحة ضميره وكسب قلوب الناس، من ان يفكّر بمثل هذه الطّرق الخبيثة وبمساعدة بطانة السوء؟! والله تعالى يقول {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}؟.
اضف تعليق